• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المسألة العاشرة :الطلاق في الحيض والنفاس

 اتّفقت كلمتهم على أنّه يجب أن تكون المطلّقة في حال الطلاق طاهرة عن الحيض والنفاس بلا خلاف، ولكن اختلفوا في أنّ الطهارة هل هي شرط الصحّة والاِجزاء، أو شرط الكمال والتمام، وبعبارة أُخرى هل هي حكم تكليفي متوجّه إلى المطلّق، وهو أنّه يجب أن يحلَّ العقدة في حال كونها طاهرة من الحيض والنفاس، فلو تخلّف أثم وصحَّ الطلاق، أو هو حكم وضعي قيد لصحّة الطلاق، ولولاه كان الطلاق باطلاً ؟ فالاِمامية وقليل من سائر المذاهب الفقهية على الثاني وأكثر المذاهب على الاَوّل وإليك بعض كلماتهم:
 قال الشيخ الطوسي في الخلاف: الطلاق المحرّم، هو أن يطلّق مدخولاً بها غير غائب عنها غيبة مخصوصة، في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه، فما هذا حكمه فانّه لا يقع عندنا، والعقد ثابت بحاله، وبه قال ابن عليَّة، وقال جميع الفقهاء: انّه يقع وإن كان محظوراً.
 ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه ومالك والاوزاعي والثوري والشافعي ـ دليلنا ـ اجماع الفرقة، وأيضاً الاَصل بقاء العقد، ووقوع الطلاق يحتاج إلى دليل شرعي،
وأيضاً قوله تعالى: "فطلِّقوهنَّ لعدَّتهنَّ" وقد روي لقبل عدّتهنّ، ولا خلاف انّه أراد ذلك، وإن لم تصحّ القراءة به، فإذا ثبت ذلك دل على أنّ الطلاق إذا كان ما غير الطهر محرّماً منهياً عنه، والنهي يدل على فساد المنهى عنه (1)
 وستوافيك دلالة الآية على اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس.
 وقال ابن رشد في حكم من طلّق في وقت الحيض: فانّ الناس اختلفوا من ذلك في مواضع منها أنّ الجمهور قالوا: يُمضى طلاقه، وقالت فرقة: لا ينفذ ولا يقع، والذين قالوا: ينفذ، قالوا: يوَمر بالرجعة، وهوَلاء افترقوا فرقتين، فقوم رأوا أنّ ذلك واجب، وأنّه يجبر على ذلك، وبه قال مالك، وأصحابه، وقالت فرقة: بل يندب إلى ذلك ولا يجبر، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد (2)
 وقد فصل الجزيري وبيّن آراء الفقهاء في كتابه (3)
 هذه هي الاَقوال، غير أنّ البحث الحرّ يقتضي نبذ التقليد والنهج على الطريقة المألوفة بين السلف حيث كانوا يصدعون بالحق ولا يخافون لومة المخالف، وكانوا لا يخشون إلاّ اللّه، فلو وجدنا في الكتاب والسنّة ما يرفض آراءهم فهما أولى بالاتباع.
الاستدلال بالكتاب:
 قال اللّه تعالى: "يا أيُّها النَّبيُّ إذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنّ لِعدَّتِهنَّ وأحْصوا العِدَّةَ واتَّقوا اللّهَ رَبَّكُم" (4)
 توضيح دلالة الآية يتوقّف على تبيين معنى العدَّة في الآية، فهل المراد منها، الاَطهار الثلاثة أو الحيضات الثلاث؟ وهذا الخلاف يتفرّع على خلاف آخر هو تفسير «قروء» بالاَطهار أو الحيضات.
 توضيحه: أنّ الفقهاء اختلفوا في معنى قوله سبحانه: "والمُطلَّقاتُ يَتَربَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثلثةَ قُروء" (5)فذهبت الشيعة الاِمامية إلى أنّ المراد من القروء هو الاَطهار الثلاثة، وقد تبعوا في ذلك ما روي عن علي (عليه السلام) : روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: فقلت: أصلحك اللّه أكان عليّ يقول: إنّ الاَقراء التي سمّى اللّه في القرآن إنّما هي الطهر فيما بين الحيضتين وليست بالحيض؟ قال: نعم، كان يقول: إنّما القرء الطهر، تقرأ فيها الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض، قذفته (6)
 وذهب أصحاب سائر المذاهب إلاّ قليل كربيعة الرأي إلى أنّ المراد منها هي الحيضات. ولسنا في مقام تحقيق ذلك إنّما الكلام في بيان دلالة الآية ـ على كلا المذهبين ـ على اشتراط الطهارة في حال الطلاق، بعد الوقوف على أنّ من جوّز الطلاق في الحيض قال بعدم احتساب تلك الحيضة من «القروء» فنقول:
أمّا إذا قلنا بأنّ المراد من العِدّة في قوله سبحانه: "لعدّتهنّ" هي الاَطهار الثلاثة، فاللام متعيّنة ظاهرة في الغاية والتعليل، والمعنى: فطلّقوهنّ لغاية أن يعتددن، والاَصل هو ترتّب الغاية على ذيها بلا فصل ولا تريّث (ما لم يدل دليل على الخلاف)، مثل قوله سبحانه: "وَأَنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّـنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" (7) وقوله تعالى: "وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـبَ إِلاّ لِتُبَيِّـنَ لَـهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ" (8)، واحتمال كون اللام للعاقبة التي ربّما يكون هناك فيها فصل بين الغاية وذيها، مثل قوله سبحانه: "فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَـهُمْ عَدُوَّاً وَحزَناً"(9) غير صحيح، لاَنّ موردها فيما إذا كانت النتيجة مرتبة على ذيها ترتّباً قهرياً غير إرادي كما في الآية، ومثل قولهم: لدوا للموت وابنوا للخراب.
 وأمّا إذا قلنا بأنّ العدّة في الآية هي الحيضات الثلاث، فبما أنّ الحيضة التي تُطلّق فيها لا تحسب من العدّة باتفاق القائلين بجواز الطلاق في الحيض، يكون الاَمر به فيها لغواً، والتعجيل بلا غاية، فلا محيص لم يجد المفسرون حلاّ ً إلاّ بتقدير جملة مثل «مستقبلاتٍ لعدّتهنّ» نظير قولهم: لقيته لثلاث بقين من الشهر، يريد مستقبلاً لثلاث، وعندئذ يدل على وقوع الطلاق في حالة الطهر، وذلك لاَنّها إذا كانت العدّة هي الحيضة فيكون قُبيلها ضِدَّها، وهي الطهارة.
 ونخرج بهذه النتيجة أنّ الآية ظاهرة في شرطية الطهارة من الحيض في صحة الطلاق.
 ثمّ إنّ بعض الباحثين ذكر الحكمة في المنع من الطلاق في الحيض: أنّ ذلك يطيل على المرأة العدة، فانّها إن كانت حائضاً لم تحتسب الحيضة من عدّتها، فتنتظر حتى تطهر من حيضها وتتم مدّة طهرها ثمّ تبدأ العدة من الحيضة التالية(10)
هذا على مذاهب أهل السنّة من تفسير «القروء» وبالتالي العدّة بالحيضات، وأمّا على مذهب الاِمامية من تفسيرها بالاَطهار، فيجب أن يقال: ... فإنّها إن كانت حائضاً لم تحتسب الحيضة من عدتها فتنتظر حتى تطهر من حيضها وتبدأ العدّة من يوم طهرت.
 وعلى كل تقدير ، فبما أنّهم اتّفقوا على أنّ الحيضة التي وقع الطلاق فيها لا تحسب من العدّة إمّا لاشتراط الطهارة أو لعدم الاعتداد بتلك الحيضة، تطيل على المرأة العدّة سواء كان مبدوَها هو الطهر أو الحيضة التالية.
 الاستدلال بالسنّة:
 إنّ الروايات تضافرت عن أئمّة أهل البيت على اشتراط الطهارة. روى الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كلّ طلاق لغير العدّة (السنّة) فليس بطلاق: أن يطلّقها وهي حائض أو في دم نفاسها أو بعد ما يغشاها قبل أن تحيض فليس طلاقها بطلاق (11)
 هذا ما لدى الشيعة وأمّا ما لدى السنّة فالمهم لديهم في تصحيح طلاق الحائض هو رواية عبد اللّه بن عمر، حيث طلّق زوجته وهي حائض، وقد نقلت بصور مختلفة نأتي بها (12)
 الا َُولى: ما دلّ على عدم الاعتداد بتلك التطليقة وإليك البيان:
 1ـ سئل أبو الزبير عن رجل طلّق امرأته حائضاً؟ قال: طلّق عبد اللّه بن عمر ـ رضى اللّه عنهما ـ امرأته وهي حائض على عهد رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» فسأل عمر ـ رضى اللّه عنه ـ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته وهي حائض؟ فقال النبي: ليراجعها، فردّها عليّ وقال: إذا طهرت فليطلّق أو ليمسك، قال ابن عمر: وقرأ النبيّ «صلى الله عليه وآله وسلم» : "يا أيُّها النَّبيُّ إذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنّ لِعدَّتِهنَّ" أي في قبل عدّتهنّ.
 2ـ روى أبو الزبير قـال: سألت جابـراً عن الرجـل يطلّق امرأتـه وهي حائض؟ فقال: طلّق عبد اللّه بن عمر امرأته وهي حائض، فأتى عمر رسول اللّه فأخبره بذلك فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليراجعها فانّها امرأته.
 3ـ روى نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنّه قال في الرجل يطلّق امرأته وهي حائض، قال ابن عمر : لا يعتد بها.
 الثانية: ما يتضمّن التصريح باحتساب تلك التطليقة طلاقاً صحيحاً وإن لزمت إعادة الطلاق وإليك ما نقل بهذا المضمون:
 1ـ يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلّق امرأته وهي حائض؟ فقال: تعرف عبد اللّه بن عمر؟ قلت: نعم ، قال: فانّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته وهي حائض، فأتى عمر ـ رضى اللّه عنه ـ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله، فأمره أن يراجعها ثمّ يطلّقها من قبل عدّتها. قال، قلت: فيعتدّ بها؟ قال: نعم، قال: أرأيت إن عجز واستحمق.
 2ـ يونس بن جبير قال: سألت ابن عمر قلت: رجل طلّق امرأته، وهي حائض؟ قال: تعرف ابن عمر؟ إنّه طلّق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمره أن يراجعها، قلت: فيعتد بتلك التطليقة؟ قال: فمه؟ أرأيت إن عجز واستحمق.
3ـ يونس بن جبير قال: سمعـت ابن عمر قـال: طلّقـت امرأتي وهي حائض. فأتى عمر بن الخطاب ـ رضى اللّه عنه ـ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر ذلك له، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ليراجعها، فإذا طهرت فليطلّقها، قال: فقلت لابن عمر: فاحتسبت بها؟ قال: فما يمنعه؟ أرأيت إن عجز واستحمق.
 4ـ أنس بن سيرين قـال: سمعـت ابن عمر يقول: طلَّقت امرأتي وهي حائض، قال: فذكر ذلك عمر للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال، فقال: ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها. قال: فقلت له ـ يعني لابن عمر ـ: يحتسب بها؟ قال: فمه؟
 5ـ أنس بن سيرين: ذكر نحوه غير أنّه قال: فليطلّقها إن شاء. قال: قال عمر ـ رضى اللّه عنه ـ: يا رسول اللّه أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: نعم.
 6ـ أنس بن سيرين قال: سألت ابن عمر عن امرأته التي طلّق؟ فقال: طلّقتها وهي حائض. فذكر ذلك لعمر ـ رضى اللّه عنه ـ فذكره للنبيّ «صلى الله عليه وآله وسلم» فقال: مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلّقها لطهرها. قال: فراجعتها ثمّ طلّقتها لطهرها. قلت: واعتدّت بتلك التطليقة التي طلّقت وهي حائض؟ قال: مالي لا أعتدّ بها، وإن كنت عجزت واستحمقت.
 7ـ عامر قال: طلّق ابن عمر امرأته وهي حائض واحدة، فانطلق عمر إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره، فأمره إذا طهرت أن يراجعها ثمّ يستقبل الطلاق في عدّتها ثمّ تحتسب بالتطليقة التي طلّق أوّل مرّة.
 8 ـ نافع عن ابن عمر ـ رضى اللّه عنه ـ أنّه طلّق امرأته، وهي حائض، فأتى عمر ـ رضى اللّه عنه ـ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر ذلك له فجعلها واحدة.
 9ـ سعيد بن جبير عن ابن عمر ـ رضى اللّه عنه ـ قال: حُسِبَتْ عليَّ بتطليقة.
الثالثة: ما ليس فيه تصريح بأحد الاَمرين:
 1ـ ابن طاووس عن أبيه : أنّه سمع ابن عمر سئل عن رجل طلق امرأته حائضاً؟ فقال: أتعرف عبد اللّه بن عمر؟ قال: نعم. قال: فإنّه طلّق امرأته حائضاً، فذهب عمر ـ رضى اللّه عنه ـ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره الخبر، فأمره أن يراجعها. قال: لم أسمعه يزيد على ذلك لاَبيه.
 2ـ منصور بن أبي وائل: إنّ ابن عمر طلّق امرأته، وهي حائـض، فأمره النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يراجعها حتى تطهر، فإذا طهرت طلّقها.
 3ـ ميمون بن مهران عن ابن عمر أنّه طلّق امرأتـه في حيضها، قـال: فأمره رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرتجعها حتى تطهر فإذا طهرت فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك قبل أن يجامع.
 وهناك رواية واحدة تتميّز بمضمون خاص بها، وهي رواية نافع قال: إنّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته وهي حائض ، على عهد رسول اللّه، فسأل عمر بن الخطاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك؟ فقال رسول اللّه: فليراجعها، فليمسك حتى تطهر ثم تحيض ثمّ تطهر، إن شاء أمسكها بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدّة التي أمر اللّه أن يطلّق لها النساء.
 وبعدتصنيف هذه الروايات نبحث عن الفئة الراجحة منها بعد معرفة طبيعة الاشكالات التي تواجه كلاً منها ومعالجتها.
معالجة الصور المتعارضة:
 لا شك أنّ الروايات كانت تدور حول قصة واحدة، لكن بصور مختلفة، فالحجة بينها مردّدة بين تلك الصور والترجيح مع الا َُولى لموافقتها الكتاب وهي الحجّة القطعية، وما خالف الكتاب لا يحتج به، فالعمل على الا َُولى.
 وأمّا الصورة الثالثة، فيمكن ارجاعها إلى الا َُولى لعدم ظهورها في الاعتداد والصحّة، نعم ورد فيه الرجوع الذي ربّما يتوهّم منه، الرجوع بعد الطلاق الملازم لصحّته، لكن ليس بشيء.
 فانّ المراد من المراجعة فيها هو المعنى اللغوي لا مراجعة المطلّقة الرجعية، ويوَيّد ذلك أنّ القرآن يستعمل كلمة الرد أو الامساك، فيقول: "وبعُولتهنَّ أحقُّ بِردِّهنَّ" (13)
 چ.
 وقال سبحانه: "الطلاقُ مرَّتانِ فإمساكٌ بِمَعروف" (14). وقال سبحانه: "فأمسكوهنَّ بِمعرُوفٍ" (15)وقال تعالى: "ولاتمسكُوهنَّ ضِراراً لِتعتَدوا" (16)
 نعم استعمل كلمة الرجعة في المطلقة ثلاثاً إذا تزوّجت رجلاً آخر فطلّقها، قال سبحانه: "فإنْ طَلَّقَها فَلا تَحلُّ لَهُ مِنْ بَعدُ حَتى تَنكحَ زَوجاً غيرَه فَإنْ طَلَّقها فَلا جُناحَ عَلَيهِما أنْ يَتَراجَعا" (17)
بقي الكلام في النصوص الدالة على الاحتساب أعني الصورة الثانية، فيلاحظ عليها بأُمور:
 1ـ مخالفتها للكتاب، وما دلّ على عدم الاحتساب .
 2ـ أنّ غالب روايات الاحتساب لا تنسبه إلى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وإنّما إلى رأي ابن عمر وقناعته، فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر باحتسابها، لكان المفروض أن يستند ابن عمر إلى ذلك في جواب السائل، فعدم استناده إلى حكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دليل على عدم صدور ما يدل على الاحتساب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، فتكون هذه النصوص موافقة للنصوص التي لم تتعرّض للاحتساب، لاَنّها كلّها تتّفق في عدم حكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باحتساب التطليقة، غايته اشتمل بعضها على نسبة الاحتساب إلى ابن عمر نفسه، وهو ليس حجّة لاثبات الحكم الشرعي.
 نعم روايتا نافع رويتا بصيغتين، نسب الحكم بالاحتساب في احدى الصيغتين إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه (الرواية 8 من القسم الثاني) ، بينما رويت الثانية بصيغة أُخرى تضمّنت النسبة إلى ابن عمر بعدم الاحتساب (الرواية 3 من القسم الاَوّل).
 وأمّا رواية أنس فرويت بصيغتين تدلاّن أنّ الحكم بالاحتساب هو قناعة ابن عمر نفسه لا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (الرواية 4 و 6 من القسم الثاني) وبصيغة ثالثة نسبت الاحتساب إلى النبيّ (الرواية 5 من القسم الثاني) ومع هذا الاضطراب لا تصلح الرواية لاثبات نسبة الحكم بالاحتساب إلى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» نفسه.
 3ـ أنّ فرض صحّة التطليقة المذكورة لا يجتمع مع أمر النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بارجاعها وتطليقها في الطهر هذه، لاَنّ القائلين بصحّة الطلاق في
الحيض لا يصحّحون اجراء الطلاق الثاني في الطهر الذي بعده، بل يشترطون بتوسّط الحيض بين الطهرين واجراء الطلاق في الطهر الثاني. فالاَمر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بارجاعها وتطليقها في الطهر الثاني ينافي احتساب تلك تطليقة صحيحة.
 4ـ اشتهر في كتب التاريخ أنّ عمر كان يعيّر ولده بالعجز عن الطلاق، وظاهره يوحي بأنّ ما فعله لم يكن طلاقاً شرعاً.
 وبعد ملاحظة كل ما قدّمناه يتّضح عدم ثبوت نسبة الاحتساب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي يبـدو أنّ النـص ـ على فرض صـدوره ـ لم يتضمّن احتســـاب التطليقة من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّما هي اضافات أو توهّمات بسبب قناعة ابن عمر أو بعض من هم في سلسلة الحديث، ولذلك اضطربت الصيغ في نقل الحادثة.
 وأمّا رواية نافع المذكورة فيلاحظ عليها أنّها لا تدلّ على صحّة التطليقة الا َُولى إلاّ بادّعاء ظهور «الرجوع» في صحّة الطلاق وقد علمت ما فيه، وأمّا أمره بالطلاق في الطهر الثاني بعد توسّط الحيض بين الطهرين حيث قال: «مره فليراجعها، فليمسك حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر. إن شاء أمسكها وإن شاء طلّق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمره أن يطلّق لها النساء» فلعلّ أمره بمضي طهرٍ وحيض، لاَجل موَاخذة الرجل حيث تسرّع في الطلاق وجعله في غير موضعه فأُرغم عليه أن يصبر طهراً وحيضاً، فإذا استقبل طهراً ثانياً فليطلّق أو يمسك.
 وبعد كل هذا يمكننا ترجيح الحكم ببطلان الطلاق في الحيض، لاضطراب النقل عن ابن عمر، خصوصاً مع ملاحظة الكتاب العزيز الدال على وقوع الطلاق في العدة .
____________
(1) الشيخ الطوسي: الخلاف : 2، كتاب الطلاق المسألة 2.
 وما ذكره من تقدير «قبل» إنّما يتم على القول بكون العبرة في العدَّة بالحيضفيكون قبلهما بين طهرها من الحيض والنفاس فتتم الدلالة.
(2)ابن رشد: بداية المجتهد: 2|65ـ66.
(3)الجزيري: الفقه على المذاهب الاَربعة: 4|297ـ302.
(4)الطلاق: الآية 2.
(5)النساء: الآية 228.
(6)الحر العاملي: الوسائل : 15، الباب 15 من أبواب العدد، الحديث 4.
(7)النحل: الآية 44.
(8)النحل: الآية 64.
(9)القصص: الآية 8.
(10)أحمد محمد شاكر: نظام الطلاق في الاِسلام: 27.
(11)الحر العاملي: الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 9، وغيره.
(12)راجع في الوقوف على تلك الصور، السنن الكبري للبيهقي: 7| 324ـ 325.
(13)البقرة: الآية 228.
(14)البقرة: الآية 229.
(15)البقرة: الآية 231.
(16)البقرة: الآية 231.
(17)البقرة: الآية 230.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page