• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث إشكالات على مرجعية الصحابة

بين يدي البحث

إن أهل السنة سواء الأشاعرة منهم أو السلفية: جعلوا الصحابة هم الواسطة التي تربطهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام. فالصحابة كل الصحابة هم نقلة الدين لمن بعدهم. ولكن من يقف متأملا في ذلك يجد إشكالات عدة في مرجعية الصحابة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه هي الأدلة...

الصحابة يقلون السؤال

روى مسلم عن أنس، قال: " نهينا أن نسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله - أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - ونحن نسمع... " (1).
وروى أحمد في مسنده عن أبي أمامة قال: " لما نزلت: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم) كنا قد اتقينا أن نسأله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتينا أعرابيا فرشوناه بردا وقلنا: سل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)... ".
ولأبي يعلى عن البراء: إن كنت لتأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الشئ، فأتهيب. وإن كنا لنتمنى الأعراب، أي قدومهم، ليسألوا، فنسمع أجوبة سؤالات الأعراب فنستفيدها ".
وعن ابن عباس قال: " ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن... " (2).
" وهكذا نلاحظ اتجاها لدى الصحابة إلى العزوف عن السؤال إلا في حدود المشاكل المحددة الواقعة، وهذا الاتجاه هو الذي أدى إلى ضآلة النصوص التشريعية (3) التي نقلوها عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي أدى بعد ذلك إلى الاحتياج إلى مصادر أخرى غير الكتاب والسنة كالاستحسان والقياس... وهذا الاتجاه أبعد ما يكون عن عملية الإعداد الرسالي الخاص التي كانت تتطلب تثقيفا واسعا لذلك الجيل وتوعية له على حدود الشريعة للمشاكل التي سوف يواجهها عبر قادته " (4).
إن تهيب الصحابة من السؤال واعتمادهم على الأعراب لا يتلاءم مع طبيعة المهمة الملقاة على عاتقهم. فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لايمكن أن يعيش إلا لفترة محددة، فكان على الصحابة أن يبدأوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسؤال أو يبتدئهم النبي بالسؤال إذا فكر أن يجعلهم القيمين بعده على دعوته، ولكن لم يحدث هذا بالمستوى المطلوب.
فلقد بقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقى الإسلام من جبريل (عليه السلام) ثلاثا وعشرين سنة دون انقطاع، وهناك أكثر من مائة ألف صحابي رأوا النبي لفترة قصيرة، فكيف يصح أن يقال: إن هؤلاء الصحابة قيمون على الدعوة، بينما الغالب منهم قد عاش مع النبي لفترة قصيرة؟ فهل استوعبوا الإسلام الذي استمر نزوله ثلاثا وعشرين سنة في أيام؟!
لذلك كله نحن نؤكد على: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يهتم بأحد صحابته منذ بداية الدعوة، وأنه قد عبأه تعبئة فكرية وروحية كاملة، وهذا هو المفترض من نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم).
 " إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو كان قد قرر أن يجعل من الجيل الإسلامي الرائد الذي ضم المهاجرين والأنصار من صحابته قيما على الدعوة ومسؤولا عن مواصلة عملية التغيير.
فهذا يحتم على الرسول القائد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعبئ هذا الجيل تعبئة رسالية وفكرية واسعة يستطيع أن يمسك بالنظرية بعمق ويمارس التطبيق على ضوئها بوعي، ويضع للمشاكل التي تواجهها الدعوة باستمرار الحلول النابعة من الرسالة، خصوصا إذا لاحظنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان الذي بشر بسقوط كسرى وقيصر، يعلم بأن الدعوة مقبلة على فتوح عظيمة، وأن الأمة الإسلامية سوف تنضم إليها في غد قريب شعوب جديدة، ومساحة كبيرة، وتواجه مسؤولية توعية تلك الشعوب على الإسلام، وتحصين الأمة من أخطار هذا الانفتاح، وتطبيق أحكام الشريعة على الأرض المفتوحة وأهل الأرض، وبالرغم من أن الجيل الرائد من المسلمين كان أنظف الأجيال التي توارثت الدعوة وأكثرها استعدادا للتضحية، لا نجد فيه ملامح ذلك الإعداد الخاص للقيمومة على الدعوة، والتثقيف الواسع العميق على مفاهيمها، والأرقام التي تبرز هذا النفي كثيرة... " (5).

قلة الرواية ومنع كتابة السنة

وكان الصحابة يتشددون في الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقلونها وينهون عنها، حتى قاموا بحرق الأحاديث ومحوها من الصحف، الأمر الذي أدى إلى منع الاستفادة من هذه السنن، سواء من الصحابة أنفسهم أم من الأجيال التي بعدهم. كما أن الصحابة كانوا ينهون عن سؤال مالم يقع، وبذلك جعلوا دائرة الفقه مقتصرة على أحداث عصرهم.
عن ابن أبي مليكة: " إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه " (6).
وعن عائشة: " جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت: فغمني فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فدعى بنار فحرقها، فقلت:
لما أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدثني، فأكون قد نقلت ذاك " (7).
وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار من كان عنده شئ فليمحه (8).
وعن قرظة بن كعب قال: " خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى صرار - موضع قرب المدينة - فتوضأ ثم قال: إنكم أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشيت معنا، قال: إنكم تأتون أهل قرية لها دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تبدونهم بالأحاديث فيشغلونكم، جددوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله وامضوا وأنا شريككم، فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا، قال: نهانا ابن الخطاب " (9).
وروى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: " سألت القاسم يملي علي أحاديث، فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب، قال: فمنعني القاسم يؤمئذ أن أكتب حديثا " (10).
وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: " ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعقبة بن عامر، فقال ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا:
تنهانا؟ قال: لا، اقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ عنكم، ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات " (11).
وعن أبي سلمة عن أبي هريرة، قلت له: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال:
لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته.
وروى الذهبي في تذكرة الحفاظ أن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدراء وأبا مسعود الأنصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله... (12).
يقول ابن قتيبة: " وكان عمر شديدا على من أكثر الرواية... " (13).
وروى ابن سعد وابن عساكر عن محمود بن لبيد - واللفظ لابن سعد - قال:
" سمعت عثمان بن عفان على المنبر يقول: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر "... (14).
وفي المحدث الفاصل بسنده إلى السائب بن يزيد قال: " أرسلني عثمان إلى أبي هريرة، فقال: قل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لقد أكثرت لتنتهين أو لألحقنك بجبال دوس، واءت كعبا، فقل له: يقول لك أمير المؤمنين عثمان: ماهذا الحديث؟ قد ملأت الدنيا حديثا، لتنتهين أو لألقينك بجبال القردة " (15).
وعن عمرو بن ميمون قال: " اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة، فما سمعته فيها يحدث عن رسول الله، ولا يقول قال رسول الله، إلا أنه حدث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله، فعلاه الكرب حتى رأيت العرق ينحدر عن جبينه، ثم قال:
إن شاء الله إما فوق ذاك أو قريب من ذاك، وإما دون ذاك " (16).
وعن السائب بن يزيد قال: " صحبت سعد بن أبي وقاص سنة، فما سمعته يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا حديثا واحدا " (17).
وقال معاوية: " اتقوا الروايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ما كان يذكر فيها في زمن عمر، فإن عمر كان يخوف الناس في الله تعالى ".
وقال الشعبي: " جالست ابن عمر سنة، فما سمعته يحدث عن رسول الله " (18).
 وروي عن أبي بردة أنه كان يكتب حديث أبيه فرآه أبو موسى فمحاه.
وعنه قال: كتبت عن أبي كتبا كثيرة، فقال: ائتني بكتبك فأتيته بها فغسلها (19).
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ".
وقال ابن أبي ليلى: " لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ولا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا " (20).
قال ابن قتيبة: " وكان كثير من الصحابة وأهل الخاصة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل... " (21).
وقال ابن القيم: " إن الصحابة كانوا يهابون الرواية عن رسول الله ويعظمونها ويقللونها - خوف الزيادة والنقص - ويحدثون بالشئ الذي سمعوه من النبي مرارا ولا يصرحون بالسماع ولا يقولون: قال رسول الله " (22).
وقال الحافظ ابن حجر: " قال ابن بطال وغيره: كان كثير من الصحابة لا يحدثون عن رسول الله خشية المزيد والنقصان " (23).
 وورد أن عمر قال على المنبر: " أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن، فإن الله قد بين ما هو كائن " وقال: " لا يحل لأحد أن يسأل عما لم يكن، إن الله تبارك وتعالى قضى فيما هو كائن، وقال: أحرج عليكم أن لا تسألوا عما لم يكن، فإن لنا فيه شغلا " (24).
وجاء رجل يوما إلى ابن عمر فسأله عن شئ، لا أدري ما هو، فقال له ابن عمر:
" لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من يسأل عما لم يكن " (25).
واستفتى رجل أبي بن كعب فقال: " يا أبا المنذر ما تقول في كذا وكذا؟ قال:
يا بني: أكان الذي سألتني عنه، قال: لا، قال: أما لا، فأحلني حتى يكون فنعالج أنفسنا حتى نخبرك " (26).

تعليق

لقد ثبت أن الصحابة كانوا ينهون عن الرواية، ويقلونها، وقاموا بحرق السنن ومحوا الصحف، وحبس عمر بعض الصحابة ليمنعهم من الحديث، وكان الصحابة ينهون عن سؤال ما لم يقع.
" فهل ترى بربك ان ذلك الاتجاه الساذج - إن كانت المسألة مسألة سذاجة - الذي ينفر من السؤال عن واقعة قبل حدوثها ويرفض تسجيل سنن النبي بعد صدورها، كفوءا لزعامة الرسالة الجديدة وقيادتها في أهم وأصعب مراحل مسيرتها الطويلة... وقد أثبتت الأحداث بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن جيل المهاجرين والأنصار لم يكن يملك اي تعليمات محددة عن كثير من المشاكل الكبيرة التي كانت من المفروض ان تواجهها الدعوة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أن مساحة هائلة من الأرض التي امتد إليها الفتح الإسلامي لم يكن لدى الخليفة والوسط الذي يسنده أي تصور محدد عن حكمها الشرعي وعما إذا كانت تقسم بين المقاتلين أم تجعل وقفا على المسلمين عموما.
فهل يمكننا أن نتصور ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد للمسلمين انهم سوف يفتحون أرض كسرى وقيصر ويجعل من جيل المهاجرين والأنصار القيم على الدعوة والمسؤول عن هذا الفتح ثم لا يخبره بالحكم الشرعي الذي يجب أن يطبق على تلك المساحة الهائلة من الدنيا التي سوف يمتد إليها الإسلام " (27).
إن التقليل من الرواية ومنعها وحرق السنن ومحوها ليس من صفات الدعاة إلى الله. فالمفترض بالصحابة إذا كان قد انتدبهم الله لبيان دينه: أن يقوموا بأعباء هذه المهمة خير قيام، خاصة وإن أمامهم عملا شاقا وطويلا. لكننا وجدنا الصحابة قد عملوا ما يؤثر سلبا على الدعوة. إن الله يريد لدينه أن ينتشر في كل مكان، فما معنى امتناع الصحابة عن الرواية إذا كان الله قد اختارهم لتبليغ دينه؟!
هذا قرظة بن كعب لما قدم العراق قالوا له: حدثنا، فقال: " نهانا عمر ". عجبا كيف سيعرف هؤلاء دينهم وسنة نبيهم، وحملة الدين لا يتكلمون؟! إن الداعية يفرح إذا وجد من يصغي له. فلماذا يمتنع هذا الصحابي وغيره عن الدعوة؟ وأين ذهب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ليبلغ الشاهد الغائب "؟ (28).
وقوله: " نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني، فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " (29).
إن الإسلام لا يقبل بمنع الرواية وتقليلها، بل يشجع على نشرها بكل الطرق حتى تنتشر السنة التي تبين القرآن وتفصل مجمله وتخصص عامه وتقيد مطلقه. قال تعالى:
(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (30) وقال تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (31) فالسنة هي المصدر الثاني بعد القرآن يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معي).
فلماذا امتنع الصحابة عن الرواية واقلوها وأحرقوا السنن وهم حملة الدعوة إلى الناس؟!
إن الله يخاطب نبيه: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) فمهمة الرسول البيان.
وإذا كان الصحابة خلفاءه في حمل الدعوة فمهمتهم أيضا البيان.
أما أن يقلوا الرواية وينهوا عنها ويحرقوا السنن ويحبسوا... فهذا لم يحصل في تاريخ الدعاة إلى الله!
إن الله لم يبعث أنبياءه (عليهم السلام) دعاة يحتكرون رسالات ربهم ويكتمون ما أمرهم الله بتبليغه ويحرقون السنن ويمحونها.
هذا نوح (عليه السلام) على الرغم من محدودية رسالته مكانا وزمانا ومع بقائه تسعمائة وخمسين سنة في قومه لم يتوان عن الدعوة في أي لحظة، ولم يحرق ويمح ما أمره الله بتبليغه، بل كان يدعو الناس ليلا ونهارا سرا وإعلانا، قال تعالى على لسانه:
(إني دعوت قومي ليلا ونهارا) (32)، (ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) (33).
 وهذا يوسف (عليه السلام) لم يترك الدعوة وهو في السجن، قال تعالى على لسانه:
(يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) (34) من ذلك يتضح لنا أن الله لم يرض بتقليل العمل الرسالي في الرسالات المحددة مكانا وزمانا، فكيف يصطفي لآخر رسالاته وأخطرها، والتي ينتظرها عمل كثير، دعاة يمنعون الرواية ويحرقونها ويمحونها؟
لقد مر علينا قول ابن أبي ليلى: " أدركت في هذا المسجد مائة وعشرين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ".
فلماذا لا يجيب هؤلاء الصحابة عن المسائل التي يسألونها؟ فإذا كانوا يجهلون فلا يصلحون لتبيين الإسلام، وإذا كانوا يعرفون فلم يردون المسائل؟ أهو الورع الذي يمنعهم؟ فهل هم أورع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لم يرد سائلا في حياته؟ (35) لا أعتقد أن مسلما يقبل بهذا!
أما التعليلات التي تذكر لتبرير موقف الصحابة هذا، فهي مرفوضة.
قيل: إن الصحابة منعوا تداول السنة كيلا تختلط بالقرآن، ومعنى هذا القول: إن الله قد أنزل كتابه المعجز لقوم لا يميزون بين كلام الخالق وكلام المخلوق!! وبهذا يتبين ضعف هذا التعليل الذي نسمعه دائما!
وقيل: إن الصحابة منعوا الرواية كي ينشغل الناس بالقرآن، ولا يتكلون على الصحف.
 ولا أدري كيف سينشغل الناس بالقرآن ويفهمونه دون سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
وبناء على هذا القول يجب ألا تدون السنة مطلقا وأن لا تنشر كي لا يتكل الناس عليها!!
إن السنة موجودة الآن في كتب السنن، ولا نرى المسلمين منشغلين بها دون القرآن.
إذن فما محل هذه التعليلات من الصحة؟!
ولذلك فلابد من التأكيد على أن سيرة الصحابة في تعاملهم مع السنة من حرق ومحو ومنع انتشارها لدليل واضح على أن الله لم يختر الصحابة لبيان دينه...

قلة تلقي الصحابة عن النبي وانشغالهم

أنكر عمر بن الخطاب على أبي قراءته وقال بأنه لم يسمع بها من قبل، فقال له أبي:
" إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق " (36).
وحين شهد أبو سعيد الخدري لأبي موسى الأشعري في قضية الاستئذان قال:
" قد كنا نؤمر بهذا. فقال عمر: خفي علي هذا من أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألهاني الصفق بالأسواق " (37).
وقال البراء بن عازب: " ما كل الحديث سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كانت ضيعة وأشغال، ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ، فيحدث الشاهد الغائب ".
وورد عنه قوله: " ما كل الحديث سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يحدثنا أصحابنا عنه، كانت تشغلنا رعية الإبل " (38).
 وقال طلحة بن عبيد الله: "... إنا كنا قوما أغنياء، لنا بيوتات وأهلون، وكنا نأتي رسول الله طرفي النهار ثم نرجع " (39).
قال ابن حزم في بيان حال الصحابة بأنهم كانوا " مشاغيل في المعاش، وتعذر القوت عليهم بجهد العيش بالحجاز، وأنه كان يفتي بالفتيا ويحكم بالحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط، وانه إنما قامت الحجة على سائر من لم يحضره بنقل من حضره وهم واحد أو اثنان ".
" وإذا صح هذا - أي كلام ابن حزم - وهو صحيح جدا لأن التاريخ لم يحدثنا عنه انه - أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - كان يجمع الصحابة جميعا، ويبلغهم بكل ما يجد من أحكام، ولو تصورناه في أقواله فلا نتصوره في أفعاله وتقريراته وهي من السنة. فماذا يصنع من يريد التمسك بسنته - ولنفترضه من غير الصحابة - أيظل يبحث عن جميع الصحابة وفيهم الولاة والحكام وفيهم القواد والجنود في الثغور ليسألهم عن طبيعة ما يريد التعرف عليه من أحكام؟ أم يكتفي بالرجوع إلى الموجودين، وهو لا يجزيه لاحتمال صدور الناسخ أو المقيد أو المخصص أمام واحد أو اثنين ممن لم يكونوا بالمدينة، والحجة - كما يقول ابن حزم - لا تقوم إلا بهم، والعمل بالعام أو المطلق لا يجوز قبل الفحص عن مخصصه مادمنا نعلم من طريقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التبليغ هو الاعتماد على القرائن المنفصلة، فالإرجاع إلى شئ مشتت وغير مدون تعجيز للأمة وتضييع للكثير من أحكامها الواقعية.
وإذا كانت هذه المشكلة قائمة بالنسبة إلى من أدرك الصحابة وهم القلة نسبيا، فما رأيكم بالمشكلة بعد تكثر الفتوح وانتشار الإسلام ومحاولة التعرف على احكامه من قبل غير الصحابة من رواتهم، وبخاصة بعد انتشار الكذب والوضع في الحديث... " (40).
 لقد مرت شهادات الصحابة بأنهم كانوا مشغولين بأعمالهم، وكانوا يأتون النبي طرفي النهار حسب قول طلحة.
ونحن نعلم إن الإسلام هو خاتم الرسالات وللعالم أجمع. لذلك لا بد من القول: إن هناك شخصا ممن رافق الدعوة خطوة خطوة واستوعب الإسلام استيعابا كاملا بحيث يجسده في قوله وسلوكه وهذا هو الواجب، أما الصحابة فقد خفي عليهم الكثير من الرسول، وكانوا يأتون طرفي النهار ولا يحضر إلا الواحد أو الاثنان على حد تعبير ابن حزم.
ولو فكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يعهد للصحابة القيادة الفكرية للامة لقام بتعبئتهم التعبئة الكاملة بالإسلام حتى ينقلوه للأجيال، وحتى لا يصطدموا بالمستجدات.
فقلة تلقي الصحابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تتدفعنا الى القول بأنه لم يفكر بأن يسند إليهم حمل الدعوة من بعده. وكيف يمكن لإنسان عاش مع النبي بضعة أشهر (41) أن يستوعب الإسلام الذي بقي ينزل ثلاثا وعشرين سنة؟! والذي يصعب تصديقه هو القول: إن النبي قد حمله أمانته العظمى!
إن "... أي افتراض يتجه إلى القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخطط لإسناد قيادة التجربة والقيمومة على الدعوة بعده مباشرة إلى جيل المهاجرين والأنصار يحتوي ضمنا على اتهام أكبر وأبصر قائد رسالي في تاريخ العمليات التغييرية بعدم القدرة على التمييز بين الوعي المطلوب على مستوى القاعدة الشعبية للدعوة، والوعي المطلوب على مستوى قيادة الدعوة وإمامتها الفكرية والسياسية " (42).

 الصحابة ينقلون آخر الحديث أحيانا!

قد يسمع الصحابي طرفا من حديث النبي، ولم يكن قد حضر أوله، فيظن أنه سمع حديثا تاما، فيحدث بما سمع، وهذه واحدة من أخطر علل الحديث.
حدث ابن الجوزي " أن الزبير بن العوام سمع صحابيا يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستمع إليه حتى قضى حديثه، فقال له: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ فقال الرجل: نعم، فقال الزبير: هذا وأشباهه مما يمنعانني أن أتحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قد لعمري سمعت هذا من رسول الله، وأنا يومئذ حاضر، ولكن رسول الله ابتدأ بهذا الحديث، فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حديثه يومئذ، فجئته أنت بعد انقضاء صدر الحديث وذكر الرجل الذي هو من أهل الكتاب فظننت انه من حديث رسول الله " (43).
هذا صحابي يروي حديثا على أنه من النبي مع أن النبي يحكيه عن رجل من أهل الكتاب.
إنه أمر طبيعي أن يأتي بعض الصحابة والرسول يتحدث فلا يسمعون منه أول حديثه.
لكن المصيبة الكبرى أن يتحدث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أهل الكتاب، فيأتي صحابي ويروي كلامهم على أنه تعبير عن الإسلام! فهل نصدق أن الله جعل كل واحد من الصحابة مرجعا لنا نأخذ عنه الدين، وهذا حالهم؟ وهل يقبل الله أن يصبح كلام أهل الكتاب جزءا من الإسلام؟! من قال هذا فهو أظلم اتهام لله بالتفريط في دينه، فالله لم يجعل الصحابة مراجع لنا لأنه يعلم أنهم قد يأخذون كلام النبي على غير حقيقته، كما حدث لهذا الصحابي السالف الذكر.
 وعن أبي حسان الأعرج: أن رجلين دخلا على عائشة (44) فقالا: إن أبا هريرة يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنما " الطيرة في المرأة والدابة والدار ".
فطارت شفقا ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم!! من حدث بهذا؟! إنما قال رسول الله: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار، ثم قرأت: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) (45) .
انظر أيها القارئ اللبيب إلى هذا الحديث. فأبوهريرة يرويه على أنه من كلام النبي مع أن النبي كان يتكلم على لسان أهل الجاهلية كما ورد. ويعد أبوهريرة راوية الإسلام، فإذا كان هذا حال راوية الإسلام بالنقل فكيف بباقي الرواة؟!
ألا يدفع فينا هذا الحديث الشك والريبة حول الأحاديث الموجودة؟ - ولنقل الأحاديث التي تفرد بها كل صحابي - من يدري؟ فلعل بعض الأحاديث التي نعتقد بها، هي من كلام الجاهلية أو أهل الكتاب. ولكن خفي ذلك على الراوي كما خفي على راوية الإسلام أبي هريرة!!
قد يقال: إن أبا هريرة سمع آخر الحديث " إن الطيرة... " وظنه من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرواه، لا أنه يتعمد الكذب.
قلنا: وما ذنبنا نحن حتى يصل إلينا الإسلام بشكل خاطئ؟
وروى الحاكم في " المستدرك " في كتاب العتق، بإسناده عن عروة بن الزبير، أنه قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة يقول: إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " لأن امتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من ان أعتق ولد الزنا " وأن رسول الله قال: " ولد الزنا شر الثلاثة، وأن: الميت يعذب ببكاء الحي ".
 فقالت عائشة: رحم الله أبا هريرة، أساء سمعا فأساء إصابة، أما قوله: " لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا "، إنها لما نزلت (فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة) (46). قيل: يا رسول الله، ما عندنا ما نعتق، إلا أن أحدنا له جارية سوداء، تخدمه وتسعى عليه. فلو أمرناهن - الجواري - فزنين، فجئن بالأولاد فأعتقناهم، فقال رسول الله: " لأن أمتع بسوط في سبيل الله، أحب إلي من أن آمر بالزنا، ثم اعتق الولد ".
وأما قوله: " ولد الزني شر الثلاثة " فلم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " ومن يعذرني من فلان؟ "، قيل: يا رسول الله مع ما به ولد زنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " هو شر الثلاثة " والله (47) يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)... " (48) .
هذا مثال آخر يبين لنا عدم أهلية الصحابة لنقل الإسلام لمن بعدهم. فقد أخفق أبو هريرة في نقل الحديث حتى أصلحت له عائشة خطأه. والذي ينبغي الوقوف عنده أن لأبي هريرة في كتب السنن 5374 حديثا، فمن يضمن لنا أن لا يكون أبو هريرة قد أخطأ في نقلها كما حصل له في هذا الحديث والذي قبله؟ نحن لا نقول: جميع أحاديثه بل لنقل الأحاديث التي تفرد بها. نعم، من يضمن لنا ذلك؟ وإذا لم نجد جوابا فكيف يمكن لنا أن نعتمد على أبي هريرة في نقل سنة النبي؟! إننا في حاجة لجواب يحل لنا هذه المعضلة التي تمس الإسلام أجمعه. وهل حقا أن الله اختار أبا هريرة لتبليغ سنة نبيه؟ أنا لا أتصور مسلما يقول بالإيجاب بعدما عرف إخفاق أبي هريرة في النقل. والذي يقول إن الله اختار أبا هريرة لهذه المهمة متهم لله بأنه فرط في دينه، إذ رضي أن تتغير تعاليم الإسلام بمعتقدات جاهلية...
 وقال بشر بن سعيد: " اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحدثنا عن كعب الأحبار، ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (49)!!

الصحابي يأخذ عن مخبر وينسب للنبي

ومن الإشكالات التي تظهر لنا في مرجعية الصحابة: إن هناك من الصحابة من كان يسمع الحديث من مخبر وينسبه للنبي، كأبي هريرة مثلا، يقول ابن قتيبة فيه:
" وكان مع هذا يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذا، وإنما سمعه من الثقة عنده فحكاه " (50).
أخرج البخاري: عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أن عائشة وام سلمة أخبرتاه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم (51). وقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث: أقسم بالله عليك لتقرعن أبا هريرة - لأنه كان يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم - ومروان يومئذ على المدينة. فقال أبو بكر فكره ذلك عبد الرحمن ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة وكانت لأبي هريرة هناك أرض فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكر لك أمرا ولولا مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك. فذكر قول عائشة وأم سلمة، فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس وهو أعلم (52).
وفي رواية معمر، عن ابن شهاب إن أبا هريرة لما ذكر له عبد الرحمن قول عائشة " تلون وجهه " (53).
هذه مشكلة كبيرة جدا في مرجعية الصحابة، وربما كان يأخذ الصحابي من أحد الصحابة المنافقين المتظاهرين بالتقوى الذين لا يعلمهم إلا الله (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (54) وهؤلاء المنافقون يسعون لتشويه صورة الإسلام. فلعل بعض الصحابة أخذوا عنهم ونسبوا الحديث للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي منه برئ. فكيف نحل هذه المعضلة؟!
وقد يأخذ الصحابي عن مخبر يهودي ممن دخلوا الإسلام ليكيدوا له ككعب الأحبار مثلا.
روى أحمد عن أبي هريرة: " إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذين عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا فيعودون... ".
قال ابن كثير: " لعل أبا هريرة تلقاه من كعب - الأحبار -، فإنه كان كثيرا ما يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه... " (55).
قال يزيد بن هارون: " سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس، أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ولا يميز هذا من هذا " (56).
قال رشيد رضا حين تكلم عن كعب الأحبار ووهب بن منبه: " وما يدرينا أن تلك الروايات المرفوعة أو الموقوفة ترجع إليهما، فإن الصحابة  لم يكونوا يذكرون ما يسمع بعضهم من بعض ومن التابعين على سبيل الرواية والنقل. بل يذكرونه من غير عزو غالبا، وكثير من التابعين كذلك، بل أكثر ما روي عن أبي هريرة من الأحاديث المرفوعة لم يسمعه منه (صلى الله عليه وآله وسلم) " (57).
وقال: " وأنا لا آمن أن يكون بعض أحاديث أبي هريرة المرفوعة الغريبة المتون - التي لم يصرح فيها بالسماع - مما رواه كعب الأحبار، فقد صرحوا أنه روى عنه " (58).
روى مسلم عن أبي هريرة: " أخذ رسول الله بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الأثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم (عليه السلام) بعد العصر يوم الجمعة في آخر الخلق من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل ".
وقد قدح أئمة الحديث في هذا الحديث. قال البخاري: " الصحيح انه موقوف على كعب الأحبار " (59) ومع أن هذا الحديث من كعب الأحبار إلا أن أبا هريرة ينسبه للنبي ويؤكد ذلك بقوله: " أخذ رسول الله بيدي "!!
وعن أبي هريرة، قال: " سمعت رسول الله يحكي عن موسى على المنبر قال: وقع في نفس موسى هل ينام الله (60)؟ فأرسل الله تعالى إليه ملكا فأرقه ثلاثا، وأعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحدى القارورتين عن الأخرى، حتى نام نومه فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان ".
قال ابن كثير: " والظاهر أن هذا الحديث ليس بمرفوع، بل من الإسرائيليات المنكرة، فإن موسى (عليه السلام) أجل من أن يجوز على الله سبحانه وتعالى النوم، وقد أخبر الله (61) في كتابه العزيز بانه الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في الأرض " .
لقد كان أبو هريرة يأخذ عن مخبرين ككعب وغيره وينسب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون ذكر لاسم الشخص الذي أخذ عنه، فهل يرضى الله أن نأخذ ديننا عن رواة يأخذون عمن هب ودب من اليهود والمنافقين؟ وإذا كانت أم المؤمنين كذبته في قوله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم " فكيف نأمن أن لا تكون أحاديث أبي هريرة كهذا؟
وإذا أخطأ في هذا الحديث فهو معرض لأن يخطئ في غيره.
فالحق إن جعل الصحابة نقلة للسنة أمر خطير، وأنا لا أريد أن آخذ ديني عن مجهول قد يكون يهوديا ماكرا أو منافقا خبيثا. فعلى علماء الحديث أن يبينوا لنا هؤلاء المخبرين الذين كان يأخذ عنهم أبو هريرة حتى نطمئن بأنهم ليسوا من اليهود أو المنافقين، ثم ننظر فإن لم يقدروا على ذلك فليرحموا أنفسهم بالبحث عن مرجعية أفضل..

الصحابة يخطئون بالنقل

كان هناك قسم من الصحابة يغلطون بالرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا أمر خطير، فلربما نقلوا لنا الكثير من الروايات المغلوطة، ويتعبد بها الملايين، وهي ليست كما قال النبي، والأمثلة على ذلك كثيرة.
عن مطرف قال: " قال لي عمران بن حصين: أي مطرف، والله إن كنت لأرى أني لو شئت حدثت عن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومين متتابعين لا أعيد حديثا، ثم لقد زادني بط ءا عن ذلك وكراهية له، أن رجلا من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - أو من بعض أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - شهدت كما شهدوا وسمعت كما سمعوا يحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، ولقد علمت أنهم لا يألون عن الخير، فأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم... " (62).
هذه شهادة لصحابي كبير في أن الصحابة كانوا يخطئون في نقل أحاديث النبي.
وقول عمران هذا يدخل علينا الشك في الأحاديث التي بين أيدينا. فلربما يكون بعضها عن هؤلاء الصحابة الذين كانوا يغلطون. إننا لو علمنا أسماءهم أو علمنا رواياتهم لربما يحل الإشكال بورود رواياتهم عن طريق آخر، ولكن للأسف لا نستطيع إحراز أسمائهم ولا رواياتهم.
فكيف يطمئن المسلم بجعل هؤلاء الصحابة همزة الوصل بينه وبين منبع تعاليم الإسلام؟! وكيف يطمئن بكل الأحاديث التي وصلت إلينا مما قد تكون من الأحاديث الخاطئة؟! وهل يمكن القول إن الله (63) - وهو الحريص على إيصال دينه الى عباده بصورة صحيحة - وضع لنا بعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) مرجعية تخطئ في النقل؟! لا أعتقد أن مسلما يقول ذلك.
قال زيد بن ثابت: " لعل كل شئ حدثتكم به ليس كما حدثتكم " !!!
إن زيدا يدعونا الى التشكيك في كل أحاديثه التي وصلت إلينا، فلا ندري كيف نأخذ بأحاديثه بعد هذا؟
إنني لا أستطيع أن آخذ ديني عن زيد بن ثابت بعد شهادته هذه على نفسه. كما إن كل حديث مرسل يواجهنا سنفترض أنه مأخوذ عن زيد وسنشكك به لأنه قد لا يكون كما حدثهم به!!
وإنني أرى في قول زيد هذا أكبر عائق يقف أمامنا ويمنعنا عن جعل زيد والصحابة مراجعنا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فإذا شك زيد في أحاديثه - وهو من علماء الصحابة - فهذا الشك وارد في حق الصحابة الآخرين ممن هم أقل حفظا وضبطا للحديث من زيد!!
 وروي: أنه بلغ عائشة قول ابن عمر: " في القبلة الوضوء "، فقالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبل وهو صائم، ثم لا يتوضأ " (64).
هذا صحابي آخر يعتبر من المكثرين، له في كتب السنن 2630 حديثا وقد أخطأ في نقل حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعكس المعنى حتى أصلحت قوله أم المؤمنين. ولولاها لنقل إلينا هذا الحديث على صورته المقلوبة!!
فإذا كان ابن عمر يخطئ في الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف نطمئن بالأخذ عنه؟
فربما روى أحاديث خاطئة كما فعل في الحديث السابق ووصلت إلينا رواياته على أنها من الإسلام! أليس هذا أمرا جائزا ومحتملا؟ فالأمثلة على ذلك كثيرة.
أخرج أحمد عن ابن عمر أنه قال: وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على القليب يوم بدر قال: يافلان يافلان هل وجدتم ماوعدكم ربكم حقا أما والله إنهم الآن ليسمعون كلامي. قال يحيى: فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهم إنما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنهم ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم حقا (65)...
وأخرج أحمد عن عائشة أنه بلغها أن ابن عمر يحدث عن أبيه عمر بن الخطاب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " الميت يعذب ببكاء أهله عليه ". فقالت: يرحم الله عمر وابن عمر فوالله ما هما بكاذبين (66) ولا مكذبين ولا متزيدين، انما قال ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجل من اليهود ومر بأهله وهم يبكون عليه، فقال: " إنهم ليبكون عليه وان الله (67) ليعذبه في قبره " .
وفي " الانصاف " لشاه صاحب، فقضت عائشة بأنه لم يأخذ الحديث على وجهه (68).
لقد أخطأ ابن عمر في نقل حديث قليب بدر، وكذا أخطأ عمر بن الخطاب في نقل حديث " الميت يعذب ببكاء أهله " فمع أن الحديث جاء في رجل من اليهود إلا أن عمر حدث به على أنه من نصوص الإسلام، ونقله ابن عمر وحدث به عن أبيه إلى أن صححت له عائشة الحديث.
ألا ترى أن اعتماد هكذا مرجعية بعدالنبي فيه خطر على تعاليم الإسلام ونصوصه؟!
وهل يعقل أن يختار الله لتبليغ دينه من يقلب نصوصه رأسا على عقب - ولو بدون قصد؟!
من عقل ذلك فهو يتهم الله بأنه فرط في دينه، إذ رضي أن يجعل حملته قاصرين عن فهم النص وملابساته.
إن هذه الإشكالات التي وقع فيها ابن عمر وأبوه تجعلنا نشك في أحاديث عمر وابنه، وإذا صححت لهم عائشة بعض أحاديثهم فلا نضمن أنها صححت لهم كل أحاديثهم. مع أنها هي أيضا عرضة للخطأ والسهو فهي غير معصومة!
وقد يرد البعض علينا أمام هذه الإشكالات بقوله: إذا وردت أحاديث عمر وابنه من طرق أخرى فسيحل الإشكال. ويبدو أن هذا الحل غير مجد، فماذا نفعل بالأحاديث التي تفرد بها عمر وابنه؟! بل قل: وأحاديث بقية الصحابة التي تفردوا بها؟! فالذي وقع فيه عمر وابنه قد يقع فيه غيرهم.
أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " (69).
" هذا الحديث مما استدركت به عائشة على ابن عمر وكانت تقول: غلط ابن عمر، وصحيحه: إن ابن مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال " (70).
وروي أن ابن عمر " كان يقول: اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمرة في رجب، فسمعت بذلك عائشة فقضت عليه بالسهو " (71)!!
وأخرج أحمد: قال عبد الله بن عمر: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الشهر تسعة وعشرون، وصفق بيديه مرتين، ثم صفق الثالثة وقبض إبهامه. فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرحمن انه وهم، إنما هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نساءه شهرا فنزل لتسعة وعشرين فقالوا: يا رسول الله إنك نزلت لتسعة وعشرين فقال: إن الشهر يكون تسعة وعشرين " (72).
وهكذا لو لم تصحح عائشة هذا الحديث لابن عمر لحلت مشكلة الهلال في رمضان، ولكان العيد بعد اليوم التاسع والعشرين مباشرة ولصمنا تسعة وعشرين يوما لا نزيد عليها وان لم ير هلال رمضان كما كان يفعل ابن عمر (73).
إن هناك الكثير من الأحاديث التي لم تصححها عائشة لابن عمر، فماذا نفعل بها، ألا يحتمل فيها الخطأ كما حصل عنده في أحاديثه السابقة؟!
أعتقد أن طريق الخلاص من هذه المشكلة واضح للعيان، وهو اتباع المرجعية التي جعلها الله لنا بعد نبيه وهي ليست مرجعية الصحابة.
عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه كان عند معاوية وفد من قريش، فقام معاوية فحمد الله، ثم قال: " بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله فأولئك جهالكم " (74).
إذا كانت هذه الأحاديث التي يروونها لا تؤثر عن رسول الله، فمن يضمن لنا أن لا تكون قد وصلت إلينا؟!
فالأحرى بكل مسلم عاقل أن يترك مرجعية الصحابة التي تخطئ في نقل السنن وأن يبحث معنا عن المرجعية التي وضعتها السماء لحفظ الإسلام وإسعاد البشرية.

صحابة مشكوك في روايتهم

روي عن أبي حنيفة أنه قال: " أقلد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأي إلا ثلاثة نفر: أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة. فقيل له في ذلك. فقال: أما أنس فاختلط في آخر عمره. وكان يستفتى فيفتي من عقله، وأنا لا أقلد عقله، وأما أبو هريرة، فكان يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى، ومن غير أن يعرف الناسخ والمنسوخ " (75).
هذا أنس قد خلط في آخر عمره وأفتى من عقله بشهادة أبي حنيفة الذي أدركه وسمع منه، فهل يستطيع أحد أن يميز لنا الأحاديث التي رواها أنس قبل أن يخلط عن تلك التي رواها بعد أن خلط؟!! فلربما وصل إلينا عنه بعض من أحاديثه التي قالها بعد أن خلط ونقلها الرواة على أنها صحيحة، أليس هذا أمرا محتملا؟ فكل حديث رواه أنس، ليس له طريق آخر ينبغي لنا التوقف عنده لأنه قد يكون من عقله. وليس هذا فحسب، بل إن الأحاديث المرسلة - وهي التي كان يأخذها الصحابة عن بعضهم البعض وينسبوها للنبي دون ذكر لاسم الصحابي الذي أخذوا عنه - هذه الأحاديث المرسلة وما أكثرها نحتمل في كل حديث يواجهنا منها على أنه قد يكون مأخوذا عن أنس!!
 وبعد هذا، هل يجيز المسلم لنفسه الاعتماد على هكذا رواة؟ وهل حدث في منطق الرسالات الإلهية أن بعث الله سفيرا قد اختلط عقله؟! فالحق أن المسلم الغيور على دينه لا يلج من هذا الباب بحثا عن الإسلام!
وروي أن الشافعي " أسر إلى الربيع أن لاتقبل شهادة أربعة من الصحابة، وهم:
معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد " (76)!!
أما الصحابة المشكوك في الثقة برواياتهم فهم كثر، ونكتفي هنا بواحد وهو أبو هريرة. وقد أنكر عليه السلف رواياته وشكوا في صحتها. قال له عمر: " لتتركن الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لالحقنك بأرض دوس " (77) وقال له بعد أن ضربه بالدرة: " أكثرت يا أبا هريرة، وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (78).
وأرسل عثمان يقول لأبي هريرة: " لقد أكثرت، لتنتهين أو لألحقنك بجبال دوس " (79).
وقال علي (عليه السلام) فيه: " ألا اكذب الناس على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو هريرة الدوسي " (80) وكان أبو هريرة يقول: " حدثني خليلي، ورأيت خليلي، وقال لي خليلي رسول الله، فبلغ عليا ذلك فقال له: متى كان النبي خليلك يا أبا هريرة؟! قال ابن قتيبة:
" وكان - علي - سئ الرأي فيه " (81).
وقال: خالفت عائشة أبا هريرة وأنكرت عليه في أكثر من موضع. ففي حديث من أصبح جنبا كذبته عائشة وكذا أم سلمة ورجع أبو هريرة إلى قولهما. وروى أبو هريرة حديثا في النهي عن المشي بالخف الواحد، فبلغ عائشة ذلك فمشت بخف واحد وقالت:
لاخالفن أبا هريرة " (82).
وقال إبراهيم النخعي - إمام العراق، وقيل عنه: إنه كان صيرفيا في الحديث -:
" كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة. وعنه قال: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة. وعن الأعمش قال: كان إبراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوما بأحاديث من أحاديث أبي صالح عن أبي هريرة فقال:
دعني من أبي هريرة إنهم كانوا يتركون كثيرا من أحاديثه " (83).
وقد مرت بك أيها القارئ شهادة الإمام أبي حنيفة في أبي هريرة فلا تنسها. وأكد ابن قتيبة في رده على النظام أن الصحابة والسابقين الأولين اتهموه وأنكروا عليه، وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه (84).
وقال الآمدي: " أنكر الصحابة على أبي هريرة كثرة روايته وذلك لأن الإكثار لا يؤمن معه اختلاط الضبط الذي لا يعرف لمن قلت روايته " (85).
وقال ابن الأثير: " أما رواية أبي هريرة فشك فيها قوم لكثرتها " (86).
وقال الأستاذ مصطفى صادق الرافعي فيه: "... كان عمر وعثمان وعلي وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه، وهو أول راوية اتهم في الإسلام، وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه " (87).
 وقال المحدث رشيد رضا: " لو طال عمر عمر حتى مات أبو هريرة لما وصلت إلينا تلك الأحاديث الكثيرة " (88).
وقال أحمد أمين عنه: " وقد أكثر الصحابة من نقده على الإكثار من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشكوا فيه... " (89).
وقد اعترف أبو هريرة بتكذيب الناس له. روى مسلم عن ابن رزين قال:
" خرج علينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال: انكم تقولون اني اكذب على رسول الله لتهتدوا وأضل... " (90) فأهل القرون الأولى كذبوا أبا هريرة باعترافه بنفسه!
فبعد هذا، كيف يمكن لنا الاطمئنان بصحة روايات أبي هريرة الكثيرة؟! وكيف نجعله سفيرا بيننا وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كذبه السلف الصالح باعترافه؟! وهل يعقل أن الله اختار أبا هريرة لتبليغ دينه، بعد أن طعن فيه السلف، وبعد أن نسب أقوالا للنبي هي لكعب الأحبار، وبعد أن رفع للنبي قولا هو من أقوال الجاهلية؟! أفتونا يا أولي الألباب.

الصحابة يروون عن أهل الكتاب

كان هناك من الصحابة من يحدث عن أهل الكتاب، وينقل حديثه على أنه من الإسلام، ومن هؤلاء عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال ابن حجر عنه: " إنه قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها ويحدث منها، فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين " (91).
 يظهر من كلام ابن حجر هذا أن ابن عمرو كان يحدث عن الرسول والزاملتين.
وقد التبس على السامعين مصدر كلامه، لذلك تجنب الأخذ عنه كثير من أئمة التابعين على حد تعبير ابن حجر. وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص مائتا زاملة وكان يحدث منها لمن نزل عليه من الناس! (92) وقال الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره: " إن عبد الله بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما " (93). وقال ابن كثير عن الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: " إن الاشبه أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب "!
فكلام ابن كثير هذا يؤكد قولنا: إن عبد الله كان يحدث عن الزاملتين وينسب حديثه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو إن الراوي عن عبد الله لا يميز مصدر كلامه، أهو من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم من الزاملتين؟ وفي كلا الاحتمالين ضرر فادح على نصوص الإسلام.
تأمل طويلا في هذه العقبة الجديدة؟ فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة وأحد علماء الصحابة الذين يعتمد عليهم في الرواية ينقل من الزاملتين!
أليس هذا هو الذي فتح باب الاسرائيليات إلى تراثنا الإسلامي وكان سلاحا بيد أعداء الإسلام؟
" والباحث المتثبت والناقد البصير لا ينكر أن الكثير من الاسرائيليات دخلت الإسلام عن طريق أهل الكتاب الذين أسلموا، وكذلك لا ينكر أثرها السئ في كتب العلوم وأفكار العوام من المسلمين وما جرته على الإسلام من طعون أعدائه " (94).
 ماذا سيفعل المسلم للتأكد من سلامة تعبده ومعرفته بدينه؟ أيعتمد في ذلك على الروايات المنقولة من زاملتي عبد الله بن عمرو؟ ومن يدري؟ فلعل قسما من أحاديثه كان من زاملتيه، إذ ثبت انه كان يتحدث منهما. إن جعل عبد الله واسطة بيننا وبين النبي تجعلنا في ريب من مروياته، فهل هي عن النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) حقا أو من الزاملتين؟! فمن يريد لنا أن نأخذ عن عبد الله، عليه أن يفصل الروايات التي رواها عبد الله من أهل الكتاب عن الروايات التي رواها عبد الله عن النبي!!
لا أعتقد أن أحدا يستطيع بيان ذلك، وإن فعل فستبقى محاولته ناقصة وظنية...
ولا أعتقد أن الله يريد لنا أن نسلك هذا الطريق الوعر. فالله بلطفه أرسل لنا سفراء معصومين من الخطأ حتى تصل إلينا تعاليم السماء بصورة صحيحة.
فحاشاك ربي أن تترك دينك بين يدي عبد الله الذي يأخذ عن أهل الكتاب وبين يدي أبي هريرة، وأنس الذي اختلط عقله...

الصحابة ينسون

لقد نسي بعض الصحابة ما أخذ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن هؤلاء زيد بن أرقم، فعن يزيد بن حيان قال: " انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين:... لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم). قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... " (95).
إن زيد بن أرقم يعترف على نفسه أنه نسي بعض الذي كان يحفظه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو معدود من كبار الصحابة، فلابد من أن مثله الكثير.
 الإشكال الذي يرد الآن هو: كيف يختار الله لتبليغ دينه من ينسى ماائتمنه عليه (96).
إن نظرة واحدة إلى أنبياء الله تكفي لإعطائنا فكرة واضحة عن صفات المبلغين عن الله. فلم يحدث أن عهد الله برسالته إلى إنسان علم أنه سينسى ما هو مأمور بتبليغه، فالله  وحفاظا على دينه من التغيير والنسيان اشترط العصمة في أنبيائه.
ومن يضمن لنا أن لا يكون زيد بن أرقم قد تحدث بعد أن كبر ونسي؟ أليس من الممكن أن يتحدث زيد بعد نسيانه؟ إذا جاز هذا فمن يضمن لنا أن لا تكون رواياته البالغة 70 رواية من هذا القبيل؟ نحن لا نعني جميعها، ولكن كل حديث ليس له شاهد نحتمل فيه أن يكون من نسيانه. فمن يستطيع أن يميز لنا روايات زيد قبل نسيانه من رواياته بعد نسيانه؟!
ولو افترضنا حل هذا الإشكال فماذا نفعل بالروايات المرسلة التي كان يأخذها الصحابة عن بعضهم البعض وينسبونها للنبي دون ذكر لاسم الصحابي الذي أخذوا عنه ؟! فكل حديث مرسل - ومراسيل الصحابة حجة - نحتمل فيه أن يكون مأخوذا عن زيد بن أرقم بعد نسيانه فماذا نفعل بهذه المعضلة؟!

الصحابة يخطئون في الجواب

كان الصحابة يخطئون في فهم بعض الآيات القرآنية، وكانوا يخطئون في الإجابة عن المسائل الشرعية، وفي تنفيذ الحدود الشرعية. وكل هذه السلبيات مرفوعة عن حملة دين الله، فمن يتصدى لمهمة بيان الدين عليه أن يكون عارفا بجميع أحكام الإسلام، وعدم توفر هذه الصفة في شخص المرجع بعد النبي، فيه ما فيه من الخطورة على أحكام الإسلام وحقوق العباد. ولا يأمن المسلم - بدون هذه الصفة - من أن يأتيه الدين صحيحا، والأمثلة القادمة توضح ما قلنا خير توضيح.
سئل أبو بكر عن قول الله تعالى: (وفاكهة وأبا) (97) فقال: " أي سماء تظلني وأي أرض تقلني أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم " (98).
وسئل أبو بكر عن الكلالة فقال: " إني سأقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان... " (99).
قال ابن سيرين: " إن أبا بكر نزلت به قضيه فلم يجد في كتاب الله منها أصلا، ولا في السنة أثرا، فاجتهد رأيه، ثم قال: هذا رأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني واستغفر الله " (100).
وورد أن عمر بن الخطاب تلا هذه الآية: (فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا) قال: " فكل هذا قد عرفناه فما الأب؟ ثم نقض عصا كانت في يده، فقال: هذا لعمر الله التكلف! اتبعوا ما تبين لكم هداه من هذا الكتاب " (101).
وأخرج مسلم في صحيحه إن رجلا أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك! "
 فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به " (102).
وأخرج البيهقي عن الشعبي، قال: " خطب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الناس فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فانه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شئ ساقه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو سيق إليه، إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل، فعرضت له امرأة من قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله؟ فما ذاك؟ قالت: نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء، والله تعالى يقول في كتابه: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) (103). فقال عمر (رضي الله عنه): كل أحد أفقه من عمر. مرتين أو ثلاثا " (104).
وفي رواية قال عمر: " امرأة أصابت ورجل أخطأ " (105).
وفي رواية أخرى قال: " كل أحد أعلم من عمر " (106).
وفي أخرى قال: " إن امرأة خاصمت عمر فخصمته " (107).
وأتي عمر بن الخطاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها فتلقاها علي فقال: ما بال هذه؟ فقالوا: أمر عمر برجمها فردها علي وقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلك انتهزتها أو أخفتها؟ قال: قد كان ذلك. قال: أوما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " لا حد على معترف بعد بلاء ". انه من قيد أو حبس أوتهدد فلا إقرار له ". وخلى سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر " (108).
وفي حادثة مشابهة لهذه، قال عمر: كل أحد أفقه مني، ثلاث مرات (109).
وعن مجاهد قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فوجد رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فهم أن يقيده، فقال له زيد بن ثابت: أتقيد عبدك من أخيك فجعله عمر دية " (110).
وأخرج البيهقي " إن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أتى بإمرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أن ترجم، فقال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): " ليس ذلك عليها قال الله تبارك وتعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (111) وقال (وفصاله في عامين) وقال (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) فالرضاعة أربعة وعشرون شهر والحمل ستة أشهر، فأمر بها عثمان أن ترد فوجدت قد رجمت " (112) (113).
وهكذا كان الحال مع بقية الصحابة إلا من جعل منهم امناء على الشريعة، وكانوا يصححون أخطاء الخلفاء بعدما أقصوا عن مراتبهم التي وضعهم الله فيها.
وبعد هذا فلنتأمل في هذه المعضلات. إن أبا بكر لم يعرف معنى كلمة " الأب " مع أن الآية نفسها تفسر هذه الكلمة، قال تعالى: (وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم) (114)! فالفاكهة طعام للإنسان، والأب طعام للأنعام، فهل ترى في هذا أي غموض؟
ويسأل أبو بكر عن الكلالة، فلا يدري ما إذا كان قد أصاب القول فيها أم لا. ولم يعرف أبو بكر حد السرقة بعد قطع اليد والرجل حتى أعلمه عمر بذلك، مع علمنا في أن من المفترض، أن تكون هذه الأمور من البديهيات عند خلفاء المسلمين، فهم المخولون في القضاء بالدماء والأنفس والأعراض.
لقد أشكلت على عمر بن الخطاب كلمة " الأب " ومات عمر وفي نفسه أن يعرف معنى الكلالة. كما خفي عليه حكم الجنب فاقد الماء، وبعد أن ذكره عمار بالتيمم، قال:
اتق الله يا عمار. وكأن عمارا ارتكب جرما!
فهل في حكم التيمم غموض ما، حتى يخفى على من لازم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! فلا أدري كيف يصدق المسلم بأن الله حمل أمانته العظمى - التي لم يحملها إلا أفضل الخلق - من لا يعرف أوليات الإسلام من التيمم...
أما عثمان فقد أمر برجم أمرأة بدليل أنها وضعت لستة أشهر، وهذا غير جائز شرعا. وقصة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع المرأة الغامدية معروفة. فقد تركها النبي حتى بلغ ابنها سنتين ثم رجمها. وتكررت هذه الحادثة في عهد عمر بمحضر الصحابة وعثمان، فلماذا لم يمهلوا المرأة حتى يبلغ ابنها سنتين - هذا مع أنها بريئة -. فهل خفيت هذه الحوادث على عثمان والصحابة؟!
هذه الحقائق لا يستطيع أحد إنكارها؟ إن الصحابة أنفسهم يحتاجون إلى من يدلهم، فهم يفتقرون إلى الجواب في المسائل الواضحة!! وإذا أجابوا قد يخطئون، فكيف يفتون الناس وهم لا يعلمون؟ وكيف يسقون غيرهم وهم عطشى؟
 إن الله لا يقبل بهكذا سفراء. ولم يحدث في تاريخ الرسالات الإلهية: أن بعث الله نبيا لا يدري ما يجيب به اتباعه. أو يجيبهم بشكل خاطئ كما كان يفعل الصحابة. ولو قلنا: إن الله رضي أن يبين الصحابة دينه للناس لكان مجيزا أن يأخذ الناس أحكامهم بشكل خاطئ، وهذا هو الباطل عينه.
فعلى المسلم أن يبحث عن قناة سليمة تربطه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام.

بين الصحابة منافقون ومرتدون

مما لايخفى على كل مسلم أن النفاق انتشر في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يزداد قوة بازدياد قوة المسلمين. والقسم الأكبر من هؤلاء المنافقين لا يعلمهم إلا الله، قال تعالى:
(ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (115)، وقال تعالى:
(وممن حولكم من الأعراب منافقون) (116).
بالاضافة الى أن هناك عددا غير قليل من الصحابة كانوا قد ارتدوا بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فالإشكال الذي يرد إلينا هنا هو: إن كل صحابي من هؤلاء المنافقين والمرتدين سمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا لم يسمعه صحابي غيره، ولهذا فالسنن التي تفرد بها هؤلاء الصحابة قد لا تصل إلينا بسبب حقدهم على الإسلام، فربما حدث أن تعرض الصحابة لمسألة ما فطرحوها على مسامع الناس لعل عند أحدهم نصا من النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان النص عند صحابي منافق أو مرتد ولكنه اسره في نفسه ولم يخرجه، أليس هذا من المحتمل حصوله؟!
وكذلك قد لا تصل إلينا بعض السنن التي تفرد بها بعض الصحابة بسبب انشغالهم بالحروب أو بسبب قلة الرواية عنهم، يقول محمد زهو في كتابه الحديث والمحدثون:
" الاشتغال بالخلافة والحروب عاق كثيرا من الصحابة من تحمل الحديث وروايته، كما في الخلفاء الأربعة وطلحة والزبير " (117).
إن هذه السنن التي نحتمل بقاءها في صدور المنافقين والمرتدين والمنشغلين بالحروب، قد يكون فيها الناسخ والمقيد والمخصص والمفسر، وهذا يوقعنا في مشكلة كبيرة. فمن يدري؟ فلعلنا نمارس بعض الأحكام المنسوخة أو المخصصة أو المقيدة بالسنن التي بقيت في صدور هؤلاء الصحابة (118).
فهل يقبل الله بهذا؟ هل يرضى أن نمارس حكما منسوخا أو مقيدا أو مخصصا؟
ولعل بعض هذه السنن التي بقيت مع الصحابة المذكورين تعكس جوانب إسلامية مهمة. فكيف يرضى الله بأن يحمل سنة نبيه لكل الصحابة، وفيهم المنافق الذي لا يظهرها أو يزورها وفيهم من سيرتد ويدفن السنن في صدره، وفيهم وفيهم...؟!
لذلك وجب القول في أن الله (119) حفاظا على دينه وسنة نبيه اتخذ اجراء مناسبا لتلافي هذه الإشكالات التي قد تحدث مستقبلا. والذي ظهر لي: إن الله عهد إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يجعل سنته عند شخص يتعهدها ويفهمها، وهذا الشخص ومن خلال موقعه السياسي والديني يقوم بتبليغ السنة للناس. هذا الاحتمال هو الذي يرتضيه العقل والنقل، أما توزيع السنة على مائة وأربعة عشر ألف صحابي ليبلغوها للناس ففيه خطر عظيم على السنة، وحسبك دليلا على ذلك أن هناك مائة وعشرة آلاف صحابي لم يصل إلينا منهم شئ.
أضف إلى ما سبق وجود المنافقين الذين يسعون لهدم الإسلام فكريا وسياسيا... فنسبوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث مكذوبة في حياته وبعد مماته، وهذا ممكن حدوثه، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مات وهم مؤمنون في ظاهرهم فليس هناك ما يمنع الأخذ عنهم (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم)  !
ربما تكون بعض الأحاديث المرسلة المبثوثة في كتب الحديث مأخوذة عن هؤلاء المنافقين الماكرين (120)!! وهذه الفجوة التي تصدعت فيها أحقية مرجعية الصحابة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يستطيع المحدثون ردمها وإن اجتمعوا على ذلك، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه لم يكن يعلم هؤلاء المنافقين (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) (121).
ولا يمكن التخلص من هذه المعضلة إلا بالتأكيد على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - ولكي يقطع الطريق على هؤلاء الدجالين - جعل سنته بأيد أمينة، أليس هذا هو الحق المبين؟!

صحابة يساقون إلى النار

أخرج مسلم عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا فرطكم على الحوض، ولانازعن أقواما ثم لاغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي: فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (122).
وأخرج البخاري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " (123).
 لقد ثبت في الصحيحين وغيرهما: إن من الصحابة من يدخل النار. ولهذا لا نستطيع أن نجعل الصحابة قناة تربطنا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). إذ كيف نأخذ ديننا عن أهل النار؟!
فلابد من تمييز الصحابة المساقين إلى النار من الناجين، ثم نفكر في من يصح الأخذ عنهم. فإن قيل إن المساقين إلى النار هم المنافقون والمرتدون، قلنا: إن القسم الأكبر من المنافقين لا يعلمهم إلا الله. فلا يمكن إحرازهم. فعدم إحرازنا للصحابة المساقين إلى النار يوجب علينا التوقف في الأخذ عن الصحابة. وليس في هذا تعطيل للإسلام. بل إن البديل موجود. فليحذر العقلاء من أن يجعلوا أهل النار أدلاء لهم في دين الله.

طريقة تلقي الصحابة

يقول ابن تيمية: " وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدث، أو يفتي أو يقضي، أو يفعل الشئ، فيسمعه أو يراه من يكون حاضرا، ويبلغه اولئك - أو بعضهم - لمن يبلغونه فينتهي علم ذلك إلى من شاء الله من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ثم في مجلس آخر قد يحدث، أو يفتي، أو يقضي، أو يفعل شيئا، ويشهده بعض من كان غائبا عن ذلك المجلس، ويبلغونه لمن أمكنهم، فيكون عند هؤلاء من العلم ما ليس عند هؤلاء، وعند هؤلاء ماليس عند هؤلاء " (124).
الإشكال الذي يرد هنا: إن الصحابي قد يسمع حديثا فيرويه فيما بعد ويعمل به الناس، ولنفترض أن هذا الصحابي في الشام، ولكن بما أنه " عند هؤلاء من العلم ما ليس عند هؤلاء، وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء "، فقد يكون لهذا الحديث الذي رواه الصحابي للناس في الشام ناسخ مع صحابي آخر، ولنفترضه رواه لأهل العراق، فيصيب أهل العراق الحكم الإسلامي الصحيح ويخطئه أهل الشام!! وقد يكون للحديث الذي رواه الصحابي في العراق مخصص أو مقيد ولكنه لا يعلم بذلك، فيفتي للناس هناك بما عنده فيعمل الناس بالعام والمطلق، بينما المخصص أو المقيد للحديث نفسه عند الصحابي الذي في الشام مثلا! وهكذا.
إن الله (125) ليس عاجزا عن اختيار طريقة أمثل لتبليغ سنة نبيه. أما نسبة اختيار هذه الطريقة في التبليغ لله ففيها ما فيها من نسبة الظلم والجهل إلى الله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فهذه الطريقة قد تمنع المسلم من إصابة الواقع الشرعي، والله قادر على إيصال سنة نبيه بصورة صحيحة بدلا من أن يترك عباده يبحثون في البلدان وفي جبهات القتال عن الناسخ إذا احتمل وجوده أو المقيد أو المخصص منه، وقد يقطعون مسافات طويلة في سبيل الحصول على جواب فيموتون وفي أنفسهم من ذلك شئ.
لذلك نحن نقول: إن هناك شخصا أخذ السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كاملة، وهو الذي يقوم ببيانها للناس بسهولة ودون عناء، بعيدا عن الإشكالات السابقة.

الصحابة والرواسب الجاهلية

لقد عاش عدد كبير من الصحابة أكثر حياتهم في المجتمع الجاهلي، وشاركوا أهل الجاهلية في جميع أعمالهم، من وأد البنات وشرب الخمر وأكل الربا و... إلى غير ذلك من المحرمات التي حاربها الإسلام. وهذه الملاحظة وحدها تكفي لأن تجعلنا نقول: إن الله لم يخترهم لبيان دينه.
فالله منذ أوجد الإنسان لم يبعث له نبيا ولا سفيرا قد شارك قومه عاداتهم المنحرفة، بل كان يختار أناسا هم أكمل الناس، خالين من أية رواسب بيئية منحرفة.
هذه سنة الله في خلقه (ولن تجد لسنة الله تبديلا) .
 فالسلوكيات التي مارسها الصحابة في الجاهلية لا توجد في القادة الرساليين، ولم يحدث في تاريخ الرسالات الإلهية أن اختار الله مبلغا عنه بعد أن غرق في سلوكيات قومه المنحرفة.
يروي أهل السنة: إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل بعثته أراد أن يلتحق بإحدى احتفالات قريش ليشاركهم الشرب واللهو... فأنامه الله في الطريق (126)!
ويروون إن الله بعث ملكين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو صبي فاستخرجا علقة سوداء من قلبه وغسلاه ونقياه حتى يكون في أعلى درجات الكمال وخاليا من أية رواسب، وتعرف هذه بحادثة شق الصدر (127). قال طه عبد الرؤوف سعد في تعليقه على هذه الحادثة: " إن هذا التقديس وهذا التطهير كان مرتين، الأولى في حالة الطفولة لينقى قلبه من مغمز الشيطان، وليطهر ويقدس من كل خلق ذميم حتى لا يلتبس بشئ مما يعاب عليه الرجال، وحتى لا يكون في قلبه شئ... " (128).
ومع موقفنا الرافض لامكانية حصول وصحة وقوع هاتين الحادثتين إلا أننا نتساءل: لماذا هذا الاهتمام من الله برسوله وحرصه أن لا يمارس سلوكا جاهليا ولو لمرة واحدة؟!
الجواب واضح، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمامه عملية تغيير كبرى، فحتى ينجح في تنفيذها ويتقبلها الناس: لابد أن يكون خاليا من أية أفكار مخالفة لها وحتى يكون مهيأ لاستقبال الوحي...
وهذ سنة إلهية اتبعها الله مع جميع رسله وسفرائه، فكيف يمكن أن يختار الله لتبليغ دينه أناسا جسدوا الجاهلية قولا وسلوكا، حتى تشبعت أجسامهم ونمت على الربا وشرب الخمر؟...!
 قد يقال: إن الإسلام يجب ما قبله. فنقول: صحيح هذا، ولكن هذا القول مخالف لسنة الله في اختيار رسله (ولن تجد لسنة الله تبديلا) (129) فلو اختار الله الصحابة لبيان دينه لكان - والعياذ بالله - مخالفا لسنته في اختيار الإنسان الطاهر من أي انحراف في سلوكه وقوله، كالأنبياء (عليهم السلام) تماما. فكيف يقول الله: (ولن تجد لسنة الله تبديلا) ثم يخالف سنته في اختيار سفرائه ممن عاشوا في مستنقع المحرمات لعشرات السنين؟!!
إن من يستقرئ حياة الصحابة يجد كثيرا من الرواسب الجاهلية قد عاشت معهم بعد الإسلام، كشرب الخمر والزنا وأكل الربا (130)، وهذا الأمر يسلب منهم خاصية القيمومة على الدعوة. فالرواسب الجاهلية تؤثر سلبا على الداعية.
أخرج البخاري: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي " فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، فقال:
كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك، فقام اسيد بن الحضير، فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت (131).
وأخرج البخاري: " إن رجلا من المهاجرين كسح (132) رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: ياللأنصار، وقال المهاجري: ياللمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " ما بال دعوى أهل الجاهلية؟! " قالوا: يا رسول الله كسح رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال: " دعوها فإنها منتنة "... " (133).
نستخلص من هذا " أن من أوليات ما يقتضيه ضمان التطبيق أن يكون القائم على تطبيقها - أي الفكرة - شخصا تتجسد فيه مبادئ فكرته تجسدا مستوعبا لمختلف المجالات التي تكفلت الفكرة تقويمها من نفسه. ولا نريد من التجسد أكثر من أن يكون صاحبها خليا عن الأفكار المعاكسة لها من جهة، وتغلغلها في نفسه كمبدأ يستحق من صاحبه التضحية والفناء فيه من جهة أخرى، ومتى كان الإنسان بهذا المستوى استحال في حقه من وجهة نفسية أن يخرج على تعاليمها بحال. وإذا لم يكن القائم بالحكم بهذا المستوى من الإيمان بها وكانت لديه رواسب على خلافها، لم يكن بالطبع أمينا على تطبيقها مائة بالمائة، لاحتمال انبعاث إحدى تلكم الرواسب في غفلة من غفلات الضمير، واستئثارها في توجيهه الوجهة المعاكسة التي تأتي على الفكرة في بعض مناحيها وتعطلها عن التأثير ككل، وربما استجاب الرأي العام له تخفيفا لحدة الصراع في أعماقه بين ما جد من تعاليم هذه الفكرة وما كان معاشا له ومتجاوبا مع نفسه من الرواسب.
على أن الناس - كل الناس - لا يكادون يختلفون - إلا نادرا - في قدرتهم على التفكيك بين الفكرة وشخصية القائم عليها... وبما أن الإسلام يعالج الإنسان علاجا مستوعبا لمختلف جهاته - الداخلية والخارجية -، احتجنا لضمان تبليغه وتطبيقه إلى العصمة في الرسول، ثم العصمة في الذي يتولى وظيفته بعده... " (134).

 الصحابة يفتون بآرائهم

كان الصحابة يفتون بآرائهم في الوقائع الشرعية إذا لم يجدوا نصا في كتاب الله أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم). ونحن نعلم أن الدين قد كمل على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبين الله كل شئ يحتاجه الناس. قال تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم) (135) وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (137)، (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) (136).
فكل شئ حسب منطوق هذه الآيات فيه نص. فإذا كان الله قد أكمل الدين وبين كل شئ فلماذا يفتي الصحابة بآرائهم؟!
فهم لم يحرزوا جميع النصوص الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا لما أفتوا بآرائهم. من هنا نعلم أن الصحابة غير مخولين: بنقل وبيان الدين للناس. فالمفترض بمن يخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون لديه من النصوص ما يكفي لمعرفة أحكام الوقائع الشرعية كلها.

الصحابة يعترفون بأنهم ليسوا نقلة الإسلام!!

إن الصحابة لم يكونوا يرون أنفسهم في مرتبة القيمومة على الدعوة التي جعلها أهل السنة لهم.
قال أبو مجلز: شهدت ابن عمر والناس يسألونه، فقال: إياكم عني، فإني كنت مع من هو أفقه مني، ولو علمت أني أبقى حتى يفتقر إلي لتعلمت لكم!!! " (138).
فعبارة ابن عمر: " ولو علمت أني أبقى حتى يفتقد لي لتعلمت لكم " أصرح دليل في الرد على الذين جعلوا ابن عمر والصحابة بمرتبة سفراء الله لعباده بعد نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأهل السنة أوجبوا للصحابة ما لم يوجبوه هم لأنفسهم!!
وذكر المناوي " ان ابن عمر كان إذا سئل قال: اذهب إلى هذا الأمير الذي تولى أمر الناس، فضعها في عنقه ".
وقال: " يريدون أن يجعلونا جسرا يمرون علينا على جهنم " (139).
(يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) (140).

 

 

 

 

____________
1 - صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام.
2 - سنن الدارمي: 1 / 51. مجمع الزوائد: 1 / 158. الطبراني في الكبير. الإتقان، السيوطي.
3 - بلغت أحاديث الأحكام عند أهل السنة قرابة 5274 حديثا، راجع تاريخ التشريع الإسلامي: الفضلي، ص 28.
4 - بحث حول الولاية: ص 43 - 44.
5 - بحث حول الولاية: ص 40 - 41.
6 - تذكرة الحفاظ: 1 / 2 و 3 ترجمة أبي بكر.
7 - تذكرة الحفاظ: ص 5.
8- جامع بيان العلم: 1 / 64 و 65.
9 - مستدرك الحاكم: 1 / 102 وصححه. سنن الدارمي: 1 / 85. تذكرة الحفاظ: 1 / 524، وانظر سنن ابن ماجة: 1 / 12. جامع بيان العلم: 2 / 120، المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الرامهرمزي:
ص 553.
10 - الطبقات: 5 / 188. تقييد العلم، الخطيب البغدادي: ص 52، يقول السيد الروحاني في كتابه (بحوث مع أهل السنة والسلفية: ص 97) تحت عنوان
(كتابة الحديث): " إن من أعظم الآثام اليهودية في المسلمين هو عدم جواز كتابة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي التلمود - وهو عند اليهود مثل الأحاديث التي في صحاح بعض المسلمين -: (إن من الأمور التي تروى مشافهة ليس لك الحق في إثباتها بالكتابة).
ويلاحظ ان الحديث الذي أورد في الصحاح، (لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب فليمحه) هو بمثابة ترجمة لطيفة لما في التلمود، وموافق لما كتبه الخليفة عمر بن الخطاب إلى الأمصار: (من كان عنده شئ منها - أي أحاديث رسول الله فليمحه - ولا يبعد أن يكون هذا من إيحاءات اليهودي كعب الأحبار، وإن جعل بعد ذلك بصورة الحديث. إذ بعد إحراق الخليفة الثاني للأحاديث التي جمعها من أيدي الصحابة على مدى شهر قال: مشناة كمشناة أهل الكتاب أو مثناه كمثانة أهل الكتاب، وهذا يدل على اطلاع كامل منه على مصطلح أهل الكتاب واليهود "!!
11 - كنز العمال 5 / 239 حديث رقم 4865. منتخب الكنز 4 / 61.
12 - 1 / 7.
13 - تأويل مختلف الحديث: 39.
14 - منتخب الكنز بهامش المسند: 4 / 64. وراجع معالم المدرستين: 2 / 46.
15 - ص 554.
16 - راجع أضواء على السنة المحمدية: 29. المحدث الفاصل: 549. مسند أحمد: 6 / 46. الكفاية: 255.
17 - المحدث الفاصل: ص 557، وقال عجاج: انظر سنن ابن ماجة: 1 / 12 وطبقات ابن سعد: 3 / 102 قسم 1.
18 - المحدث الفاصل: ص 551، قال عجاج: أخرجه ابن ماجة، انظر سنن ابن ماجة: ص 1 / 11 حديث 126. وسنن الدارمي: 1 / 84، والسنن الكبرى: ص 1 / 11.
19 - جامع بيان العلم: ص 81. تقييد العلم: ص 39.
20 - سنن الدرامي: 1 / 53. جامع بيان العلم: 2 / 163. تلبيس إبليس: 117. إعلام الموقعين: 1 / 34.
21 - راجع أضواء على السنة: ص 29.
22 - إعلام الموقعين: 4 / 128.
23 - فتح الباري: 6 / 28.
24 - سنن الدارمي: 1 / 50. جامع بيان العلم: 1 / 141.
25 - المصدر السابق.
26 - سنن الدارمي: 1 / 56.
27 - بحث حول الولاية: ص 45 - 47.
28 - صحيح البخاري: كتاب العلم، باب يبلغ العلم الشاهد الغائب، سنن ابن ماجة: 1 / 85.
29 - ابن ماجة: ج 1 باب 18 حديث 236. سنن أبي داود: كتاب العلم، باب فضل نشر العلم.
30 - النحل: 44.
31 - النحل: 64.
32 - نوح: 5.
33 - نوح: 8 و 9.
34 - يوسف: 49.
35 - قد يقال: إن الرسول معصوم ولهذا كان لا يتحرج في الجواب، أما الصحابة فكانوا يخافون الزيادة والنقص في الحديث. ولكننا نقول: أما كان الله قادرا على أن يختار شخصا معصوما بعد نبيه كي يسير بسيرة النبي في التبليغ بدلا من حرمان الناس من الحديث؟ فذلك خير ضمان لحفظ السنة بلا زيادة ولا نقصان ولا تغيير بالمعنى.
36 - تاريخ ابن عساكر: 7 / 339.
37 - صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الحجة على من قال إن أحكام النبي كانت ظاهرة.
38 - قال محمد زهو في الحديث والمحدثون: ص 158: " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الحاكم...
قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وأقره الذهبي ".
39 - تاريخ ابن كثير: 4 / 109، قال: وقد رواه الترمذي بنحوه.
40 - الاصول العامة للفقه المقارن: محمد تقي الحكيم، 172. إن هذا الكلام الرائع كاف لإثبات أن النبي لم يفكر بأن يحمل صحابته الدعوة من بعده!
41 - كمعاوية بن أبي سفيان وأبيه ووفود العرب الذين رأوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لساعات.
42 - بحث حول الولاية.
43 - شبهة التشبيه: ص 38.
44 - الحديد: 22.
45 - تأويل مختلف الحديث: ص 126 و 127.
46 - البلد: 1 و 12.
47 - المستدرك: 2 / 215 وصححه.
48 - فاطر: 18.
49 - البداية والنهاية: 4 / 109، سير أعلام النبلاء: 2 / 606، وليت أحدا يدلنا على هؤلاء الذين كانوا مع بشر بن سعيد، وما أسماؤهم؟ فربما وصلت لنا مروياتهم وهي من كعب!
50 - تأويل مختلف الحديث: ص 50.
51 - نحن لانقبل مانسب الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وننزهه من هذا الفعل، ولكن نحتج بالرواية على من يثبتونها.
52 - صحيح البخاري: كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنبا.
53 - راجع شيخ المضيرة: ص 138.
54 - التوبة: 101.
55 - تفسير ابن كثير: 3 / 111.
56 - رواه ابن عساكر، انظر علوم مصطلح الحديث صبحي الصالح، البداية والنهاية: 4 / 109، وهناك رواية قريبة منها في سير أعلام النبلاء: 2 / 608.
57 - مجلة المنار: 19 / 97. راجع شيخ المضيرة: ص 150.
58 - وأنا لا آمن!... راجع مجلة المنار: 27 / 342 وشيخ المضيرة.
59 - تفسير سوة الإخلاص لابن تيمية: ص 16.
60 - تفسير ابن كثير: 3 / 568.
61 - تفسير ابن كثير: 3 / 568.
62 - مسند أحمد: 5 / 599، مجمع الزوائد: 1 / 141، تأويل مختلف الحديث: 40.
63 - جامع بيان العلم: 1 / 65، وذكره عجاج الخطيب في السنة قبل التدوين: 313 نقلا عن نفس المصدر.
64 - الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة: الزركشي، 97، ونقله عن الدارقطني.
65 - مسند أحمد: 4 / 427.
66 - حتى لو كانا غير كاذبين، فالله لايعتمد لنقل شريعته من يخطئ في نقل الحديث بالشكل الذي يغير المعنى الأصيل له كله.
67 - 6 / 281. سنن النسائي بشرح الحافظ السيوطي: 4 / 18 - 19.
68 - الغدير: 10 / 43.
69 - كتاب الأذان، باب أذان الأعمى اذا كان له من يخبره.
70 - الغدير: 10 / 44. قال الأميني: " وبهذا جزم الوليد، وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زادان عن خبب بن عبد الرحمن ". وراجع الإجابة: 97 و 98.
71 - جمع الفوائد: 1 / 345 - 346.
72 - المسند: 2 / 31، وانظر الإجابة للزركشي: ص 98.
73 - راجع مسند أحمد: 2 / 13.
74 - ذكره ابن حزم في ملخص ابطال القياس، وراجع صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب قريش.
75 - مرآة الاصول شرح مرقاة الوصول، محمد بن فراموز المعروف بملا خسرو الحنفي (ت / 885 هـ‍) وهو مخطوط، راجع شيخ المضيرة: ص 146، وذكر ذلك أبو شامة الشافعي في مختصر المؤمل: ص 31 و 32.
76 - تاريخ الطبري، ابن الأثير، ابن عساكر: 2 / 379، راجع شيخ المضيرة: ص 185.
77 - أخرجه ابن عساكر: 5 / 239 حديث رقم 4885 من كنز العمال، البداية والنهاية: 4 / 106، سير أعلام النبلاء: 2 / 600.
78 - رواه الإسكافي، راجع " أبو هريرة "، شرف الدين: ص 195.
79 - المحدث الفاصل، الرامهرمزي: ص 554.
80 - رواه أبو جعفر الإسكافي راجع أبو هريرة، شرف الدين: ص 195.
81 - تأويل مختلف الحديث: 41، ولم ينكر ابن قتيبة كلام علي في أبي هريرة!
82 - راجع " أبو هريرة "، شرف الدين: ص 197.
83 - هذه الأخبار في سير أعلام النبلاء: 2 / 602، البداية والنهاية: 4 / 109، شرح النهج 1 / 340، العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن حنبل، 1 / 428.
84 - تأويل مختلف الحديث: 39.
85 - الإحكام: 2 / 106.
86 - المثل السائر: ص 81.
87 - آداب العرب: 1 / 282.
88 - مجلة المنار 10 / 851.
89 - فجر الإسلام: ص 262، الفصل الثاني من الباب السادس.
90 - 2 / 75.
91- فتح الباري: 1 / 167.
92 - مستدرك الحاكم: 4 / 533.
93 - 1 / 4 وانظر شيخ المضيرة: ص 124.
94 - دفاع عن السنة، محمد أبو شهبة: ص 82.
95 - صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب.
96 - قد يقال: إن النسيان أمر ليس بيد الإنسان بل من الله، قلنا: هذا يعني أن الله قد أنسى زيدا ما حفظ عن النبي!! فلو اختار الله زيدا لتبليغ دينه لما أنساه ما وعى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما هو واضح. وهذا مايدفعنا للتأكيد على أن خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التبليغ منزه عن النسيان لكيلا تنسى أحكام الإسلام.
97 - عبس: 31.
98 - فتح الباري: 13 / 230. تفسير القرطبي: 19 / 223. مقدمة في اصول التفسير، ابن تيمية: ص 30.
تفسير ابن كثير: 1 / 5.
99 - الدارمي في سننه: 2 / 365. تفسير ابن كثير: 1 / 471. إعلام الموقعين: 1 / 82.
100 - راجع إعلام الموقعين: ص 19. جامع بيان العلم: 2 / 830. تاريخ الخلفاء، السيوطي: 71.
101 - المستدرك: 2 / 514 وصححه وأقره الذهبي في تلخيصه. تفسير الطبري: 30 / 38.
102 - صحيح مسلم: كتاب الحيض، باب التيمم.
103 - النساء: 20.
104 - السنن الكبرى: 7 / 233، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز: 8 / 298 نقلا عن سنن سعيد بن منصور والبيهقي، ورواه السندي في حاشية السنن لابن ماجة: 1 / 583، والعجلوني في كشف الخفاء: 1 / 269 و 2 / 118.
105 - تفسير ابن كثير: 1 / 478. تفسير القرطبي: 5 / 99.
106 - شرح صحيح البخاري، القسطلاني: 8 / 57. الكشاف: 1 / 357.
107 - إرشاد الساري: 8 / 57، تفسير ابن كثير: 1 / 478.
108 - الرياض النضرة: 2 / 196. ذخائر العقبى ص 80. مطالب السؤول ص 13. مناقب الخوارزمي ص 48. الأربعين، الفخر الرازي: ص 66.
109 - الرياض النضرة: 2 / 196. ذخائر العقبى: ص 81. الكفاية، الكنجي: ص 105.
110 - أخرجه عبد الرزاق وابن جرير الطبري، كنز العمال: 7 / 304.
111 - الأحقاف: 15.
112 - لقد قلنا من قبل: إذا لم يكن خليفة النبي على علم تام بجميع الأحكام الإسلامية فان الأنفس وحقوق العباد ستتعرض للخطر، وما حدث لهذه المرأة خير دليل على مانقول، وحاشا لله أن يضع لعباده خلفاء لايعرفون أحكام الإسلام الشرعية.
113 - السنن الكبرى: 7 / 442، وابن كثير في تفسيره: 4 / 169، وابن الديبع في تيسير الوصول: 2 / 9، والعيني في عمدة القاري: 9 / 642، والسيوطي في الدر المنثور نقلا عن ابن المنذر وابن أبي حاتم.
114 - عبس: 31 - 32.
115 و 116 - التوبة: 101.
117 - ص 147.
118 - أو الصحابة الذين تفردوا ببعض السنن وماتوا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الحاجة إلى تبليغها!!
119 - المنافقون: 4.
120 - يقول السيوطي في تدريب الراوي: " وفي الصحيحين من ذلك - مراسيل الصحابة - ما لا يحصى "!
تدريب الراوي: 1 / 207، وعلى هذا فكل حديث مرسل سنشك فيما اذا كان قد رواه الصحابي عن صحابي عادل أو صحابي منافق لا يعلمه إلا الله!!!
121 - التوبة: 101.
122 - كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفاته.
123 - كتاب الرقاق، باب في الحوض. وهمل النعم: ضوال الإبل، قال ابن الأثير: " أي أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة " النهاية في غريب الحديث: 5 / 247.
124 - رفع الملام: ص 6.
125 - الأحزاب: 62.
126 - راجع مستدرك الحاكم: 4 / 245.
127 - راجع سيرة ابن هشام: ص 152.
128 - المصدر السابق: ص 153.
129 - الأحزاب: 62.
130 - وهذا أمر قد وثقناه في مبحث عدالة الصحابة.
131 - 3 / 156، و 6 / 8.
132 - كسح: بمعنى ضرب.
133 - ج 6 باب قوله: سواء عليهم استغفرت لهم.
134 - الاصول العامة للفقه المقارن: 185 - 186.
135 - المائدة: 3.
136 - الأنعام: 38.
137 - النحل: 89.
138 - تذكرة الحفاظ: 1 / 40.
139 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: 1 / 158. إحياء علوم الدين: 1 / 23.
140 - النساء: 174.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page