فأهل السنة المتشبثين بتقليد المذاهب الفقهية كفار ؟ ! والصوفية وأهل الطرق التعبدية كفار ! ؟ والشيعة بكل طوائفهم كفار ؟ ! وباقي الفرق الإسلامية الأخرى كفار كذلك ؟ ! وقد تعمقت الأحقاد وانتشرت البغضاء فكيف يمكن التفكير في وحدة اجتماعية قوية يمكنها أن تدعم المشروع الإسلامي النهضوي المرتقب.
إن شعار الإسلام هو الحل الذي أطلقه المفكرون الأوائل للصحوة الإسلامية. لم يعد يلقى ذلك الاهتمام الذي عرفه في البداية.
فالحل الإسلامي اليوم لا يعني سوى، قطع الأيادي وإطلاق اللحي وتقصير الثوب. والرجوع عن كثير من المكتسبات المدنية والحضارية، ليس فقط على مستوى الشكل. بل قد يتعدى ذلك إلى الحقائق العلمية والمسلمات المعرفية، فبعض السلفيين يشكك في صعود الإنسان للقمر، وأن هذه الفكرة ربما كانت من حيل الغرب التي يروجها بين المسلمين. كما أفتى ابن باز الزعيم السلفي في وقت متأخر بكفر من قال بكروية الأرض (180).
وأخيرا فإن مهازل الدعوة السلفية وسلبياتها لا يكاد يخلو منها مكان أو تجمع إسلامي. فالحرب الطائفية في الهند وباكستان، وأخبار حرق المساجد وقتل الأبرياء تملأ الصحف العالمية والمحلية، كل ذلك في سبيل نشر مذهب السلف الصالح. أما إذا نظرت إلى الواقع العام داخل المملكة السلفية. فستجد البغضاء والحقد الأعمى ينشران ضلالهما، حيث يحاصر السلفيون قطاعات
واسعة من الشعب المسلم داخل الجزيرة بفتاوي الكفر والضلال والشرك وترفع نداءات الجهاد والغزو والاستئصال العرقي والعقائدي لمجموعات شعبية عريضة. ذنبها أنها لا تتبنى وجهة نظر الحنابلة السلفيين تجاه عقائد الإسلام وقيمه.
أما واقع المعارضة لهذا الطوفان الفكري البدوي، فلا يبشر بخير، لأن المؤسسات الفكرية والمدارس الدينية لمفكري أهل السنة والجماعة، تعرف تراجعا وإخفاقا. فلم تعد الحكومات تعيرها ذلك الاهتمام الذي كانت تحضى به أيام دول الخلافة، حيث كانت هذه المدارس تدعم الشرعية السياسية لتلك الدول. لذا فقد استغل القائمون على الدعوة السلفية هذا الواقع، فأجهزوا على المعارضة التي يمكن أن تنبعث من تلك المؤسسات والمدارس، فهل يجرؤ من يتقاضى منحا شهرية مغرية، وتسهيلات للحج والعمرة، على كتابة رسالة أو كتاب في الرد على ضلالات هؤلاء وانحرافاتهم، وإظهار أن الحق خلاف ما يدعون إليه، مع أن الكثير من علماء الأزهر بالخصوص، لا يؤمنون بتاتا بصحة ما يعتقده السلفية. ولكن أغلبهم يجد نفسه مضطرا للسكوت إما خوفا ورهبة وإما طمعا في رضا القوم. وبالجملة، هناك شبه إجماع على وضع الرأس في الرمال والانحناء للعاصفة كي تمر بسلام.
طبعا هذا الكلام ليس على إطلاقه تماما لأن مجموعة من رجالات أهل السنة والصوفية قد أخذوا على أنفسهم الوقوف أمام الطوفان، حيث صدرت عدة كتب ودراسات في الرد على عقائد السلفية وآرائهم الشاذة. لكن الكثير منها يضيع في زحمة مشاكل الطباعة والنشر والتوزيع والمضايقة.
وما دامت سياسة الترهيب والترغيب والإغراء المادي المباشر، ممثلة في كراسي التدريس داخل الجامعات السلفية. وإغداق المنح السخية على الطلبة، وتشجيعهم على دراسة هذا المذهب والانتصار له. فإن مستقبل الصحوة الإسلامية لا يمكنه أن يبشر بخير. إن نشر الفكر الوهابي السلفي على نطاق واسع داخل الوطن الإسلامي، يعني بكل بساطة ومع الأسف الشديد، وإجهاض الصحوة الإسلامية، وانحرافها عن الطريق السليم، حيث النهضة والانبعاث الحضاري العام الذي ما زال المفكرون المتنورون داخل هذه الأمة يعملون على ترسيخ أسسه، وإزاحة كل العقبات والعراقيل من أمامه وعلى رأسها انتشار الفكر السلفي البدوي الساذج.
***
____________
(1) حمزة الحسن، م س، ج 2 ص 137. جاء في مجلة روز اليوسف المصرية عدد 2298 ص 52: " في سنة 1927 م قامت في المملكة العربية السعودية ضجة بين علماء الدين على تعليم الرسم واللغات والجغرافيا التي تقول بدوران الأرض وكرويتها ". مع أن الأرض مسطحة وساكنة، واللغة ذريعة للوقوف على عقائد الكفار والرسم تصوير وهو محرم أنكره علماء السلف. أنظر تجارب مغنية ص 302.
انهيار الوحدة الاجتماعية
- الزيارات: 897