• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المتعة... نكاح أم سفاح:

من المواضيع الساخنة الّتي أثارت ولا زالت تثير جدالا حادّا بين السنة والشيعة هو موضوع المتعة، حيث يعتبرها أغلب أهل السنّة أخت الزنا كما يعتبرون التقيّة أخت النفاق.
وفي نقاش صريح دار بيني وبين صديقي الشيعي، أذكر أنني ولشدة ما كنت أسمع من أهل السنّة من تشنيع على هذه المسألة، أنني سألته قائلا: كلّ شيء عندكم معقول معشر الشيعة إلاّ شيئا واحدا، وهو ما يجعل في نظري سمعة مذهبكم هذا تذهب أدراج الرياح لو تمسكتم به، بل إنّ العقل ـ وأردت أن أضربه في الواقع بنفس سلاحه ـ يأبى هذا الشيء، فكيف بالدين الإسلامي دين الحياء والعفّة؟!
أجاب صديقي: أحسبني فهمت مرادك وما ترمي إليه.
قلت مجيباً: إذا كنت قد فهمت قصدي فأنا أسألك: لماذا تعملون وتؤمنون بالمتعة؟!
قال صديقي: سؤالك خطأ، إسألني عن مشروعية المتعة في الإسلام؟ وأجيبك فأقول: إنّ الشيعة لا يحلّلون حراماً ولا يحرّمون حلالا، بعكس غيرنا ممّن ضلّ وأضلّ وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً. إنّ المتعة حلال بكتاب الله(1) وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة الصّحابة، ولم ينه عنها إلاّ عمر حيث قال: "متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أحرّمهما وأنهى عنهما"(2).
قلت مقاطعاً: رويدك، إنّ آية المتعة آية منسوخة بالآيات الأولى من سورة المؤمنون كما يقول أهل السنّة، وعليه لا يبقى لكم احتجاج بكتاب الله تعالى.
أجاب صديقي متعجّباً: وهل يسبق الناسخ المنسوخ عندك؟!
قلت معلّقاً: أرجوك لا تدخلني في أشياء فرعيّة تضيّع علينا البحث.
قال صديقي: أنا لم أخرج من الموضوع، بل أردت إجابتك وأقصد أنّ القول بأنّ آية المتعة منسوخة بالآيات الأولى من سورة المؤمنون هو قول متهافت جدّا، لأنّ آية المتعة مدنية وسورة المؤمنون مكّية والمكّي لا ينسخ المدني، هذا أوّلا.
ثمّ إنّ قول من قال: إنّ آية المتعة منسوخة يؤكّد القول بأنّ المتعة نكاح شرعي وليست سفاحاً، أي أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة كانوا يعتبرونها زواجا شرعيّا قبل نسخها حسب الافتراض(3)، ولو نظرت إلى قول عمر لرأيت أنه يعترف بأنّ المتعة كان معمولا بها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أي إلى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قاطعت صديقي قائلا: إنّ عمر لم يحرّم حلالا ولم يحلّل حراما حاشاه! لكن كلّ ما فعله هو أنه طبّق تحريم المتعة أو نَسْخِهَا وأعلم المسلمين بذلك، وإلاّ فالمتعة نسخت في آخر حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
أجابني صديقي: ربّ عذر أقبح من ذنب، وأردف قائلا: لو كان الأمر كما يزعمون فهل خفي الأمر على أبي بكر وقد كانت المتعة معمولا بها طيلة خلافته؟! ولو كان الأمر كذلك فلماذا حرّمها عمر في زمان متأخّر في خلافته ولم يحرمها في يوم خلافته الأول؟!
ثم إنّ هناك أحاديث(4) عن أكابر الصحابة تؤكد أنهم كانوا يستمتعون على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهد أبي بكر وفترة من خلافة عمر حتّى نهى عمر عنها. وبهذا يتبيّن أنّ المتعة نكاح شرعي ثابت بالقرآن والسنّة ولم تنسخ لا من الله ولا من رسوله، وبذلك تعلم ضعف الأحاديث الكاذبة التي تقول إنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) حرّمها، وليس أدلّ على ضعفها بعد ضعف رجال سندها اضطراب تلك الأحاديث، فمرّة تقول حرّمت يوم الفتح، ومرّة يوم تبوك وغيرها، على أنّه قد تيقّنتَ من قول عمر نفسه بأنها كانت محلّلة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
شعرت في نفسي بانكسار شديد لأنّ حلّية المتعة كانت تعني لي فيما تعنيه أشياء أخرى من لوازمها تخطئة عمر بن الخطّاب، ولهذا طرقت المسألة من باب آخر، فهيهات هيهات التسليم بهذه السهولة.
قلت لصديقي معانداً: يا أخي، هل ترضى أنت أن تُزَوّج أختك أو ابنتك زواج متعة؟!
قاطعني صديقي بنبرة غاضبة: عجيب أمرك!! أقول لك رضي الله ورسوله والمؤمنون، وتقول لي أنت: هل ترضى ثم واصل: والطريف أنّه ما حاورتُ أحدا من السنّة حول المتعة إلاّ وسألني هذا السؤال. إنّ هكذا آراء وتحسينات وو.. كلّها نابعة من المزاج ولا تمتّ للشرع بأيّ صلة، ومع الأسف فإنّنا كمسلمين وخاصّة كعرب نُعتبر شعبا مزاجيّا، مزاجيّا في كلّ شيء حتّى الدين أخضعناه لمزاجنا، فما وافق مزاجنا قبلنا به وما لم يوافقه رفضناه. ولو نظرت بعين عقلك لرأيت أنّ هناك أشياء عديدة لو تركنا لأمزجتنا الحكم فيها لضربنا بالشرع كلّه عرض الحائط.
ولك أن تسأل أي امرأة متزوجة الآن أو حتّى عزباء، بل ربّما عانس أصلا، هل تقبلين أن يتزوج عليك زوجك ثانية أو ثالثة أو رابعة؟ لأجابتك بالنفي، هذا بالرغم من أنّ المسألة شرعية لا غبار عليها.
ثم اسأل من الرجال من شئت وقل له: هل تقبل نفسك أن يخطب أمّك الأرملة أو المطلقة رجلا بعد أبيك ويتزوّج بها؟ فسترى أنّ حاله سينقلب وسوف يدّعى أنّ أمه ليست بحاجة إلى الزواج وأنّها وفيّة لوالده، وهكذا من التأويلات الكاذبة العديدة، ولكن الحقيقة أنّ هواه ومزاجه هو المانع ليس إلاّ.
وحسب رأيي فإنّ عمر بن الخطاب حرّم المتعة لأنّه كان شخصية مزاجيّة وكان يمثل التيّار المزاجي في الصحابة، ولو رأيت كيف وئد ابنته في الجاهلية، وكيف كان موقفه مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم صلح حديبية، وموقفه من الأعاجم وتحريم مكة والمدينة عليهم، وكذلك تفضيلة العرب على الأعاجم في العطاء لتيقنت ممّا أقول لك(5).
وبالرغم من حلّية المتعة فإنّ الإسلام راعى حق الولي للبنت، فجعل زواجها متوقّفا على إذن والدها أو جدّها أو وليّها عموما، وأنت ترى ما في هذا الزواج من فوائد عظيمة خاصّة لكثير من الشباب الذين لا يقدرون على مصاريف الزواج الدائم، أو للرجال الذين تعاني زوجاتهم من عاهات مستديمة أو مؤقتة تمنع الممارسة معهنّ، وكذلك الحال بالنسبة لكثير من المطلّقات والأرامل اللاّتي ما زال المجتمع العربي والإسلامي ينظر إليهن نظرة دونيّة ونظرة مريبة.
وأغرب من هذا إنّ هناك من علماء المسلمين من أباح للشبان أن يتزوجوا في الغرب بعقد منقطع كحالة اضطرارية وفي نفس الوقت يحارب المتعة حربا شعواء لقول الشيعة بها ليس إلاّ!
سألت صديقي قائلا: إذا كان الله تعالى يعلم أنّ العرب لا يقبلون بالمتعة فلماذا أحلّها لهم؟!
ابتسم صديقي وقال: " أوّلا: لا يوجد لماذا وكيف وعلى مَ مع الله جلّ جلاله، لأنّه هو المشرّع العالم بمصالح العباد.
وثانيا: الإسلام وإن جاء في العرب لكنه دين عالمي لا يتقيد بقيود عرقية أو جغرافية أو لغوية وغيرها، فما يستهجنه العرب قد يستحسنه غيرهم والعكس صحيح.
وثالثا: لم يكن كلّ العرب رافضين للمتعة بدليل عمل كثير من الصحابة بالمتعة زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده.
قلت وقد بدأ الظنّ بحلّية المتعة يغلب شكّي حولها: إذن المسألة حسب رأيك نابعة من الهوى؟!
أجاب صديقي: نعم، فتحريم المتعة ليس له أيّ أصل، وأزيدك حتّى تعلم إلى أيّ مدى نحن مزاجيّون: كم دم سفك بغير حقّ من جرّاء مسألة غشاء البكارة، هذه العادة الجاهلية التي لم يستطع الإسلام أن يزيلها بالرغم من مضيّ القرون والقرون، هذه المسألة ما زالت شامخة برأسها والويل لمن يكتشف زوجها أنّ بكارتها مفتضّة ـ خاصّة في بعض البيئات المتشددة ـ هذا مع أنّ العلم يقول: إنّ الممارسة الجنسية ليست السبب الوحيد لفضّ البكارة، بل قد تولد الفتاة بدون بكارة أصلا، وقد تفقدها جرّاء حركة شديدة عفوية، وقد يكون عندها غشاء بكارة إلاّ أنّه مطّاط بحيث يتمدّد عند الإيلاج(6). وعلى افتراض أنّ الفتاة اقترفت فاحشة فبأيّ فتوى تُقتل ولا شهود على ذلك؟! بل حتّى لو كان هناك أربعة شهود فحدّ غير المحصنة ليس القتل بالتأكيد بل الجلد. إنّ أناسا هذه عقيدتهم كيف تريد أن يقبلوا بالمتعة؟!
على أيّ حال فحكم المتعة شرعاً هو الحلّية، وعندما نقول حلال لم نأت للناس ونقول لهم تعالوا مارسوها، بل مثل أي حلال مشروع من أراد فليفعل ومن أراد فليترك.
انتهى بنا النقاش وقد تأكّد لديّ بما لا مجال فيه للشـك بأنّ المتعة حلال ولم تُنسخ، وزادت نقمتي بعد هذا النقاش على أولئك المهرّجين الّذين يبغونها عوجا فإذا كلّمهم الواحد طولاً أجابوه عرضاً، وهم بعد مكذبون لله وللرسول في الدين من حيث لا يشعرون.








____________
1 ـ قوله تعالى في سورة النساء الآية 24: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهُنَّ فَريضَة).
2 ـ أنظر: تفسير الفخر الرازي ـ سورة النساء ـ 4/42، صحيح البخاري 2/176، سنن ابن ماجة 2/188.
3 ـ أنظر: تفسير ابن كثير 1/486.
4 ـ مثل الحديث عن جابر وعن عمران بن حصين وغيرها، أنظر: مسند أحمد، مسند عمر، ج1 حديث رقم 371، وأيضا مسند أحمد 3/325 ; صحيح مسلم 2/896 ـ 900 كتاب الحج.
5 ـ أنظر ما فعله مع رسول الله يوم الحديبية: صحيح البخاري 6/170 ـ 171، صحيح مسلم 3/1411 كتاب الجهاد والسير، سير أعلام النبلاء ـ السيرة النبوية ـ 1/35.
6 ـ يراجع في هذه المسألة أهل النظر والاختصاص من أطباء وممرضين وغيرهم.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page