• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجبر ونفي الاختيار

تزخر مصادر الحشوية بكم هائل من أحاديث الجبر ونفي الاختيار وأن الإنسان يولد مسلوب الإرادة لا علاقة له بتحديد مصيره. ولو صحت هذه الأحاديث لما بقي لبعث الأنبياء وتكليف العباد بالواجبات والمحرمات وغيرها معنى معقول (1).
جاء في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي، حدثنا خالد بن صبيح المري، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله إنه سمع أم الدرداء تحدث عن أبي الدرداء، أنه قال: سمعت النبي (ص) يقول:
" فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله ورزقه وأثره، وشقي أم سعيد " (2).
وعنه أيضا، قال حدثني أبي، حدثنا هشيم، حدثنا علي بن زيد، سمعت أبا عبيد بن عبد الله يحدث قال: قال عبد الله: قال رسول الله (ص): " إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما على حالها لا تغير، فإذا مضت الأربعون صار علقة ومضغة كذلك، ثم عظاما كذلك، فإذا أراد الله أن يسوي خلقه بعث إليها ملكا فيقول الملك الذي يليه: أي رب أذكر أم أنثى ؟، أشقي أم سعيد ؟ قصير أم طويل ؟ أناقص أم زائد ؟، قوته وأجله، أصحيح أم سقيم ؟، قال فيكتب ذلك كله. فقال رجل من القوم: فيم العمل إذا وقد فرغ من هذا كله ؟ فقال: اعملوا فكل سيؤخذ لما خلق له " (3).
وعنه أيضا: قيل لرسول الله (ص): يا " رسول الله: العمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف ؟ قال بل على أمر قد فرغ منه. قال: قلت: يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال: إن كلا ميسر لما خلق له " (4).
وروي... عن طاووس اليماني، قال: " أدركت ناسا من أصحاب النبي (ص) يقولون كل شئ بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله (ص) كل شئ بقدر حتى العجز والكسل " (5).
وروى... حدثنا سفيان عن عمرو بن محمد، قال: " كنت عند سالم بن عبد الله فجاءه رجل فقال الزنى بقدر ؟ فقال: نعم. قال: كتبه علي ؟ قال:
نعم، قال: كتبه علي ؟ قال: نعم ويعذبني عليه ؟ قال: فأخذ له الحصا " (6).
وبناء على هذه الأحاديث وغيرها نجد أن أحمد بن حنبل كما ينقل عنه أصحابه يقرر - ويجعل ذلك من عقائد السلف - بأن " القدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره، من الله قضاء قضاه، وقدر قدره عليهم، لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل، ولا يجاوز قضاءه، بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له، واقفون فيما قدر عليهم لأفعاله، وهو عدل منه عز ربنا وجل، والزنى والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها بقضاء وقدر، من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة، بل لله الحجة البالغة على خلقه، * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه، قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه - من لدن أن عصى تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة - المعصية وخلقهم لها، وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها. وكل يعمل لما خلق له، وصائر لما قضى عليه وعلم منه، لا يعدو واحد منهم قدر الله ومشيئته. والله الفاعل لما يريد، الفعال لما يشاء...
ومن زعم أن الزنى ليس بقدر، قيل له: أرأيت هذه المرأة، حملت من الزنى وجاءت بولد، هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد ؟ وهل مضى في سابق علمه ؟ فإن قال: لا، فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا هو الشرك صراحا.
ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام، ليس بقضاء وقدر، فقد زعم أن هذا الإنسان قادر أن يأكل رزق غيره، وهذا صراح قول المجوسية.
بل أكل رزقه وقضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله.
ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل، وأن ذلك (ليس) بمشيئته في خلقه، فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله. وأي كفر أوضح من هذا. بل ذلك بقضاء الله عز وجل وذلك بمشيئته في خلقه، وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم. وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد، ومن أقر بالعم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر والقماءة " (7).
مما لا شك فيه أن هذه العقائد لو تشبع بها العوام، واعتقدتها الجماهير، فإن مآل المجتمع ككل للانحلال والتفسخ والانحطاط الحضاري العام، لذلك نجد ابن تيمية الحراني الحنبلي يرد على مثل هكذا اعتقاد حين يقول: " ومنهم من يتكئ على القدر حتى يظن أن المعاصي والذنوب جارية عليه بمشيئة الله وقدره، فيسلم لها ظانا أن هذا هو حق المعرفة والرضا ! وهذا جهل كبير فلو كان هذا عذرا لأحد لكان عذرا لإبليس ولكل كافر " (8).
وإذا كانت مصادر الحشوية قد احتوت على زخم هائل من أحاديث الجبر فإن المصادر الحديثية لدى أهل السنة والجماعة لم تخل من هذه الأحاديث التي تدعو للجبر صراحة، منها ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عمر بن العاص قال: " خرج علينا رسول الله (ص) وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان ؟ قلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذي بيده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا. وقال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا. قال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه ؟ فقال: سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله (ص) بيده فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من عمل العباد. فريق في الجنة وفريق في السعير (9).







____________
(1) بحوث في الملل والنحل، ج 1 ص 157.
(2) السنة، ص 125.
(3) السنة، ص 126.
(4) السنة، ص 135.
(5) السنة، ص 139.
(6) السنة، ص 143.
(7) طبقات الحنابلة، ج 1 ص 25 - 26، بتوسط بحوث في الملل والنحل، ج 1 ص 160.
(8) العبادة وحقيقة العبودية، عن ابن تيمية لصائب عبد الحميد، ص 154.

(9) جامع الأصول، ج 10 ص 513، رقم الحديث 7555، بتوسط السبحاني، ج 1 ص 157.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page