• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

البوطي يرد على ابن تيمية والسلفية

وقد انتبه لهذا التناقض والخلط في كتابات ابن تيمية ومواقفه الدكتور البوطي وهو يعالج بعضا مما اختلف فيه الشيخ مع أهل السنة في العقائد وكذا مع الصوفية. فنراه يقول: " فالكلام الأول لابن تيمية ! وهو مثبت في أكثر من موضع في كتبه ورسائله. والكلام الثاني أيضا لابن تيمية ! وقد تكرر هو الآخر في أكثر من موضع في مؤلفاته. وقد رأيت كيف أن كلا منهما يناقض الآخر مناقضة حادة... فما تفسير ذلك وسببه ؟ لا أدري لذلك أي تفسير ولا سبب، ولكني أعلم أنه ما منا إلا من رد ورد عليه إلا المعصوم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم (1).
ولكن الدكتور البوطي الذي يقف حائرا أمام هذا التناقض في كلام شيخ الإسلام لا يجد بدا من الرد عليه وعلى تلامذته منتصرا للتصوف وطرائقه، عندما أخد على نفسه أن يعالج جذور الصراع بين هؤلاء السلفية والمتصوفة.
يقول البوطي: إن هناك أعمالا ومسالك تربوية كثيرة أخرى يأخذ بها بعض الناس أنفسهم، أو يسلكون فيها تلامذتهم، ابتغاء تطهير النفس ما أمكن من هذه الرعونات، وإخضاع القلب للمشاعر والمعاني الإيمانية التي أشرنا إليها، لم يتمخض فيها وجه الصحة من حيث اتفاقها مع أحكام الشرع، كما لم يتمخض فيها دلائل الحرمة أو البطلان من حيث مخالفتها لتلك المبادئ والأحكام. فكانت بذلك أمورا اجتهادية...
فهذه المسالك والأعمال الاجتهادية، التي تتخذ سبيلا إلى التحقق بجوهر الإسلام ولبه، تضل سائغة ومشروعة، شأنها كشأن سائر الفهوم والأعمال الاجتهادية الأخرى. ولا يملك صاحب رأي فيها أن يحتج بالرأي الذي انتهى إليه على ضلال الرأي الآخر الذي انقدح في ذهن صاحبه، كما لا يملك صاحب هذا الرأي أن يبادله النظرة ذاتها...
فمن ذلك التداعي إلى حلقات الذكر في أوقات محدودة، وعلى نحو معين. فإن كثيرا ممن ينتسبون إلى المذهب المسمى " بالسلفية " ينكرون مثل هذا الذكر وينكرون على أصحابه، وينسبونهم إلى الابتداع والضلال، مستدلين بأن هذه الجلسة المحددة بهذا الشكل وعلى هذا النظام لم تكن معروفة في عصر السلف. ولا نرى شاهدا عليها في كتاب ولا سنة. غير أن الذين يتداعون إلى هذه الحلقات ويحضرونها، يحتجون بالعموم الذي يدل عليه قوله عز وجل: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * (آل عمران:
آية 191). وهو عموم بين لا يخرج من نطاقه إلا ما أخرجه نص آخر عن طريق الاستثناء والتخصيص، وذلك كأن يتلبس الذكر بعمل منهي عنه كالرقص والتثني. فهذا ممنوع وخارج من عموم النص القرآني العام استنادا إلى دليل حرمة الرقص والتثني...
كما إنهم يحتجون بأحاديث كثيرة ثابتة، من مثل حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم مرفوعا: " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " (2).
إلى أن يقول: " إن اعتداد أحد الفريقين برأيه إلى درجة تسوقه إلى تضليل الفريق الثاني ونسبته إلى الابتداع والفسق، أمر لا يقره جوهر الدين، ولا يعبر إلا عن أنانية نفسية بغيضة تقنعت - كما قلت - بقناع الدعوة إلى الدين والانتصار للحق (3).
ويستطرد الدكتور البوطي رادا على ابن تيمية الذي بدع وضلل من يذكرون الله بذكر مخصوص كذكرهم الله بالاسم المفرد (الله). وأن المنع من أن يذكر المسلمون الله بأي اسم من أسمائه لا دليل عليه، وحتى أن طرح تمت خلاف، فإن البوطي يذهب إلى أن أغلب القضايا المختلف فيها بين ابن تيمية وأتباعه من سلفية الوهابية وبين أهل الطرق الصوفية هي محل اجتهاد وخلاف. ولا يجوز بتاتا أن ينسب فريق فريقا إلى الابتداع أو الضلال فإن ذلك غلو في الانتصار للنفس والرأي ليس إلا.
أما فيما يخص المصطلحات التي درج الصوفية على تداولها بينهم مثل الوجد والفناء والشهود والحضرة، والمقامات السلوكية فإن لابن تيمية تفصيل في شرح بعضها يحسبه المرء عند قراءته أحد أقطاب التصوف، بل لسان يتكلم عن حال.
يقول عن الفناء: " وهذا الفناء لا ينافيه البقاء، بل يجتمع هو والبقاء فيكون العبد فانيا عن إرادة ما سواه وإن كان شاعرا بالله وبالسوي، وترجمته: قول " لا إله إلا الله ".. والأمر الثاني: فناء القلب عن شهود ما سوى الرب، فذاك فناء عن الإرادة، وهذا فناء الشهادة.. ولكن عرض كثير من هذا لكثير من المتأخرين من هذه الأمة، كما عرض لهم عند تجلي بعض الحقائق: الموت والغشي والصياح والاضطراب، وذلك لضعف القلب عن شهود الحقائق على ما هي عليه وعن شهود التفرقة في الجمع والكثرة في الوحدة، حتى اختلفوا في إمكان ذلك...
وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق أو سبحاني أو ما في الجبة إلا الله (4)، إذا فنى بمشهوده عن شهوده وبموجوده عن وجوده وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن عرفانه. كما يحكون أن رجلا كان مستغرقا في محبة آخر فوقع المحبوب في اليم فألقى الآخر نفسه خلفه، فقال: ما الذي أوقعك خلفي ؟
فقال: غبت بك عني فظننت أنك أني...
وفي مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان كما يحصل بسكر الخمر وسكر عشيق الصور، وكذلك يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء، كما يحصل بحال حب فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق ويصدر منه قول أو عمل من جنب أمور السكارى، وهي شطحات بعض المشايخ كقول بعضهم: " أنصب خيمتي على جهنم " ونحو ذلك من الأقوال والأعمال المخالفة للشرع وقد يكون صاحبها غير مأثوم (5) لا شك أن القارئ لهذا الكلام سيلاحظ معي أننا لو بحثنا في كتب القوم - المتصوفة - لمعرفة كلامهم في مثل هكذا مواضيع فإننا لن نجد شيئا يختلف عما قاله إمام السلفية وشيخها الأكبر، بل قد يعجز صغارهم على الإتيان بما جاء به من شرح وتفصيل، بل ودفاع عن حال من أصعب الأحوال التي تخبط فيه المتصوفة سلوكا وتأليفا، وهو حال الفناء. ونفس الكلام يمكننا قوله فيما يخص باقي موضوعات التصوف الأخرى وهذا واضح لمن قلب أوراق مجموع الفتاوى أو كتابه الإستقامة. دون أن يعني ذلك أنه لم يذكر بعض الاعتراضات الجزئية أو الكلية على عقائد القوم، ولكننا نجده يذكرها في إطار من التفهم والبعد عن التبديع أو التضليل. ففي كتابه " الإستقامة " عندما يتعرض لاعتقاد مشايخ الصوفية الوارد في رسالة القشيري يقول: أنه ذكر من متفرقات كلامهم ما يستدل به على أنهم كانوا يوافقون اعتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية، وذلك هو اعتقاد أبي القاسم الذي تلقاه عن أبي بكر بن فورك وأبي إسحاق الإسفراييني. وهذا الاعتقاد غالبه موافق لأصول السلف وأهل السنة والجماعة لكنه مقصر عنه ذلك. ومتضمن ترك بعض ما كانوا عليه وزيادة تخالف ما كانوا عليه (6).
وهذا النص وغيره مما ذكره في كتاب الإستقامة يحجم الاختلاف بينه وبين القوم في قضايا محدودة جدا قد تكون نفسها التي اختلف بشأنها مع أهل السنة من الأشاعرة، ما دام على حد قوله أنهم يعتقدون مذهب الأشعري.
ولكنه سيذكر كلاما غامضا بعض الشئ عندما يفضل كتاب " التعرف لمذهب التصوف " للكلاباذي عن " الرسالة القشيرية " على اعتبار أن ما ذكره الكلاباذي أقرب إلى مذهب السلف وأبعد عن الهوى والبدع. والحقيقة أن تحقيق هذا الكلام سيسقطنا في متاهات لا أول لها ولا آخر. فقد قال نفس الكلام عن تفسير الطبري بخصوص تأويل آيات الصفات الخبرية: ولما رجع الباحثون إلى هذا التفسير وجدوا شيئا لا قبل للشيخ به ولا يمكنه أن ينتصر لمذهبه بما جاء فيه أبدا ؟ !.
بالإضافة إلى أن جل المشايخ الذين ذكرهم ومدحهم وأثنى عليهم في كتابه الإستقامة ليسوا على خلاف أو عداء مع من ذمهم ونسبهم إلى الضلال والابتداع أو الكفر وعلى رأسهم ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين. فلا نعلم أن أحدا ممن أرخ لهم في كتب التصوف وذكر سيرهم أنه تعرض لهم بالشتم أو سب أو تضليل. وابن عربي الذي حمل عليه الشيخ الحراني حملة شعواء وكفر اعتقاده، يعتبر نفسه تلميذا شرعيا لهؤلاء المتصوفة والعارفين، قد سلك طريقهم ونهج نهجهم ولم يحد عنه، وأنه لم يقل ولم يكتب - أي ابن عربي - إلا ما رآه وشاهده في رحلته الروحية.




____________
(1) السلفية، م س، ص 186.
(2) السلفية، صفحات 190 - 191 - 192، بتصرف.
(3) المرجع السابق، ص 193.
(4) القول الأول والثاني ينسب إلى العارف أبو يزيد البسطامي، أما القول الثالث فقد إشتهر به الحلاج.
(5) مجموع الفتاوى، ج 10 ص 337، نقلا عن م س، ص 230 - 231.
(6) الإستقامة، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود. ط 1403. ج 1 ص 81، نقلا عن المكي، ص 233 - 234.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page