• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمامية وتسميتهم بالروافض

قد درج خصوم الشيعة الإمامية وخصوصا " السلفيين "، على نعتهم وإطلاق اسم الرافضة والروافض عليهم. وهذا الوصف كان يطلق في الماضي ويقصد به مجموع من يوصف بالتشيع ويدخل ضمنهم الإمامية. أما اليوم فإنه إذا أطلقه السلفيون يقصدون به " الشيعة الإمامية " فقط. وسنحاول في عجالة تتبع تاريخ هذا المصطلح ومدلولاته المعرفية والسياسية بالخصوص، لنعرف حده وخليفته السياسية والتاريخية.
الرفض بمعنى الترك، قال ابن منظور في اللسان: " الرفض ترك الشئ، تقول: رفضني فرفضته، رفضت الشئ أرفضه رفضا، تركته وفرقته والرفض:
الشئ المقترف والجمع أرفاض (1). وهذا هو المعنى اللغوي، أما حسب الاصطلاح في الأعصار المتأخرة، فهو يطلق على مطلق محبي أهل البيت تارة، أو على شيعتهم جميعا أخرى. أو على طائفة خاصة منهم ثالثة.
وعلى كل تقدير فهذا الاصطلاح، اصطلاح سياسي أطلق على هذه الطائفة وهو موضوع لا كلام فيه. إنما الكلام في وجه التسمية ومبدأ نشوئها، فإننا نرى ابن منظور يقول في وجه التسمية ي‍: " الروافض، جنود تركوا قائدهم وانصرفوا، فكل طائفة منهم رافضة. والنسبة إليهم رافضي، والروافض قوم من الشيعة سموا بذلك لأنهم تركوا زيد بن علي، قال الأصمعي: كانوا قد بايعوا زيد بن علي ثم قالوا: إبرأ من الشيخين نقاتل معك فأبي وقال: كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما فرفضوه وأرفضوا عنه. فسموا رافضة. وقالوا الروافض ولم يقولوا: الرفاض لأنهم عنوا الجماعات.
غير أن ابن منظور، وإن أصاب الحق في صدر كلامه وجعل للفظ معنى وسيعا يطلق على المسلم والكافر، والمسلم شيعيه وسنيه، لكن استشهد على وجه تسمية قسم من شيعة علي عليه السلام بما يقول الأصمعي، وهو منحرف عن علي وشيعته فكيف يمكن الاعتماد على قوله، خصوصا إذا تضمن تنقيصا وازدراء بهم.
يقول الشيخ جعفر السبحاني لا أظن الأصمعي وهو خبير في اللغة يجهل بحقيقة الحال، ولكن عداءه قد جره إلى هذا التفسير. فإن الحق أن الرافضة كلمة سياسية كانت تستعمل قبل أن يولد زيد بن علي ومن بايعه من أهل الكوفة، فالكلمة تطلق على كل جماعة لم تقبل الحكومة القائمة، سواء أكانت حقا أو باطلا. هذا هو معاوية بن أبي سفيان يصف شيعة عثمان الذين لم يخضعوا لحكومة علي بن أبي طالب عليه السلام وسلطته بالرافضة. و يكتب في كتابه إلى عمرو بن العاص وهو في البيع في فلسطين: " أما بعد:
فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا (نزل إلينا) مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أذاكرك أمرا " (2).
إن معاوية يصف من جاء مع مروان بن الحكم بالرافضة وهؤلاء كانوا أعداء علي ومخالفيه. وما هذا إلا لأن هؤلاء الجماعة كانوا غير خاضعين للحكومة القائمة آنذاك. وعلى ذلك فتلك لفظة سياسية تطلق على القاعدين عن نصرة الحكومة والالتفات حولها... إن كلمة الرفض والرافضة ليستا من خصائص الشيعة، بل هي لغة عامة تستعمل في كل جماعة غير خاضعة للحكومة القائمة. وبما أن الشيعة منذ تكونها لم تخضع للحكومات القائمة بعد رسول الله (ص)، فكانت رافضة حسب الاصطلاح الذي عرضت، ولم يكن ذلك الاصطلاح موهوبا من طرف زيد بن علي لشيعة جده. كيف وقد ورد ذلك المصطلح على لسان أخيه محمد الباقر عليه السلام. الذي توفي قبل زيد بن علي وثورته بست سنوات.
روى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: " أن رجلا يقول إن فلانا سمانا باسم قال وما ذاك الاسم ؟ قال: سمانا الرافضة. فقال أبو جعفر مشيرا بيده إلى صدره: وأنا من الرافضة وهو مني، قالها ثلاثا (3).
وروى أبو بصير فقال: قلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك، اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا. قال: وما هو ؟ قال:
الرافضة، فقال أبو جعفر عليه السلام: إن سبعين رجلا من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى عليه السلام فلم يكن في قوم موسى أحد أشد اجتهادا وأشد حبا لهارون منهم، فسماهم قوم موسى الرافضة " (4). وهذه التعابير عن أبي جعفر باقر العلوم عليه السلام أصدق شاهد على أن مصطلح الرفض ليس وليد فكرة زيد، وأجله عن هذه النسبة والفكرة، بل كان مصطلحا سائدا في أقوام، فكل من لم يخضع للحاكم القائم، والحكومة السائدة وصار يعيش بلا إمام ولا حاكم سمي رافضيا والجماعة رافضة أو رفضة (5).
إلا أن هذا المصطلح سيتطور عند الاستعمال ليشمل ليس فقط المعارضين للحكومات من الشيعة، ولكن سيلصق بكل من يعرف عنه حب أهل بيت النبي عليهم السلام. مثل الإمام الشافعي فقد اشتهر عنه أنه أنشد:
يا آل بيت رسول الله حبكموا * فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكموا من عظيم الذكر أنكموا * من لم يصل عليكم لا صلاة له
ويوضح الإمام الشافعي بواعث اتهامه بالرفض والتشيع فيقول:
قالوا ترفضت قلت كلا * ما الرفض ديني ولا إعتقادي
لكن توليت دون شك * خير إمام وخير هادي
إن كان حب الوصي رفضا * فإني أرفض العباد
والشافعي لما أظهر حب علي بن أبي طالب - والذي سماه " الوصي " وهذه الكلمة إشارة إلى النص - اتهم بالرفض، لكنه لم يبال بهذا الاتهام، واستمر على موالاته لأهل البيت عليهم السلام. يقول منشدا.
يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بقاعد فيها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني رافضي (6)
وهذا الإمام أحمد بن حنبل وقد كان يغشاه عبد الرحمن بن صالح الشيعي، فاعترض عليه أصحابه بقولهم إنه رافضي فكان جواب أحمد بن حنبل أنه: " رجل أحب قوما من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، نقول له لا تحبهم، هو ثقة " (7).
وعليه فإن كان حب أهل البيت ومودتهم رفضا، فالحق أن جميع المسلمين رافضة، لأن حب أهل بيت النبي من الدين. أما إذا كان الرفض يعني المعارضة السياسية، فالحركات الإسلامية اليوم وأبناء الصحوة الإسلامية يصح أن يطلق عليهم روافض ورفضة، لأنهم جميعا في خانة من يعارضه الحكومات القائمة في بلدانهم. ولا يعترفون لها بأي شرعية دينية أو حتى قانونية ودستورية.





___________
(1) لسان العرب ج 7 ص 157 مادة رفض.
(2) نصر بن مزاحم المنقري، توفي سنة 212 ه‍، وقعة صفين، ص 29.
(3) بحار الأنوار، ج 65 ص 97 الحديث 2. نقلا عن المحاسن للبرقي، المتوفى سنة 274.
(4) نفسه، ج 65 ص 97، الحديث 3.
(5) بحوث في الملل والنحل، م س، ج 1، صفحات 120 و 121 و 122 و 123 بتصرف.
(6) أنظر مناقب الشافعي للفخر الرازي، وكذا الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر المجلد الثاني ص 249. والغريب في الأمر أن كل من عرف بحب علي وأهل بيته كان يتهم بالتشيع والرفض. وقد ألسقت هذه التهمة بكل من يروي حديثا أو مجموعة روايات في فضائل علي بن أبي طالب أو أهل بيت النبوة، وقد أتهم بالتشيع رجال لم يكونوا في واقع الأمر شيعة بالمعنى الاصطلاحي للكلمة مثل خيثمة بن سليمان العابد الذي ألف في فضائل الصحابة وذكر بعض فضائل الإمام علي. والحاكم النيسابوري صاحب  المستدرك حيث ذكر فيه فضائل الإمام علي. وعبد الرزاق بن همام الحافظ الكبير ومن رجال الصحاح قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ ": إنه صاحب تصانيف، وثقه غير واحد، وحديثه مخرج في الصحاح، وله ما ينفرد به، ونقموا عليه التشيع وما كان يغلو به بل كان يحب عليا ويبغض قاتله. وهذا الاعتراف من الذهبي وهو من هو عند أصحابه في الجرح والتعديل يبين مدى انحراف هؤلاء الذين نقموا على هذا الحافظ فهل ينقم مسلم على مسلم آخر لأنه يحب عليا وأهل بيت النبي وقد كان الرسول يحبهم ؟ !
ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي ومحمد بن عثمان أبو الحسن النعالي وقاضي القضاة محيي الدين الأموي المتوفى سنة 668 ه‍، ومحمد بن جرير الطبري المؤرخ الشهير المتوفى سنة 310 ه‍. ومن أعجب الأمور كما يقول أسد حيدر إن ابن عبد البر قد أتهم بالتشيع على ما فيه من النصب والعداء لأهل البيت، فقد وصفه ابن كثير في تاريخه بأنه شيعي لرواية نقلها تمس كرامة الأمويين. بل إن أبا حنيفة قد اتهم هو كذلك بالتشيع لأنه كان يفضل الإمام علي على عثمان.
(7) تاريخ بغداد، ج 10 ص 261، بتوسط أسد حيدر، ج 2 ص 504.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page