• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الحادي والعشرون هل أوصى الرسول أم لم يوص ِ

كنت أطوّع النفس على قبول أئمة الشيعة، فودعتها تصير مطواعة حتّى بدأت أجلّها أكثر ومن ذي قبل، وذلك حينما اكتشفت مقدار صبرها، وفيض هدأتها، وبدأت أعودها على الرضى بهذه، وذلك ريثما تأتي مسائل أعظم، فإنّي كنت قد عودتها على احتمال سابقاتها، وإذا به يلوح لي إنّها تقوى على تحمل الأصعب منها والتنازل عن شيء وأشياء من غروها لقاء أن تحفل بمعان من أطيب الملامح وترتشف من لدن معين العلوم وغدير المعارف التي جعلت منها تحياها وتعيشها كما جعلت ذهني يعيش أيام التاريخ، وكأني أنقلب زمان الأئمة الأربعة أو في عصر ما قبل صدر الإسلام، وأيام الدعوة أو في أيام الدولة الأُموية. بينما جعلت أحتمل أسئلة وأُخرى، كنت أجدها تنشب مخالبها في لحمي من قبل أن أنشب أظفار عقلي ومخالب ذهني في رحى أحشائها وعوالق بطونها.. فلم لم يوحي رسول اللّه لمن بعده؟ فلِمَ لم يعيّن حاكماً يأتي وراءه؟ ولم كان لأبي بكر وعمر وعثمان أن يفطنوا إلى مثل هذا الأمر حتّى كان لابنته عائشة هي الأُخرى أن تتميز ضرورة مثل هذه الوصية، فتبعث إلى عمر بن الخطاب قبيل وفاته لتذكره بعدم ترك أُمة محمّد كالغنم ومن دون راعي.. وهل كان الرسول لا يفهم فلسفة الوصية؟ وإذن فإنّ ديننا يُحمل في قبالة كافة أديان العالم نقاط ضعفها، لا يمكن أن سيدها أعظم عمالقة علماء الأزهر ولا بغداد.. فأين وصية محمّد؟ وهل كان له أن يقيم دينه اللّه، ويدع أُمته دون راع، ليتقاسموا إرثه ومن بعدها، في سقيفة بني ساعدة، يكادون يحطّموا أجساد بعضهم البعض حتّى كأنهم أرادوا أن يعودوا إلى أيام ما قبل الإسلام، لتحكمهم مقومات الحياة الجاهلية، وأن الحكومة لا يتولاها سوى أقرب العشائر إلى الحاكم السابق، والا فعلنا كذا وكذا؟. وهم الذين ما كانوا ليجدوا أن الدين المحمّدي قد جاء ليفرز أواصر القبيلة، أو سيؤكد على أن الحكم يلتزم عدم الخروج من حدود نطاق القبيلة والعشائرية أو الطائفية.. فكيف كان لهم أن ينبروا بقول مثل هذه الأقاويل؟ وكيف كان لهم أن يتقاتلوا والرسول مسجىً لم يدفن بعد.. وكيف كان للرسول أن يترك أمته كهمل النعم، فلا يوصي، ونعترف بذلك.. اشفاقاً منّا على سمعة الصحابة، ودعماً منّا لصحة حكوماتهم، وتأييداً تثمينياً من قِبلنا لكُلّ خلافاتهم وجميع الأسباب التي توسلوابها لتصدّر أمر بلاد الإسلام وحكم أُمة الرسول من بعده، وذلك على حساب سمعة هذا البطل الأخير، والذي ظل يؤكد على أن من عمل منكم عملاً فليتمه!.. فكيف كان له أن ينسى العلم بما يقول، فيذهب دون أن يتم رسالته.. ولقد قال له اللّه: { اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً }، فأين هي هذه النعمة، وأين هو هذا الإكمال؟ والكُلّ يقولون إنّ رسول الإسلام ما كان قد أوصى.. وكأنه قد تعمد أعمال الفتنة، لأ نّه ما اراد سواها، وما كان له ان يجيء بأي تعليمة من اله السماء ان ما جاء به هو من عنده.. ولا كان هو بالذي ينطق إلاّ عن الهوى، وما كان هو وحياً يوحى حتّى ليمكن أن يمتد مثل هذا النقص والانتقاص إلى ربِّ محمّدنفسه.. فيديننا المسيحيون واليهود على عبادتنا لمثل هذا الربِّ الذي لم يوح إلى رسوله بضرورة الايصاء وإعلان مثل ذلك إمام الملأ أجمع.. فهل القياصرة هم أفضل من محمّد، لأ نّهم كان لهم وبعقيدتهم هذه أن يحقنوا دماء أقوامهم، ولا يدعوهم دون أن يوصوا إلى ولدهم من بعدهم.. حتّى اليهود كذلك.. فما كان لأحد إحبارهم أن يترك صومعته، إلاّ بعد أن يترك من يقوم على أمرها.. وكذا يفعل اليوم أخسّ الحكام وأحطّهم درجة من الذين يحكمون أضعف بلدان العالم.. فهل كان رسولنا بدعاً من الرسل.. ولقد أوصى إبراهيم إلى إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى اسحق، وإسحاق إلى يعقوب.. أكان رسولنا أقل شأناً من هؤلاء وهو خلاصة وزبدة الرسل قاطبة وخاتم الأنبياء جميعاً حتّى كان علينا أن نرتضي بما سجله التاريخ ولا نحقق في الأمر، ولا نبحث في الأسباب بل نقول لكُلّ من يريد الابحار في موج عباب مثل هذه القضايا، بأنّ القضية قيدت ضد مجهول، وليس لك أن تثير الإحن، وتنقب عن مقالع تصنع الفتن.. هذا ولو كان لمثل هذا أن يجري على حساب سمعة الرسول الذي ما أرسله اللّه إلاّ ليتم مكارم الاخلاق، ومعاصي أخلافنا اليوم، تنسف كُلّ النسف، ونظل ننادي بأننا مسلمون.. فأين هي المحمّدية في يومياتنا، وكُلّ ما نبصره من مظاهر الحياة في البلدان الإسلامية، مع أنّ الكُلّ يدعى أن دولته تدين بالدين الإسلامي الحنيف.. فاليوم كذلك هم يريدون تبرئة ساحاتهم ونسب كُلّ ما شطّ، وضعف إلى دين محمّد نفسه، وأ نّه ما كان قد تمم مكارم الاخلاق، والاّ لما كانت كُلّ هذه الملاهي والخلاعة وألوان الفساد قد تفشت بأنواع ضروب الظلم وصنوف الطغيان.. حتّى صار التمسح باعتاب الأعراف الاجتماعية في الغرب صورة بديلة عن محمّد لتبرير ضعف الإسلام، وعدم قدرته، على أن يطال ما حققته المجتمعات الغربية، فلو كانت الأخيرة على خطأ أو ديانتها كذلك، فما كان لها أن تتسنم عبقريات العلوم، وتتفنن وتبرع في مختلف مجالات التطور حتّى وصلوا إلى الفضاء، والتمسوا من لمحة الثريا، بعد أن عبوا من بطون الثرى، واستنفدوا معادنها، واحاطوا بثرواتها إحاطة واسعة، مدغمة.
نهضت من فراشي، وأنا الذي كنت قد عزمت على النوم، توجهت إلى خالد وطلال، أنصرف بعدها خالد إلى شغل اضطره إلى الذهاب، فبقي طلال وأنا أسائله:
ــ " لِمَ لَم يوصِ الرسول؟ وهل كان بدعاً من الرسل حتّى نقول إنّه لم يوصِ؟) ".
نظر إليّ، وكأ نّه كان يجدني أنطق بحججه، ومن قبل أن ينطق بها هو، ولم يرغه ما وجدني عليه، وكأنه قد مرّ بمثل هذه المراحل هو الآخر ومن قبل.
تابعت حديثي وأنا أقول:
ــ " أنا لم أسمع عن شيء اسمه الوصية، فإنّ كان لك منها إفاضات، فهاتها كيما أغتنم العبّ منها؟ ".
نظر إليّ بامعان، وشرع يسهب في الكلام، كأ نّه عزم على أن لا ينطلق حتّى يضمن إذعاني له بالتالي، قال:
ــ " سأزودك بنصوص ربما لم تسمع بها لليوم، لإنك لم تتفقد كتب أهل السنة ".
ــ " كيف تقول هذا؟ ".
ــ " إنك لم تتفقد كتبكم بالشكل الذي يسمح لك باستيعاب مسألة الوصية.. والمصادرة عليها بأنها قضية مبدئية بديهية صودق عليها في السماوات العلى ".
ــ "؟! ".
ــ " أما نصوص الوصية فهي متواترة، وحسبك مما جاء من طريق أهل السنة، قول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد اخذ برقبة علي: "هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا..." وأخرج محمّد بن حميد الرازي، عن سلمة الأبرش، عن ابن إسحاق عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه بريدة، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "لكُلّ نبي وصي ووارث ".
وهنا جعل ينظر إليّ بدقة، وكأ نّه يوصيني بالانصياع لبداهة الأُمور قبل الدخول في مضامير البحث والدراسة.
ــ ".. وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب ".
ــ " من أورد هذا الحديث؟ ".
ــ " هذا الحديث،.. أورده الذهبي في أحوال شريك من ميزان الاعتدال كذب به، وزعم أن شريكاً لا يحتمله ".
ــ " وماذا قال؟ ".
ــ " وقال: إن محمّد بن حميد الرازي ليس بثقة ".
ــ " ولماذا تخبرني بالحديث، ثُمّ تضعّفه؟ ".
ــ " إني أطرح عليك الحقائق كما يقال عنها، وسأجيبك بما يشفي الغليل.. إنّي لا أُريد اقناعك عنوة، ولكني أريدك أن تسترسل على سجيتك من دون أيّما إغراء أو إهمال! ".
ــ " بينما قال الجوال: إن الإمام أحمد بن حنبل والإمام أبا القاسم البغوي والامام ابن جرير الطبري وإمام الجرح والتعديل ابن معين وغير هم من طبقتهم، وثّقوا محمّد بن حميد ورووا عنه، فهو شيخهم ومعتمدهم كما يعترف به الذهبي ".
ــ " نفس الذهبي؟! ".
ــ " أجل، هو يعترف بذلك ".
ــ " أين؟ ".
ــ " في ترجمة محمّد بن حميد من الميزان ".
ــ " هكذا إذن ".
ــ " ولهذا، ما عليك إلاّ أن تتبين الكلام المقول بفعل التأثيرات المحيطة بالمرء أو بانعكاس الآثار النفسية على بعض المؤرخين والعلماء.. حتّى يمكنك أن تخرج بنتيجة حسنة، ليس فيها أيّما إسراع في الحكم والخروج بنظرة مضطربة ليس فيها أيّما فائدة بل ربما حملت اضراراً بليغة.. لا تُستبان آثارها في الحال! ".
ــ " بينما يستدرك الجوال حديثه، فيقول: ".
ــ " والرجل ممن لم يتهم بالرفض ولا بالتشيع، وإنّما هو من سلف الذهبي فلا وجه لتهمته في هذا الحديث ".
ــ " وأخرج الطبراني في الكبير بالاسناد إلى سلمان الفارسي، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب ".
ــ " وهذا الحديث بلفظه وسنده ليعد الحديث 2570 من أحاديث كنز العمال في آخر صفحة 155 من جزئه السادس، وأورده في منتخب الكنز،فيمكنك أن تراجع من المنتخب ما هو مطبوع في هامش ص 32 من الجزء الخامس من مسند أحمد ".
ــ "؟! ".
ــ " وهذا نصّ في كونه الوصي، وصريح في أ نّه أفضل الناس بعد النّبي، فيه من الدلالة الالتزامية على خلافته، ووجوب طاعته، ما لا يخفى على أولي الألباب ".
ــ " كما وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء، كما في ص 450 من المجلد الثاني من شرح النهج، عن أنس، قال: قال لي رسول اللّه (ص): "يا أنس أول من يدخل عليك هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين،.. (انتبه هنا.. يقول خاتم الوصيين) وقائد الغر المحجلين " قال أنس:
ــ ".. فجاء علي، فقام إليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، مستبشراً فاعتنقه، وقال له: "أنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي ".
ــ " ولقد أخرج الطبراني في الكبير بالإسند إلى أبي أيوب الانصاري، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): قال: "يا فاطمة، أما علمت أن اللّه عزّوجلّ اطلع على أهل الأرض، فاختار منهم أباك فبعثه نبياً، ثُمّ اطّلع الثانية فاختار بعلك، فأوحى إلي، فأنكحته واتخذته وصياً "(1).
ــ " جميل حقاً! ".
ــ " أُنظر كيف أختار اللّه عليّاً من أهل الأرض كافة بعد أن أختار منهم خاتم أنبيائه، وأُنظر إلى أختيار الوصي وكونه على نسق أختيار النّبي، أُنظر كيف أوحى اللّه إلى نبيه أن يزوجه ويتخذه وصياً، وأُنظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلاّ أوصياءهم ".
ــ "؟! ".
ــ " وهل يجوز تأخير خيرة اللّه من عباده ووصي سيد أنبيائه، وتقديم غيره عليه، وهل يصح لأحد أن يتولى الحكم عليه، فيجعله من سوقته ورعاياه؟ ".
جعلتني هذه الأسئلة أطّرح في دوامة هائلة.. تصورت أ نّه ليس بميسوري الفكاك من ربقتها أبداً.. بينما أخذ صوته يتدفق أكثر فأكثر ويتعاظم في ذاكرتي ورأسي:
ــ ".. وهل يمكن عقلاً أن تكون طاعة ذلك المتولى واجبة على هذا الذي اختاره اللّه كما أختار نبيه؟ ".
ــ " بدهتني أسئلة كثيرة تجاوزت حدود استفسارات رفيقي الاستنكارية.. حتّى صرت أكره ما سلف من إيامي.. كيف تقضت وأنا لم أكن أُفكر مثلما أُفكر اليوم! ".
ــ ".. وكيف يختاره اللّه ورسوله ثُمّ نحن نختار غيره { وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } ".
ــ " وإذن فالطاعة للّه وحده، وما كان خارج حدود هذا فهو يخرج إلى حدود الشيطان.. (قلت ذلك في نفسي وأنا أحاول أن أراجع حساباتي جميعاً.. بل قررت كذلك) ".
ــ ".. وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، سيزوج علياً من بضعته الزهراء ـ وهي عديلة مريم سيدة نساء أهل الجنة ـ حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر، ولا سيما بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح ".
ــ " هل يمكن أن تدعم ذلك بحديث أو رواية؟ ".
ــ " وكيف لا! فلقد أخرج ابن أبي حاتم عن أنس، قال: "جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النّبي، فسكت ولم يرجع اليهما شيئاً، فانطلقا إلى علي ينبهانه إلى ذلك "(2).
ــ " وإذن، فقد تقدم إلى خطبتها كُلّ من الصحابيين: أبي بكر وعمر بن الخطاب، ولم يوفّقا.. إلى ذلك ".
ــ " أجل! لم يقبل بهما رسول اللّه ".
ــ " وما معنى هذا؟ ".
ــ " ماذا ترى أنت؟ ".
ــ " أرى أن من لا يصلح زوجاً لفاطمة.. وبعدم رضىً من أبيها.. ربما صلح للخلافة.. لأنّ السياسة غير الحياة الزوجية ".
ــ " وإذا ثبت أن الزواج من فاطمة هو زواج إلهي.. قائم على أُسس وآمال إلهية.. فلما ليس لنا أن نفترض المساعي الإلهية لا تتصل بالسياسة الإلهية.. ما كان لنا أن نفترض خلو هذا الزواج الإلهي من دون أيّما إرادة إلهية في دوام الخلافة الإلهية في أرضه عبر نسل فاطمة الزهراء ".
ــ " وإذن ".
ــ " وإذن، البقية ستلحق بذهنك حالما تنتبه إلى آمال أكبر تنزع بالجنس البشري إلى افتراش سيب الفيوض النّبوية والتمسك بأهداب الالتحاف بالشعاعات الإلهية! ".
ــ " والآن، هل لك في أن تزيدني؟ ".
ــ " عن علي، قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول اللّه، فأبى(صلى الله عليه وآله وسلم)عليهما، قال عمر: أنت لها يا علي "(3).
ــ " وأنت، ما هي نظرتك حيال فحوى ومضمون مثل هذه الأخبار؟ ".
ــ " أما الآن، فما عليك بما أنظر أنا، وأنظر أنت بنفسك وحاول أن تقيم لعقلك سعة من القدر أكثر مما يمكن أن تقيمها لعقول الرجال من غيرك وفكر أنت فيما قاله الآخرون.. وأنصف من نفسك وأحكم عليه بالعدل والإحسان؟! ".
ــ " وماذا قال الآخرون؟ ".
ــ " قالوا: إنّ هذه ميزه يظهر بها فضل علي، فلا يلحقه، بعدها لاحق، ولا يطمع في إدراكه طامع، فاجلبوا بما لديهم من ارجاف، وعملوا لذلك أعمالاً، فبعثوا نساءهم إلى سيدة نساء العالمين ينفّرنها، فكان مما قلن لها: إنّه فقير ليس له شيء، لكنها عليها السلام لم يخف عليها مكرهن، وسوء مقاصد رجالهن ".
ــ " وإذن، كانت قد تنبهت إلى ما يرمون إلى صنعه؟ ".
ــ " أجل، فإنّها، ومع كُلّ ذلك، لم تبد لهن شيئاً يكرهنه، حتّى تم ما أراد اللّه عزّ وجلّ ورسوله لها ".
ــ " وما الذي فعلَته بعد ذلك؟ ".
ــ " وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أمير المؤمنين ما يخزي اللّه به أعداءه فقالت وكأ نّها تريد أن تستزيد من فضل أمير المؤمنين مع درايتها بفضله العظيم وقدره الإلهي، وهي التي ما كانت لتخفى عليها سبحات الوحي وأنفاسه، إذ كانت تجري وتنسرب في بيتها.. بيت أبيها رسول اللّه وتحضر حضور الوحي جبرئيل وتسكن إلى نفحات الربِّ الجليل: يا رسول اللّه زوجتني من فقير لا مال له؟ فأجابها(صلى الله عليه وآله وسلم)، بما سمعت ".
وإذا أراد اللّه نشر فضيلة    طويت أتاح لها لسان حسود
ــ " كما أخرج الخطيب في المتفق بسنده المعتبر إلى ابن عباس، قال: لما زوج النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة من علي، قالت فاطمة: يا رسول اللّه زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضين أن اللّه اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك، والآخر بعلك ".
ــ " وعن ابن عباس قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضين أنّي زوجتك أول المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً، وأ نّك سيدة نساء أُمتي، كما سادت مريم نساء قومها، أما ترضين يا فاطمة أن اللّه اطلع على أهل الأرض فاختار منهم رجلين، فجعل أحدهما أبوك والآخر بعلك "(4).
ــ " جميل! ".
ــ " وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هذا إذا الم بسيدة النساء من الدهر لم يذكرها بنعمة اللّه ورسوله عليها، إذ زوّجها من أفضل أُمته، ليكون ذلك عزاء لها وسلوة عما يصيبها من طوارق الدهر، وحسبك شاهداً لهذا ما أخرجه الإمام أحمد في ص 26 من الجزء الخامس من مسنده من حديث معقل بن يسار أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عاد فاطمة في مرض أصابها على عهده، فقال لها: كيف تجدينك، قالت: واللّه لقد أشتد حزني، وأشتدت فاقتي وطال سقمي، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً ".
ــ " وإذن فالروايات كثيرة؟ ".
ــ " بالتأكيد فإنّ الأخبار في ذلك متضافرة لا تحتملها نقاشاتنا هذه! ".
بعدها انتبهت إليه، وأنا أقول:
ــ " أُريد أن أُخبرك بشيء.. إنّ أهل السنة والجماعة ينكرون الوصية محتجين بما رواه البخاري في صحيحه عن الأسود، قال: ذكر عند عائشة، رضي اللّه عنها، أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إلى علي ".
قاطعني قائلا ً:
ــ "أين أخرجه البخاري.. أقصد هذا الحديث؟".
ــ "هذا الحديث، أخرجه البخاري في كتاب الوصايا ص 83 من الجزء الثاني من صحيحه، وفي باب مرض النبي ووفاته ص 64 من الجزء الثالث من الصحيح".
ــ "ولا شكّ أ نّك ستخبرني أنّ مسلم هو الآخر قد أخرجه في صحيحه؟".
ــ " بالضبط! فلقد أخرجه مسلم في كتاب الوصية ص 14 من الجزء الثاني من صحيحه".
ــ "أكمل الحديث؟".
فقلت:
ــ " إن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إلى علي رضي اللّه عنه، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النّبي وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فأنخنث فمات، فما شعرت: فكيف أوصى إلى علي ".
عندها نظر إلي، وهو يرشف آثار ابتسامة تساقطت آثارها على وجهه الذي غدا يمطر حالة من الأسف الحزين المشوب بشيء من التفكّه، فقال:
ــ " قد تعلم أن الشيخين رويا في هذا الحديث: وصية النّبي إلى علي وذلك من حيث لا يقصدان، فإنّ الذين ذكروا يومئذ أن النّبي أوصى إلى علي لم يكونوا خارجين من الأُمّة، بل كانوا من الصحابة أو التابعين الذين لهم الجرأة على المكاشفة بما يسوء أُم المؤمنين ويخالف السياسة في ذلك العهد ".
ــ " ماذا تقصد؟ ".
ــ " دعني أكمل لك ما أُريد قوله!.. ولذلك ارتبكت رضي اللّه عنها، عندما سمعت حديثهم ارتباكاً عظيماً يمثله ردّها عليهم بأوهى الردود وأوهنها ".
ــ " هل يمكنك أن تثبت ادعاءك هذا؟ ".
ــ " أجل، فلقد قال الإمام السندي ـ في تعليقه على هذا الحديث من سنن النسائي ص 241 من جزئها السادس، طبع المطبعة المصرية بالأزهر ـ: ولا يخفى أن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك، ولا يقتضي أ نّه مات فجأة ".
ــ " هو الذي يخبر بهذا؟ ".
ــ ".. وهل ترى أنا الذي أُخبر به؟ فلقد تابع كلامه وهو يقول:.. فجأة بحيث لا تمكن منه الوصية ولا تتصور، فكيف وقد علم أ نّه علم بقرب أجله قبل المرض ثُمّ مرض أياماً إلى آخر كلامه، فأمعن النظر فيه، تجده في غاية المتانة؟ ".
ــ " وهل يمكنك أن تستدل على ما تقول من نفس صحيح البخاري أو مسلم؟ ".
ــ " سأخبرك ".
قاطعته وأنا أحاول اغتنام الفرصة، وأكثّف عليه مقدار الهجمات:
ــ " أنا الذي سأخبرك هذه المرة، استمع إلى ما يقوله البخاري في الصحيح عنها أيضاً، وذلك من عدة طرق، حيث أخرج في صحيحه، أ نّها كانت تقول: مات رسول اللّه بين حاقنّي وذاقنتي، وكثيراً ما قالت: مات بين سحري ونحري، وربما قالت: نزل به ورأسه على فخذي "(5).
ــ " انتهيت، أم لك في الكلام أفادات أُخرى؟ ".
ــ " لا، لم انته بعد! أما في صحيح مسلم، فإنه كان قد أخرج حديثاً عن عائشة ".
ــ " ما الذي قالته؟ ".
ــ " قالت: ما ترك رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً ولا أوصى بشيء. وفي الصحيحين ".
ــ "؟! ".
ــ " راجع كتاب الوصايا من كُلّ من الصحيحين، تجد الحديث!.. وهو عن طلحة بن مصرف، قال: سألت عبداللّه بن أبي أوفى: هل كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أوصى؟ قال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية ـ ثُمّ تركها ـ قال: أوصى بكتاب اللّه ".
ــ " انتهيت؟! ".
ــ ".. وحيث إن هذه الأحاديث أصح من الأحاديث التي أوردتها لثبوتها في الصحيحين دون تلك المقدمة عند التعارض، فإن عليها المعول ".
فقال لي:
ــ " أما أنا فأقول: إنّ وصية النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي لا يمكن جحودها، إذ لا ريب في أ نّه عهد إليه ـ بعد أن أورثه العلم والحكمة ـ بأن يغسله، ويجهزه، ويدفنه(6).
وكان يقول: سلام عليك أ يّها النّبي ورحمة اللّه وبركاته، أعز اللّه عزّوجلّ دينه، وتمت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أَنزل اللّه إليه. ثبتنا بعده، واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتّى صلى عليه الرجال ثُمّ النساء ثُمّ الصبيان، وأول من دخل على رسول اللّه يومئذ بنو هاشم، ثُمّ المهاجرون، ثُمّ الانصار، ثُمّ الناس، وأول من صلى عليه علي ".
ــ " الخبر يقول: أول من صلى عليه عليٌّ؟! ".
ــ " أجل! الخبر يقول أول من صلى عليه عليٌّ والعباس وقفا صفاً، وكبرا عليه خمساً ".
ــ " لماذا؟ ".
ــ " لأ نّه هو الذي يفي دينه، وينجز وعده، ويبرئ ذمته ".
ــ "؟! ".
ــ " والأخبار في هذا كُلّه متواترة ".
ــ " كما أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة: إنّ علياً قضى عن النّبي أشياء بعد وفاته كان عامتها عدة حسبت أ نّه قال خمسمئة ألف درهم، فقيل لعبد الرزاق: وأوصى إليه النّبي بذلك؟ قال: نعم لا أشك أن النّبي أوصى إلى علي، ولولا ذلك ما تركوه يقضي دينه ويبين للناس بعده ما اختلفوا فيه "(7).
ــ " أما ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى من أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أوصى بكتاب اللّه فحق، غير أ نّه أبتر، لأ نّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أوصى بالتمسك بثقليه معاً، عهد إلى أُمته بالاعتصام بحبليه جميعاً، وأنذرها الضلالة إن لم تستمسك بهما. أخبرها أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.. ومن ثُمّ فلِمَ لم يتقيد الخليفة الأول والثاني والثالث بالوصية بكتاب اللّه (على حد زعم البخاري)، فلِمَ أوصوا بما أوصوا حتّى خلفتهم الدولة الأموية والعباسية وكان خلفاؤها أنبه وأذكى من رسول البشرية ومنقذها.. محمّد بن عبداللّه، فما كان أحدهم ليموت إلاّ وكان قد أوصى بخلافة المسلمين إلى من يخلفه من ولده أو إخوانه او أيّما أحد اختاره ".
عندها استحوذ علي صمت غريب.. حتّى غدوت كأن على رأسي الطير وأنا الذي صرت لا أحير جواباً.. بل لقد تملكني الحياء مما قال ومما كنت أقول! بعدها استجمعت شتات أفكاري، ولازمت موقعي، وقررت مواصلة النزال حتّى أصل إلى ما يريده اللّه لي! فقلت له بعد أن تذكرت ما انستنِيَه حرارة النقاش:
ــ " إنّي لأراك قد ولّيت أم المؤمنين وأفضل أزواج النّبي صفحة إعراضك، فاتخذت حديثها ظهريا، وتركته نسيا منسياً، وقولها هو الفصل وحكمها هوالعدل، ولك مع ذلك رأيك، فاصدع به نتدبره، والسلام ".
ــ " إن لأم المؤمنين عائشة فضلها ومنزلتها، غير أنها ليست بأفضل أزواج النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
ــ " ماذا تقصد؟ ".
قلت ذلك بلحن كان يتوهج بشيء من القساوة.
ــ " وكيف تكون أفضلهن مع ما صح عنها إذ قالت: ذكر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، خديجة ذات يوم فتناولتها فقلت: عجوز كذا وكذا، قد أبدلك اللّه خيراً منها، قال: ما أبدلني اللّه خيراً منها، لقد آمنت بي حين حرمني الناس، ورزقني اللّه ولدها، وحرمني ولد غيرها ".
ــ " أي حديث آخر؟ ".
ــ " عن عائشة قالت: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام، فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلاّ عجوزاً، فقد أبدلك اللّه خيراً منها فغضب حتّى اهتز مقدم شعره من الغضب ثُمّ قال: لا واللّه ما أبدلني اللّه خيراً منها، آمنت بي اذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني اللّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء "(8).
ــ ".. ونص على تفضيلها، فقال: أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): خير نساء العالمين أربع ثُمّ ذكرهنّ، وقال: حسبك من نساءالعالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية امرأة فرعون، إلى كثير من أمثال هذه النصوص وهي من أصح الآثار النّبوية وأثبتها ".
شعرت كأني قد أُلقمت حجراً! فلم أفه أو أعلق بأيما شيء واجتزأت بتوزيع ألوان من التحديقات هنا وهناك ".
ــ " ولا يسعك إلاّ أن تتتبّع حركات أم المؤمنين عائشة في أفعالها وأقوالها حتّى تجدها كما قال رسول اللّه ".
ــ "؟! ".
ــ " أما إعراضي عن حديثها في الوصية، فلكونه ليس بحجة، ولا تسألني عن التفصيل ".
وعندما وجدته يستخدم معي مثل هذا الأسلوب نحوت منحى الاصرار واقتفيت آثار كلامه وخاطبته بلحن يحمل مغزى ومغزى:
ــ " إنّك ممن لا يدالس ولا يخادع.، ولا يظهر غير ما يبطن، ولا يرمي بسوء، أو يتهم! وأنا والحمد للّه ممن لا يندّد، أو يبحث عن عثرة، أو يتتبع عورة، إنّما أقفو آثار ضالتي التي أنشدها، فسؤالي إياك عن التفضيل مما لا يسعني تركه، وإجابتك إياي إلى البيان مما لابدّ منه فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة، وأبشر وقرّ بذلك منك عيونا، لأنّ الذين يكتمون ما أنزل اللّه من البينات والهدى ".
ــ " اضطررتني إليه، وأنت عنه في غنية تامة، لعلمك بأنا من هاهنا أتينا، إن هنا مشرع الوصية، ومصارع النصوص الجلية، وهنا مهالك الخمس والإرث والنحلة، وها هناك الفتنة ".
ــ " أفِدني بالنصوص؟ ".
ــ " لقد قال اللّه عزّ وجلّ مخاطباً نبيه الكريم: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ }(9). فهل كانت أم المؤمنين تراه (ص)، لكتاب اللّه مخالفاً؟ وعن أحكامه صادفاً؟ معاذ اللّه وحاشا للّه، بل كانت تراه يقتفي أثره، ويتبع سوره، سبّاقاً إلى التعبد بأوامره ونواهيه، بالغاً كُلّ غاية عن غايات التعبد بجميع ما فيه، ولا أشك في أ نّها سمعته يقول: ما حق إمرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده ".
ــ "؟! ".
ــ " ولا كأن أم المؤمنين كانت قد سمعت نحواً من هذا.. فإنّ أوامره الشديدة بالوصية مما لا ريب في صدوره منه، ولا يجوز عليه ولا على غيره من الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين أن يأمروا بالشيء ثُمّ لا يأتمرون به، أو يزجروا عن الشيء ثُمّ لا ينزجرون عنه، تعالى اللّه عن إرسال من هذا شأنه علواً كبيراً ".
ــ " وهل تعني من هذا كُلّه أن رسول اللّه كان بحاجة إلى وصي؟ ".
ــ " لقد ترك رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأشياء المستوجبة للوصية ما لم يتركه أحد من العالمين، وحسبك أ نّه تبرك بدين اللّه القويم في بدء فطرته وأول نشأته، ولهو أحوج إلى الوصي من الذهب والفضة، والدار والعقار، والحرث والأنعام، وإن الأُمّة بأسرها ليتاماه وأياماه المضطرون إلى وصيه ليقوم مقامه في ولاية أمورهم، وإدارة شؤونهم الدينية والدنيوية ".
ــ " إذن.. فإنّك تدّعي استحالة وقوع مثل هذا الأمر؟ ".
ــ " إنه ليستحيل على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوكل دين اللّه ـ وهو مهد نشأته ـ إلى الأهواء، أو يتكل في حفظ شرائعه على الآراء، من غير وصي يعهد بشؤون الدين والدنيا إليه، ونائب عنه يعتمد ـ في النيابة العامة ـ عليه، وحاشاه أن يترك يتاماه ـ وهم أهل الأرض في الطول والعرض ـ كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من يرعاها حق رعايتها ".
كنت أصدق بكُلّ ما يقول.. ولكن صوتاً عظيماً كان يعمق صراخه في أعماقه، يهتف بي.. أخرس أيها الأبله.. لا تطعه.. ولا تغرّنّك أحاديثه.. إنك لست بالأحمق حتّى تذهب بتراث الأجداد في لحظة واحدة.. ترى ما الذي ستقوله لمن حولك من الأصحاب.؟ وما الذي ستخبر به أهلك فيما بعد لو شاهدوك أو أُبصروك تتعبد على مذهب الشيعة.؟ انتظر! لا تسرع.. لا تعجل.. فإنّ في العجلة الندامة! ".
ــ ".. ومعاذ اللّه أن يترك الوصية بعد أن أوحي بها إليه، فأمر أمته بها وضيّق عليهم فيها. فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصية مهما كان منكرها جليلاً ".
ــ "؟! ".
ــ " وقد أوصى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى علي في مبدأ الدعوة الإسلامية، قبل ظهورها في مكة حين أنزل اللّه سبحانه { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ }.. ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيته إليه، ويؤكدها المرة بعد المرة بعهوده التي أشرت إلى بعضها من قبل، حتّى أراد وهو محتضر، أن يكتب وصيته إلى علي تأكيدا لعهوده اللفظية إليه، وتوثيقا لعرى نصوصه القولية عليه ".
ــ " فما الذي نطق به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حينها؟ ".
ــ " لقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إئتوني اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولاينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول اللّه. وعندها علم (صلى الله عليه وآله وسلم)أ نّه لم يبق ـ بعد كلمتهم هذه ـ أثر لذلك الكتاب إلاّ الفتنة فقال لهم: قوموا، واكتفى بعهوده اللفظية، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: إن يولّوا عليهم عليا، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه ".
ــ " وأين هذه الوصية.. إنها لم تصل الينا؟! ".
ــ ".. لكن السلطة والسياسة يومئذ، ما أباحتا للمحدّثين أن يحدّثوا بوصيته الأُولى، فزعموا أنهم نسوها ".
ــ " أثبت ما تقول يا رفيق؟ ".
ــ " قال البخاري في آخر الحديث المشتمل على قولهم هجر رسول اللّه، ما هذا لفظه: وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه ـ ثُمّ قال ـ ونسيت الثالثة ".
ــ " ومسلم؟ ".
ــ " وكذلك قال مسلم في صحيحه، وسائر أصحاب السنن والمسانيد ".




____________
1- كنز العمال 6: 143 ح2541.
2- الصواعق المحرقة: الباب الحادي عشر.
3- كنز العمال 6: 392، كما أخرجه ابن جرير، وصححه وأخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة.
4- كنز العمال 6: 153.
5- صحيح البخاري: باب مرض النبي ووفاته.
6- طبقات ابن سعد 2: 61 من القسم الثاني، كنز العمال 4: 54 المستدرك 3: 59، 111.
7- كنز العمال 4: 60 ح1170.
8- صحيح البخاري 3: 175 كتاب النكاح، باب غيرة النساء.
9- البقرة: 180.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page