طباعة

إنطلاق حروب الاستئصال

لقد كان انتصار معاوية واستلامه الخلافة من الحسن بن علي، الإعلان الرسمي لشن الحرب على أتباع علي بن أبي طالب ومناصريه، وكل من آمن بخلافته وإمامته. فقتل الإمام الحسن مسموما على يد معاوية. وتبعه قتل وتشريد كل من عرف بموالاته عليا وأهل بيته. قطعت الأيدي وسملت الأعين، وهدمت المنازل على أصحابها وأعلنت البراءة من أتباع علي ومحبيه، ومنعوا أرزاقهم من بيت مال المسلمين (1)، وقتلوا أينما وجدوا. لم يقتصر القتل على عامة الناس بل قتل معاوية بعضا من كبار الصحابة مثل حجر بن عدي وأصحابه الذين امتنعوا عن لعن الإمام علي (2). وهكذا سن الأمويون لعن الإمام على المنابر طوال فترة حكمهم. وسالت دماء الشيعة والموالين في كل بقعة ومكان. وعوملوا بشدة وقسوة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. وتبع ذلك تحريف واسع النطاق للإسلام ووقائعه التاريخية.
تتبع معاوية أفعال الإمام علي وأقواله وتاريخه الجهادي، فأمر الرواة الكذبة بتحريف كل ما ورد في ذلك وظهر للوجود كم هائل من الأحاديث والروايات تشرع، تحلل وتحرم، وتزيف تاريخ الدعوة الإسلامية. وقد كان معاوية وبنو أمية من بعده كرماء أسخياء في دعم هذه الحركة، حركة التزوير الكبير للإسلام وتاريخ رجالاته.
أما الإمام علي فقد كان يعلم ما سيقع بعد موته من استيلاء بني أمية على الحكم، لأن الرسول (ص) كان قد أخبره بذلك قبل موته. يقول عليه السلام:
"... إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شئ أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته. ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شئ أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر !
فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته، فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو. فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم ! لأن الضلالة لا توافق الهدى، وإن اجتمعا. فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلا اسمه، ولا يعرفون إلا خطه وزبره. ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثله، وسموا صدقهم على الله فرية، وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة.. " (3).





_____________
(1) جاء في العقد الفريد عن معاوية بن أبي سفيان قوله: " انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه ". وجاء فيه كذلك " من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره "، ابن عبد ربه، ج 4 ص 366.
(2) قتل معاوية ابن أبي سفيان حجر بن عدي وثلاثة عشر من أصحابه في مرج عذراء قرب دمشق وقد روي عن الرسول (ص): " سيقتل في عذراء سبعة نفر يغضب الله لهم وأهل السماء " وقد عاتبت أم المؤمنين عائشة معاوية على قتلهم فقال أنه قدر محتوم. ومن المحزن حقا والباعث على الأسى الكبير، إن حجر بن عدي كان أول من وطأت قدمه هذه المنطقة فاتحا في سبيل الله. وقد قال لما وصلها مكبلا في الحديد: " الحمد لله.. أما والله إني لأول مسلم نبحت عليه كلابها، ثم أنا اليوم أحمل مصفودا إليها ". قتل هذا الصحابي بسيف معاوية، وقبله قتل ابنه همام أمام عينيه لكن عزاءه كان فيما سمعه من رسول الله (ص):
" يا حجر تقتل في محبة علي صبرا، فإذا وصل رأسك إلى الأرض مادت وأنبعت عين ماء، فغسلت الرأس ". أنظر حجر بن عدي الثائر الشهيد، محمد فوزي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
(3) نهج البلاغة، الخطبة 147. أنظر صبحي صالح ص 205.