• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الشفاعة

أجمع علماء الأمة الإسلامية على أن النبي (ص) أحد الشفعاء يوم القيامة مستدلين على ذلك بقوله سبحانه * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * (الضحى، الآية 5) والذي أعطي هو حق الشفاعة الذي يرضيه، وبقوله سبحانه: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * (الإسراء، الآية 79) واتفق المفسرون على أن المقصود من المقام المحمود هو الشفاعة.
وقال القاضي عياض بن موسى (ت 544 ه‍). مذهب أهل السنة هو جواز الشفاعة عقلا ووجودها سمعا بصريح الآيات وبخبر الصادق وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها (1).
وقال الإمام أبو حفص النسفي (ت 538 ه‍): والشفاعة ثابتة للرسل والأخيار في حق الكبائر بالمستفيض من الأخبار. وقد أيد التفتازاني في " شرح العقائد النسفية " هذا الرأي وصدقه دون أي تردد أو توقف (2).
وقال ابن تيمية الحراني الدمشقي (ت 728 ه‍): للنبي (ص) في يوم القيامة ثلاث شفاعات إلى أن قال: وأما الشفاعة الثالثة فيشفع في من استحق النار وهذه الشفاعة له (ص) ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم في من استحق النار أن لا يدخلها ويشفع في من دخلها (3).
وقال محمد بن عبد الوهاب: (زعيم الحركة السلفية) وثبتت الشفاعة لنبينا محمد (ص) يوم القيامة ولسائر الأنبياء والملائكة والأولياء والأطفال حسبما ورد. ونسألها من المالك لها والآذن فيها بأن نقول: اللهم شفع نبينا محمد فينا يوم القيامة أو اللهم شفع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم إلى أن قال: إن الشفاعة حق في الآخرة، ووجب على كل مسلم الإيمان بشفاعته، بل وغيره من الشفعاء إلا أن رجاءها من الله، فالمتعين على كل مسلم صرف وجهه إلى ربه. فإذا مات استشفع الله فيه نبيه (4). وإذا كان الكل قد أجمع على أن الشفاعة من أصول الإسلام فإن الخلاف بين أهل السنة وغيرهم وبين الوهابية سيختص ببعض معانيها وتطبيقاتها.
ذهبت الوهابية إلى أن: " الشفاعة للأنبياء والأولياء منقطعة في الدنيا، وإنما هي ثابتة لهم في الآخرة، فلو جعل العبد بينه وبين الله تعالى وسائط من عباده يسألهم الشفاعة كان ذلك شركا، وعبادة لغير الله تعالى، فاللازم أن يوجه العبد دعاءه إلى ربه ويقول: اللهم اجعلنا ممن تناله شفاعة محمد (ص) ولا يجوز له أن يقول: يا محمد اشفع لي عند الله. محتجين بقوله تعالى * (وأن المساجد لله، فلا تدعوا مع الله أحدا) * وقوله سبحانه: * (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) * وقوله جل شأنه: * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) * (5).
إن الإشكال الذي تستند إلى الوهابية والناجم عن الآيات الشريفة التي تحصر الإذن بالشفاعة بالله عز وجل ينتهي بتفسير آيات القرآن بعضها ببعض، بأن نعتبر أن الشفاعة لا تمنح إلا لمن أذن له الله وبما أن بعض الأنبياء حسب ما يؤكد القرآن الكريم قد شفعوا للآخرين فهذا يعني أن الله قد أذن لهم بهذه الشفاعة فمارسوها وحضوا أتباعهم على طلبها. وقد وردت الأحاديث العديدة المتواترة عن الرسول (ص) تؤكد شفاعته لأمته، وإيصائه للمسلمين بطلب الشفاعة منه صلى الله عليه وآله وسلم عند الله عز وجل (6).
من هذه الأحاديث قوله (ص): " خيرني ربي بين أن أدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة ". رواه الترمذي وابن حنبل وابن ماجة.
وقوله عليه السلام: "... فقولوا إنا نشفع برسول الله " رواه ابن حنبل في (المسند 2 / 184). هذا ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة لغيره أيضا فيقول: " ادعوا الشهداء فليشفعوا لمن أرادوا " رواه ابن حنبل (1 / 5) (7).
إن الاستشفاع الذي عليه المسلمون خلفا عن سلف إنما هو على قسمين:
أحدهما، أن يقدموا النبي أو الولي الوجيه عند الله أمام طلب الحاجة، بأن يقسم على الله به وبحقه في الفضل والإيمان والطاعة لله، كما جاء في حديث ابن عمر في توسل آدم وما روي: من أن النبي (ص) علم الضرير التوجه إلى الله به (ص) وأن يطلب من الله أن يشفعه فيه، كما أسنده أحمد عن عثمان بن حنيف، وكذا ابن ماجة والترمذي وصححه، وكذا الحاكم في مستدركه والسيوطي في جامعه، وكما رواه البخاري من استسقاء عمر بالعباس وتوسله إلى الله به.
وثانيهما، أن من له حاجة إلى الله يطلب من النبي (ص) أن يسأل الله قضاءها ويرجو منه أن يشاركه في الدعاء إلى الله، ومسألة تلك الحاجة منه جل وعلا، يفعل ذلك السائل اعتمادا على وجاهة الشفيع عند الله وقربة من الله تعالى. وأن المسلم الذي يؤدي الشهادتين مخلصا هو الذي أذن الله لنبيه بالشفاعة له. كما دلت عليه روايات البخاري والترمذي وابن ماجة وكذا روايتا الحارث ابن قيس وأبي سعيد عنه صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا هو ما عند المسلمين في التوسل والاستشفاع لا غيره، وقد جاء به الكتاب والسنة، ومن نسب غير ذلك إليهم فقد افترى عليهم، إما جهلا بما عليه المسلمون من توسلهم واستشفاعهم اعتمادا على الكتاب والسنة، وإما عنادا لرسول الله وأوليائه في بقاء كرامتهم في الإسلام ولياقتهم للاستشفاع بأحد القسمين المذكورين، وإما تمويها وتلبيسا على بعض العوام للاستعانة بهم على ما حرمه الله من دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم (8).
وأما شبهتهم في المنع من النداء، فقالوا: إن النداء والخطاب للجمادات والغائبين والأموات من الشرك الأكبر الذي يباح به الدم والمال، ولا مستند لهم في ذلك، بل الأحاديث الصحيحة الصريحة في بطلان قولهم هذا، وزعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمى دعاء وإن الدعاء عبادة، بل الدعاء مخ العبادة، وحملوا كثيرا من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين...
وهذا كله منهم تلبيس في الدين وتضليل لأكثر الموحدين، فإنه وإن كان النداء قد يسمى دعاء كما في قوله تعالى * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * لكن ليس كل نداء عبادة، ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات. فيكون كل نداء ممنوعا مطلقا، وليس الأمر كذلك. وأنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة، فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه. فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله تعالى واعتقاد التأثير لغير الله تعالى، أما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فإنه ليس عبادة، ولو كان لميت أو غائب أو جماد، وذلك وارد في كثير من الأحاديث الصحيحة والآثار الصريحة.
والأحاديث الواردة عن النبي (ص) في زيارة القبور في كثير منها النداء والخطاب للأموات كقوله: " السلام عليكم أهل القبور، السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ". وهي أحاديث كثيرة لا حاجة إلى الإطالة بذكرها، وقد تقدم أن السلف والخلف من أهل المذاهب الأربعة استحبوا للزائر أن يقول تجاه القبر الشريف يا رسول الله إني جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي (9).
من خلال هذا العرض الموجز لمسألتي التوسل والشفاعة والجوانب المختلف فيها بين أهل السنة والإمامية وبين أتباع السلفية اليوم، يتبين بما لا مجال للشك فيه أن الوهابية كالخوارج سابقا، أخذوا كل الآيات التي نزلت في المشركين فطبقوا مضامينها على ما يفعله المسلمون اليوم فكان فهمهم لهذه الآيات بسيطا وظاهريا، كما أداروا ظهورهم لمئات الأحاديث الصحيحة التي تخالف ما يذهبون إليه، وعمدوا إلى تضعيفها والطعن في سندها، ولو صح لهم ذلك، فإنه يصح لخصومهم الطعن بدورهم في بعض الأحاديث التي يستند إليها هؤلاء الوهابية (السلفية)، وعليه فإن الحقيقة ستضيع لا محالة.
إن الوهابية يستندون حقيقة إلى المظاهر التي تلبس بها العوام عند ممارستهم للتوسل والشفاعة سواء بالرسول (ص) أو بباقي الأنبياء والصالحين. هذه المظاهر التي توحي بالشرك في العبادة، مما جعل أبناء الصحوة الإسلامية ينطلي عليهم هذا الفرق الدقيق فيهرعون زرافات للاعتقاد بمذاهب السلفية خوفا من الشرك وطلبا للتوحيد.
ولكنه التعبد والاعتقاد بالظواهر والمظاهر، وإغفال الأهم الذي هو الباطن والاعتقاد القلبي. فكم من منافق يلبس قصير الثياب ويرخي لحيته ويقف في الصفوف الأمامية عند الصلاة ويؤدي كل الحركات والأقوال المطلوبة، ويلهج بالإيمان والتقوى وهو ألد الخصام ومأواه جهنم وبئس المصير.




____________
(1) شرح صحيح مسلم للنووي، دار إحياء التراث العربي، ج 3 ص 35.
(2) العقائد النسفية، ص 148.
(3) مجموعة الرسائل الكبرى، ج 1 ص 403 - 404.
(4) الهدية السنية، الرسالة الثانية ص، 42 انظر الأقوال السابقة في الشفاعة، جعفر السبحاني، الشفاعة في الكتاب والسنة، صفحات 7 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 بتصرف.
(5) البراهين الجلية، م س، ص 19.
(6) صفحات من تاريخ الجزيرة العربية، م س،، ص 78 - 79.
(7) المرجع السابق، ص 79.
(8) البراهين الجلية، م س، ص 27 - 28.
(9) شواهد الحق، م س، ص 172 - 173.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page