السؤال :
كيف نفهم هذه الرواية فهماً صحيحاً : ( كلُّ راية تخرج قبل قيام الإمام المهدي ( عليه السلام ) فهي راية ضلال ) ؟ ( 1) .
الجواب :
هذه الرواية هي ضمن مجموعة روايات عديدة ، ومفادها في قراءتي الخاصَّة ، لا يعني الدعوة إلى الخمول والجمود ، أو عدم مُحاولة تغيير المُنكر الاجتماعي أو السياسي .. وغيره ، إنَّما مصبُّ هذه الرواية ومثيلها مِن الروايات ، أمران :
الأمر الأوَّل : أيُّ قيادة في الطائفة الشيعيَّة ، تُريد أنْ تقوم بهيكل سياسيٍّ أو شرعيٍّ ، لا يُمكن أنْ تتسنَّم كلَّ صلاحيَّات الإمام المعصوم ، نعم تقوم بإقامة الحكومة ، كما ذكر ذلك الفُقهاء الأقدمون ، وإدارة المُجتمع الشيعي والطائفة والدولة الشيعيَّة ، أو الدولة الإسلاميَّة ، لكنَّ صلاحيَّتها في الدولة ليست كصلاحيَّات الإمام المعصوم ، في التشريع وفي التنفيذ وفي القضاء .. وبعبارة أُخرى كالصلاحيَّات المفتوحة للمعصوم . المعصوم هو مصدر الشرعيَّة ، وليس ذلك للفُقهاء، إنَّما هم حُفَّاظ على ما هو فوقهم مِن تراث أهل البيت ، هذا أمرٌ تُريد أنْ تُثيره الروايات ؛ كي لا يُختطَّ في الحركات التغييريَّة الشيعيَّة أنْ تخرج عن نهج الأئمَّة الاثني عشر ، فتُصبح زيديَّة أو تُصبح إسماعيليَّة أو ما شابه ذلك ، هذا مطمح ترومه وتُشير إليه الروايات .
لذلك يفهمنا أبناء المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى بشكل خاطئ ، فيظنُّون أنَّ الفُقهاء عندما شيَّدوا نظام الجمهوريَّة الإسلاميَّة ، قد تخلُّوا عن شرطيَّة العصمة ، هذا خطأ في قراءة مسار الشيعة ، فالإمامة والعصمة لا يُمكن رفع اليد عنها ، نعم نقول : إنَّ النظام البشري لا يُمكن أنْ يقوده إلاَّ معصوم ، فالذي يُدير البشريَّة بشكل خفيٍّ الآن هو المهدي ( عجَّل الله فرجه ) مع شبكته الخفيَّة ، لا مع مجموعات الدجل والاحتيال ، التي تدَّعي السفارة ، مهزلة استعماريَّة إنكليزيَّة معروفة ، كلامنا في ما هو واقع الأبدال والأوتاد والنُّقباء وعِبْرهم هو ( سلام الله عليه ) يُدير البشريَّة والنظام البشري .
وهناك مِن الآيات القرآنيَّة الصريحة في ذلك ، أنَّ وظيفة المعصوم ، كعلي بن أبي طالب ، والذي يُقال : بقعوده خمساً وعشرين سنة في البيت ، هي مقولة خاطئة ! بلْ هو يُدير البشريَّة . إبراهيم لم يتسلَّم في العلن سلطة رسميَّة ، لكنَّه في الخفاء ، بيده أزمَّة إدارة أنظمة البشريَّة ـ بشكل سريٍّ ـ ، كما هو موجود الآن ، كما أنَّ القوى التي تُدير البشريَّة حالياً قوى خفيَّة أكثر مِن كونها قوى علنيَّة رسميَّة .
المقصود : إنَّنا في رؤيتنا الشيعيَّة لا نتخلَّى ـ أبداً ـ عن المعصوم الذي تُحفَظ به البشريَّة ، و ما الفُقهاء إلاَّ وكلاء ونوَّاب ورؤساء مُحافظات له ، والمحور الأصلي هو المعصوم . فقراءة المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى لمسار الشيعة ، مثلاً تجربة إيران كجمهوريَّة إسلاميَّة ، قراءتهم لها خاطئة ، فلا يعني تشييد النظام الإسلامي أنَّنا تخلَّينا عن العصمة ، بلْ على العكس ، إنَّا نحن في ظِلِّ العصمة . هذه نكتة مُهمَّة ؛ ولذلك ـ ولله الحمد ـ شيعة إيران تحت ظِلِّ الفقهاء ، لم يُصبحوا فرقة شيعيَّة جديدة ، مثل الزيديَّة أو الوافقة وغيرهم ؛ لأنَّهم يلتفتون إلى معنى قيادة الفقهاء تحت ظلِّ العصمة ، ومِن ثمَّ يستمرُّون على النهج الاثني عشري .
الأمر الثاني : نُكتة أُخرى إعجازيَّة ، تُشير لها هذه الروايات ـ وتختلف قراءتي لهذه الروايات عن قراءة جماعات عديدة مِن الفقهاء ـ ، قراءة أُخرى ألمسها في هذه الروايات تُريد أنْ تُشيد بنُكتة مُعيَّنة وهو ضمان التسديد والنجاح في الأُسلوب التوعوي و الإرشادي التثقيفي العملي والتربوي الإصلاحي ، وأنَّكم في التأثير على المَدِّ الاجتماعي والتغيير الاجتماعي ، ليس مِن الضروري أنْ تكشفوا أوراقكم على العَلن . فمِن باب المثال ـ الذي يضرب مِن جِهة ولا يُقاس به مِن كلِّ جِهة ـ الصهيونيَّة هدَّ الله أركانها ليست قوَّتها على البشريَّة الآن في إسرائيل ، مع أنَّ صندوق النقد الدولي بيدها ، والمصرف الدولي بيدها ، والشركات النفطيَّة العملاقة بيدها ، وشركات الأسلحة بيدها ، وشركات وكالات الإعلام الضخمة التي تُهيمن على كلِّ الفضائيَّات بيدها ، فأيُّ قطَّاع عامٍّ بشريٍّ رأسماليٍّ مُسيطر هو بيدها ، وهم لم يصلوا إليها أبداً عِبر دولة رسميَّة ، إنَّما عِبر العمل تحت السطح .
هذه الروايات تُريد أنْ تُشير إلى هذا المطلب : أنَّ العمل ـ وليس الجمود و الخمول ـ إنَّما العمل تحت السطح يضمن الأمان في نجاح العمل ، نعم قد تأتي ظروف استثنائيَّة شبيهة بنهج الحسين ( عليه السلام ) ، ولابُدَّ حينها أنْ يكون العمل فوق السطح ، مِثل انتصار الثورة الإسلاميَّة في إيران ، لكنْ كبرنامج عامٍّ ، العمل تحت السطح مضمون السلامة ومضمون النجاح ؛ لأنَّ الخفاء يفقد العدو الاستهداف أو العلم بالخفايا والنوايا وأهداف البرامج . وهذه قراءة أُخرى أيضاً لهذه الروايات .
ـــــــــــــ
1 ـ الكافي ج 8 ص 295 ، الوسائل ج 15 ص 52، غيبة النعماني ص 111، البحار ج52 ص142.
راية ضلال :
- الزيارات: 1550