فابن جهبل الفقيه الشافعي الذي ألف رسالة في الرد على الفتوى الحموية يقول: لم ينقل عن سيد البشر (ص) ولا عن أحد الصحابة رضي الله عنهم إنه جمع الناس في مجمع عام (كما فعل ابن تيمية) ثم أمرهم أن يعتقدوا في الله كذا وكذا... إن سيد الرسل لم يقل أيها الناس، اعتقدوا إن الله تعالى في جهة العلو، ولا قال ذلك الخلفاء الراشدون، ولا أحد من الصحابة (1).
ومن فحص وفتش وبحث وجد أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والصدر الأول لم يكن دأبهم غير الإمساك عن الخوض في هذه الأمور وترك ذكرها في المشاهد، ولم يكونوا يدسونها إلى العوام، ولا يتكلمون بها على المنابر، ولا يوقعون في قلوب الناس منها هواجس كالحريق المشتعل، وهذا معلوم بالضرورة من سيرهم، وعلى ذلك بنينا عقيدتنا وأسسنا نحلتنا، وسيظهر لك إن شاء الله تعالى موافقتنا للسلف ومخالفة المخالف (أي ابن تيمية) طريقتهم وإن ادعى الاتباع، فما سلك غير الابتداع (2).
ويستطرد ابن جهبل موردا أقوال الصحابة وعلماء التابعين وسيرتهم في معالجة قضايا التوحيد الدقيقة، وأنهم كانوا يضنون بها على العوام وعلى غير أهلها، ولا يخوضون في تفاصيل ذلك إلا اضطرارا، قمعا للبدع كما وقع للأئمة كمالك والشافعي وابن حنبل وغيرهم وإذن فابن تيمية عندما أشرك العوام في معالجة دقائق التوحيد وجزئياته لم يكن سلفيا، وإنما كان مبتدعا منحرفا عن طريق من يعتبرهم هو نفسه رجالات السلف، مع أن الذين خاضوا في قضايا التوحيد والعدل ونشروا جزئياتها بين الناس وأثاروا الشبهات والاختلافات العقائدية لم يكونوا - وحسب ابن تيمية كذلك - من السلف الواجبي الاتباع بل من مبتدعة الأمم وبالخصوص متأسلمة اليهود والنصارى وبعض رجالات الملل والنحل المخالفة للإسلام، ومن تبعهم من المسلمين الذين روجوا شبهاتهم، كجهم بن صفوان ومعبد الجهني وغيرهم، الذين قام علماء السلف بالرد عليهم.
____________
(1) الحقائق الجلية، م س، ص 34.
(2) المرجع السابق، ص 41، وقد أشار إلى ذلك ابن حجر الهيثمي صاحب الصواعق في كتابه الجوهر المنتظم حيث قال: ".. إن ابن تيمية تجاوز الجناب الأقدس وفرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ".
ويقول الشيخ محمد البرلسي في " إتحاف أهل العرفان برؤية الأنبياء والملائكة والجان. عن ابن تيمية ": وأظهر هذا الأمر على المنابر وشاع وذاع ذكره بين الأكابر والأصاغر ". أنظر كشف الارتياب، م س، ص 130 - 131.
إثارة الشبهات في أذهان العامة
- الزيارات: 954