• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المسألة التاسعة :الحلف بالطلاق

 اعلم أنّ الطلاق غير المنجز ينقسم إلى قسمين:
 1ـ الطلاق المعلّق.
 2ـ الحلف بالطلاق.
 وكلاهما من أقسام غير المنجّز، والفرق بينهما أنّه لو قصد من التعليق الحثّ على الفعل، أو المنع عنه، يسمّى حلفاً بالطلاق كقوله: إن دخلت الدار فأنتِ طالق، أو إن لم تدخلي الدار فأنت طالق، أو قصد منه تصديق المخبر، كقوله: أنتِ طالق إن لم يقدم زيد، أو زوجتي طالق لو كان في حقيبتي بضاعة ممنوعة.
 وأمّا إذا علّق ولم يكن منه لا الحث على الفعل ولا المنع منه، ولا التنبيه على تصديق المخبر، يسمّى طلاقاً معلّقاً، كقوله: أنتِ طالق إن طلعت الشمس، أو أنتِ طالق إن قدم الحاج، أو أنتِ طالق إن لم يقدم السلطان، فهو شرط محض ليس بحلف، لاَنّ حقيقة الحلف القسم.
 وإنّما سمي تعليق الطلاق على شرط حلفاً تجوزاً، لمشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو قوله: واللّه لاَفعلنّ، أو لا
واللّه لا أفعل، أو واللّه لقد فعلت أو واللّه لم أفعل، وما لم يوجد فيه هذا المعنى لا يصحّ تسميته حلفاً (1)
 وقال السبكي: إنّ الطلاق المعلّق، منه ما يعلّق على وجه اليمين، ومنه ما يعلّق على غير وجه اليمين، فالطلاق المعلَّق على غير وجه اليمين كقوله: إذا جاء رأس الشهر فأنتِ طالق، أو إن أعطيتني ألفاً فأنتِ طالق.
 والذي على وجه اليمين كقوله: إن كلّمتِ فلاناً فأنت طالق، أو إن دخلت الدار فأنتِ طالق، وهو الذي يقصد به الحث أو المنع أو التصديق، فإذا علّق الطلاق على هذا الوجه، ثمّ وجد المعلّق عليه وقع الطلاق (2)
 هذا هو مذهب أكثر أهل السنّة إلاّ من شذّ وسنشير إليه، فقد أجازت هذه المذاهب الطلاق بغير الحلف، بكل ما دلّ عليه لفظاً وكتابة وصراحة وكناية، مثل: أنتِ عليّ حرام، أو أنتِ بريّة، أو اذهبي فتزوّجي، أو حبلك على غاربك، أو الحقي بأهلك، إلى غير ذلك من الصيغ.
 والجدير بالذكر أنّهم سوّدوا الصفحات الطوال العراض حول أقسام الطلاق المعلّق خصوصاً النوع الخاص به، أعني: الحلف به، وجاءوا بآراء وفتاوى لم يبرهنوا عليها بشيء من الكتاب والسنّة، والراجع إليها يقطع بأنّ الطلاق عند هوَلاء أُلعوبة، يتلاعب به الرجل بصور شتّى.
 وإن كنت في شكّ ممّا ذكرت فلاحظ الكتابين المعروفين:
 1ـ المغني: تأليف محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة
(المتوفّـى عام 620) وهو أوسع فقه ظهر عند الحنابلة مع الترجيح بين الاَقوال بالدليل المقنع لهم. فقد خصّ (45) صفحة من كتابه بهذا النوع من الصيغ (3)
 2ـ الفقه على المذاهب الاَربعة: تأليف الشيخ عبد الرحمان الجزيري، فقد ألّفه ليعرض الفقه بثوبه الجديد على الناشىَ ، ومع ذلك فقد خصّ من كتابه لهذا النوع من صور الطلاق صفحات كثيرة (4)وإليك نماذج من هذه الصور حتى تقف على صدق ما قلناه؛ ننقله من الكتاب الاَوّل:
 1ـ إن قال لامرأتيه: كلّما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، ثمّ أعاد ذلك ثلاثاً، طلّقت كل واحدة منهما ثلاثاً.
 2ـ إن قال لاِحداهما: إن حلفت بطلاقك فضرّتك طالق، ثمّ قال للا َُخرى مثل ذلك ...
 3ـ وإن كان له ثلاث نسوة فقال: إن حلفت بطلاق زينب، فعمرة طالق، ثم قال: وإن حلفت بطلاق عمرة، فحفصة طالق، ثمّ قال: إن حلفت بطلاق حفصة، فزينب طالق، طلقت عمرة، وإن جعل مكان زينب عمرة طلّقت حفصة، ثمّ متى أعاده بعد ذلك طلّقت منهنّ واحدة ...
 4ـ ومتى علّق الطلاق على صفات فاجتمعن في شيء واحد وقع بكلّ صفة ما علّق عليها كما لو وجدت متفرّقة وكذلك العتاق، فلو قال لامرأته: إن كلّمت رجلاً فأنت طالق، وإن كلّمت طويلاً فأنت طالق، وإن كلّمت أسود فأنت طالق، فكلّمت رجلاً أسود طويلاً، طلّقت ثلاثاً (5)
 إلى غير ذلك من الصور التي لا يترتب على نقلها سوى اضاعة الوقت والورق.
 وفي مقابل هوَلاء، أئمّة أهل البيت، لا يذكرون للطلاق إلاّ صيغة واحدة، روى بكير بن أعين عن أحدهما: الباقر والصادق (عليهما السلام) قال: ليس الطلاق إلاّ أن يقول الرجل لها ـ وهي طاهر في غير جماع ـ: أنت طالق ويشهد شاهدي عدل، وكلّ ما سوى ذلك فهي ملغى (6)
 ومع أنّ المشهور عند أهل السنّة وقوع الطلاق بالحلف به، فنجد بين الصحابة والتابعين من ينكر ذلك ويراه باطلاً ، ووافقه بعض المتأخّرين من الظاهريين كابن حزم، وابن تيمية من الحنابلة.
 قال ابن حزم: وصحّ خلاف ذلك (وقوع الطلاق باليمين) عن السلف.
 1ـ روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: انّ رجلاً تزوّج امرأة وأراد سفراً فأخذها أهل امرأته فجعلها طالقاً إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الاَجل ولم يبعث بشيء، فلمّـا قدم خاصموه إلى عليّ، فقال عليّ ـ عليه السلام ـ : اضطهدتموه حتى جعلها طالقاً، فردّها عليه (7)
 2ـ روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء: في رجل قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أتزوّج عليك. قال: إن لم يتزوّج عليها حتى تموت أو يموت، توارثا. والحكم بالتوارث آية بقاء العلقة.
 3ـ ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن الحكم بن عتيبة قال: في الرجل يقول لامرأته: أنتِ طالق إن لم أفعل كذا ثمّ مات أحدهما قبل أن يفعل، فإنّهما يتوارثان.
 إنّ في عدم اعتداد الاِمام عليّ بالطلاق ـ بلا اكراه ـ والحكم بالتوارث في الروايتين الاَخيرتين دلالة على عدم الاعتداد باليمين بالطلاق.
 4ـ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني ابن طاووس عن أبيه أنّه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس شيئاً. قلت: أكان يراه يميناً؟ قال: لا أدري.
 قال ابن حزم بعد نقل هذه الروايات: فهوَلاء علي بن أبي طالب وشريح (8) وطاووس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ ثم يقول: من أين أجزتم الطلاق بصفة ولم تجيزوا النكاح بصفة، والرجعة بصفة كمن قال: إذا دخلت الدار فقد راجعت زوجتي المطلّقة، أو قال: فقد تزوّجتك وقالت هي مثل ذلك، وقال الولي مثل ذلك ولا سبيل إلى فرق (9)
 فقد سئل ابن تيميّة عن مسألة الحلف بالطلاق، فأفتى بعدم وقوع الطلاق بنفس الحلف ولكن قال: تجب الكفّارة إذا لم يطلّق بعد، فقال: إنّ في المسألة بين السلف والخلف أقوالاً ثلاثة:
1ـ إنّه يقع به الطلاق إذا حنث في يمينه، وهذا هو المشهور عند أكثر الفقهاء المتأخّرين حتى اعتقد طائفة منهم أنّ ذلك اجماع، ولهذا لم يذكر عامتهم عليه حجة، وحجتهم عليه ضعيفة، وهي أنّه التزم أمراً عند وجوب شيء فلزمه ما التزمه(10).
 2ـ إنّه لا يقع به طلاق ولا تلزمه كفّارة، وهذا مذهب داود وأصحابه، وطوائف من الشيعة، ويذكر ما يدل عليه عن طائفة من السلف (11) بل هو مأثور عن طائفة صريحاً كأبي جعفر الباقر (عليه السلام) رواية جعفر بن محمد، وأصل هوَلاء أنّ الحلف بالطلاق والعتاق والظهار لغو كالحلف بالمخلوقات.
 3ـ وهو أصح الاَقوال، وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنّة، والاعتبار أنّ هذا يمين من أيمان المسلمين فيجري فيها ما يجري في أيمان المسلمين، وهو الكفّارة عند الحنث إلاّ أن يختار الحالف ايقاع الطلاق، فله أن يوقعه، ولا كفّارة، وهذا قول طائفة من السلف والخلف كطاووس وغيره، وهو مقتضى المنقول عن أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الباب، وبه يفتي كثير من المالكية وغيرهم، حتى يقال: إنّ في كثير من بلاد المغرب من يفتي بذلك من أئمّة المالكية، وهو مقتضى نصوص أحمد ابن حنبل، وأُصول في غير هذا الموضع (12)
 إنّ هنا أُموراً:
 الاَوّل: في وقوع الطلاق بنفس هذا الانشاء.
الثاني: لزوم الكفّارة عند الحنث أي عدم ايقاع الطلاق.
 الثالث: ما هو حكم الزوجة في الفترة التي لم يقع المعلّق عليه.
 أمّا الاَوّل: فالدليل الذي نقله ابن تيمية عن القائل كان عبارة أنّه التزم أمراً عند وجوب شرط فلزمه ما التزمه، مثلاً التزم بأنّه إذا كلّمت الزوجة فلاناً فهي طالق.
 يلاحظ عليه: أنّه ليس لنا دليل مطلق يعم نفوذ كل ما التزم به الانسان حتى فيما يحتمل أنّ الشارع جعل له سبباً خاصّاً كالطلاق والنكاح، إذ عند الشكّ يكون المرجع هو بقاء العلقة الزوجية إلى أن يدل دليل على خروجها عن عصمته، أخذاً بالقاعدة المأثورة عن أئمّة أهل البيت بأنّه لا ينقض اليقين بالشك، المعبّـر عنه في مصطلح الا َُصوليين بالاستصحاب.
 قال السبكي: «قد أجمعت الا َُمّة على وقوع المعلّق كوقوع المنجز، فإنّ الطلاق ممّا يقبل التعليق، ولا يظهر الخلاف في ذلك إلاّ عن طوائف من الروافض، ولمّـا حدث مذهب الظاهريين، المخالفين لاجماع الا َُمّة ، المنكرين للقياس، خالفوا في ذلك ـ إلى أن قال ـ: ولكنّهم قد سبقهم الاجماع (13)
 ثمّ قال: وقد لبَّس ابن تيمية بوجود خلاف في هذه المسألة وهو كذب وافتراء وجرأة منه على الاِسلام، وقد نقل اجماع الا َُمّة على ذلك أئمّة لا يرتاب في قولهم ولا يتوقّف في صحّة نقلهم.
 كيف يحكم بسبق الاجماع مع خلاف الاِمام علي ولفيف من التابعين وأئمّة أهل البيت، وليس ابن تيميّة ناقلاً للخلاف بل نقله ابن حزم الاَندلسي ونقله هو
عنه كما صرّح في رسائله.
 وهناك كلمة لبعض مشايخ الاِمامية نأتي بنصّها وفيها بيان وبلاغ، قال: إنّ الاِمامية يضيّقون دائرة الطلاق إلى أقصى الحدود، ويفرضون القيود الصارمة على المطلِّق والمطلَّقة، وصيغة الطلاق وشهوده. كلّ ذلك لاَنّ الزواج عصمة ومودة ورحمة وميثاق من اللّه. قال تعالى: "وَقَدْ أَفْضَـى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ وَأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غليظاً" (النساء|21) وقال سبحانه: "وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم|21) اذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه العصمة والمودة والرحمة، وهذا العهد والميثاق إلاّ بعد أن نعلم علماً قاطعاً لكل شكّ بأنّ الشرع قد حلّ الزواج ونقضه بعد أن أثبته وأبرمه (14)
 وقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على بطلان هذا الطلاق، بل وعدم الاعتداد بهذا اليمين مطلقاً، ومن أخذ دينه عن أئمّة أهل البيت، فقد أخذ عن عين صافية. نكتفي ببعض ما ورد عنهم:
 1ـ روى الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كل يمين لا يراد به وجه اللّه في طلاق أو عتق فليس بشيء (15)
 2ـ جاء رجل باسم «طارق» إلى أبي جعفر الباقر وهو يقول: يا أبا جعفر إنّي هالك إنّي حلفت بالطلاق والعتاق والنذر، فقال: يا طارق إنّ هذا من خطوات الشيطان (16).
3ـ عن أبي أُسامة الشحام، قال: قلت لاَبي عبد اللّه (عليه السلام) : إنّ لي قريباً لي أو صهراً لي حلف إن خرجت امرأته من الباب فهي طالق ثلاثاً، فخرجت وقد دخل صاحبها منها ما شاء اللّه من المشقة فأمرني أن أسألك فأصغى إليّ، فقال: مره فليُمسكها فليس بشيء، ثمّ التفت إلى القوم فقال: سبحان اللّه يأمرونها أن تتزوّج ولها زوج (17)
 وقد عرفت الشيعة بانكارها الا َُمور الثلاثة في باب الطلاق:
 1ـ طلاق المرأة وهي حائض.
 2ـ الطلاق بلا اشهاد عدلين.
 3ـ الحلف على الطلاق.
 هذا كلّه حول وقوع الطلاق وإليك الكلام في المقامين الثاني والثالث:
 وأمّا الثاني وهو ترتّب الكفّارة أو لا ، فيحتاج إلى تنقيح ما هو الموضوع للكفّارة، فلو دلّ الدليل على أنّ الكفّارة من آثار الحلف بلفظ الجلالة أو ما يعادله أو يقاربه، كالربّ وغيره فلا تترتب على الحلف بالطلاق والعتاق، وبما أنّ المسألة خارجة عن موضوع البحث لذا نحيل تحقيقها إلى محلّه.
 وأمّا الثالث: فقد نقل ابن حزم عن الشافعي: الطلاق يقع عليه والحنث في آخر أوقات الحياة فلو قال لامرأته: أنتِ طالق إن لم أضرب زيداً، فإنّما يتحقّق الحنث ـ إذا لم يضرب ـ عند موته، ومعنى هذا أنّها زوجته إلى ذلك الآن، ونقل عن مالك: يوقف عن امرأته وهو على حنث حتى يبر، ثمّ استشكل على الاِمامين (18)
وجملة الكلام فيه ـ على القول بانعقاد الطلاق به ـ أنّ المعلّق عليه تارة يكون أمراً وجودياً ـ كالخروج عن الدار ـ وأُخرى عدمّياً ـ مثل إن لم أفعل ـ وعلى التقديرين تارة يكون محدّداً موَقتاً بزمان وأُخرى مطلقاً مرسلاً عنه، فلو كان أمراً وجودياً فهي زوجته مالم يتحقق، فإذا تحقّق في ظرفه المعيّن، أو مطلقاً ـ حسب ما علّق ـ تكون مطلّقة. ولو كان أمراً عدمياً، فلو كان محدداً وموَقتاً بزمان، فلو لم يفعل في ذلك الزمان تكون مطلّقة، بخلاف ما لو لم يكن كذلك، فلا تكون مطلّقة إلاّ في آخر الوقت الذي لايستطيع القيام به.
 ولكنّها فروض على أساس منهار.
 الكلام في الطلاق المعلّق:
 قد عرفت أنّ الطلاق المعلّق ينقسم إلى قسمين: منه ما يوصف بالحلف بالطلاق ومنه ما يوصف بالمعلّق فقط، وقد عرفت حكم الاَوّل وإليك الكلام في التالي:
 فنقول: إنّ للشروط تقسيمات:
 1ـ ما يتوقّف عليه صحّة الطلاق ككونها زوجة، وما لا يتوقف عليه كقدوم زيد.
 2ـ ما يعلم المطلّق بوجوده عنـد الطلاق كتعليقه بكون هذا اليوم يوم الجمعة، وأُخرى ما يشك في وجوده.
 3ـ ما يذكر في الصيغة تبرّكاً، لا شرطاً وتعليقاً كمشيئته سبحانه (إن شاء اللّه)، و ما يذكر تعليقاً حقيقة.
ومورد البحث هو القسم الاَوّل من الاَقسام الثلاثة وقد اتّفقت كلمة الاِمامية (19) على بطلان المعلّق والدليل المهم هو النص والاجماع وإليك البيان:
 الطلاق المعلّق باطل نصّاً واجماعاً:
 دلّ النصّ عن أئمّة أهل البيت على بطلان الطلاق المعلّق، ويكفي في ذلك ما رواه بكير بن أعين عنهم (عليهم السلام) أنّهم قالوا: ليس الطلاق إلاّ أن يقول الزوج لزوجته وهي طاهرة من غير جماع: أنتِ طالق، ويشهد شاهدي عدل، وكل ما سوى ذلك فهي ملغى (20)
 فأيّ تصريح أولى من قوله: «وكل ما سوى ذلك فهي ملغى» مع شيوع الطلاق المعلّق خصوصاً قسم الحلف في أعصارهم.
 وإذا أُضيف إلى ذلك ما روي عنهم (عليهم السلام) في بطلان الحلف بالطلاق لاتّضح الحكم بأجلى وضوح لاَنّ الحلف به قسم من أقسام المعلّق، فليس بطلانه إلاّ لبطلان المعلّق غاية الاَمر يتضمّن حلفاً ويميناً، وقد عرفت أنّ الاِمام قال: سبحان اللّه يأمرونها أن تتزوج ولها زوج (21)
 وأمّا الاجماع فقد قال المرتضى: وممّاانفردت به الاِمامية أنّ تعليق الطلاق بجزء من أجزاء المرأة أيّ جزء كان لا يقع فيه الطلاق (22)
وقال الشيخ في الخلاف: إذا قال لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فقدم فلان. لا يقع طلاقه (23).
 وقال ابن ادريس: اشترطنا اطلاق اللفظ احترازاً من مقارنة الشرط (24)
 ومن تفحّص فقه الاِمامية يجد كون البطلان أمراً متّفقاً عليه.
 ويوَيّد ذلك: أنّ عناية الاِسلام بنظام الا َُسرة الذي أُسّها النكاح والطلاق، يقتضي أن يكون الاَمر فيها منجزاً لا معلّقاً، فإنّ التعليق ينتهي إلى ما لا تحمد عاقبته من غير فرق بين النكاح والطلاق، فالمرء إما أن يقدم على النكاح والطلاق أو لا ، فعلى الاَوّل فينكح أو يطلّق بتاتاً، وعلى الثاني يسكت حتى يحدث بعد ذلك أمراً، فالتعليق في النكاح والطلاق لا يناسب ذلك الاَمر الهام، فقد قال سبحانه: "ولَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلو حَرَصْتُمْ فَلاَ تَـمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوها كَالمُعَلَّقَةِ وَإن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فإِنَّ اللّهَ كان غَفُوراً رَحيماً" (النساء|129).
 واللّه سبحانه يشبّه المرأة التي يترك الزوج اداء الواجب لها بالمعلّقة التي هي لا ذات زوج ولا أيّم، فالمنكوحة معلّقةً، أو المطلّقة كذلك، أشبه شيء بالمعلّقة الواردة في الآية، فهي لا ذات زوج ولا أيّم.
 نعم ربّما استدلّ ببعض الوجوه العقلية على البطلان وهي ليست تامّة عندنا نظير:
 أ ـ أنّ الطلاق المعلّق من قبيل تفكيك المنشـأ عن الانشاء، لاَنّ المفروض
عدم وقوعه قبل الشرط، فيلزم تفكيك المنشأ عن الانشاء.
 وأنت خبير بعدم استقامة الدليل، فإنّ المنشأ بعد الانشاء محقّق من غير فرق بين المنجّز والمعلّق، غير أنّ المنشأ تارة يكون منجزاً وأُخرى معلّقاً، وفائدة الانشاء أنّه لو وقع المعلّق عليه لا يحتاج إلى انشاء جديد.
 ب ـ ظاهر الاَدلّة ترتّب الاَثر على السبب فوراً، فاشتراط تأخّره إلى حصول المعلّق عليه، خلاف ظاهر الاَدلّة.
 يلاحظ عليه: أنّه ليس في الاَدلّة ما يثبت ذلك، فالوارد في الاَدلّة هو لزوم الوفاء بالانشاء غير أنّ الوفاء يختلف حسب اختلاف مضمونه، فالاَولى الاستدلال بالنص والاجماع.
____________
(1)ابن قدامة: المغني: 7| 365.
(2)السبكي: تقي الدين علي بن عبد الكافي (المتوفى 756) : الدرّة المضيئة: 155.
(3)لاحظ الجزء السابع 369ـ 414 بتصحيح الدكتور محمد خليل هراس.
(4)الفقه على المذاهب الاَربعة الجزء الرابع.
(5)المغني: 7|369ـ 376.
(6)وسائل الشيعة 15، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، الحديث 1.
(7)ظاهر الحديث: أنّ الاِمام ردّ المرأة لوقوع الطلاق مكرهاً، وبما أنّه لم تكن هناك كراهة ولم يطلب أهل المرأة سوى النفقة، يحمل علىخلاف ظاهره، من بطلان الطلاق لاَجل الحلف به.
(8)نقل رواية عن شريح تركنا نقلها لعدم دلالتها. وكان عليه عطف عطاء عليه أيضاً.
(9)ابن حزم الاَندلسي: المحلّـى: 10|212ـ213.
(10)سيوافيك ضعف هذا الدليل بعد الفراغ من نقل كلامه.
(11)قد تعرفت على القائلين بعدم كفاية الحلف في تحقّق الطلاق في كلام ابن حزم الظاهري.
(12)ابن تيمية، الفتاوى الكبرى: 3|12 و13.
(13)السبكي: الدرّة المضيئة : 155ـ 156.
(14)الفقه على المذاهب الخمسة: 414.
(15)وسائل الشيعة: الجزء 16، الباب 14 من أبواب كتاب الايمان، الحديث 1و 4، ولاحظ سائر أحاديث الباب.
(16)وسائل الشيعة: الجزء 16، الباب 14 من أبواب كتاب الايمان، الحديث 1و 4، ولاحظ سائر أحاديث الباب.
(17)الوسائل: الجزء 15، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
(18)ابن حزم الاَندلسي: المحلّـى: 10|213.
(19)الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الطلاق ، المسألة 40.
(20)الوسائل: الجزء 15، الباب 16 ، الحديث 1.
(21)المصدر نفسه: الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 4.
(22)السيد المرتضى: الانتصار : 14.
(23)الطوسي: الخلاف، كتاب الطلاق، المسألة 13.
(24)ابن ادريس الحلي: السرائر، كتاب الطلاق : 322. ولاحظ الطبعة الحديثة 2: 665.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page