• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بحث رجالي

قد تقدم أن من نقل لنا هذه الخطبة كلهم ثقات, كما ترجمنا ذلك؛ ولعل هناك من يشكك في هذه الخطبة، لورود عطية العوفي وقد تقدم توثيقه وهذا واضح؛ ولكن هناك دعوى للقوم بشأن تضعيفه لابد من معالجتها لكي نطمئن بنقله؛ لاسيما إنّ عطية هو أحد الرواة لخطبة الزهراء عليها السلام.
 وألخص دعواهم بقول المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي قال:
>في عطية ثلاثة أشياء.
الأول: أنه مدلس.
الثاني: أنه عند أكثر الأئمة ضعيف.
الثالث: أنه كان يأخذ التفسير من الكلبي، ويكنّيه بأبي سعيد، فيقول عن أبي سعيد فيوهم انه أبو سعيد الخدري<([1]).
 هذه خلاصة أقوالهم في هذا الرجل. وسوف نناقشها بنوع من التفصيل لأهمية هذا البحث, فنقول:
أما الدعوى الأولى: فهي عين الدعوى الثالثة، فلو قال المباركفوري: إنه مدلس؛ لأنه يأخذ التفسير من الكلبي، ويكنّيه بأبي سعيد، فيقول عن أبي سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري.
شبهة تدليس عطية العوفي
قالوا: إن عطية مدلس؟
ولا نعلم في أي مورد دلّس عطية، ولو كان هناك مورد واحد لذكروه في ترجمته، فضلاً عمّن صنّف في كتب المدلسين كابن حجر في طبقاته، وسبط ابن العجمي في تبيين أسماء المدلسين وغيره؛ إلا أن تقولوا أنه دلس عن الكلبي موهماً أنه أبو سعيد، فهذه الدعوى باطلة.
لأننا لو رجعنا إلى أصل هذه المقالة، أو هذا القول، أو هذا الادعاء وتأملنا فيه بإنصاف وتعقّل، لثبت لنا أن هذا الرجل بريء مما اتهم فيه، وإنها تهمة بلا دليل.
أصل هذه الفرية
قال أحمد في العلل: >وذكر عطية العوفي، فقال: هو ضعيف الحديث، ثم قال بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، ويسأله عن التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد, فيقول قال أبو سعيد <([2]).
فلو حللّنا هذا المقطع الذي نقله أحمد بن حنبل لاستنتجنا منه التالي:
أولاً: إن أحمد بن حنبل قال بلغني،  ولا نعلم من هو ذلك الشخص الذي بلّغه هذه الفرية على الرجل، فإذن هناك واسطة مفقودة في نقل هذا الكلام، وهي غير معلومة، فكيف نثق بهذا النقل المقطوع من الأصل.
ثانياً: نسأل من هو هذا المفسّر الذي كان يأتيه عطية العوفي ليأخذ منه، فالمفروض أنه شيخه وعطية التلميذ، وعليه لابد أن يشيع ذكره في كتب التراجم، وهذا ما دأبنا عليه في كتب السير والتفسير.
إذن السؤال يدور حول أمرين مهمين, وبانتفائهما تنتفي أصل هذه الدعوى.
الأمر الأول: معرفة الكلبي المفسر.
الأمر الثاني: هل أن عطية بن سعد بن جنادة العوفي يأخذ التفسير عنه، وأنه تتلمذ على يديه؟
الجواب: أما الأمر الأول: فالظاهر أن الكلبي هو:( محمد بن السائب بن بشر النسابة المفسر)ولا بد من ترجمته، لتتضح الصورة ونزيل الإبهام الذي يلفّ هذه القضية.
ترجمة الكلبي
هو محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي, أبو النضر الكوفي، النسابة، من الطبقة السادسة، ومن الذين عاصروا صغار التابعين.
قال ابن حجر العسقلاني: >ساق ابن سعد نسبه إلى كلب بن وبرة، قال: وكان جده بشر و بنوه السائب و عبيد وعبد الرحمن شهدوا الجمل مع علي, وشهد محمد بن السائب الجماجم مع ابن الأشعث، وكان عالماً بالتفسير وأنساب العرب وأحاديثهم، توفي بالكوفة سنة ست وأربعين، أخبرني ذلك ابنه هشام، قالوا: و ليس ذاك، في روايته ضعيف جداً. وقال علي بن الجنيد، والحاكم أبو أحمد, والدار قطني: متروك. وقال الجوزجاني: كذاب، ساقط.
وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، روى عن أبي صالح التفسير, وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس, لا يحل الاحتجاج به. وقال الساجي: متروك الحديث, وكان ضعيفاً جداً, وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمّه و ترك الرواية عنه في الأحكام والفروع. قال الحاكم أبو عبد الله: روى عن أبي صالح أحاديث موضوعة<([3]).  
إذن الرجل متروك كذاب مذموم الحديث, وهل يعقل أن عطية العوفي الذي ذكرنا ترجمته قبل قليل، وقلنا: إن البخاري روى عنه وأبو داود والترمذي و ابن ماجه، وهذه الكتب من الصحاح.
 فهل أن البخاري وأبا داود والترمذي, يروون عن عطية المتهم بأن علمه يتلقاه من إنسان أجمعوا على كذبه، وذمه، وإنه كذاب ساقط. فهذا الكلام يخدش بهيبة هؤلاء العلماء التي تعد كتبهم من الصحاح عند القوم.
اعتقد أن هكذا قول هو مجازفة,  وكما قالوا: حدث العاقل بما لا يليق...
ثم إننا قد تتبعنا في التراجم والسيّر كموسوعة تهذيب الكمال للمزي، وكذلك  موسوعة سير أعلام النبلاء للذهبي، وغيرها من كتب التراجم والطبقات فلم نجد أن عطية العوفي يروي عن الكلبي، أو انه أخذ التفسير عنه.
أضف إلى ذلك أن عطية العوفي توفي سنة (111 هـ), في حين أن الكلبي توفي سنة (146 هـ), وعلى هذا يكون عطية توفي قبله بخمسة وثلاثين عاماً.
إذن هذه الفرية لا يمكن قبولها بحال. وأنها مخدوشة ولا تصلح كدليل على ضعف عطية العوفي.
وأما الدعوى الثانية: فقد تقدم الكلام عن توثيق عطية فراجع.
نعم يبقى الكلام في الاختلاف الذي وقع في من ضعّفه ومن وثقه، فنقول:
تحقيق
حكم  حديث الراوي المختلف فيه
لو راجعنا وتفحصّنا في حكم الراوي الذي اُختلف فيه، نجد أنهم يحسّنون هذا الرجل بذاته ولا يحتاج إلى عاضد رغم أنه مختلف فيه.
 قال ابن حجر العسقلاني في القول المسدد عن قزعة بن سويد بن حجير الباهلي البصري: >قال فيه ابن معين مرة ضعيف ومرة  ثقة، وقال أبو حاتم محله الصدق وليس بالمتين, يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال البزار: ليس بالقوي، وقال العجلي: لا بأس به وفيه ضعف<
[ومع كل هذا الاختلاف فقد حكم عليه ابن حجر  أن حديثه في مرتبة الحسن] ([4]).
وقال أيضا في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن صالح كاتب الليث: >عن ابن القطان قوله فيه: هو صدوق، ولم يثبت عليه ما يسقط حديثه؛ إلا أنه مختلف فيه، فحديثه حسن<([5]).
وقال أيضاً: >هشام بن سعد قد ضُعّف من قبل حفظه، وأخرج له مسلم، فحديثه في رتبة الحسن<([6]).
وقال أيضاً في تلخيص الحبير: >شهاب بن خراش اختلف  فيه والأكثر وثقوه، ثم حسّن حديثه<([7]).
وقال أيضاً في فتح الباري: عن فليح بن سليمان الخزاعي >مضعف عند ابن معين والنسائي وأبي داود, ووثقه آخرون، وقد قال عنه: صدوق كثير الخطأ<([8]).
وقال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ:>حديثه في رتبة الحسن<([9]).
وقال أيضاً في هدي الساري:> إسماعيل بن زكريا الخلقاني اختلف فيه قول أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وقال النسائي: أرجو أن لا بأس، ووثقه أبو داود، وقال ابن عدي هو حسن الحديث [ثم حكم عليه بقوله] صدوق يخطئ<([10]).
وقال ابن دقيق العيد في نصب الراية: >وسنان بن ربيعة أخرج له البخاري، وهو وان كان لين الحديث، فقد قال ابن عدي: أرجو أن يكون لا باس به, وقال ابن معين: ليس بالقوي، فالحديث عندنا حسن<([11]).
قال المنذري في مقدمة الترغيب والترهيب في حكم ما يرويه محمد بن إسحاق بن يسار: >وبالجملة فهو ممن اختلف فيه، وهو حسن الحديث<([12]).
إذن مما تقدم تبين بجلاء وبوضوح لا غموض فيه ولا لبس، ان بعض أئمة هذا العلم حكموا أن راوي الحديث المختلف فيه  يكون حسناً، وهذا هو اجتهادهم ولكل ناقد دليل.
 وبالتالي والحال هذه لا نستطيع أن نقول عن الرجل الواقع في السند كعطية العوفي ضعيف، أو انه عند أكثر الأئمة ضعيف؛ بل الرجل موثق على هذا المبنى.
وعليه فيسقط قول المباركفوري وغيره ولا عبرة بكلامهم البتة.
إذن ما ادعاه القوم من تضعيف عطية العوفي لا مبرر له على الإطلاق بل ثبت مما تقدم إن الرجل موثق، والسبب الحقيقي لضعفه هو ما بيناه سابقاً فتأمل.
__________
([1]) المباركفوري: تحفة الأحوذي، ج8 ص 206, الناشر: دار الكتب العلمية ط/1، 1410هـ - بيروت.
([2]) أحمد بن حنبل،  العلل، ج1 ص 549.
([3]) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب،ج9 ص180.                 
([4]) ابن حجر العسقلاني: القول المسدد في مسند أحمد,  ص50.
([5]) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، ج5 ص229.
([6]) بدر الدين بن بهادر: النكت على مقدمة ابن الصلاح،  ج1 ص 464.
([7]) ابن حجر العسقلاني: تلخيص الحبير، ج4 ص 602
([8]) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري، ج2 ص 435
([9]) الذهبي: تذكرة الحفاظ،  ج 1 ص 224.
([10]) ابن حجر العسقلاني: هدي الساري،  ص 390
([11]) الزيلعي: نصب الراية، ج1 ص 71.
([12]) المصدر نفسه، ج6 ص 458.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page