طباعة

20- قَتَلَ المأمون الإمام الرضا(ع)وقَتَلَ المعتصم الإمام الجواد(ع)

   كتب المأمون الى الإمام الرضا(ع) عندما أحضره من المدينة ، أن يأتي معه بمن أحب من أهل بيته ، ولكن الإمام(ع)تعمد أن يبقي ابنه الوحيد الإمام الجواد (ع)في المدينة ، وكان عمره عندما استشهد الإمام بضع سنين ، وأخبر أنه الإمام بعده وأوصى اليه: « عن معمر بن خلاد قال: سمعت الرضا(ع)وذكر شيئاً فقال: ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني ، وقال : إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة ». (الكافي:1/320).
   وفي الكافي:1/322، عن الخيراني عن أبيه قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن(ع)بخراسان فقال له قائل: يا سيدي إن كان كَوْنٌ فإلى من؟ قال : إلى أبي جعفر ابني ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر ، فقال أبو الحسن: إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة ، في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر » .
   وفي دلائل الامامة/391: « ومكث أبو جعفر(ع)مستخفياً بالإمامة ، فلما صار له ست عشر سنة وجه المأمون من حمله وأنزله بالقرب من داره ، وعزم على تزويجه ابنته واجتمعت بنو هاشم وسألوه أن لا يفعل ذلك ، فقال لهم : هو والله الأعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه من جميعكم ، فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم فسألوه الإحتيال على أبي جعفر بمسألة في الفقه يلقيها عليه فلما اجتمعوا وحضر أبو جعفر(ع)قالوا : يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم ، إن أذنت أن يسأل أبا جعفر عن مسألة في الفقه فينظر كيف فهمه، فأذن المأمون في ذلك ، فقال يحيى لأبي جعفر(ع): ما تقول في محرم قتل صيداً؟
   قال أبو جعفر(ع): في حِلٍّ أو في حرم ، عالماً أو جاهلاً ، عمداً أو خطأ ، صغيراً أو كبيراً ، حراً أو عبداً ، مبتدئاً أو معيداً ، من ذوات الطير أو غيرها ، من صغار الصيد أو من كبارها ، مصراً أو نادماً ، رمى بالليل في وكرها أو بالنهار عياناً ، محرماً للعمرة أو الحج؟ فانقطع يحيى انقطاعاً لم يخف على أحد من أهل المجلس وتحير الناس تعجباً من جوابه...قال المأمون: يا أبا جعفر إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الأصناف التي ذكرت...»
   وأراد المأمون من الإمام الجواد(ع) أن يقيم عنده في بغداد ، ليكون تحت رقابته ويبعده عن شيعته وعامة المسلمين ، فأقام في بغداد فترة ثم رجع الى المدينة وأخذ معه زوجته أم الفضل بنت المأمون ، وكانت عدوة له كأبيها ، ولم يرزق منها أولاداً ، بل رزق ابنين وبنتين من غيرها !
   وعندما توفي المأمون وولي أخوه المعتصم فرض على الإمام(ع)أن يسكن في بغداد ، فجاء مع زوجته أم الفضل لفترة أيضاً ، وترك زوجته وأولاده في المدينة وفي سنة (220هجرية ) قامت أم الفضل بسُمِّ الإمام(ع)، فدعا عليها ، فأصيبت بداء في موضع حساس ولم ينفع لها علاج حتى هلكت ! (دلائل الامامة/395).
    وقد حاولت السلطة محاصرة الإمام(ع)في حياة القصور وإبعاده عن شيعته ، وتضعيف عقيدتهم به ! لكنه(ع)كان حاسماً في برنامجه ، فلم يكن يحضر مجالسهم إلا مضطراً ، وكان يتصل بالناس ، وقد وجه علماء شيعته ليملؤوا فراغ غيابه ، ويردوا شبهات علماء السلطة !
   قال لهم كما في الإحتجاج (1/9): «من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم ، الأسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا ، فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم ، وقهر الشياطين برد  وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم ، ليحفظوا عهد الله على العباد ، أكثرُ من فضل السماء على الأرض ، والعرش والكرسي والحُجُب على السماء ! وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء ».
   وكان في غيابه المفروض عليه عن شيعته يهيؤهم لتحمل الغيبة الآتية الطويلة لإمامهم المهدي(ع)، قال: « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه والدالين عليه ، والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما  يمسك صاحب السفينة سكانها . أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل ».
   وعندما لم يستطع المعتصم أن تؤثر على عقيدة شيعة الإمام(ع)به ، قرر قتله !
   قال عمر بن فرج الرخجي وهو وزير عباسي(تاريخ الذهبي:17/284): «قلت لأبي جعفر(ع): إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه، وكنا على شاطئ دجلة ؟ فقال(ع):يقدر الله تعالى على أن يُفَوِّضَ علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟ قلت : نعم يقدر . فقال: أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ، ومن أكثر خلقه » والبحار:50/100.
   وأوصى (ع)الى ابنه علي الهادي(ع)، قال إسماعيل بن مهران: «لما خرج أبو جعفر(ع)من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه ، قلت له عند خروجه: جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرَّ بوجهه إلي ضاحكاً وقال: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة .
   فلما أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت إليَّ فقال : عند هذه يخاف عليَّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي» . (الكافي:1/323).