السؤال :
ما هو رأيكم في ذكر السياسة في العزاء ؟
لجواب :
ذكر السياسة في العزاء هو على نمطين : فنمط ضروريٌّ واجب ، ونمط غير مُستحسن .
ربَّما يُنادي الكثيرون بفصل السياسة عن الشعائر الحسينيَّة ، بهدف التركيز وتمركز العزاء حول سيِّد الشهداء في نيَّاتهم وقصدهم ، لكنَّهم مِن جانب قد يُقْصون الحسين ـ مِن حيث لا يلتفتون ـ إلى جِهة مُعيَّنة ، وكذلك الذين يُريدون أنْ يُركِّزوا على الجانب السياسي في العزاء يهدفون إلى مُعايشة مدرسة أهل البيت في الوضع الراهن ، لكنَّهم ـ أيضاً ـ يُقْصون سيَّد الشهداء مِن جانب قد لا يلتفتون إليه .
إذاً ، هناك جنبة إيجابيَّة عند الجانبين ، ويجب أنْ تُصلح الجنبة السلبيَّة عند الطرفين ، فإنِّي إذا أردت أنْ أُركِّز على أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لا يصحُّ أنْ أُقصي أهل البيت عن الاقتداء بهم في وضعي الراهن ، ولا أكون بذلك قد أحييت ذكر أهل البيت ، إنَّما في الواقع ، أقصيتهم مِن حيث لا أشعر ؛ لأنَّني هكذا أجعل أهل البيت بمعزل عن الوضع الراهن والوضع السائد ، بكوني لا أقتبس مِن أهل البيت ( عليهم السلام ) شيئاً ، فأعزلهم وأُخمد ذكرهم ـ والعياذ بالله ـ .
كذلك لو أتيت بالوضع الراهن دون التركيز على قبسات مِن أهل البيت ، بمُجرَّد الحديث على الوضع الراهن وانتقادي له ، والأفكار المطروحة ضمن ما يُردَّد في العزاء ، أو حتَّى في خطابة الخطيب الحسيني ، فأكون هنا ـ أيضاً ـ قد أقصيت وعزلت أهل البيت ( عليهم السلام ) عن الوضع الراهن . الحلُّ الأمثل هو أنْ أستعرض الوضع الراهن ، وآتي بحلوله مِن مواقف سيِّد الشهداء ، كالمَرهم والدواء للداء الموجود في الوضع الحالي .
أذكر بعض الشعراء في القديم مِمَّن لديهم ثقافة وذكاء لطيف ، فيأتي بالمُشكلة التي يعيشها المؤمنون في هذا البلد ، ثمَّ يأتي بموقف لسيِّد الشهداء أو للعقيلة أو لأبي الفضل العباس ، ويضرب في الصميم ـ كما يُقال ـ ، وهذا ذكاء ووعي أدبيٌّ ، بحيث نقتدي بأهل البيت ، ونقتبس مِن أهل البيت حلولاً لمشاكلنا الراهنة ، مِن دون أنْ نجعل نماذج لغير أهل البيت ، نماذج للوضع الراهن ، فنُركِّز ونجعل المحور وقطب الرحى هُمْ أهل البيت ، ونتعايش معهم في معيشتنا ، ونحيا بحياتهم في حياتنا الراهنة ، فإنَّنا إذا حيينا في حياتنا الراهنة ولم نحيَ بلون حياة أهل البيت ، نكون قد عزلنا أهل البيت ، وإنْ حاولنا أنْ نحيا حياة أهل البيت في شكلها المأثور فقط ، مِن دون أنْ نسحبها إلى تبيان رؤى مِن مواقفهم ومِن كلماتهم للوضع الراهن ، فأرى مِن كلا الجانبين إفراطاً وتفريطاً .
إذا أردنا أنْ نأتمَّ بأهل البيت ( عليهم السلام ) يجب علينا أنْ نعيش معهم في عيشتنا الراهنة ، لا أنْ نعزل الوضع الراهن عن أهل البيت ، و لا نعزل أهل البيت عن الوضع الراهن ، ولا أنْ نجعل أمثولة الحلول للوضع الراهن ، أمثلة لغير أهل البيت ( عليهم السلام ) .
يحتاج هذا بالطبع إلى براعة أدبيَّة ، وعلم ثقافي عند الخطيب أو الشاعر ، بحيث يقتبس مِن مواقف أهل البيت وكلمات أهل البيت حلولاً في الصميم ، وبالتعبير الدارج ( نغزة ) أو ( كناية ) كنماذج لاستلال حلول لمواقف ومُشكلات الوضع الراهن مِن أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ذكر السياسة في اللطم :
- الزيارات: 1590