• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

النكارة الثالثة: عدم الاقتران بين المناسبة والموضوع

لو لاحظنا وتأملنا في الحديث الذي يروى عن الإمام زين العابدين$ نجد أنه لا توجد مناسبة واقتران بين الموضوع الذي نحن بصدده؛ وهو الخطبة وبين سيف رسول الله, كما سيتضح من خلال الرواية. فلو راجعنا النص الذي يرويه الزهري بدقة لوجدنا أن هناك أمرين أحدهما مختلف عن الآخر, مما يدل على أن هذه القصة موضوعة من قبل الزهري.
وإليك النص الذي رواه البخاري ومسلم:
>عن ابن شهاب( الزهري) أن علي بن الحسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها قال: فقلت له: لا، قال له: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبداً حتى تبلغ نفسي, إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل... الى آخر الحديث<([1]).
فما علاقة سيف رسول الله(ص) بخطبة علي(ع) لبنت أبي جهل، وكيف نفسر إلحاحه في طلب السيف لأن النبي(ص) قال فاطمة بضعة مني، إذن فلا توجد مناسبة معقولة بينهما على الإطلاق مما يدل على وضعها.
مناقشة السيد المرتضى
وقد ردّ السيد المرتضى هذه الفرية من أساسها بالبيان التالي, حيث قال: هذا خبر باطل, موضوع, ويشهد ببطلانه, ويقضي على كذبه:
أولا ً: إنّ أمير المؤمنين (ع) لو كان فعل ذلك على ما حكى، لما كان فاعلاً لمحظور في الشريعة؛ لان نكاح الأربع حلال على لسان نبينا محمد(ص)، والمباح لا ينكره الرسول ولا يصرح بذمه، وبأنه متأذيه.
ثانياً: لو فرضنا المنع بعد أن أباحه لدليل خاص, فمثل علي$لا يمكن أن يفعل محظوراً في الشريعة؛ فليس مقبولاً عند العقل أن ينكر النبي صلى الله عليه وآله على من أراد فعل مباح قبل أن يصير ممنوعاً في الشريعة, ويبالغ في إنكاره؛ بل يذمه على ذلك.
فان الأولى؛ بل اللائق بخلقه الكريم ومقامه العظيم(ص)، أن يُعلم ذلك علياً من غير ارتكاب هذه التعريضات.
ثالثاً: على أنه لا خلاف بين أهل النقل أنّ الله جل وعلا هو الذي اختار أمير المؤمنين(ع) لنكاح سيدة النساء وأن النبي(ص) رد عنها جلة أصحابه, وقد خطبوها وقال(ص) (إني لم أزوج فاطمة علياً حتى زوجها الله إياه في سمائه)([2]) ونحن نعلم أن الله سبحانه لا يختار لها من يغيّرها- بزواجه بأخرى غيرها- ويؤذيها ويغمها, فإن ذلك من أدل دليل على كذب الراوي لهذا الخبر([3]).
إذن هذا الخبر باطل وموضوع, وواضح أنّ يد الزهري قد زورت وأدرجت هذا الحديث، فليس غريباً أن تكون هذه الزيادة منه بعد ما تقدم إنه من اتباع معاوية فهو الجندي والأمير بشهادة الذهبي كما تقدم.
إشكال ابن حجر العسقلاني على السيد المرتضى
قال ابن حجر في فتح الباري: >وكان علي قد أخذ بعموم الجواز، فلما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم، أعرض علي عن الخطبة، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ليشيع الحكم المذكور، وأما على سبيل الأولوية، وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة، فزعم أن الحديث موضوع؛ لأنه من رواية المِسور وكان فيه انحراف عن علي<([4]).
جواب الإشكال
ما أورده ابن حجر مدفوع بثلاثة أوجه:
أولاً: إن إشاعة الحكم المذكور، لا يتوقف على ما فعله النبي(ص)؛ فإنه كان يمكن أن يعلنه أو يبلغه بالطرق الطبيعية التي كان يتبعها(ص) مع الأحكام الأخرى، والتي كان بعضها أشد من هذا الحكم، علماً أن هذا الحكم لم يختص إلا بعلي(ع)، وأما بقية المسلمين لا يشملهم الحكم المذكور حتى نقول باضطراره(ص) لإشاعة هذا الحكم؛ لأنه ليس حكماً عاماً.
ثانياً: إن المِسور بن مخرمة قد اتضح من خلال ترجمته المتقدمة، أن فيه انحراف عن علي$، كما صرح السيد المرتضى، فإنه كان يصلي على معاوية كلما ذكره، بشهادة الذهبي المتقدمة، وقد انحاز مع ابن الزبير، ومعلوم أن ابن الزبير كان يبغض علياً$ وهذا واضح.
إذن كيف يمكن الوثوق بروايات من كان هذا حاله، ولهذا السبب قال السيد المرتضى: إن الحديث موضوع.
ثالثاً: لو تأمل ابن حجر بكلام المرتضى، لاتضح أن الغفلة هي من نفسه هو وليس من المرتضى(رحمه الله)؛ لأنه ذكر دليلاً وعلةً لوضع هذا الحديث؛ وذلك لأن زواج أمير المؤمنين لفاطمة عليها السلام هو بأمر الله جل وعلا، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى لا يختار لها من يغيِّرها ـ بزواجه$ من امرأة أخرى ـ فيؤذي فاطمة ويغمها، فإن ذلك من أدل دليل على كذب الراوي لهذا الخبر وهو المِسور بن مخرمة.
الدواعي لوضع هذا الحديث
لعل السؤال يعود مرةً أخرى وهو أنه لو كان الزهري هو من وضع هذه الزيادة في هذا الحديث فما هو المبرر لذلك.
والجواب يدور بين أمرين:
الأول: أن يقابلوا بذلك ما يروونه بأنفسهم - كما مر في صحيح البخاري- من أن فاطمة وجدت على أبي بكر فلم تكلمه حتى ماتت, ليكون علياً$ قد أغضبها كما أنّ أبا بكر قد أغضبها, وبذلك تسقط حجج الشيعة من أنّ أبا بكر هو الذي أغضب فاطمة, وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (من أغضبها أغضبني).
الثاني: تبرير سنّة لعن أمير المؤمنين (ع) التي مارسها معاوية طيلة ستين عاماً, ليقول إنّ علياً هو السبب في إغضاب رسول الله، ومعلوم ما هو حكم ذلك الإنسان؟
وبعد هذا البيان، فلا غرابة أن يضعوا زيادة في هذا الحديث؛ بل الغريب أن لا نجد ذلك. ومن تصفح التأريخ ولاسيما تاريخ الدولة الأموية يجد أن ذلك واضحاً بلا شك أو ريب.
قال الأستاذ محمود أبو رية: >اشتد الاختراع واستفاض بعد مبايعة علي رضي الله عنه، فإنه ما كاد المسلمون يبايعونه بيعة صحيحة حتى ذر قرن الشيطان الأموي ليغتصب الخلافة من صاحبها، ويجعلها حكماً أموياً! وقد كان وا أسفاه! وإليك كلمة صادقة دقيقة كتبها الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله في  مقدمات رسالة التوحيد بعد أن تكلم عن الفتنة الكبرى التي  هوى بها ركن عظيم من هيكل الخلافة، واصطدم الإسلام وأهله صدمة زحزحتهم عن الطريق التي استقاموا عليها.
قال رضي الله عنه: توالت الأحداث بعد ذلك ونقض بعض المبايعين للخليفة الرابع ما عقدوا، وكانت حروب بين المسلمين انتهى فيها أمر السلطان إلى الأمويين! غير أن بناء الجماعة قد انصدع، وانفصمت عرى الوحدة بينهم، وتفرقت بهم المذاهب في الخلافة... وكانت نشأة الاختراع في الرواية والتأويل، وغلا كل قبيل فافترق الناس... إلخ<([5]).
إذن فالوضع والاختراع للأحاديث لا سيما في الدولة الأموية كان شائعاً ومشهوراً، وكان القصد من ذلك هو التبرير للحكم السائد آنذاك لأنه مغتصب على حد تعبير الأستاذ أبو رية.
خلاصة ونتيجة
إذن اتضح من مجموع بحثنا أن هذا الحديث موضوع ومختلق ولا يستبعد أن يد الواضعين قد أدرجت فيه بعض الزيادات عليه، واتضح أيضاً أن فيه نكارات واضحة لا تخفى على من له أدنى مسكة من العقل، وما أثاره ابن تيمية قد اتضح بطلانه وفساده بما تقرر.
__________
([1]) صحيح البخاري: ج4 ص 47, وصحيح مسلم: ج 7 ص 141. الناشر: دار الفكر - بيروت – لبنان.
([2]) روى الهيثمي في زوائده:> عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي< ثم قال:  رواه الطبراني ورجاله ثقات. مجمع الزوائد: ج 9 ص 204.  الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت.
وروى ابن عساكر في تأريخه: > عن أنس بن مالك قال بينا أنا عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذ غشيه الوحي، فلما سري عنه، قال: هل تدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش قلت: لا، قال: إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب. تاريخ مدينة دمشق: ج 52 ص 444. الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
([3]) السيد المرتضى: تنزيه الأنبياء, ص 268- 269. الناشر: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة. (بتصرف منا في العبارة).
([4] ) فتح الباري: ج7 ص68.
([5] ) محمود أبو رية: أضواء على السنة المحمدية، ص118 ـ 119، الناشر البطحاء، ط5.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page