طباعة

مذاهب فقهية بالآلاف

وعليه فإننا اليوم أمام مذاهب فقهية تعد بالآلاف، فكل سلفي، عالم بالشريعة أو أمي هو مشروع مذهب فقهي وأصولي متكامل. وليس ذلك مبالغة منا لأن الواقع يشهد بصحة ما نقول وزيادة.
وهناك ملاحظة أود أن أشير إليها وهي أن الصحوة الإسلامية قبل أن يستلم الوهابيون زمام توجيهها كانت قد انطلقت من الفكر الإخواني المصري في الغالب الأعم، وهذا الفكر كان يدعو أبناءه إلى الالتحاق بالمدارس والكليات العلمية، والاجتهاد في التحصيل العلمي الطبيعي لكي يعرف عامة المسلمين والغرب أن الإسلام دين العلم والتقدم. وليس كما يشاع عنه أنه دين الخرافات والتخلف. لذلك فقد شهدت فترة السبعينات سيطرة الإسلاميين الفعلية على المقاعد الأولى في الكليات العلمية وبرز منهم متفوقون ونابغون في الطب وعلوم الفيزياء والرياضيات. وكان هؤلاء إلى جنب ذلك إسلاميون يشاركون في النشاط الدعوي والإسلامي العام.
لكن الانتكاسة التي عرفها هذا الفكر المتنور والضربة المؤلمة التي وجهها له غزو الفكر السلفي للساحة الإسلامية، قد حولت اتجاه أبناء الصحوة، فبدل الالتحاق بالمعاهد والكليات العلمية، ثم التوجه والانكباب على كليات الدراسات الإسلامية خاصة. بل أصبح متعارفا لدى أبناء السلفية الابتعاد عن دراسة العلوم العصرية واللغات الأجنبية لأن ذلك لا يقرب إلى الله (2).
ونحن عندما نشير إلى هذه الحقائق بالذات، فإنما للإشارة إلى أن الكثير من أبناء الصحوة الإسلامية الذين تأثروا بالفكر السلفي وكانوا يتابعون دراساتهم في المدارس أو الجامعات وينتسبون للمعاهد والكليات العلمية. فحضهم من علوم العربية بسيط، ومعرفتهم بالشريعة وتاريخ الإسلام هزيلة. لكنهم وبفضل الفكر السلفي أصبحوا مجتهدين، يتصفح الواحد منهم كتب الحديث ويأخذ منها ما يشاء من أفكار وأحكام، ثم يبدأ في الدعوة والتبليغ وممارسة ما قرأه وما اعتقده. وهذه الفئة صعبة المراس في النقاش، وغير مستعدة للتنازل عما تؤمن به. أما إذا ذكرت لهم سند الحديث وفقه متنه، أو أن اختيار العلماء بخلافه لأنه معلول، بالنسخ أو معارضته لأقوى منه ؟ فإن كلامك هذا ستذروه الرياح، لأن آذان القوم قد ملئت وقرا فهم صم عمي لا يعقلون.
إن رفض السلفية لتقليد المذاهب الفقهية، وإعلانهم فتح باب الاجتهاد لكل قارئ غير مختص يمكنه أن يطلع على كتب الحديث والتفسير، تجعل من هذا القارئ مجتهدا. صاحب رأي وفكرة لا يمكنه أن يتنازل عنها بسهولة، خصوصا إذا علمنا أن غالبية أبناء الصحوة في سن الشباب، حيث تكثر الأمراض الثقافية، والتسابق على الريادة المعرفية، فالشاب منهم غير مستعد للتنازل عن فكرته أو رأيه ليعتنق فكرة صديقه الذي لا يكبره سنا، بل قد يكون أصغر منه ؟. وهكذا تضيع الحقيقة، وتنتشر الخلافات والجدالات كقطع الليل المظلم، تلف الساحة الإسلامية مجتمعا ودينا.




____________
(1) يقول صاحب كتاب العقيدة الوسطية، وهو سلفي معاصر معلقا على قول عمر بن الخطاب " ما تعلم رجل الفارسية إلا وخب، وما خب رجل إلا ونقضت مروءته "، يقول هذا السلفي: " بلغ يا أخي هذا الكلام للذين يتعلمون اللغة الإنجليزية ؟ !.