طباعة

في الأصول

إذا كان العلماء قد ناقشوا نسبة أحمد إلى الفقه ونفوا عنه أن يكون فقيها مجتهدا، كما شككوا في معظم ما نسب إليه من فقه، فإن الصراع سيحتدم من جديد حول عقائد أحمد وما كان يؤمن به ويعتقده، فقد تضاربت الأقوال المنسوبة إليه في العقائد. وكذلك هل كان أحمد مشبها ومجسما ؟
بعض العلماء من خارج المذهب الحنبلي وبعضهم من داخله ينفون نفيا قاطعا أن يكون أحمد على عقائد التشبيه أو التجسيم، كما هو الحال لدى الحشوية أتباع مذهبه. ويتذرعون بأن أحمد كان متبعا للسلف في عقائده، ولم يكن السلف مشبهة أو مجسمة. بل كان أغلبهم متوقفون مفوضة فيما يخص تأويل آيات الصفات الخبرية، التي قد يفهم من ظاهرها نوع ما من التشبيه أو التجسيم تعالى الله عن ذلك.
ولكن ما بال هذه الأحاديث والأقوال التي يتداولها الحنابلة في كتبهم المعتمدة في العقائد. وهي تنضح بهذه الإسرائيليات والموضوعات، وكيف تنسب لأحمد ومن ثم للسلف. الواقع أن انضواء جماهير المحدثين تحت لواء أحمد بن حنبل واحتمائهم أو تسترهم وراء مذهبه الذي صنعوه له قد جعلهم يحملون تراثهم الحديثي معهم، ومن ضمنه الحجم الهائل للروايات المحشوة فيه من عقائد التجسيم والتشبيه المتسربة إليهم من أهل الكتاب.
وإذا علمنا أن أحمد بن حنبل نفسه قد روى كثيرا منها أو رويت عنه فلا يبقى هناك مجال للشك في أن تراث الحشوية قد ضم بالكامل إلى مصادر المذهب الحنبلي وأصبح معتمد المقلدين. لذلك تعرض الحنابلة على طول التاريخ لتهمة التشبيه والتجسيم، ولم تنفك عنهم. ليس فقط من خصومهم.
ولكن كذلك من بعض علماء هذا المذهب الذين اعتبروا تقليده في الفروع وتبنوا عقائد أهل السنة والجماعة من الأشاعرة في الأصول، أو تتلمذوا على عقائد الاعتزال والتصوف.