• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

صفات المعرِّف ومصاديقه


أوّلا: قال أصدق القائلين ـ وقوله شفاء من كلّ داء ـ: {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(1) يستفاد من هذه الآية الكريمة ما يلي:


أ ـ إنّ الإمامة عهد من الله سبحانه بما لا يدع مجالا لاختيار بشري، فهي جعل من قبله سبحانه: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} وهذا كقوله سبحانه في موضع آخر: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(2).
ب ـ إنّ هذا العهد وهذا الجعل لا ينال الظالمين سواء كان ظلم النفس، أو ظلم الغير، بأيّ درجات الظلم كما هو معنى الإطلاق من الآية.

ثانياً: قال سبحانه {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(3).
والمستفاد منها أنّ ثمّة خلقاً من البشر على امتداد خطّ البشريّة وحيثما كانوا مهمّتهم هداية الخلق، وبسط العدل فيهم، والفعل المضارع {يَهْدُونَ} شاهد على ذلك، وللتدليل على هذا المعنى قال تعالى {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}(4).
{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(5) {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}(6) وغيرها من الدلائل والإشارات كقوله تعالى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد}(7) {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(8). فكلّها دلائل على عدم خلوّ الأمم على طول خطّ وجودها من منذر أو هاد.
وهذه الأمّة التي تهدي الناس إلى الحق، وتبسط فيهم العدل إنّما يهدون بأمر من قبل الله. سبحانه وتعالى، ولذا قال سبحانه {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(9) فجعل الأئمّة من قبله سبحانه، والهداية إنّما هي بأمره سبحانه وفمن كان كذلك وجب اتّباعه، لذا قال تعالى {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(10).

ثالثاً: قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}(11) والمستفاد من الآية أنّ الله سبحانه وتعالى قد اصطفى من هذه الأمّة عباداً، واختارهم اختياراً ; ليرثوا علم الكتاب الكريم، وليكونوا أهلا لحمله، وهم السابقون بالخيرات. فالمستفاد من مجموع ما ذكر أنّ الإمامة عهد من الله لا يعطى لظالم، فالإمامة تعهد إلى أناس قد اصطفوا من قبله ـ سبحانه ـ ليهدوا بأمره الخلق إلى الحق، ومعنى ذلك أنّ الإمام يشترط فيه أعلى درجات الطهارة، وهي المعبّر عنها بـ (العصمة) وهي عدم الظلم في الآية الأولى، والاصطفاء في الثانية، وأعلى درجات العلم ; إذ لا يعقل الهداية إلى الحق بلا علم به، مع أنّ شرط العصمة وحده كاف، إذ معنى العصمة الكمال، فبعد انقضاء حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لابدّ من وجود المعرِّف بعده ; ليبيّن لنا حقائق الكتاب ومعارفه بعده والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا المعرِّف (الإمام) يجب أن يكون معصوماً عن الظلم، وعالماً بالكتاب كلّه.
وطالما الأمر كذلك فوجب في الحكمة الإلهية تعريفهم لنا ; لئلاّ نضلّ، وهو الغاية، فلنرى إذن من هم أئمتنا بعد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(12) والذكر هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو القرآن، والدليل على الأوّل قوله تعالى: {قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَات لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(13).
والدليل على الثاني قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(14). وكلا المعنيين مراد ; فأهل القرآن عدله، على أعلى مستوى من الكمال الذي يناسب كلام اللّه، فأهل القرآن على علم كامل به، ومن هذه صفته فلابدّ وأن يكون على أعلى قمّة الطهارة.
فأهل القرآن هم مطهّرون وهذا هو المطابق للآية الكريمة {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(15) فالمطهّرون هم المصطفَوْن من العباد، وهم الأمة الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ; لأنّ من يعرف الحقّ معرفة كاملة، هم أهل الكتاب الذين أُورثوه، والمطهّرون المصطفون من قبل الله سبحانه، فمَن مِن الأمّة المطهّرون والمصطفون من قبل الله؟
لا نجد في كتاب الله سبحانه سوى آية واحدة تعرّضت لتعريف المطهّرون من هذه الأمّة، وهم أهل الذكر أي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «وهو المعنى الثاني من الذكر، والآية هي: قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(16) فحصر الله سبحانه إرادة إذهاب الرجس عن فئة محدّدة وهم أهل البيت (عليهم السلام) والرجس القذارة والإثم مطلقاً، وللتأكيد قال تعالى {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} لئلاّ يدع سبحانه مجالا للقيل والقال، فهي طهارة مطلقة خاصّة بهم (أهل البيت) وأهل البيت وضّحهم لنا القرآن نفسه في الآية الكريمة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(17) والابتهال إنّما يقبل من الصادق المخلص المطهّر، فالرسول (صلى الله عليه وآله) أتى بأطهر الأمّة، ولو كان هناك من هو أطهر ممّن أتى بهم لما أتى بهم، وهو في معرض الابتهال ودعاء للتفريق بين الحق والباطل، وقد أتى بأمر من قبله ـ سبحانه وتعالى ـ فالله أعلم بالشاكرين.
فأتى (صلى الله عليه وآله وسلم) بمن هو بمنزلة نفسه، والنساء والأبناء هؤلاء هم أهل بيته، وكما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(18) فقد بيّنهم لنا بفعله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأجمع الرواة أنّ من اصطحبهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للمباهلة كانوا أربعة نفر لا غير وهو الخامس (صلى الله عليه وآله وسلم): علي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام) فأنفسنا هو علي (عليه السلام).
(ونساءنا) هي فاطمة (عليها السلام) و (أبناءنا) هما الحسن والحسين (عليهما السلام) وما ورد في تفسير آية التطهير كان المطهّرون هم الخمسة (عليهم السلام) انظر من مصادر أهل السنة التي روت هذا المعنى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسانيد صحيحة: صحيح مسلم(19)، سنن الترمذي(20)، مسند أحمد بن حنبل(21)، الأربعين في مناقب أمّهات المؤمنين لابن عساكر الشافعي(22)، المستدرك للحاكم النيشابوري(23)، وغيرها من المصادر الكثيرة.
فمن كان مطهّراً من قبله «تعالى» كيف نجرؤ ونقدّم عليه غيره، وكيف نثق بمعارف من أخذ عن غيرهم علوم دينه وإذا كان لدينا الكامل كيف نتركه ونتوجّه إلى الناقص!
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}(24) فهل هناك في الأمّة أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون غير أهل البيت (عليهم السلام) وقد تسأل ومن الإمام بعدهم (عليهم السلام) إلى زمننا هذا؟
والجواب: أنّ القرآن أوضح لنا القائم مقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّه لابدّ أن يكون كاملا مطلقاً، ولمّا كان هذا البيت أطهر بيت وجب أن يكون باقي الأئمّة (عليهم السلام) منه، وقد دلّنا على ذلك قول المطهّرين (عليهم السلام) فلمّا ثبت أنّ الخمسة هم المطهّرون وجب اتّباعهم وتصديقهم في كلّ ما يقولونه، وقد بيّنوا لنا الأئمّة من بعدهم، فوجب تصديقهم، فكان كلّ إمام ينصّ على من يليه، ولتأكيد الحجّة كان للإمام الكرامة والآية التي تثبت دعواه الإمامة، وكان ذلك كاف بحدّ ذاته لإمامته بلا نصّ. وغير ذلك، فلم يثبت أنّ واحداً منهم تعلّم على يد أحد، بل هم الأعلم دونهم، ولم يكن لأحد فيهم مغمز ولا مهمز، وكان فضلهم عميماً على الكلّ بلا استثناء، وقد صرّح المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسمائهم في أكثر من مقام، بل صرّح صلوات الله عليه وآله بألقابهم أيضاً.

____________
1- سورة البقرة: 124.
2- سورة القصص: 68.
3- سورة الأعراف: 181.
4- سورة آل عمران: 113، 114، 115.
5- سورة الاعراف: 159.
6- سورة المائدة: 66.
7- سورة الرعد: 7.
8- سورة البقرة: 128.
9- سورة السجدة: 24.
10- سورة يونس: 35.
11- سورة فاطر: 32.
12- سورة النحل: 43.
13- سورة الطلاق: 10، 11.
14- سورة الحجر: 4.
15- سورة فاطر: 32.
16- سورة الأحزاب: 33.
17- سورة آل عمران: 16.
18- سورة النحل: 44.
19- صحيح مسلم 7: 130، باب فضائل أهل البيت:.
20- سنن الترمذي 5: 361، ما جاء في فضل فاطمة:، و5: 328، كتاب تفسير القرآن.
21- مسند أحمد 18: 314، وأخرجه ابو يعلى الموصلي في مسنده 12: 344، والطبراني في المعجم الكبير 3: 53، وابن عساكر في تاريخ دمشق 13: 203 و14: 141.
22- الأربعين في مناقب أمّهات المؤمنين: 106.
23- المستدرك على الصحيحين 3: 147.
24- سورة يوسف: 106.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page