فقال صاحبي: اذكر لي نصوص أهل البيت على الأئمّة من بعدهم.
قلت: قبل أن أذكر لك النصوص بالتحديد، سأذكّرك بحديث أعتقد أنّك سمعته من قبل، وهو حديث لا شكّ فيه، مسلّم ; لثبوته بالتواتر المقطوع به، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» أو «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة» أو «من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية»(1) حيث ورد بصيغ مختلفة زيادة في التأكيد، والحثّ على معرفة الإمام، والبيعة له.
والحديث موجّه للمسلمين كافّة إلى يوم القيامة ـ كما ترى ـ حيث لا نبي بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) فنحن بإزاء هذا الحديث بين أمرين لا ثالث لهما: إمّا أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عرّف لنا هؤلاء الأئمّة المستمرّين على امتداد الزمان بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يوم القيامة فقد ثبت المطلوب، أولم يقم بذلك، ومعناه أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أوقعنا في ميتة الجاهليّة، وحاشاه (صلى الله عليه وآله وسلم) فثبت الأمر الأوّل.
ومن أوضح الروايات التي تؤكّد هذه الحقيقة ما جاء في صحيح البخاري ومسلم: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»(2) ونفس النصّ ورد أيضاً في مسند أحمد(3)، ونفسه ورد في سنن البيهقي(4)، وغيرها من المصادر الحديثية، ممّا يؤكّد أنّ الإمامة ممتدّة طالما وجد بشر، وأنّ وجوب معرفة الإمام متوجّه إلى كلّ مكلّف، ويجب أن يبحث عنه، وإلاّ مات على غير الإسلام إذا لم يكن قاصراً، وقد تبيّن ممّا سبق أنّ الإمامة الركن الأصيل في الدين، حيث قلنا: إنّه لولا الإمامة لذهب جهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ضياعاً، والعلّة المقتضية لوجودها لم تزل، فلو عرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الملأ الأعلى، ولم يبيّن لنا الأئمّة الهادين بعده لم يكن الدين كاملا، بل يكون قد جرّد من محتواه، وفقد حياته، وأصبح مدعاة للضلال والاختلاف.
فهل من المعقول أن يبعث الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدين يعلم مسبقاً بعدم قيمته وفائدته؟! هل يعقل أن ينزل علينا دينا ناقصاً، وفعل الله دائماً لا يمكن أن يوسم بالنقص؟! إذن لابدّ وأن يكون دينه كاملا، إذن فقد بيّن لنا الأئمّة بعد رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ما حدث، وسنبيّنه بالدلائل القطعيّة.
____________
1- مسند أحمد 4: 96، مجمع الزوائد 5: 218، مسند أبي داود الطيالسي: 259، المعجم الكبير للطبراني 19: 388، مسند الشاميّين للطبري 2: 438، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 154، كنز العمال للمتقي الهندي 1: 103، علل الدارقطني 7: 63، حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 3: 372، صحيح بن حبان 10: 434، السنة للخلال 1: 81، منهاج السنة النبوية 1: 529.
2- صحيح البخاري 4: 155، صحيح مسلم 6: 2.
3- مسند أحمد بن حنبل 2: 29، 93، 128.
4- السنن الكبرى 3: 121.
رواية أخرى هامّة في المقام
- الزيارات: 1296