• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثامن والعشرون المذهب الشيعي ما بين المستوى والطموح

بعد مضي يومين، جاءني نبيل مرة أُخرى.. كان لوحده، وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث، عرج بي إلى موضوع الساعة، ومن بعد أن اكتسب ما يناسبه من الأخبار، كان قد تشوف لأن يفيض علي باستنتاجاته وخلاصة توصلاته.. فقال لي:
ــ " لا أراك إلاّ أنك تحمل نَفَساً، يتعصب لمخالفي أهل السنة " ".
فقلت:
ــ " وما أراك يا نبيل انك لم تكن إلاّ أبعد الناس عن التفكير في المسائل العقائدية عموماً، وليس فيما يتعلق بما يرتبط بهذا الموضوع على الأخص ".
فقال:
ــ " وأنا الآخر، صرت أراك تلجأ إلى القاء سيل التهم، وتوخّي سبيل الإهانة من أجل أن تدرأ عن نفسك هجمات، ليس لك أن تجيب عليها ".
فقلت له، وأنا أمعن فيه جيداً:
ــ " نبيل، هل تريد أن أطلعك على حقيقة ربما أفادتك في مختلف مرافق حياتك العملية المستقبلية منه على وجه العد.. إنّ حالك يشبه حال الصغير الذي تُلقى إليه لعبة ثمينة، فلا يهتم بها حتّى إذا ما رأى أحد إخوته الآخرين يحاول الاهتمام بها، عدا إليها، وتسابق من أجلها كيما يسلبها منه، مدعياً أ نّه يرغب الاحتفاظ واللعب بها! فإنّي أكاد أجزم أنك لم تكن لتهتم بأمورك الدينية، ولا في أي لحظة من لحظات عمرك الماضية.. وما كنت تدري كثيراً من الحقائق! إلاّ أ نّه لما أجتمع الأمر إلى قرين له، صرت تدّعي وصلاً بليلى، كما يمكن أن يدعيه البعض حال انتصار إحدى الثورات التي لم يشترك فيها قط، بأ نّه كان من المتصدين الأوائل، وأن له أن يحوز على مركز ما، في السلطة الجديدة مثلاً! ".
ــ " اشكرك على كُلّ هذا الإطراء! ".
ــ " قلت لك، إن هذا كُلّه، كان هدية من أخيك، تأسّياً بقول رسول اللّه: رحم اللّه من أهدى إليّ عيوبي! ".
ــ " إنّ ما أريد أن أذكّرك به، واذكّر به نفسي هو ضرورة نبذ العصبية، وما أراها إلاّ كحمية الجاهلية الأُولى التي نرى لها وجودات تجسّم في دواخلنا، تنطق على الألسن، حالما تضغط مؤثراتها الأصلية على أسبابها في أعماقنا.. ".
ــ " وبعد، أما ترى أنك أنت نفسك قد أسرفت، وبأكثر مما تتوقع نفسك هي بالذات ".
ــ " أطمح وبذلك إلى أن يكون مثل هذا، تذكرة لي هو الآخر.. لأنّ الخطر يكمن في هذه المسألة، فإنّها هي التي تعيق عملية السلام أجمع، وتشلّ حركة التآخي بين المسلمين، لأنّ الكُلّ يتخذها ذريعة له، كما اتخذ المشركون أيام الجاهلية حرب الآخر وابن العشيرة الواحدة ذريعة لا تزال أشد العقوبات بالخصم والغريم، لأ نّهم ما كانوا ليؤمنوا إلاّ بالرأي القائل: أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، أما الآن، فإنّك ترفع عقيرتك بنظريتك المستلة من أُصول ذلك الرأي، وما أراها إلاّ أنصر مذهبك (عقيدتك) ظالمة أو مظلومة. بينما أعيذك باللّه أن تواصل السير في مثل هذه السبيل الشاذة، لأ نّي ما أرى مغبة الاستمرار في منوالها إلاّ أن تحمل لها عواقب أقل ما يمكن أن تتمثل فيه هو الحرمان من نعمة الصديق والأحبة، فلا تجد بعد ذلك ربيباً ولا حميماً ".
تساءل بدهشة، وكأنه يستفسر عن أمر غاب عنه:
ــ " أتقصد: الأخلاّء؟ ".
ــ " وذلك حين يكون يومئذ بعضهم عدواً لبعض، فلو أسررت لنفسك أن تبقى على التعبد على مذهبك حتّى ولو امتاز لناظريك أ نّه في عداد المبطلات. وذلك عزماً منك على أن تبقى إلى جانب أهلك وإخوانك. ولربما وجدتك تقسم، أ نّه لو دخل أهلك النار للحقت بهم، يحدوك العزم على عدم الحنث بمثل هذا القسم أبداً.. ولو اطلعت على الغيب لما كان لك أن تفكر كذلك.. ألا ترى أن المرء لو أبتلي بالجنون تنكّر لاهليه.. ولربما حمل عليهم، وهاجمهم بقصد القتل والاجرام. كذلك لو ابتلي بفقدان الذاكرة لتراه ينسى أباه وأُمه، وإخوانه وإخواته أجمعين. بل لا يصير يذكر منهم أيّما أحد، ولو مثلوا بين يديه، واعتصروا مناديلهم دماً بدل الدموع. أو ما ترى أن المرء يموت فلا يحتمل أهله أن يمكث إلى جوارهم في المنزل حتّى يسارعون إلى قبره، والعود بعد ذلك إلى حياتهم الطبيعية بعد أن يؤانسوا في أنفسهم مشاعر الوجد التي لها أن تزول بمرور الوقت والزمان.. يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم. وإنّ بوسعي أن أُقسم، أن ما يستاقك إلى التلبس بمثل هذه المشاعر والأعراب عن مثل هذه الأحاسيس، ما هي إلاّ شمائل استطاع الآباء، ومن طريقها أن يخترقوا مستقبل المرء، ويخترموا جُدُر مصائره، ومن دون ان يشعر هو.. وأنا لا أدّعي أن على المرء أن يتطاول على أهله، ما دام هو يجدهم على مذهب لا يرتضيه اللّه لهم.. وإن جاهداك على أن تشرك باللّه فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفاً، فلا يجب طاعتهما في هذه المسائل. هذا، في الوقت الذي لا يجب فيه كذلك أن تقول لهما أُفٍّ.. ولو أ نّهما خالفاك في العقيدة، ولو أ نّهما أصرّا على ظلمك.. أُنظر كم هو الإسلام جميل، لشدّما يرغب المرء في السير إليه، مع أ نّه لا يخسر أيّما عوان يمكن أن يهز كيانه.. وإني لأرى الكثير ممن يختصمون وأهليهم، لأجل زيجات أرادوا من خلالها أن يمارسوا دورهم الاختياري، ويزاولوا انتخابهم الشخصي في. الاقتران بمن يحبون، فتراهم ربما يضطرون إلى مقاطعة آبائهم وأُمهاتهم مدى العمر! نزولاً منهم عند رغبات زوجاتهم مثلاً، مع أن المذهب الشيعي لا يقر بمثل هذا أبداً، ويقره من يعترض عليهم! حتّى إذا ما دعوت مثل هذا الشخص إلى المذهب الشيعي ثار بوجهك، وطفق يتحداك، معلناً أن الدين دين الآباء، وليس لنا أن نتجاوز الطريق الذي رسموه لنا، ملوّحاً لنا وبنفس اليد التي ربما تطاولت ذات يوم على أبيه وأمه، أو أخته وأخيه،.. حتّى كانت قد كفرت بأنعم اللّه! ".
فقال نبيل:
ــ ".. ولربما، وصمْتنا بالكفر كذلك.. ".
ــ " لقد رأيت من يكفر باللّه، ولا أحد يعترض عليه، ولا أحد ينهاه عما يقول، ويفده به لسانه، وأنا أُقسم لو دعونا الشخص نفسه، وكفرنا إمامه بين جمع حتّى أهل السنّة ـ ببعض الصحابة، لما كان لمشاعره أن تهتز ولا للحظة واحدة، ولو دعوناه كذلك في جمع من أهل التشيع، لكان له أن يثور ويجابهنا بلحن القول العتيد، اتكفرون باللّه ورسوله، وتشيحون بوجوهكم، عما أمرنا به.. وليس ذلك فقط، ولو جئنا بذلك الجمع الذي كفر.. لكان لهم أن يثوروا علينا، وذلك حالما يجدوننا نحاول قراءة التاريخ من جديد، ونعرض لاعمال بعض الصحابة بالفحص والتمحيص.. أو يروننا نقدمه لاستحوان ونحن نحمل بين أيدينا الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة.. مع أ نّهم يعلمون بأ نّهم ليسوا بمعصومين، وأن الخطأ له أن يصدر عنهم، إن لم نقل بصدور الجرائم عنهم ".
ــ " الجرائم؟! ".
ــ " وهذا أمر طبيعي يمكن أن يحصل لأي امرئ، وينسحب على أي شخص ليس بمعصوم ".
ــ " أي شخص؟ ".
ــ " في حال الاستسلام لأهوائه الشخصية، ومطامحه النفسية دون أهداف اللّه ".
ــ " أتقصد بأنّ الصحابة المجاهدين مع رسول اللّه، كان لهم مثل هذه المواقف؟ ".
ــ " ولربما الكثير.. أجل! فإنّي لو أخبرتك ما وقعت عليه في رواياتنا، لكان لك أن تلطم وجهك وتضرب على الرأس ".
ــ " إنّي لأجد بأنّ الشيعة المتعصبين، هم الذين أوغروا قلبك على الصحابة ".
لقد وجدت نبيل قد انقلب فجأة ومن جديد، ولذلك ما كان لي أن أتناقش معه إلاّ لاتمام الحجة، لأ نّي أعرف نبيل وأمثاله، فهم كُلّما أُسديت إليهم خدمات العلم وعبّوا من موادّه الكثير الكثير، كان لهم أن يبتعدوا عن الحقيقة العلمية أكثر فأكثر! بل كان لهم أن يزدادوا لجاجة وعناداً، وتراهم كُلّ يوم على مزاج ورأي خاصين.
فقلت له بعدئذ، وأنا أجد بأنه من اللازم على شخص مثلي يتعامل مع شخص من مثل نبيل، أن يعرض عليه ما يلزم عرضه ويبرّئ ساحة الآخرين من إيّما تهمة هو يحمل الدلائل والمستندات على نفيها وإبعادها عنهم خدمة للحقيقة، فكيف والتهمة كان لها أن تنسب إلى شيعة علي بن أبي طالب:
ــ " إنّهم لا يحملون أيّما تعصب، وإن وجد فيهم من يحمل نزعات تقليدية فإنّه لا يحسب عليهم، لأ نّه لا يمكن أن يقاس التشيع بالشيعة أنفسهم، لأن الشيعة فيهم الصالح وفيهم الطالح ".
ــ " ولكن فيهم الغلاة وفيهم الغلو! ".
وعندها قلت له:
ــ " إن أعظم شيء على الشيعة هو حمل فرق الغلاة عليهم واضافتها إليهم، وأستطيع أن أثبت بأن تلك الفرق الضالة قد آزرتهم السياسة، وسهلت لهم الطرق ليصلوا إلى غايات في نفوسهم من الوقيعة في الشيعة، والحط من كرامة أهل البيت، إذ كانوا لا يستطيعون أن ينالوا من عقائدهم أو ينقصوهم بشيء، والأمر واضح كُلّ الوضوح ".
ــ " كيف هو وقد أصبح واضح كُلّ الوضوح، وأنا أشعر أ نّهم يسعون لاضفاء مسحة من الألوهية على أئمتهم؟! ".
ــ " إن مذهب أهل البيت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتعاليمهم هي المحور الذي يدور عليها نظام الإسلام فكان دخول الغلاة في صفوف الشيعة حركة سياسية أوجدتها عوامل لإثارة الفتنة من جهة، والفتك بالإسلام من جهة أُخرى ".
رأيته قد التمس طريقاً إلى الهدوء، بعدما كان مثاراً بعض الشيء..
فقال:
ــ " كيف؟ ".
قلت:
ــ " لأنّ دخول الغلاة في الإسلام كان انتصاراً لمبادئهم، إذ لم يجدوا طريقاً للانتقام من الإسلام إلا باختراع المغالاة في بعض العقائد الإسلامية عندما عجزوا عن مقابلته بالقوة وجهاً لوجه، وانهزموا أمام قوم وطأوا أرضهم بأقدام لا تتأخر خطوة إلى الوراء إما الموت أو الفتح، فأذلّوا عزيزهم، وأسروا ذراريهم، وأخذوا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون ".
ــ " وإذن، فلما لم تكن هذه المسألة هي جزء من التشيع والشيعة منها براء، فلماذا لم يكافحها ويعالج أسبابها.. أقصد نفس المذهب، لِمَ لم يتصد للقضاء عليها؟ ".
ــ " لقد عالج أهل البيت هذه المشكلة الخطيرة، وعرفوا الدوافع التي دعت هؤلاء الكفرة إلى الالتحاق بصفوف الشيعة، واتضح لهم غايات خصومهم الذين يريدون أن يوقعوا بهم، فكان أئمة أهل البيت يعلنون للملأ البراءة من الغلاة وجاهروا بلعنهم، وأمروا شيعتهم بالتبرؤ منهم والابتعاد عنهم ".
فقاطعني قائلاً:
ــ " كأنك قد حملت من علوم الشيعة أكثر مما تحمله من علوم العامة ".
ــ " استمع إلى ما أقوله لك، ودعك من هذه المقالات الاستهلاكية. فإنّ الشيعة كان لهم أن يتلقوا أوامر أئمتهم.. الأوامر الشريفة بالقول والامتثال، فاعلنوا البراءة وملأوا كتبهم من التبرئ منهم، وافتوا بحرمة مخالطتهم، وأجمعوا على نجاستهم، وعدم جواز غسل ودفن موتاهم، تحريم اعطائهم الزكاة. كما أنهم لم يجوّزوا للغالي أن يتزوج المسلمة، ولا المسلم أن يتزوج الغالية، ولم يورثهم من المسلمين وهم لا يرثون منهم ".
ــ " وماذا فعل إمامهم جعفر بن محمّد؟ ".
ــ " لقد كان الإمام الصادق(رضي الله عنه) يلعن كبار الغلاة أمثال المغيرة بن سعيد ويصرح بكذبه وكفره، ولعن أبا الخطاب وأصحابه وجميع الدعاة إلى المبادئ الفاسدة، وكان هذا الإعلان من الإمام الصادق قد أوقف سريان دائها القاتل، ولم يبق من تلك الفرق إلاّ الاسم في التاريخ وبادت بمدة قصيرة ".
ــ " وكيف لك أن تحدّد مساعيه في هذا الإطار؟ ".
ــ " لقد قال الإمام لمرازم: قل للغالية توبوا إلى اللّه فإنكم فساق كفار مشركون، وقال(رضي الله عنه) له: إذا قدمت الكوفة فأت بشار الشعيري، وقل له يقول لك جعفر بن محمّد: يا كافر يا فاسق أنا بريء منك. قال مرازم: فلما قدمت الكوفة قلت له يقول لك جعفر بن محمّد: يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريء منك، قال بشار: وقد ذكرني سيدي. قلت: نعم ذكرك بهذا، قال: جزاك اللّه خيراً. ولما دخل بشار الشعيري على أبي عبد اللّه ".
ــ " أبي عبد اللّه؟ من هو أبو عبد اللّه؟ ".
ــ " هو نفس الإمام جعفر الصادق، يلقب بأبي عبد اللّه، كما أن الإمام الحسين يلقب بهذا اللقب أيضاً ".
بينما تابعت كلامي، وأنا أقول:
ــ " قال له: أخرج عني لعنك اللّه، واللّه لا يظلني وإياك سقف أبداً، فلما خرج قال الإمام: ويله ما صغر اللّه أحداً تصغير هذا الفاجر، إنّه شيطان بن شيطان، خرج ليغوي أصحابي وشيعتي يحذروه، وليبلغ الشاهد الغائب أ نّي عبد اللّه وابن أمته ضمتني الأصلاب والأرحام، وإني لميت ومبعوث ثُمّ مسؤول ".
ــ " أخبرني إذن، كيف كانت سلوكية غير الإمام (من الأئمة) جعفر بن محمّد مع الغالية؟ ".
ــ " فمثلاً، لقد كتب الإمام الحسن العسكري ابتداء منه إلى أحد موإليه: إني أبرأ إلى اللّه من ابن نصير الفهري وابن بابه القمي فابرأ منهما، وإني محذرك وجميع موالي، ومخبرك أ نّي العنهما عليهما لعنة اللّه، يزعم ابن بابا أ نّي بعثته نبياً وأنه باب، ويله لعنه اللّه سخر منه الشيطان فاغواه فلعن من قبل منه، يا محمّد إن قدرت أن تشدخ رأسه فافعل ".
ــ " وعليه، فإنهم كانوا يلعنون الغالية ويبرأون منهم كذلك؟ ".
ــ " نعم! فلقد قال أبو عبد اللّه الصادق يوماً لاصحابه: لعن اللّه المغيرة بن سعيد، لعن اللّه يهودية كان يختلف اليها، يتعلم منها الشعر والشعبذة والمخاريق، إن المغيرة كذب على أبي، وإن قوماً كذبوا علي ما لهم! أذاقهم اللّه حر الحديد، فواللّه ما نحن إلاّ عبيد خلقنا اللّه واصطفانا، ما نقدر على ضرّ ولا نفع إلا بقدرته، إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، ولعن اللّه من قال فينا ما لا نقول في أنفسنا، ولعن اللّه من أزالنا عن العبودية للّه الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا ".
ــ " ومع كُلّ هذا التصدّي، فإنّ الغالية كانوا ذوي جهود متواصلة، فكيف تناسب ذلك مع كُلّ هذا التحدي من أئمة الشيعة وتصديهم لهم ".
ــ " إن للسياسة دور هام في إزدهار وتطور مثل هذه الحركات، فما كان من أئمة أهل البيت إلاّ أن يحصدوا ما يزرع هؤلاء، فحسبك ما قاله الإمام جعفر بن محمّد: إن أبا منصور كان رسول إبليس، لعن اللّه أبا منصور، قالها ثلاثاً.. كذلك قال: إنا أهل بيت صادقون لا نعدم من كذاب يكذب علينا عند الناس يريد أن يسقط صدقنا بكذبه علينا، ثُمّ ذكر المغيرة وبزيغ السري وأبا الخطاب، ومعمر وبشار الشعيري وحمزة اليزدي وصائد النهدي، فقال: لعنهم اللّه أجمع وكفانا مؤونة كُلّ كذاب. ومع كُلّ هذا، فبقدر ما كانوا يسعون لاستئصال شأفة هؤلاء المجرمين، كانت السلطة تزرع غيرهم في مختلف الأمكنة ".
ــ " حقاً؟! ".
ــ " وعن حمدويه قال: كنت جالساً عند أبي عبد اللّه وميسرة عنده فقال له ميسرة: جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون إلى هذا الموضع فانقطعت أخبارهم وآثارهم وفنيت آجالهم. قال الامام: ومن هم؟ قلت: أبو الخطاب وأصحابه، فقال (وكان متكئاً ورفع بنظره إلى السماء): على أبي الخطاب لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، فاشهد باللّه أ نّه كافر فاسق مشرك وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب ".
ــ " وإذن، فكانت قد صدرت التعليمات الخاصة بهؤلاء الغلاة وذلك من قبل الأئمة إلى شيعتهم؟ ".
ــ " نعم! ولقد ذكر عنده أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال: لا تقاعدوهم، ولا تواكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصافحوهم، ولا توارثوهم.
وقال(عليه السلام): إنّ من الغلاة من يكذب حتّى إنّ الشيطان يحتاج إلى كذبه ".
ــ " عجيب.. وإذن، كانوا هم قد تصدّوا لهم كافة.. حتّى خلعوا عنهم صفات الانتماء إليهم! ".
ــ " بالضبط! فلقد قال الإمام: إنّ قوماً يزعمون أ نّي لهم إمام، واللّه ما أنا لهم بإمام مالهم لعنهم اللّه! أقول كذا ويقولون كذا، إنّما أنا إمام من أطاعني، ومن قال بأننا أنبياء فعليه لعنة اللّه، ومن شك في ذلك فعليه لعنة اللّه ".
ــ "؟! ".
ــ " وهذا ما وجدته جميعاً في كتاب الشيعة في التاريخ، لمحمّد حسين الزيني ص 178 ".
ــ " وبذلك، فإنّ الشيعة لا تؤله أئمتها.. ولكني أحسب أنهم يفعلون مثل ذلك ومن حيث لا يصنعون ما تصنعه فرق الغلاة.. ومن حيث لا يشعرون كذلك ".
قلت له:
ــ " كيف؟ ما الذي تقصده؟ ".
ــ " إنّ ما يصنعونه في بعض المناسك والشعائر ليدلل على وجود تأليه وشرك خفي.. حتّى إن بعض الممارسات والعادات الحياتية هي الأُخرى، لتنسحب على مثل هذا الأمر! ".
فقلت له:
ــ " إنّ ما أخبرتك به، هو بعض ما ورد في الغلاة الذين حاول خصوم آل محمّد الحاقهم بالشيعة، لغاية الحط من كرامة المبدأ، وليظهروهم للملأ بابشع المظاهر وأشنعها، ويعلنوا للعالم أنّ الشيعة يعتقدون في الأئمة الألوهية، فلا يصلح عدهم من المسلمين فتراق بذلك دماؤهم وتنهب أموالهم، ولما أصبح من الصعب عليهم تواصل مثل هذه السياسات كان لهم أن ينسلوا في الشيعة أنفسهم، فيجعلوا منهم أسواراً يتسورون العوام منهم حتّى إذا ما استطاعوا النفوذ إلى كيان الشيعة، أخذوا يخترعون ويبتدعون ما طاب لهم وحلا من مناسك وشعائر ادخلوها ودسوها حشراً في داخل مناسك وشعائر الشيعة والمذهب العادية.. ولا أُريد الدخول في عموم التفاصيل، ولكن خلاصة الأمر أن الاستعمار هو نفس الاستعمار إلاّ أن سياساته بدأت تختلف، وأساليبه صارت تتمدن وتتطور أكثر من ذي قبل ووفقاً لما يتناسب مع ضرورات الأزمنة ومتطلبات العصر الذي يعيشونه! ".
ــ " وهل حدّث التاريخ عن فجائع الغلاة في تلك الأزمنة الغابرة؟ ".
ــ " وكم حدّثنا التاريخ عن تلك الفظايع السود، ومن أراد أن يعرف موقف الشيعة من طوائف الغلاة فليرجع إلى كتاب روض الجنان للشهيد الثاني المتوفى سنة 996 للهجرة، ونهج المقال للميرزا محمّد الاسترآبادي المتوفى سنة 1026 هـ والانتصار للسيد المرتضى المتوفي سنة 436، التهذيب للشيخ الطوسي المتوفى سنة 460، والسرائر لابن إدريس المتوفى سنة 598، والمنتهى، ونهاية الأحكام، والتذكرة، والقواعد والتبصرة للعلامة الحلي المتوفى سنة726، والبحار للشيخ المجلسي المتوفى سنة 1011 هـ، والدروس للشهيد الأول المتوفى سنة 786، وجامع المقاصد للشيخ علي الكركي المتوفى سنة 940 هـ والشرائع والمعتبر، والمختصر النافع للمحقق أبي القاسم الحلي المتوفى سنة676 والجواهر للشيخ محمّد حسن المتوفى سنة1266.و غيرها من آلاف الكتب الفقهية التي تنصّ بالاجماع على كفرالغلاة ونجاستهم وبعدهم عن الدين، ولا رابطة بينهم وبين الشيعة ".
لحظتها، كان نبيل يتنبه الي بدقة، ويرقبني كنظر المتفحص.. فقال:
ــ " إنّي لأراك شيعياً في الأصل.. فها أنت تحفظ أسماء الكتب، وتجيب عن الشيعة وبالنيابة، إنك صرت تعلم عن الشيعة والتشيع وأئمة المذهب أكثر مما يعلمه الشخص الشيعي الأصل ".
ــ " ولربما هذه نعمة من نعم اللّه.. يترتب عليّ النهوض بشكرها ".
بينا عاد يقول:
ــ " لذا! فالذي يحصل الآن، وحصل في الماضي هو محاولة تطبيع الشيعة أنفسهم ونسلهم كذلك على ما أوصاهم به أئمتهم، أليس كذلك؟ ".
ــ " بالضبط! كما أن كتب الرجال طافحة بذم الغلاة والتبرؤ منهم ومن معتقدائهم، ويلعنونهم بلغة واحدة. فأمل الشيعة إذن هو بأبناء المستقبل، كيما لا يركنوا إلى الأوهام والاباطيل، وأن يطلبوا الحقيقة، فالعلم يطلب منهم أداء رسالته، والحق يدعو هم إلى مؤازرته، فقد آن أن تماط عن العيون غشاوات التعصب التي منعتها من رؤية الحق وأبرزت الواقع معكوساً إذ هي كعدسة المصور! ".
ــ " ولكن في التشيع مشكلة أُخرى وهي مشكلة الكتّاب المفرطين في الحديث عن عقائد الشيعة ودراسة أخبار مدوناتهم! ".
ــ " وهذا هو الذي يطلبه أئمتهم منهم، وذلك كيما يسلم العوام من الافراط والتفريط، فثمة ضرورة مراقبة المشتغلين في قطاعات الأُدب والعلوم، كيما تنعكس آثار مثل هذا على الطبقات الدنيا من جماهير الشيعة ".
ــ " وهذا سيساعد الآخرين وعلى الأخص المثقفين من هؤلاء الآخرين،سيساعدهم على فهم عقائد الشيعة ومحاكات علومهم وتعاليمهم، وربما مناظرتهم ومحاججتهم، وفي نفس الوقت سيفوّت الفرصة أمام المتعطشين للّعب في المياه العكرة والخوض في المياه الآسنة ".
ــ " بالطبع، فيعتدل بعدها الكتّاب عن هذه السيرة الملتوية، ويضطروا إلى تغيير خططهم (إلاّ من شقي منهم) وتبديل لغتهم المستخدمة في ذكر الشيعة، فلا يلتفتوا لأوضاع تلك العصور المظلمة التي جنت على الإسلام جناية لا تغتفر، وملأوا القلوب بالاحقاد والضغائن، ونسبوا مبدأ التشيع إلى عبد اللّه بن سبأ اليهودي ".
ــ " عبد اللّه بن سبأ اليهودي؟ ".
ــ " أجل، عبد اللّه بن سبأ اليهودي، فطعنوا بذلك على أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين عُرِفوا بتشيعهم لعلي، ويتجاوز عددهم المئات وغيرهم ممن تكتم جريا مع الظروف ومتابعة الأحوال، على ان كلمات اللغويين والمفسرين قد أجمعت على أن معنى الشيعة هي الموالاة لعلي إذ أصبح علماً في ذلك ".
ــ " ماذا تقصد بعبد اللّه بن سبأ، ومن هو هذا الشخص؟ ".
ــ " أما عبد اللّه بن سبأ، فهو ذلك الشخص الوهمي الذي وصفوه بصفات البطولة والاقدام، وهو صاحب السلطة المطلقة في المجتمع الإسلامي، قالوا عنه: إ نّه استطاع أن يسيطر على أهل مصر ويقود منهم جيشاً لقتل الخليفة عثمان، وأن أبا ذر تعلم منه، وعماراً أخذ بآرائه، وحرب الجمل من دسائسه، ووقعة صفين من صنعه، ومبادئ التشيع من تفكيره... وقد ورد ذكره في كثير من الكتب حتّى أصبحت قصته وكأ نّها حقيقة ملموسة قضية واقعية ".
ــ " أووه، ما الذي أسمعه، إن هذا لشيء عجاب حقاً! ".
ــ " والذي يلفت النظر هو أن بعض الشيعة ترجموا له، وذكروه للتبرؤ منه، أخف عبارة يقولونها في ترجمته: عبد اللّه بن سبأ العن من أن يذكر ".
ــ " ما هو واقع هذه الشخصية؟ ".
ــ " أما إذا أردنا أن نرجع لواقع هذه الشخصية، وما لها من صلة في الواقع ذلك على ضوء البحث الدقيق، فإنّ النتائج العلمية تثبت لنا عدم ثبوت هذه الشخصية، وأ نّها أُسطورة وحديثها حديث خرافة، وهي من مبتكرات التعصب الطائفي، ودسائس، للحط من قيمة مذهب أهل البيت، والوقيعة في شيعتهم ".
ــ " وكيف يمكن تحديد مصدر هذه الأُسطورة؟ ".
ــ " إنّ هؤلاء الذين ذكروا عبد اللّه بن سبأ بتلك الصورة المدهشة، وذلك من أجل أن يكون بميسورهم النيل من مقام الشيعة، فلو أ نّهم وقفوا قليلا أمام مصادر هذه الأُسطورة، ومنحوا لها بعض الوقت من التأمل، لانكشف لهم الواقع وظهر أنّ المصدر الوحيد هو الطبري ".
ــ " الطبري!.. الطبري؟! نفس الطبري؟ ".
ــ " أجل نفس الطبري والمتوفى سنة 310 هـ ".
ــ " كيف؟ ".
ــ " لأ نّه لم يسبقه أحد في ذكرها، والكُلّ رواها عنه وهو يرويها عن سيف بن عمر بسلسلة مظلمة مجهولة، وسيف هذا! قد أجمع علماء الرجال على أ نّه كذاب ".
ــ " وماذا يعلق الأدباء والمفكرين على هذه القضية؟ ".
ــ " ولنصغي الآن إلى حديث الاستاذ كرد علي حول مذهب التشيع وعلاقة ابن سبأ به ".
ــ " وماذا يقول هذا الأُستاذ؟ ".
ــ " يقول الأُستاذ كرد علي في خطط الشام: عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول اللّه على النصح للمسلمين والإئتمام لعلي بن أبي طالب والموالاة له. ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس فعلوا باربع وتركوا واحدة ولما سئل عن الأربع، قال: الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج، قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب. قيل له: وإنها لمفروضة معهن، قال: نعم هي مفروضة معهن ".
وإذا ما سكتّ لحظات، سألني المزيد من مقالة هذا الأُستاذ، فعدت إلى حديثي:
ــ ".. ومثل أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد بن العاص، وقيس بن سعد بن عبادة. وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن مذهب التشيع من ابتداع عبد اللّه ابن سبأ المعروف بابن السوداء، فهو وهم، وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم فيه، علم مبلغ هذا القول من الصواب، ولاريب في أن أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيّع له. انتهى كلام الاستاذ ".
ــ " قلت:.. مصدره، كتابه، ماذا كان اسمه؟ ".
ــ " خطط الشام ج 6 ص 251 ـ 256 ".
ــ " وماذا يقول كبار الشيعة في هذا الخصوص؟ ".
ــ " ويقول الإمام الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء(رحمه الله) حول الغلاة ونسبتهم للشيعة: أما الشيعة الإمامية فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم، على أن تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى، بل خلاصة مقالتهم بضلالتهم: إنّ الإمام هو اللّه سبحانه ظهوراً واتحاداً، أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوفة الإسلام ومشاهير مشائخ الطرق، وقد ينقل عن الحلاج والكيلاني، والرفاعي، والبدوي وأمثالهم من الكلمات ـ وان شئت فسمّها كما يقولون شطحات ـ ما يدل بظاهره على أنّ لهم منزلة فوق الربوبية، وأن لهم مقاما زائداً عن الألوهية (لو كان ثمة موضع لمزيد) قريب من ذلك ما يقول به أرباب وحدة الوجود أو الموجود ".
كنت أُتابع سلسلة كلامي، وأنا أقول:
ــ " بينما يمضي الشيخ في حديثه، فيقول: أما الشيعة الإمامية وأعني بهم جمهرة العراق وايران، وملايين المسلمين في الهند ومئات الألوف في سوريا والافغان فإنّ جميع تلك الطائفة من حيث كونها شيعة يبرؤون من تلك المقالات، ويعدونها من أبشع الكفر والضلالات وليس دينهم إلاّ التوحيد المحض، وتنزيه الخالق عن كُلّ مشابهة للمخلوق، أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والامكان والتغيير والحدوث، وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية، إلى غير ذلك من التنزيه والتقديس المشحونة به مؤلفاتهم في الحكمة والكلام من مختصرة أو مطولة ".
ــ "؟! ".
ــ " وعلى أي حال فإنّ الشيعة براء مما نسب اليها من الغلو، وأما أهل المقالات في الغلو كالبيانية والمنصورية وغير هم فإنّ نسبتهم إلى الشيعة ظلم وما أكثر الظلم للشيعة ـ وتهجم على أمة تدين للّه بالوحدانية، لمحمّد بالرسالة، ولاِله بالمودة. واستطيع الجزم بأنّ هذه الأُمور لم تخف على أولئك القوم الذين أصبحوا يتهجمون على الشيعة بالطعن في عقائدهم، إذ نسبوا إليهم هذه المقامات الفاسدة التي يقول بها الغلاة. نعم إنّهم يعرفون الأمر ولكن الحق مر لا يمكن أن تتقبله أذواقهم، ولقد أعجزهم الأمر عن مؤاخذة الشيعة والطعن في عقائدهم، عندما وجدوا طرق المؤاخذات أمامهم مغلقة فلا يستطيعون منها النفوذ إلى مقاصدهم، فالتجأوا إلى هذه الخرافات والاباطيل التي لا تثبت أمام التدقيق والتحقيق ".
فقال لي:
ــ " هذا هو كلام الشيعة، وهذا الشيخ هو يتحدث بالنيابة عنهم، أليس كذلك، فما يقوله يمكن أن ينسحب على مذهب التشيع؟ ".
قلت له:
ــ " بلى! هل أواصل نقلي لكلامه؟ ".
ومن بعد أن أجابني بالاثبات، عمدت إلى مواصلة مقالة الشيخ كاشف الغطاء، فقلت وأنا أنقل كلامه:
ــ " كيف يستطيعون مؤاخذة الشيعة ومنهم صحابة الرسول والتابعين لهم باحسان: كأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وجارية بن قدامة، وجابر بن عبد اللّه الانصاري، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وصعصعة بن صوحان، والمقداد الكندي وغير هم؟!! ومن الغريب أن أكثر الكتاب قد نسبوا لأصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) تأثرهم بآراء ابن سبأ، وأي طعن على الإسلام وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظم من هذا بأن يسيطر يهودي على عقول أصحاب النّبي ومن تأدبوا بآدابه، ".
كان نبيل يصغي إليّ بانتباه.. بينما كنت أواصل قراءتي لحديث الشيخ:
ــ " وإليك ما كتبه بعض كتاب العصر الحاضر عند ذكره لعبد اللّه بن سبأ ونسبة ظهور التشيع إليه، إذ يقول: إنّ هذا الشيطان هو عبد اللّه بن سبأ من يهود صنعاء، وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء، واستكثر اتباعه بآخرين من البلهاء الصالحين المتشددين في الدين المتنطعين في العبادة إلى أن يقول: وعني بالتأثير في أبناء الزعماء من قادة القبائل، وأعيان المدن الذين اشترك آباؤهم في الجهاد والفتح، فاستجاب له من بلهاء الصالحين وأهل الغلو من المتنطعين جماعات كان على رأسهم في الفسطاط الغافقي بن حرب العتكي، وعبد الرحمن بن عديس البلوي، كنانة بن بشر بن عتاب، وعبد اللّه ابن زيد بن ورقاء الخزاعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي ".
ــ " أووه؟! ".
ــ ".. وعروة بن النباع الليثي، وقتير السكوني. وكان على رأس من استغواهم ابن سبأ في الكوفة عمرو بن الأصم، وزيد بن صوحان العبدي، والاشتر بن مالك بن الحارث النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد اللّه بن الأصم ".
ــ " كُلّ هؤلاء؟! ".
ــ " ومن البصرة ".
ــ " والبصرة أيضاً؟! ".
ــ ".. حرقوص بن زهير السعدي، وحكيم بن جبلة العبدي، وذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي، وابن المحرش. أما المدينة ".
ــ " والمدينة كذلك؟! "
ــ ".. فلم يندفع في هذا الأمر من أهلها إلاّ ثلاثة نفر. محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن حذيفة، وعمار بن ياسر ".
ــ " أووه عمار بن ياسر.. أقول: مِن أين اقتبس الشيخ هذا الكلام، بل أين وجده، وهو لِمَن؟ ".
ــ " اسم الكتاب، هو: حملة رسالة الإسلام، واسم المؤلف: محب الدين الخطيب، والصفحة: 23 ".
ثُمّ استدركتُ الكلام، وأنا أقول:
ــ " بينما يعود الشيخ إلى كلامه، فيقول: هكذا يقول، ونبرأ إلى اللّه مما يقول، ليت شعري أي جرأة أعظم من هذه الجرأة على أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ووصفهم بهذه الصفة بأنهم مخدوعين بدعوة ذلك الشيطان، استجابوا لما جاء به هذا اليهودي المزعوم، وهم خريجو مدرسة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ودعاة الحق واتباعه، ولكن الشيطان خدع هذا الكاتب، فجاء بهذا الافتراء وهو (يجادل بغير علم ويتبع كُلّ شيطان مريد. كتب عليه أن من تولاه فإنّه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) ".
ــ " وإذن حديث الكاتب هو كُلّه افتراء وسفسطة ليس إلاّ؟! ".
ــ " تماماً! بينما يواصل الشيخ كلامه، فيقول: ونحن نأمل من كتّابنا الذين يكتبون لذات الحق ولا يميل بهم الهوى، ولا تستولي عليهم النزعات
الطائفية، أن يوجهوا عنايتهم لاظهار الحقيقة عند دراستهم لقضية ابن سبأ بأن يدرسوها دراسة مؤرخ لا يتحيز ولا يتعصب، ولا يقصد إلاّ خدمة العلم واظهار الحق، ويقف موقف المدقق على مصادرها ورواتهاالظروف التي أوجدتها، ليتضح له الأمر، ويتميز الحق من الباطل ".
ــ " وهل يمكنك التأكيد على مسألة ما في هذا المضمار؟ ".
ــ " أجل فإنّي لأؤكد القول بأنّ قضية ابن سبأ هذه، ما هي إلاّ أُسطورة خرافية، أوجدتها عدّة عوامل للحطّ من تعاليم الإسلام والنيل من رجاله، بأنهم قد تأثروا بآراء رجل يهودي فأوردهم موارد الهلكة، ومن دون تميز وتفكير، إلى غير ذلك مما يؤدي إليه إيجاد هذه الخرافة من مناقضات. هذا مع أن سندها باطل، وراويها وهو سيف بن عمرو كذاب ".
وعندها توجه نبيل الي بالسؤال وهو يقول:
ــ " وهل يمكن أن ينسب إلى أهل السنة لوناً من ألوان التعصب لأئمة المذاهب؟ ".
فقلت:
ــ " لقد تعددت عوامل التفرقة، وكثرت طرق الخلاف بين الطوائف، تعصب كُلّ إلى جهة، فأهل الجرح والتعديل أدى بهم التعصب إلى الحط مما يخالف مذهبهم فاستهان بعضهم ببعض، واختلق بعضهم مكارم لبعض، فكم من مجروح عدلوه، وعادل جرحوه، وأعطف عليهم المؤرخين.. فإنّهم ربما وضعوا أُناساً ورفعوا أُناساً، إما لتعصب، أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به أو غير ذلك ".
ــ " وإلى أي العوامل يمكن أن تعزى أسباب هذه الفرقة والاختلافات؟ ".
ــ " يقول السبكي: "والجهل في المؤرخين أكثر منه في الجرح والتعديل كذلك التعصب، قل أن رأيت تاريخاً خالياً من ذلك، وأما تاريخ شيخنا الذهبي غفر اللّه له فإنّه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب، فإنّه أكثر الوقيعة في أهل الدين الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعية والحنفية ومال فأفرط ومدح فزاد في المجسمة ".
ــ " وإذن، فأحد عوامل هذا التعصب بين مذاهب أهل السنة هو الذهبي؟ ".
ــ " أجل! ويقول الحافظ صلاح الدين: أنّ الحافظ شمس الدين الذهبي لاشك في دينه وورعه، ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه حتّى أثر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً ".
ــ " أقول: أين وجدت هذا؟ ".
ــ " طبقات الشافعية: ج 1 ص 190 ".
ــ " وإذن، فكان للكتاب دور خطير في تعميق شق مثل هذه الهوة السحيقة؟ ".
ــ " نعم! وعلى أي حال، فقد مالت الأهواء وأثرت النزعات فنفروا من الحقائق ولم يتقبلوها، فكتبوا بما توحيه اليهم أهواؤهم وأغراضهم، لا بما تقتضيه الحقيقة من حيث هي حقيقة لا تقبل الدجل والتدليس. وتأصلت روح العداء، وتحيز كُلٌّ إلى مذهبه، وغلوا في أئمتهم غلواً أخرجهم عن حدود الاتزان، ووضعوا في مدحهم ما شاءت رغباتهم بدون قيد وشرط، وتوسعوا في وضع الأحاديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبشائر بأئمة المذاهب ".
ــ " هل لك أن تستشهد بشيء منها؟ ".
ــ " أورد الحنفية مرسلاً: أن آدم افتخر بي وأنا أفتخر برجل من أُمتي اسمه النعمان، وبصورة أُخرى: الأنبياء يفتخرون بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني ".
ــ " وأين قرأت كُلّ هذا؟ ".
ــ " انه في كتاب الدر المختار في شرح تنوير الابصار: ج 1، ص 53 و 54 ".
ومضيت في الكلام:
ــ " كما توسعوا في الادعاءات لتصحيح مذهبه ووجوب اتّباعه، وان عيسى يحكم بمذهبه وأن اللّه غفرله ولأهل مذهبه إلى يوم القيامة ".
ــ " نفس المصدر؟ ".
ــ " أجل: الدر المختار في شرح تنوير الابصار: ج 1، ص 52 و54 ".
بينما أضفت وأنا أقول:
ــ " وأ نّه أعظم معجزة للنّبي بعد القرآن. ومن ذلك قولهم: إن اللّه خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة ومن كرامته أن الخضر(عليه السلام) كان يجيء إليه كُلّ يوم وقت الصبح، ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين، فلما توفي ابو حنيفة دعا الخضر ربه: يارب إن كان لي عندك منزلة، فأذن لأبي حنيفة حتّى يعلمني من القبر على عادته حتّى أعلّم الناس شرع محمّد على الكمال ليحصل لي الطريق، فاجابه ربه إلى ذلك. واتم الخضر دراسته على أبي حنيفة وهو في قبره في مدة خمس وعشرين سنة إلى آخر ما في هذه الأسطورة التي تتلى في مجالس الحنفية في الهند ومساجدهم ".
ــ " أقول: أين طالعت هذا؟ ".
ــ " هو في كتاب الياقوت في الوعظ لابي الفرج علي بن الجوزي ص 48.. وقد صنعت هذه الأُسطورة في عصور التعصب. ولو بعث أبو حنيفة لأقام الحد على هؤلاء المتجرئين بالكذب، والافتراء على مقام الأنبياء، ولخرّ صعقاً إلى الأرض، وعفر خده فهو يعرف نفسه، ولكنهم أرادوا أن يحسنوا فأساءوا ".
ــ " وماذا يقول الشعراء في هذا الباب؟ ".
ــ " ويقول شاعرهم لتأييد صحة مذهبه وترجيحه على غيره:
مثل الشافعي في العلمان خير المذاهب    كذا القمر الوضاح خير الكواكب
مذاهب أهل الفقه عندي تفلصت    وأين عن الروسي نسج العناكب
كما يقول شاعر آخر كان شافعي المذهب:
مثل الشافعي في العلماء    مثل البدر في نجوم السماء
قل لمن قاسه بنعمان جهلاً    أيقاس الضياء بالظلماء
ــ " والمالكية؟ ".
ــ " والمالكية يدعون لإمامهم أموراً، منها أ نّه مكتوب على فخذه بقلم القدرة مالك حجة اللّه في أرضه، وأنه يحضر الأموات من أصحابه في قبورهم وينحي الملكين عن الميت ولا يدعهما يحاسبانه على أعماله ".
ــ " وهذه الأُخريات، أين وجدتها؟ ".
ــ " يمكنك أن تراجع كتاب مشارق الأنوار للعدوي ص 288 ".
بينما واصلت الكلام وأنا أحدثه قائلاً:
ــ " ومنها: أ نّه ألقى كتابه الموطاً في الماء فلم يبتل ".
ــ " وهل سخّر شعراء المالكية لهذا الغرض كذلك ".
ــ " إنّ الشعراء معدات كُلّ عصر، يوظّفون لاغراض ومآرب أصحابه، كما كانوا يفعلون في أيام الجاهلية، ويصنعون مثله في وقتنا المعاصر ".
ــ " وماذا يقول شاعر المالكية؟ ".
ــ " يقول شاعرهم:
إذا ذكروا كتب العلوم فحي هل    يكتب الموطاً من تصانيف مالك
فشد به كف الصيانة تهتدي    فمن حاد عنه هالك في الهوالك "
ــ " وشاعر الحنابلة، تراه ماذا يقول؟ ".
ــ " يقول الحنبلي:
سبرت شرائع العلماء طراً    فلم أر كاعتقاد الحنبلي
فكن من أهله سراً وجهراً    تكن أبداً على النهج السوي
ــ " ويقول آخر:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت    فوصيتي للناس أن يتحنبلوا "
ــ " وماذا يقول الحنابلة؟.
ــ " أما الحنابلة فيقولون: أحمد بن حنبل إمامنا فمن لم يرض فهو مبتدع، فما أكثر المبتدعين في نظرهم على هذه القاعدة ".
ــ " وتقوّلوا على الشافعي قوله: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقيل له: أتطلق عليه اسم الكفر؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد عاند السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة ومن قصد الصحابة أبغض النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أبغض النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كفر باللّه العظيم ".
ــ " من أين نقلت هذا؟ ".
ــ " كتاب طبقات الحنابلة: ج 1 ص 13 ".


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page