طباعة

الشبهة الثالثة: عدم عدالة رسول الله’ بين بناته

كثيراً ما تتردد هذه الشبهة ومفادها: إن رسول الله’ قال: >اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم< كدليل على أن رسول الله’ لا يمكن أن يهب الزهراء÷ فدك دون بقية بناته. ويستدلون بذلك: إن مسلماً روى في صحيحه: >عن الشعبي عن النعمان بن بشير، قال: تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله’، فانطلق أبي إلى النبي’ على صدقتي، فقال له رسول الله’: أفعلت هذا بولدك كلهم، قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة<([1]).
إذن قول الشيعة بأن فدك وهبها رسول الله’ لبنته فاطمة يستلزم أنه غير عادل؛ لأنه لم يساوي في العطاء بين بناته.
جواب الشبهة
 أيضاً هذه الشبهة باطلة من وجوه.
الأول: علّق النووي في شرحه لصحيح مسلم على هذا الحديث: أن الهبة لبعض الأولاد دون بعض جائز وصحيح، قال: >وفي هذا الحديث أن هبة بعض الأولاد دون بعض صحيحة ...الخ<([2]). فقيد الهبة بكونها صحيحة وجائزة.
وهذا الحكم موافق لما تقول به الشيعة, فقد روى الكليني بسند صحيح:
عن سعد الأشعري قال: >سألت أبا الحسن الرضا(ع) عن الرجل يكون بعض ولده أحب إليه من بعض ويقدم بعض، ولده على بعض؟ فقال: نعم، قد فعل ذلك أبو عبد الله(ع) نحل محمداً وفعل ذلك أبو الحسن(ع) نحل أحمد شيئاً، فقمت أنا به حتى حزته له<([3]).
الثاني: لو تأملنا في دلالة الحديث الذي رواه مسلم، فهو يتكلم’ في قضية خاصة خارجية وليس حكمها عامّاً؛ لاسيما أن هناك إصراراً  من أمه عمرة بنت رواحة على ذلك تفضيلاً لابنها على أبناء زوجها الآخرين لا لسبب آخر.
الثالث: الزهراء(س) سيدة نساء العالمين, الزهراء أم أبيها, الزهراء بضعة منه وروحه التي بين جنبيه, ولطالما كان’ يردد >فاطمة فداك أبي وأمي>([4])، وقال ابن حجر في فتح الباري: أخرج ابن أبي عاصم من حديث ابن عمر أن النبي’ قال لفاطمة فداك أبوك<([5]).
ولطالما كان يقول أيضاً: >يا عائشة إني إذا اشتقت إلى الجنة قبلت نحر فاطمة<([6])، فلو أعطاها الدنيا بحالها, فلا يعد ذلك ظلماً إطلاقاً, وهل نستكثر أن يهبها قطعة أرض, وما هي قيمة الأرض أمام عطاء فاطمة(س).
الرابع: إن رسول الله’يعلم أن فاطمة÷ هي امتداده فذريته سوف تستمر من نسلها، وهذا كاف أن يوجب إعطاؤها ما يعينها وذريتها من بعده.
الخامس: نفس هذا الفرض باطل ـ بعدما تقدم صحة حديث الهبة من رسول الله’ لابنته فاطمة(س)ـ لأننا نعلم بالقطع واليقين أن رسول الله’ معصوم من الزلل والخطأ, في أقواله وأفعاله، إذن لا يمكن أن نفرض عدم العدالة في حقه’ فهو مستلزم للهتك والطعن بأفعاله, وهو باطل بالضرورة.

____________
([1]) صحيح مسلم، ج5 ص66, باب كراهة تفضيل بعض الأبناء في الهبة.
([2]) النووي: شرح صحيح مسلم، ج11ص67. الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.
([3]) الكليني: الكافي، ج6 ص51، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.
([4]) الطحاوي: مشكل الآثار، ج1 ص 48 طبع حيدر آباد الدكن.
([5]) محب الدين الطبري ذخائر العقبى، ص36, الناشر: مكتبة القدسي.
([6]) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري، ج10ص470, الناشر: دار المعرفةـ بيروت.