من الأفضل أن يبرمج الزّوج في أول زواجه منهج الحياة على أساس العدل ورضى الرب جل وعلا ويعين ما كان عليه وما كان عليها ، حتى يعرف كل منهما حدود وظائفه الشّرعيّة كي لا يتخلف عنها.
كما تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله في الخدمة ، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب وقضى على علي بما خلفه. فكانت فاطمة فرحة مسرورة من هذا الأمر وتقول : فلا يعلم ما داخلنى من السرور إلاّ الله بإكفائى رسول الله من تحمّل رقاب الرجال. 1
فليعلم الزّوج أنه ربّ العيال وصاحب البيت ، فالواجب عليه أن يجلب الرزق لأهله ويطلب الحلال ، وأن لا يضيع من يعول ويعلم أن الكاد لعياله كالمجاهد في سبيل الله ، فلا يقل إعالة أهله من الجهاد في سبيل الله.
ويحمل كل ما تحتاجه الأهل إلى المنزل كما كان هذا دأب الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام من الكدّ لعيالهم وحمل ذلك إليهم.
فكان أميرالمؤمنين عليهالسلام يحمل التمر والملح بيده ولا يرضى أن يحمله غيره لإيصاله إلى المنزل.
روى ابن شهر اشوب عن الإبانة عن ابن بطة عن أحمد انه اشترى عليهالسلام تمراً بالكوفة فحمله في طرف ردائه فتبادر الناس الى حمله وقالوا ياأميرالمؤمنين ، نحن نحمله.
فقال : رب العيال أحق بحمله. 2
وفى قوت القلوب عن أبي طالب المكي : كان علي عليهالسلام يحمل التمر والملح بيده ويقول :
لا ينقص الكامل من كماله
ما جر من نفع إلى عياله 3
وكان الإمام زين العابدين يدخل السوق ويشتري اللحم لأهله.
روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة ، قال : قال علي بن الحسين عليهالسلام لان
أدخل السوق ومعي درهم أبتاع به لحماً لعيالي وقد قرموا إليه أحب إليّ من أن أعتق نسمة. 4
وعلى الزوجة أيضاً أن تعلم أنه لا استنكاف في خدمة ولا الأولاد ، كما لم تستنكف السيدة فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله الخدمة في البيت بل فرحت من تقسيم العمل الذي فرضه النبي عليهما في داخل البيت وخارجه.
ووصف الإمام أميرالمؤمنين لابن ام عبد خدمة الزهراء في البيت قائلاً له : الا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكانت أحب أهله إليه ، وكانت عندي فجرّت بالرّحا حتى أثّرت في يدها واستقت بالقربة حتى أثّرت في نحرها وقمّت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأصابها من ذلك ضرر. 5
وعنه أيضا قال لرجل من بني سعد : إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها وطحنت بالرحا حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأوقدت النار حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد. 6
فتلخّص أن خدمة الزّوجة لزوجها شرف لها بل سبب لمحو خطاياها وموجب لدخولها الجنة إن شاء الله.
كما قال الصادق عليهالسلام : الإمرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح ، وأيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت. 7
وقال عليهالسلام : ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ويبني الله لها بكل شربة تسقي زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة. 8
وعنه أيضاً : سألت أم سلمة رسول الله صلىاللهعليهوآله عن فضل النساء في خدمة أزواجهن.
فقال صلىاللهعليهوآله : أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلاّ نظر الله إليها ومن نظر الله إليه لم يعذّبه. 9
التعاون مع الأهل وأما التعاون مع الأهل في المنزل فأمر مهم جداً لأنّه يسبب الألفة والمحبة الشديدة بينهما. فكان النبي صلىاللهعليهوآله على ما نقل عن الصادق عليهالسلام : أنه كان يحلب عنز أهله. 10
وجاء في أخلاق النبي : أنه كان يخدم في مهنة أهله ، ويقطع اللحم معهن. 11
وفيه أيضاً : وكان صلىاللهعليهوآله يصنع في بيته مع أهله في حاجتهم. 12
وكان أميرالمؤمنين عليهالسلام يحطب ( يحتطب ) ويستقي ويكنس وكانت فاطمة عليهاالسلام تطحن وتعجن وتخبز. 13
وصايا النبي صلىاللهعليهوآله لأميرالمؤمنين عليهالسلام
وعن الصادق عليهالسلام عن علي قال : دخل علينا رسول الله عليهالسلام وفاطمة جالسة عند القدر وأنا أنقّي العدس.
قال عليهالسلام : قال صلىاللهعليهوآله : يا أبالحسن.
قلت : لبيك يا رسول الله.
قال : اسمع منّي وما أقول إلاّ من أمر ربي : ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلاّ كان له بكلّ شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله من الثواب ما أعطاه الصابرين : داود النبي ويعقوب وعيسى.
يا علي ، من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف كتب الله اسمه في ديوان الشهداء وكتب له بكلّ يوم وليلة ثواب ألف شهيد وكتب له بكلّ قدم ثواب حجّة وعمرة ، وأعطاه الله بكلّ عرق في جسده مدينة في الجنة.
يا علي ، ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف سنة وألف حجّه وعمرة وخير من عتق ألف رقبة وألف غزوة وألف مريض عاده وألف جمعة وألف جائع يشبعهم وألف عارٍ يكسوهم وألف فرس يوجهه في سبيل الله وخير له من ألف دينار يتصدّق بها على المساكين وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ومن ألف أسير أسّر فأعتقهم وخير له من ألف بدنه يعطي للمساكين ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة.
يا علي ، من لم يأنف من خدمة فهو كفّارة للكبائر ويطفىء غضب الرّب ومهور حور العين وتزيد في الحسنات.
يا علي ، لا يخدم العيال إلاّ صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة. 14
فعلى الزّوج أن يتأسّى بالنبي صلىاللهعليهوآله والإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في التعاون مع الأهل في داخل المنزل كما على الزّوجة التأسي بالزهراء عليهاالسلام في خدمة الزّوج.
المشورة مع الأهل
إنّ من أحسن الصفات الإنسانيّة وأعلى مراتب الكمالات الأخلاقية في الإنسان هو الإهتمام بأمر الشور والإستشارة وضمّ آراء الآخرين إلى رأيه والعمل بأحسنه وأفضله ، كما بيّنا ذلك في فضل الإستشارة قبل الزّواج ، وما ورد من إهتمام النبي صلىاللهعليهوآله والعترة عليهمالسلام بهذا الأمر.
وأما المشورة بالنّسبة إلى الزّوجين فيما بعد الزّواج وفي نطاق الحياة الزوجيّة فأيضاً أمر مشروع وممدوح وقد مدح الله المؤمنين في كتابه العزيز ، بتمشية أمورهم عن طريق الشورى بينهم ، فقال في كتابه : وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ. 15
قال الفيض الكاشاني في ذيل هذه الآية الشريفة : ولا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وذلك من فرط تيقّظهم في الأمور. 16
ثم إنّه جل وعلا طلب من نبيّه بالشور مع أصحابه بقوله : وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ. 17 فقال الطّبرسي في ذيل هذه الآية : وفي هذه الآية ترغيب للمؤمنين في العفو عن المسىء وحثّهم على الإستغفار لمن يذنب منهم وعلى مشاورة بعضهم بعضاً فيما يعرض لهم من الأمور. 18
معالجة الروايات الناهية
فما جاء في بعض الروايات عن الصادق عليهالسلام من انّه قال : إياكم ومشاورة النساء ، 19 أو فشاوروهن وخالفوهن ، 20 فبعد الفراغ عن صحة إسناد هذه الروايات ، يحتمل أن يقال : إنّه نهى النبي صلىاللهعليهوآله أن يشاورْن في مهامّ الأمور كالحرب مع الأعداء والدفاع عن الدين والكرامة الإنسانية فلا شك بما أنهنّ إمرأة والذى يغلب على المرأة هو الإحساس والعاطفة ، ربما منعت الزوج من الإقدام على أمر الجهاد والدفاع خوفاً عليه من القتل والأسر وغير ذلك.
فيمكن حمل هذه الروايات على هذا النوع من المشاورة معهنّ ، كما نقل عن النبي صلىاللهعليهوآله من أنه إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن. 21
وثانياً : انه كما ورد ، ان النبي صلىاللهعليهوآله إستشار نساءه في أمر الحرب ، فخالفهن لا مطلق المشاورة. فيحكم بعدم الأخذ بقولهن في أمر الجهاد فقط إن وقع الشّور معهنّ.
وثالثاً : إنه شاور نساءه لا مطلق النساء ، فمن المحتمل إن شاور غير نساءه وأبدين نظرهنّ وكان مطابقاً لمصلحة الإسلام لم يخالفهن.
ورابعاً : من المحتمل وقع خلط والتباس بين روايات المشورة والإطاعة ، فشّدد بعض الأمر على عدم المشورة معهنّ في حين أنه وقع التأكيد من النبي والعترة على عدم طاعة الرجل من المرأة لأن في طاعتهن ندامة كما ورد الحديث بذلك عن النبي صلىاللهعليهوآله : طاعة المرأة ندامة. 22
والسبب في ذلك لأنه يؤدّي في النهاية إلى تلبية الطّلبات المحرّمة إن سلب الإختيار عنه.
كما قال النبي لعلي : يا علي من أطاع إمرأته أكبّه الله على وجهه في النار. 23
وقال : يا علي من أطاع إمرأته في أربعة أشياء أكبه الله على منخرية في النار.
قيل : وما هي.
قال : في الثياب الرقاق ، والحمامات والعرائس والنائحات. 24
إذاً فالمنهي عنه هو الإطاعة لا المشورة بقصد الإطلاع على آراء الاخرين والعمل بأحسنه. فإنه لا مانع فيه.
١. الأمر بالمشورة لفصال الولد
ويدّل على ما نقول ، أمر الله تبارك وتعالى الأزواج بالمشورة فيما بينهم إذا أرادا فصال الولد عن الرضاعة حفظاً على سلامة الولد.
فقال في سورة البقرة : فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا. 25 فقال المفسرون ومنهم الطبرسي في ذيل هذه الاية : عن تراض منهما ، أي من الأب والام وتشاور يعني اتفاق ومشاورة وإنما بشرط تراضيهما وتشاورهما مصلحة للولد ، لأن الوالدة تعلم من تربية الصبي ما لا يعلمه الوالد ، فلو لم يتفكروا ويتشاورا في ذلك أدي الى ضرر الصبي. 26
٢. المشورة مع الأم في زواج البنت
والمورد الثاني الذي ورد في الروايات والأحاديث الإسلامية على
حث الشور والإستشارة بين الزّوج والزّوجة ، هو ما ورد في زواج البنت. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : إئتمروا النساء في بناتهنّ 27
فلو كانت مطلق المشاورة معهن أمر منهي فلماذا أمر النبي صلىاللهعليهوآله بالشّور معهنّ.
وهنا موارد أخر تبيّن شرعية الشّور مع النساء كقول صلىاللهعليهوآله : إذا أراد أحدكم أن يزوّج ابنته فليستأمرها. 28
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يستشير الزهراء فاطمة عليهاالسلام في أمر زواجها. 29 وغير ذلك.
فتلخّص من جميع ذلك أن الله جلّ وعلا رغّب المؤمنين وحثّهم على المشورة فيما بينهم ولا شك أن من جملة من يشملهم هذا الحثّ والترغيب الزّوج والزّوجة ، فعليهما أن يشاورا في الأمور ولاحرج في ذلك.
خصوصاً اذا كانت المرأة ممّن جرّبت بكمال العقل كما أرشدنا الإمام بذلك قائلاً : إيّاك ومشاورة النساء إلاّ من جرّبت بكمال عقل. 30
نعم ! لا يجوز للزّوج أن يطيع زوجته عملاً بمفاد روايات كثير تدلّ على ذلك.
_______________
1. انظر بحار الأنوار ، ج ٤٣ ، ص ٨١ ، عن الصادق عليهالسلام.
2. مناقب آل أبي طالب ، ج ٢ ، ص ١٠٤.
3. نفس المصدر.
4. وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٢٥١.
5. ذخائر العقبى ، ص ٥٠.
6. حياة الصديقة فاطمة ، ص ١٤١.
7. مستدرك الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٢٥٢ ؛ ارشاد القلوب ، ج. ١ ، ص ١٧٥.
8. ارشاد القلوب ، ج ١ ، ص ١٧٥.
9. بحار الأنوار ، ج ١٠٣ ، ص ٢٥١.
10. الكافي ، ج ٥ ، ص ٨٦.
11. المحجة البيضاء ، ج ٤ ، ص ١٢٤ ؛ عن مسند عائشة في مسند أحمد.
12. نفس المصدر ، ص ١٥١ ، عن مسند أحمد.
13. مناقب آل أبي طالب ، ج ٢ ، ص ١٠٤ ؛ الكافي ، ج ٥ ، ص ٨٦ ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج ٣ ، ص ١٦٩ ؛ وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٩ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤١ ، ص ٥٤ ؛ عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٢٠٠.
14. بحار الأنوار ، ج ١٠٤ ، ص ١٣٢ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ١٤ ، ص ٢٥٠.
15. سورة الشورى ، الآية ٣٨.
16. تفسير الصافي ، ج ٢ ، ص ٥١٨.
17. سورة آل عمران ، الآية ١٥٩.
18. مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٨٧٠.
19. الكافي ، ج ٥ ، ص ٥١٧.
20. ذرايع البيان ، ج ١ ، ص ٢١٦.
21. ذرايع البيان ، ج ١ ، ص ٢١٦.
22.ذرايع البيان ، ج ٢ ، ص ٢١٦.
23. الخصال ، ص ٣٥.
24. ذرايع البيان ، ج ٢ ، ص ٢١٨.
25. سورة البقرة ، الآية ٢٣٣.
26. مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٥٨٨.
27. نهج الفصاحة ، ص ٢.
28. كنز العمال ، ج ١٦ ، ص ٣١٦.
29. بحار الأنوار ، ج ٤٣ ، ص ١٣٦.
30. نفس المصدر ، ج ٣ ، ص ٢٥٣.
تقسيم العمل والتعاون مع الأهل
- الزيارات: 1984