• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصراع على لقب " أهل السنة " أو " السلفية "

أجمع علماء المدرسة الأشعرية ومن تبعهم قديما وحديثا على اعتبار أنفسهم أصحاب لقب " أهل السنة " والجماعة " وأتباع السلف المستحقين لذلك دون غيرهم. " لأنهم لم يأتوا بشئ جديد، وإنما اتبعوا في مذاهبهم مذهب السلف الذي يعني مذهب الصحابة والتابعين (1). وعندما يناقش الدكتور علي سامي النشار - وهو من المعاصرين والمدافعين عن الأشاعرة - ابن تيمية الزعيم السلفي في مسألة الأسباب والعلل يقول: " لقد أعمت عداوة ابن تيمية لأهل السنة والجماعة بصيرته وأغلقت فكره فأثبت الأسباب (2) ". وأهل السنة والجماعة هنا لا تعدو كونها اللقب التاريخي للأشاعرة على الخصوص. كما درج كبار الأشاعرة على تلقيب أنفسهم ب‍ " أهل السنة والجماعة " دون لقب السلف أو السلفية، بل تميزا عنهم وعن غيرهم.
وبين يدي الآن رسالة شكوى قدمها علماء الأشاعرة إلى الوزير نظام الملك منتصرين للشيخ أبي نصر بن القشيري رئيس الأشاعرة في عصره وقد هاله ما ينشره حشوية الحنابلة من عقائد التجسيم والتشبيه فقام ضدهم فشغبوا عليه. ومما جاء في الرسالة (3). "... ولم أسمع منه (أي القشيري) غير مذهب أهل الحق من " أهل السنة والجماعة " وبه أدين الله عز وجل وإياه أعتقد وهو الذي أدركت أئمة أصحابنا عليه واهتدى به خلق كثير من المجسمة وصاروا كلهم على مذهب أهل الحق...
" الإمام الشيخ الأوحد أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري جمل الله الإسلام به وكثر في أئمة الدين مثله من عقد المجالس وذكر الله عز وجل بما وصف به نفسه من التنزيه ونفي التشبيه عنه وقمع المبتدعة من المجسمة والقدرية وغيرهم ولم نسمع منه غير مذهب أهل الحق من (أهل السنة والجماعة) وبه ندين الله عز وجل... ".
"... ونفى التشبيه عنه واستوفى في الاعتقاد ما هو معتقد أهل السنة بأوضح الحجج وأقوى البراهين رفع هذا المحضر الإمام أبو إسحاق الشيرازي وأصحابه إلى نظام الملك فعاد جوابه لهم بإنكار ما يقع والتشديد على الحشوية.. فسكن الحال ثم أخذ الشريف أبو جعفر بن أبي موسى، وهو شيخ الحنابلة إذ ذلك وجماعته يتكلمون في الشيخ أبي إسحاق ويبلغونه الأذى بألسنتهم فأمر الخليفة بجمعهم والصلح بينهم بعد ما ثارت بينهم فتنة هائلة قتل فيها نحو من عشرين قتيلا فلما وقع الصلح وسكن الأمر. أخذ الحنابلة يشيعون أن الشيخ أبا إسحاق تبرأ من مذهب الأشعري فغضب الشيخ غضبا لم يصل أحد إلى تسكينه... وانقمعت الحشوية وتنفس " أهل السنة " الصعداء إلى الله عاقبة الأمور " (4).
وقال ابن عساكر مستندا إلى أبي القاسم القشيري: " اتفق أصحاب الحديث أن الأشعري كان إماما من أئمة الحديث ومذهبه هو مذهب أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدع، وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين على الملة سيفا مسلولا. ومن طعن فيه أو لعنه أو سبه فقد بسط
لسان السوء في جميع أهل السنة " (5).
أما الحنابلة فقد كفروه ولم يكتفوا بسببه أو لعنه فقط. وأما ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، فقد اعتبراه في مسألة الأفعال جبريا. ولا شك أن أتباع الأشعري هم الذين أفتوا بسجن ابن تيمية، لأنه خالف عقائدهم ودعى للتجسيم والتشبيه، إلى أن مات في سجنه. وانتشرت فتوى في دمشق أنه من كان على دين ابن تيمية فقد حل دمه. إن حشوية الحنابلة أو " السلفية " لم يعترفوا يوما ما بإمامة الأشعري في الأصول، ولم يأخذوا بأقواله أو أقوال أصحابه. يقول الدكتور علي عبد الحليم محمود وهو سلفي معاصر:
" كان الإمام أحمد - رحمه الله - إماما لجميع أهل السنة في الأصول والفروع، باستمساكه في أصول الدين والعبادات بنصوص الكتاب والسنة وما صح عن علماء الصحابة من فهم وهدى وعمل مفسر لهما (6) كما اعترض على اعتبار الشهرستاني - كما ذكرنا - عبد الله بن سعيد الكلاب، وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي " أوائل أهل السنة "، من جملة السلف. فهو لا يعتبرهم من السلف. لأنهم باشروا الكلام، ولأن المتكلمين في عرف " السلفية " ليسوا من السلف. فهؤلاء ومن جاء بعدهم كالأشعري وأتباعه ليسوا من أهل السنة بهذا الاصطلاح في نظر الدكتور السلفي.
ولا يلبث هذا السلفي المعاصر أن تزل قدمه في تناقض غير مستغرب منه ولا من أصحابه وهو قوله: في محاولة لإخراج مذهبه من شرنقة الحشو الحنبلي، " ومذهب السلف هذا ليس مذهب الحنابلة فقط، أو الإمام ابن تيمية أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب - وحدهم - بل هو مذهب أئمة الإسلام قاطبة - الإمساك عن التأويل مطلقا، مع نفي التشبيه والتجسيم - فالأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ومحمد بن الحسن وسعيد بن معاذ المروزي، وعبد الله بن المبارك، وسفيان الثوري والإمام البخاري وأبو داود السجستاني وغيرهم كلهم كانوا على هذا المسلك " (7).
والحقيقة التي ينكشف عنها هذا الخلط والجمع لعدد من أسماء الفقهاء والمحدثين، أن الدكتور يتجنى على التاريخ ويحرفه ليموه على القارئ. والذي يكشف تناقضه هو عدم اعتباره المتكلمين من السلف في الوقت الذي نجد أن مدرسة أبي منصور الماتريدي في علم الكلام - كما ذكرنا سابقا - قد انبثقت عن أقوال الإمام أبي حنيفة وصدرت عن أقواله. كما يقول محققوا هذه المدرسة. وسيتبعهم غيرهم في الإقرار بذلك، فالبغدادي في كتابه " الفرق بين الفرق " وهو يضع الخطوط العريضة " لمذهب أهل السنة والجماعة " يجعل " أول متكلمي أهل السنة وأرباب المذاهب ": أبو حنيفة والشافعي. فأبو حنيفة له كتاب في الرد على القدرية سماه " الفقه الأكبر " وله رسالة أملاها في نصرة قول أهل السنة أن الاستطاعة مع الفعل... وللشافعي كتابان في الكلام.. " (8) وقد اشتهر عدد من الصحابة والتابعين بردودهم على تساؤلات بعض الأفراد أو الفرق. مما يعتبر من صلب القضايا الكلامية كالقدر والجبر والصفات الإلهية. منهم الإمام علي ابن أبي طالب وابن عباس والحسن البصري وجعفر بن محمد الصادق وغيرهم كثير.
وأبو حنيفة والشافعي ومالك، إذا كانوا حقا من السلف ومطلوب الاقتداء بهم لماذا يرفض السلفيون الوهابيون اليوم إنتاجهم الفقهي والأصولي جملة وتفصيلا، بل يعتبرون مذاهبهم الفقهية مقابلا لما جاء به الرسول (ص). وبذلك لا ينفون على أصحابها صفة " السلف " ولكن يعتبرونهم دخلاء على الإسلام.
وقد أفصح الشيخ ناصر الدين الألباني وهو من دعاة (السلفية الوهابية المعاصرة وأحد محققيها) عن موقف فرقته من المذاهب الإسلامية الفقهية، حينما اعتبر الفقه الحنفي صنوا للإنجيل المزيف. وإنه خلاف الشرع المحمدي الأصيل. وابن تيمية عندما قسم طرائق العلماء في فهم العقائد الإسلامية إلى أربعة أقسام: جعل القسمين الأول والثاني من نصيب الفلاسفة والمعتزلة وبين طريقتهم، أما القسمين الأخيرين فهما ما سلكه الأشعري والماتريدي في فهم العقائد. " وبعد هذا التقسيم قرر ابن تيمية إن منهاج السلف ليس واحدا من هذه الأربعة بل هو غيرها " (9). والمحصلة المنطقية لهذا الكلام وغيره مما يعتقد به السلفية المعاصرون هو أن مذاهب " أهل السنة والجماعة " في الأصول والفروع ليست من السلف الصالح في شئ. وهذا حكم على إسلام وإيمان ملايين من المسلمين في الماضي والحاضر بالضلال والانحراف الكامل ! ! ؟.
والحقيقة أن ما يستفاد من كلام الدكتور السلفي الأخير هو التعريف الدقيق الذي يضعه لنا " للسلفية " والذي تضمنه النص دون قصد منه: فالسلفية: هي " مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب " لا غير.
على أن انتساب السلفية لمذهب أحمد بن حنبل مما لا يقرهم عليه " بعض فضلاء الحنابلة " (10) كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة، وعلى رأسهم الذهبي المعاصر لابن تيمية والمحقق الكبير. وكذلك ابن الجوزي الخطيب والفقيه الحنبلي، الذي أنكر أن يكون ما يذهب إليه " حشوية السلفية " في العقائد هو رأي الإمام أحمد بن حنبل. لكن محمد بن عبد الوهاب باعث السلفية المعاصرة ومحيي عقائدها في شبه الجزيرة العربية سيحسم النقاش لصالح حقيقة واضحة يتحرج بعض السلفيين اليوم من إعلانها، وذلك عندما أفتى بجواز قتل من يعتقد " عقيدة أهل السنة والجماعة " من الأشاعرة خصوصا.
بذلك فصل بين التيارين، ووضع حدا بين الطريقتين. وهو ليس أول حنبلي يكفر " أهل السنة " الأشاعرة، بل سبقه إلى ذلك كثير من مشايخ الحشوية الحنبلية.
لقد احتدم الصراع المذهبي بين حشوية السلفية والأشاعرة " أهل السنة " وسالت من جراء ذلك دماء غزيرة. كان الحنابلة باعتراف المؤرخين هم السباقون لسفكها. يثيرون القلائل والفتن لأتفه الأسباب، ثم يتعقبون أهل السنة في الطرقات ويقتلونهم ويحرقون منازل علمائهم، وقد سطر التاريخ هذه الأحداث كشهادات واقعية على مدى الاختلاف بين هذين الفرقتين ومدى بعد بعضهما على البعض. لحد سفك الدماء والتقاتل وإعلان التكفير المتبادل. إن مفهوم " أهل السنة " كما ثبت تاريخيا وعليه المحققون المعاصرون يطلق ويقصد به " المدرسة الكلامية للأشعري والماتريدي " ومن تبعها وارتضى ما توصلت إليه من عقائد وأفكار. أما " السلفية " فهم بالتحديد أتباع ابن تيمية وتلميذيه ابن قيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب النجدي. والجامع بين هؤلاء هو انتسابهم وصدورهم عن المذهب الحنبلي. أما الصفة أو النعت الذي عرفوا به تاريخيا فهو: " الحشوية الحنبلية ". للتمييز بينهم وبين غيرهم ممن ينتسب لهذا المذهب دون أن يعتقد بما تذهب إليه هذه الفرقة الموسومة بالحشوية.




____________
(1) المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب، مرجع سابق، ج 2 ص 93.
(2) د. سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي، دار النهضة العربية، بيروت ط 3 - 1984 م، ص 210.
(3) تجد نص الرسالة كاملا في فصل السلفية وأهل السنة.
(4) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج 1 ص 317 - 318 - 319 إلى 323.
(5) عبده الشمالي، دراسات في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية وآثار رجالها، دار صادر، بيروت ط 5 - 1979 م، ص 210.
(6) السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، م س، ص 45.
(7) المرجع السابق، ص 42.
(8) الدكتور عبد الرحمن بدوي، مذاهب الإسلاميين، دار العلم للملايين، ج 1 ص 675.
(9) المذاهب الإسلامية، مرجع سابق، ص 315.
(10) نفسه، ص 311.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page