• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المسألة الحادية عشرة :الوصية للوارث إذا لم تتجاوز الثلث

 اتّفقت المذاهب الخمسة على أنّ الوصية التبرّعيّة تنفذ في مقدار الثلث فقط، مع وجود الوارث سواء صدرت في المرض أم في الصحّة، وما زاد عن الثلث يفتقر إلى اجازة الورثة. وإن كان الاَفضل في بعض المذاهب أن لا يستوعب الثلث بالوصية (1)
 وأمّا في مقدار الثلث فتنفّذ وصيته عند الاِمامية في الاَقرب والاَجنبي، ومن غير فرق في الاَقرب، بين الوارث وغيره. وأمّا المذاهب الاَربعة فأجازت الوصية للاَقرب بشرط أن لا يكون وارثاً، وأمّا الوارث فلا تجوز الوصية له سواء كان بمقدار الثلث أم أقل أم أكثر ، إلاّ بإجازة الورثة.
 قال السيد المرتضى: وممّا ظنّ انفراد الاِمامية به، ما ذهبوا إليه من أنّ الوصية للوارث جائزة، وليس للوارث (غير الموصى له) ردّها. وقد وافقهم في هذا المذهب بعض الفقهاء (2)وإن كان الجمهور والغالب، على خلافه (3)
وقال الشيخ الطوسي: تصحّ الوصية للوارث مثل الابن والاَبوين. وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: لا وصية للوارث (4)
 وقال الخرقي في متن المغني: «ولا وصية لوارث إلاّ أن يجيز الورثة ذلك». وقال ابن قدامة في شرحه: إنّ الاِنسان إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البرّ : أجمع أهل العلم على هذا، وجاءت الاَخبار عن رسول اللّهبذلك فروى أبو أُمامة قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إنّ اللّه قد أعطى كل ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث» رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، ولاَنّ النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحّة وقوّة الملك وامكان تلافي العدل بينهم باعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك، لما فيه من ايقاع العداوة والحسد بينهم، ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلّق الحقوق به وتعذّر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى، وإن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء (5)
 ومع أنّ الكتب الفقهية للمذاهب الاَربعة تنفي جواز الوصية للوارث، إلاّ إذا أجاز الورثة، حتى أنّ بعضهم يقول بأنّ الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلاّ أن يعطوه عطية مبتدأة (6)ـ ومع هذا التصريح ـ ينقل الشيخ محمد جواد مغنية: كان عمل المحاكم في مصر على المذاهب الاَربعة، ثمّ عدلت عنها إلى مذهب الاِمامية، وما زال عمل المحاكم الشرعية السنّية في لبنان على عدم صحّة الوصية للوارث، ومنذ سنوات قدّم قضاتها مشروعاً إلى الحكومة يجيز الوصية للوارث ورغبوا إليها في تبنّيه (7).
 يلاحظ على ما ذكره ابن قدامة من الحكمة: أنّها لا تقاوم الذكر الحكيم، واتّفاق أئمّة أهل البيت، ولو صحّت لزم تحريم تفضيل بعضهم على بعض في الحياة في البر والاحسان، لاَنّ ذلك يدعو إلى الحسد والبغضاء مع أنّه لا خلاف في جوازه، وما نقل عن النبي من النهي، فهو محمول على التنزيه لا التحريم إذ لم يقل أحد بحرمة التفضيل في الحياة. والعجب استدلال من ينكر التحسين والتقبيح العقليين، بهذه الحكم والمصالح التي لا يدركها إلاّ العقل، مع أنّه بمعزلٍ عندهم عن إدراكهما عند أصحاب المذاهب الاَربعة، وسيوافيك الكلام فيما تصور من الحكمة.
 والاَولى عرض المسألة على الكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فيكفي في جواز الوصية قوله سبحانه: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذا حَضَـرَ أحَدَكُمُ المَوتُ إنْ تَرَكَ خيراً الوَصِيَّةُ لِلوالِدَينِ والاَقْرَبِينَ بِالمَعروفِ حَقّاً عَلَـى المُتَّقِينَ" (البقرة|180).
 المراد من حضور الموت: ظهور أماراته من المرض والهرم وغيره، ولم يرد إذا عاين ملك الموت، لاَنّ تلك الحالة تشغل الاِنسان عن الوصيّة، وأيضاً يجب أن يراعى جانب المعروف في مقدار الوصية والموصى له، فمن يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوص بالمعروف، كما أنّ الايصاء للغني دون الفقير خارج عن المعروف، فانّ المعروف هو العدل الذي لا ينكر، ولا حيف فيه ولا جور.
 والآية صريحة في الوصية للوالدين، ولا وارث أقرب للاِنسان من والديه، وقد خصّهما بالذكر لاَولويتهما بالوصية ثم عمّم الموضوع وقال: "والاَقربين" ليعمّ كل قريب، وارثاً كان أم لا.
 وهذا صريح الكتاب ولا يصح رفع اليد عنه إلاّ بدليل قاطع مثله، وقد أجاب القائلون بعدم الجواز عن الاستدلال بالآية بوجهين:
1ـ آية الوصية منسوخة بآية المواريث:
 قالوا: إنّها منسوخة بآية المواريث، فعن ابن عباس والحسن: نسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء (8) وتثبت للاَقربين الذين لا يرثون، وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكيين، وجماعة من أهل العلم.
 ومنهم من يأبى عن كونها منسوخة، وقال: بأنّها محكمة ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الوالدين اللَّذين لا يرثان كالكافرين والعبدين، وفي القرابة غير الورثة (9).
 ومرجع الوجه الاَوّل: إلى النسخ في الوالدين وأنّه لا يوصى لهما وارثين كانا أو ممنوعين، والتخصيص في الاَقربين فيصح الايصاء لهم إذا لم يكونوا وارثين.
 ومرجع الوجه الثاني: إلى التخصيص في كلا الموردين.
 وقال الجصاص في تفسير الآية: نسختها آية الفرائض.
 1ـ قال ابن جريج عن مجاهد: كان الميراث للولد والوصية للوالدين والاَقربين. فهي منسوخة (10)
 2ـ وقالت طائفة أُخرى: قد كانت الوصية واجبة للوالدين والاَقربين فنسخت عمّن يرث، وجعلت للوالدين والاَقربين الذين لا يرثون (11)
 وعلى الوجه الاَوّل فآية الوصية منسوخة بالمعنى الحقيقي، وعلى الثاني مخصّصة حيث أخرج الوارث منهما وأبقى غير الوارث، لكن لازم كون الوصية واجبة وبقاء الاَقربين تحت العموم، وجوب الوصية لغير الوارث منهما. وهو كما ترى.
 ترى نظير هذه الكلمات في كتب التفسير والفقه لاَهل السنّة ونحن نعلّق عليها بوجهين:
 الاَوّل: إنّ السابر في كتب القوم يقف على أنّ الذي حملهم على ادّعاء النسخ والتخصيص في الآية هو رواية أبي أُمامة أو عمر بن خارجة وأنّه سمع رسول اللّه يقول في خطبته ـ عام حجة الوداع ـ: ألا أنّ اللّه قد أعطى كل ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث (12) ولولا هذه الرواية لما خطر في بال أحدٍ بأنّ آية المواريث ناسخة لآية الوصية، إذ لا تنافي بينهما قيد شعرة حتى تكون إحداهما ناسخة أو مخصّصة، حيث لا منافاة أن يكتب سبحانه على الاِنسان فرضاً أو ندباً أن يوصي للوالدين والاَقربين بشيء، لا يتجاوز الثلث، وفي الوقت نفسه يُورِّ ث الوالدين والاَقربين على النظام المعروف في الفقه.
 والذي يوضح ذلك: هو أنّ الميراث، في طول الوصيّة، ولا يصح للمتأخّر أن يعارض المتقدّم، وأنّ الورّاث يرثون بعد إخراج الدين والوصية، قال سبحانه:"مِنْ
بعَدِ وصيّةٍ يُوصِى بها أو دَين" (14)وفي موردين آخرين : "من بعد وَصيّة يوصى بها أو دين"(13) فلا موضوع للنسخ ولا للتخصيص.
 وقد تفطّن القرطبي لبعض ما ذكرنا وقال: ولولا هذا الحديث لاَمكن الجمع بين الآيتين بأن يأخذوا المال عن المورِّث بالوصية، وبالميراث إن لم يوص، أو ما بقى بعد الوصية، لكن منع من ذلك هذا الحديث والاجماع (15)
 أقول: أمّا الاجماع ، فغير متحقّق، وكيف يكون كذلك مع أنّ أئمة أهل البيت ـ كما سيوافيك ـ اتّفقوا على جوازه وكذلك فقهاء الاِمامية طوال القرون وهم ثلث المسلمين، وبعض السلف كما يحدّث عنه صاحب المنار، وأمّا الحديث فسيوافيك ضعفه، وأنّه على فرض الصحّة سنداً، قابل للتأويل والحمل على ما زاد الايصاء عن الثلث.
 الثاني: إنّ ادّعاء النسخ أو التخصيص في الآية، بآية المواريث، متوقّف على تأخّر الثانية عن الا َُولى وأنّى للقائل بهما اثباته، بل لسان آية الوصية بما فيها من التأكيد لاَجل الاِتيان بلفظ "كُتِبَ" وتوصيفه بكونه حقّاً على الموَمنين يأبى عن كونه حكماً موَقتاً لا يدوم إلاّ شهراً أو شهور.
 قال الاِمام عبده: إنّه لا دليل على أنّ آية المواريث نزلت بعد آية الوصية هنا فانّ السياق ينافي النسخ، فانّ اللّه تعالى إذا شرّع للناس حكماً وعلم أنّه موَقت وأنّه سينسخه بعد زمن قريب فانّه لا يوَكّده ولا يوثقه بمثل ما أكّد به أمر الوصية هنا من كونه حقّاً على المتّقين ومن وعيدٍ لمن بدّله.
 ثم قال: «وبامكان الجمع بين الآيتين إذا قلنا أنّ الوصيّة في آية المواريث مخصوصة بغير الوارث بأن يخصّ القريب هنا بالممنوع من الارث ولو بسبب اختلاف الدين، فإذا أسلم الكافر وحضرته الوفاة ووالداه كافران، فله أن يوصي لهما بما يوَلّف به قلوبهما» (16)
 ولا يخفى ما في صدر كلامه من الاتقان لولا ما تنازل في آخره وحاول الجمع بين الآيتين بتخصيص جواز الوصية لمن لا يرثان من الوالدين لسبب كالقتل والكفر والسرقة، إذ لقائل أن يسأل الاِمام أنّه إذا كان المراد من الوالدين والاَقربين في آية الوصية هم الممنوعين من الوراثة، فما معنى هذا التأكيد والعناية البارزة في الآية مع ندرة المصداق أو قلته بالنسبة إلى غير الممنوعين، أوَ ليس هذا أشبه بالتخصيص المستهجن فلا محيص عن القول بعموم الآية، لكل والد ووالدة وأقرب، ممنوعين كانوا أم غيره.
 وأمّا ما يثيرون حول الايصاء للوالدين من كونه سبباً لظهور العداء، فقد مرّ جوابه في صدر البحث وهنا نزيد ما ذكره ذلك الاِمام بقوله:
 وجوّز بعض السلف الوصية للوارث نفسه بأن يخصّ بها من يراه أحوج من الورثة كأن يكون بعضهم غنياً والبعض الآخر فقيراً. مثال ذلك أن يطلّق أبوه أُمّه وهو غنيّ، ولا عائل لها إلاّ ولدها، ويرى أنّ ما يصيبها من التركة لا يكفيها، ومثله أن يكون بعض ولده أو إخوته ـ إن لم يكن له ولد ـ عاجزاً عن الكسب فنحن نرى أنّ الحكيم الخبير اللطيف بعباده ، الذي وضع الشريعة والاَحكام لمصلحة خلقه، لا
يحكم أن يساوي الغني الفقير . والقادر على الكسب من يعجز عنه، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة على أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنّهم سواسية في الحاجة كما أنّهم سواء في القرابة، فلا غرو أن يجعل أمر الوصيّة مقدّماً على أمر الارث ... ويجعل الوالدين والاَقربين في آية أُخرى أولى بالوصيّة لهم من غيرهم لعلمه سبحانه وتعالى بما يكون من التفاوت بينهم في الحاجة أحياناً، فقد قال في آيات الارث في سورة النساء: "مِنْ بعَدِ وَصيَّةٍ يُوصِى بِها أو دَين" فأطلق أمر الوصية وقال في آية الوصية هنا ما هو تفصيل لتلك .
 لقد بان الحق ممّا ذكرنا وانّ الذكر الحكيم أعطى للانسان حقّ الايصاء للوالدين لمصالح هو أعرف بها، على حدّ لا يتجاوز الثلث، وليكون ايصاوَه أيضاً على حدّ المعروف.
 ويوَيده اطلاق قوله سبحانه في ذيل آية المواريث قال سبحانه: " وأُولُوا الاَرحام بَعضُهم أوْلى بِبَعضٍ في كِتابِ اللّهِ منَ الموَمنينَ والمهاجرينَ إلاّ أن تَفعلوا إلى أوليائِكُمْ مَعروفاً كانَ ذلكَ في الكتابِ مَسطُورا" (الاَحزاب | 7). ويريد من الذيل الاحسان في الحياة والوصية عند الموت فانّه جائز (17)واطلاقه يعم الوارث وغيره.
 واللّه سبحانه هو العالم بمصالح العباد، فتارة يخصّ بعض الورّاث ببعض التركة عن طريق تنفيذ الوصية ما لم تتجاوز الثلث، وأُخرى يوصي لغير الوارث
بشيء منها، يقول سبحانه: "وإذا حَضَـرَ القِسمَةَ أُوْلُوا القُرْبَـى وَاليَتمَى والمَسكينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً" (النساء|8).
 والمراد من ذوي القربى الاَخ للميت الشقيق وهو لايرث، وكذلك العم والخال والعمّة والخالة ويعدّون من ذوي القربى للوارث، الذي لا يرثون معه وقد يسري إلى نفوسهم الحسد فينبغي التودّد إليهم، واستمالتهم باعطائهم شيئاً من ذلك الموروث، بحسب ما يليق بهم ولو بصفة الهبة أو الهدية... (18)
 2ـ آية الوصية منسوخة بالسنّة:
 قد عرفت مدى صحّة نسخ الآية بآية المواريث فهلمّ معي ندرس منسوخية الآية بالسنّة التي رواها أصحاب السنن ولم يروها الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما، وإليك ما نقل سنداً أو متناً.
 روى الترمذي في باب ما جاء لا وصية لوارث:
 1ـ حدثنا علي بن حجر وهنّاد قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أُمامة الباهلي قال : سمعت رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول في خطبته عام حجة الوداع: إنّ اللّه قد أعطى لكلّ ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر ...
 2ـ حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم عن عمرو بن خارجة: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب
على ناقته وأنا تحت جِرانها وهي تقصع بجرّتها (19)وإنّ لعابها يسيل بين كتفي فسمتعه يقول: إنّ اللّه أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ولا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر ... (20)
 وفي الاسناد: من لا يحتجّ به.
 1ـ إسماعيل بن عياش:
 قال الخطيب: عن يحيى بن معين يقول: أمّا روايته عن أهل الحجاز فإنّ كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.
 وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن المديني: كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام فأمّا ما روى عن غير أهل الشام ففيه ضعف.
 وقال عمر بن علي: كان عبد الرحمان بن المهدي: لا يحدّث عن إسماعيل بن عياش (21).
 وقال ابن منظور : وقال مضر بن محمد الاَسدي، عن يحيى: إذا حدّث عن الشاميين وذكر الخبر فحديثه مستقيم، فإذا حدّث عن الحجازيين والعراقيين خلط ما شاء 22
 وقال الحافظ جمال الدين المزّي: قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عن إسماعيل بن عياش فقال: نظرت في كتابه عن يحيى بن سعيد أحاديث
صحاح، وفي «المصنف» أحاديث مضطربة.
 وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم: إسماعيل بن عياش في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين.
 وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت وكيعاً يقول: قدم علينا إسماعيل بن عياش فأخذ من أطراف لاسماعيل بن أبي خالد، فرأيته يخلط في أخذه.
 وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ما أشبه حديثه بثياب سابور يُرقّم على الثوب المائة، وأقل شرائه دون عشرة. قال: كان من أروى الناس عن الكذابين. وقال أبو إسحاق الفزاري في حقّه: ذاك رجل لا يدري ما يخرج من رأسه (23)
 ونقل الترمذي بعد ذكر الحديث عن أبي إسحاق الفزاري: ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدّث عن الثقات ولا عن غير الثقات.
 2ـ شرحبيل بن مسلم الخولاني الشامي:
 قال ابن معين: ضعيف واختُتِنَ في ولاية عبد الملك بن مروان (24)ووثّقه الآخرون.
 3ـ شهر بن حوشب:
 تابعي توفّي حدود عام 100.
 قال النسائي: ليس بالقوي (25)
وقال يحيى بن أبي بكر الكرماني عن أبيه: كان شهر بن حوشب على بيت المال فأخذ خريطة فيها دراهم فقال القائل:
لقد باع شهر دينه بخريطة * فمن يأمن القرّاء بعدك يا شهرُ(26)
 وقال جمال الدين المزّي: قال شبابة بن سوّار عن شعبة: ولقد لقيت شهراً فلم أعتد به. وقال عمرو بن علي: كان يحيى لا يُحدِّث عن شهر بن حوشب. وقال أيضاً: سألت ابن عون عن حديث هلال بن أبي زينب عن شهر ... فقال: ما يُصنع بشهر إنَّ شعبة نزك شهراً. فقال النضر: نزكوه. أي طعنوا فيه.
 وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: أحاديثه لا تشبه حديث الناس. وقال موسى بن هارون: ضعيف . وقال علي بن المديني: كان يحيى بن سعيد لا يحدّث عن شهر ، وقال يعقوب بن شيبة: ... على أنّ بعضهم قد طعن فيه (27)
 3ـ روى أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا ابن عياش، عن شرحبيل بن مسلم: سمعت أبا أُمامة: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث» (28)
 والاسناد مشتمل على إسماعيل بن عياش وشرحبيل بن مسلم وقد عرفت حالهما. فلاحظ.
 4ـ روى النسائي: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة قال: خطب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ولا وصية لوارث.
 5ـ أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدّثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدّثنا قتادة عن شهر بن حوشب، أنّ ابن غنم ذكر أنّ ابن خارجة ذكر له أنّه شهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب الناس على راحلته، وإنّها لتقصع بجرّتها وإنّ لعابها ليسيل. فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته: إنّ اللّه قد قسّم لكل إنسان قسمة من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية.
 فالاِسنادان اشتملا على شهر بن حوشب، وقد تعرّفت عليه.
 6ـ أخبرنا عتبة بن عبد اللّه المروزي قال: أنبأنا عبد اللّه بن المبارك، قال: أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قتادة عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ اللّه عزّ اسمه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ولا وصيّة لوارث» (29)
 وقد اشتمل الاِسناد على قتادة بن دعامة بن قتادة: أبو الخطاب البصري (61ـ117هـ) الذي ورد في حقّه عن حنظلة بن أبي سفيان: كنت أرى طاووساً إذ أتاه قتادة يسأله يفرّ منه، قال: وكان قتادة يتهم بالقَدَر.
 وقال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: إنّ عبد الرحمان يقول: اترك كلّ من كان رأساً في بدعة يدعو إليها. قال: كيف تصنع بقتادة...؟ ثم قال يحيى: إن ترك هذا الضرب ترك ناساً كثيراً.
 وقال الحاكم في علوم الحديث: لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس.
وقال أبو داود: حدّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم (30)
 7ـ روى ابن ماجة: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون: أنبأنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة: أنّ النبيّ خطبهم وهو على راحلته، وإنّ راحلته لتقصع بجرّتها، وإنّ لُغامَها ليسيل بين كتفيَّ، قال: إنّ اللّه قسّم لكلّ وارث نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارث وصية، والولد للفراش ...
 كذلك فالاِسناد مشتمل على شهر بن حوشب.
 8 ـ حدثنا هشام بن عمّـار ، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني: سمعت أبا أُمامة الباهلي يقول: سمعت رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول في خطبته، عام حجّة الوداع : إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث.
 وفي الاسناد إسماعيل بن عياش، وقد عرفت حاله.
 9ـ حدثنا هشام بن عمّـار، ثنا محمد بن شعيب بن شابور، ثنا عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن سعيد بن أبي سعيد، أنّه حدّثه عن أنس بن مالك قال: إنّي لتحت ناقة رسول اللّه، يسيل عليَّ لعابها فسمعته يقول: إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ألا لا وصية لوارث (31)
 وفي السند، من لا يحتج به:
 1ـ عبد الرحمان بن يزيد بن جابر الاَزدي أبو عتبة الشامي (المتوفى عام  قال الفلاس: ضعيف الحديث ... روى عن أهل الكوفة أحاديث مناكير (32)
 2ـ سعيد بن أبي سعيد، واسمه كيسان المقبري أبو سعد المدني (المتوفى عام 125).
 قال يعقوب بن شيبة: قد كان تغيّر واختلط قبل موته يقال بأربع سنين، وقال الواقدي: اختلط قبل موته بأربع سنين، وقال ابن حبّان في الثقات: اختلط قبل موته بأربع سنين (33).
 10ـ روى الدارقطني: نا أبو بكر النيسابوري، نا يوسف بن سعيد، نا حجاج، عن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : لا تجوز الوصية لوارث إلاّ أن يشاء الورثة.
 وفي الاسناد عطاء بن أبي مسلم الخراساني (50 هـ ـ 135 هـ).
 قال الدارقطني: لم يلق ابن عباس.
 وقال أبو داود: ولم يدرك ابن عباس ولم يره.
 البخاري قد ذكر عطاء الخراساني في الضعفاء ...والبخاري لم يخرج له شيئاً.
 وقال ابن حبّان: كان رديء الحفظ يخطىَ ولا يعلم فبطل الاحتجاج به (34)
 وقال البيهقي: عطاء هذا هو الخراساني لم يدرك ابن عباس ولم يره. قاله أبو داود السجستاني وغيره وقد روى من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس (35)
 11ـ نا علي بن إبراهيم بن عيسى، نا أحمد بن محمد الماسرجسي، نا عمرو ابن زرارة، نا زياد بن عبد اللّه ، نا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن عمرو بن خارجة قال: قال رسول اللّه: لا وصية لوارث إلاّ أن يجيز الورثة.
 ولو صحّ الاسناد، فهو محمول على ما إذا زاد عن الثلث كما سيأتي نقله.
 12ـ نا عبيد اللّه بن عبد الصمد بن المهتدي، نا محمد بن عمرو بن خالد، نا أبي ، عن يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه: «لا يجوز لوارث وصية إلاّ أن يشاء الورثة» (36)
 ولا أظنّ أن فقيهاً يحتجّ بحديث في سنده:
 عكرمة البربري: أبو عبد اللّه المدني مولى ابن عباس: وقد عرّفه أهل الرجال بما يلي:
 قال ابن لهيعة: عن أبي الاَسود: كان عكرمة قليل العقل خفيفاً، كان قد سمع الحديث من رجلين، وكان إذا سئل حدّث به عن رجل يسأل عنه بعد ذلك، فيحدّث به عن الآخر، فكانوا يقولون: ما أكذبه.
 وقال يحيى بن معين: إنّما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة لاَنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية (طائفة من الخوارج) وقال عطاء: كان أباضياً.
 وقال أبو خلف الخزاز، عن يحيى البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتّق اللّه ويحك يا نافع ولا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس.
 وعن سعيد بن المسيب أنّه كان يقول لغلامه: لا تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس.
 وعن عطاء الخراساني: قلت لسعيد بن المسيب: إنّ عكرمة يزعم أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوّج ميمونة وهو محرم، فقال: كذب مخبثان.
 وقال سعيد بن جبير : كذب عكرمة.
 وقال وهيب بن خالد عن يحيى بن سعيد الاَنصاري: كان كذّاباً.
 وكان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يوَخذ عنه.
 وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل : ... وعكرمة مضطرب الحديث يختلف عنه.
 وقال ابن عليه: ذكره أيوب فقال: قليل العقل.
 وقال الحاكم: أبو أحمد احتجّ بحديثه الاَئمّة القدماء لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح (37)
 13ـ نا أحمد بن كامل، نا عبيد بن كثير ، نا عباد بن يعقوب، نا نوح بن دراج، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول اللّه: لا وصية لوارث ولا إقرار بدين.
 وفي الاسناد من لا يحتجّ به أهل السنّة وهونوح بن دراج (المتوفى عام
182) والحديث نقل محرّفاً.
 فقد تضافر عن جعفر بن محمد، صحّة الوصية للوارث إلاّ إذا تجاوز عن الثلث، فانّه اضرار بالورثة ويوَيده ذيل الحديث «ولا إقرار بدين» والاِقرار بالدين، والايصاء فوق الثلث مظنّة الاضرار بالورثة.
 14ـ نا أحمد بن زياد، نا عبد الرحمان بن مرزوق، نا عبد الوهاب، نا سعيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول اللّه بمنى فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد قسّم لكلّ إنسان نصيبه من الميراث، فلا يجوز لوارثٍ وصية إلاّ من الثلث، قال: ونا سعيد بن مطر عن شهر، عن عمرو بن خارجة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله (38)
 والسند مشتمل على شهر بن حوشب، والمتن يوَيد مقالة الاِمامية حيث قال: فلا يجوز له ارث إلاّ من الثلث.
 15ـ روى الدارمي: حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام الدستوائي، ثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمان بن غنم، عن عمرو بن خارجة، قال: كنت تحت ناقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تقصع بجرّتها ولعابها وينوص بين كتفي، سمعته يقول: ألا إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا يجوز وصية لوارث (39).
 وفي الاسناد شهر بن حوشب وكفى به ضعفاً.
 16ـ روى البيهقي بأسانيد مختلفة، لا تخلو من ضعف.
فالاَوّل مقطوع برواية عطاء عن ابن عباس وقد عرفت عدم ادراكه له وعطاء هذا هو عطاء الخراساني.
 والثاني مشتمل على رواية: عطاء عن عكرمة عن ابن عباس، وقد عرفت حال الرجلين.
 والثالث أيضاً مثل الثاني.
 والرابع مشتمل على الربيع بن سليمان، الذي كان يوصف بغفلة شديدة، وعن الشافعي أنّه ليس بثبت وإنّما أخذ أكثر الكتب من آل البويطي بعد موت البويطي (40).
 وعلى سفيان بن عيينة (المتوفّى عام 198) قال محمد بن عبد اللّه بن عمّـار : سمعت يحيى بن سعيد يقول: اشهدوا أنّ سفيان بن عيينة اختلط سنة 97، فمن سمع في هذه السنة وبعدها، سماعه لا شيء (41)
 وعلى مجاهد بن جبر المكّي المولود في خلافة عمر (المتوفى عام 100) فمضافاً إلى أنّ الرواية مقطوعة فقد ورد في حقّه: مجاهد معلوم التدليس فعنعنته لا تفيد الوصل (42).
 والخامس مشتمل على ابن عياش وشرحبيل بن مسلم وقد تعرّفت عليهما.
 والسادس مشتمل على شهر بن حوشب. والسابع مشتمل على حماد بن سلمة عن قتادة، والسند إمّا مقطوع أو موصول بواسطة شهر بن حوشب بقرينة الرواية السابقة.
 والثامن مشتمل على إسماعيل بن مسلم وهو مردّد بين العبدي (أبو محمد (البصري) والمكي (أبو إسحاق البصري) الذي ضعّفه جمال الدين المزّي بقوله: قال: عمرو بن علي: كان يحيى وعبد الرحمان لا يحدّثان عن إسماعيل المكي.
 وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن مسلم المكي منكر الحديث.
 وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: إسماعيل بن مسلم المكي ليس بشيء. وكذلك قال عثمان بن سعيد الدارمي وأبو يعلى الموصلي عن يحيى.
 وعن علي بن المديني: إسماعيل بن مسلم المكي لا يكتب حديثه ... وكان ضعيفاً في الحديث ... يكثر الخلط.
 وقال أبو زرعة: هو بصري سكن مكة، ضعيف الحديث.
 وقال النسائي:... متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة (43)
 والتاسع مشتمل على عبد الرحمان بن يزيد بن جابر الاَزدي، وسعيد بن أبي سعيد وقد تعرّفت عليهما.
 والعاشر مشتمل على سفيان بن عيينة وقد تعرّفت عليه وعلى طاووس بن كيسان اليماني وهو تابعي لم يدرك النبيّ و إنّما ينقل ما ينقل عن ابن عباس (44)
 17ـ روى الحافظ سعيد بن منصـور المكي (المتوفى 227) في سننـه هذا الحديث بأسنايد مختلفة.
 فالاَوّل ـ مضافاً إلى أنّه مقطوع بمجاهد ـ: مشتمل على سفيان بن عيينة.
 والثاني: مقطوع بعمرو بن دينار (المتوفى حدود عام 125) ومشتمل على سفيان بن عيينة.
 والثالث: مشتمل على إسماعيل بن عياش وشرحبيل بن مسلم.
 والرابع: مشتمل على شهر بن حوشب.
 والخامس: مشتمل على سفيان بن عيينة وهشام بن حجر المكي الذي ضعّفه يحيى بن معين، وعن غيره أنّه يضرب على حديثه، وعن أبي داود أنّه ضرب الحدّ بمكة (45)
18ـ روى الصنعـاني بسنـد ينتهي إلى شهـر بن حوشـب عن عمرو بن خارجة، قال: سمعت رسول اللّه يقول:لا وصية لوارث (46)وقد تعرفت على حال «شهر».
 ملاحظات على نسخ الآية بالسنّة :
 ويلاحظ على هذه الاجابة، أي نسخ الكتاب بهذه الروايات، بوجوه:
1ـ الكتاب العزيز، قطعي السند، وصريح الدلالة في المقام. وظاهر الآية
كون الحكم أمراً أبدياً وأنّه مكتوب على الموَمنين، وهو حقّ على المتّقين، أفيصح نسخه أو تخصيصه برواية لم يسلم سند منها عن خلل ونقاش فرواتها مخلّط، من أروى الناس عن الكذابين، لا يرى ما يخرج من رأسه، إلى ضعيف أُختُتِنَ في كبر سنِّه، إلى بائع دينه بخريطة، إلى مسنِد ولم ير المسند إليه، إلى محدود أُجري عليه الحد في مكة، إلى خارجيّ يُضرب به المثل، إلى، إلى، إلى (47)
 ولو قلنا بجواز نسخ الكتاب فانّما نقول به إذا كان الناسخ، دلالة قرآنية أو سنّة قاطعة.
 2ـ كيف يمكن الاعتماد على رواية، تدّعي أنّ النبي الاَكرم خطب في محتشد كبير لم ينقل لنا التاريخ له مثيلاً في حياة النبي إلاّ في وقعة الغدير، وقال: إنّه لا وصية لوارث، ولم يسمعه أحد من الصحابة إلاّ أعرابي مثل عمرو بن خارجة الذي ليس له رواية عن رسول اللّه سوى هذه (48)أو شخص آخر كأبي أُمامة الباهلي وهذا ما يورث الاطمئنان على وجود الخلل فيها سنداً أو دلالة.
 3ـ لو سلم أنّ الحديث قابل للاحتجاج، لكنّه لا يعادل ولا يقاوم ما تواتر عن أئمّة أهل البيت من جواز الوصية للوارث. فهذا هو محمد بن مسلم أحد فقهاء القرن الثاني، من تلاميذ أبي جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: سألت أبا جعفر عن الوصية للوارث؟ فقال: تجوز، ثم تلا هذه الآية : "إنْ تَركَ خَيراً الوصية للوالدين والاَقربين" .
وهذا أبو بصير المرادي شيخ الشيعة في عصر الصادق (عليه السلام) يروي عنه أنّه سأله عن الوصية للوارث؟ فقال: تجوز (49)
 4ـ أنّ التعارض فرع عدم وجود الجمع الدلالي بين نصّ الكتاب والحديث، إذ من المحتمل جداً أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر قيداً لكلامه، ولم يسمعه الراوي أو سمعه، وغفل عن نقله، أو نقله ولم يصل إلينا وهو أنّه مثلاً قال: «ولا تجوز وصية للوارث» إذا زاد عن الثلث أو بأكثر منه، كما ورد كذلك من طرقنا، وطرق أهل السنّة. وقد عرفت: أنّ الدارقطني نقله عن الرسول الاَكرم بهذا القيد (51) وقد ورد من طرقنا عن النبي الاَكرم أنّه قال في خطبة الوداع: «أيّها الناس إنّ اللّه قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز وصية لوارث بأكثر من الثلث» (50)
 وبعد هذه الملاحظات لا يبقى أيّ وثوق للرواية بالصورة الموجودة في كتب السنن.
 أضف إلى ذلك: أنّ الاِسلام دين الفطرة، ورسالته خاتمة الرسالات فكيف يصحّ أن يسد باب الاِيصاء للوارث، مع أنّه ربّما تمسّ الحاجة إلى الايصاء للوارث، بعيداً عن الجور والحيف، من دون أن يثير عداء الباقين وحسد الآخرين كما إذا كان طفلاً، أو مريضاً، أو معوّقاً أو طالب علم، لا يتسنّى له التحصيل إلاّ بعون آخرين.
 كل ذلك يدعو فقهاء المذاهب في الاَمصار، إلى دراسة المسألة من الاَصل عسى أن يتبدّل المختلف إلى الموَتلف والخلاف إلى الوفاق بفضله وكرمه سبحانه.
____________
(1)ابن قدامة: المغني: 6|78.
(2)سيوافيك التصريح به من صاحب المنار أيضاً.
(3)السيد المرتضى: الانتصار: 308.
(4)الطوسي: الخلاف: 2 كتاب الوصية 1.
(5)المغني: 6|79ـ80.
(6)المصدر نفسه.
(7)الفقه على المذاهب الخمسة: 465.
(8)(ولاَبويه لكل واحد منهما السدس ممّا ترك إن كان له ولد ...) النساء: الآية 12.
(9)القرطبي: الجامع لاَحكام القرآن: 2|262ـ 263.
(10)رواه الدارمي في سننه، مرسلاً عن قتادة: السنن: 2|419.
(11)الجصاص: أحكام القرآن: 1|164.
(12)سيوافيك نصّه وسنده.
(13)النساء: الآية 11.
(14)النساء: الآية 12.
(15)القرطبي: الجامع لاَحكام القرآن: 1|263.
(16)المنار: 2|136ـ 137.
(17)الجامع لاَحكام القرآن: 14|126.
(18)المنار: 4|396.
(19)« الجران»: هو من العنق ما بين المذبح إلى المنحر. و «تقصع بجرّتها» : أراد شدة المضغ وضمّ بعض الاَسنان على بعض، وقيل: قصعالجرّة: خروجها من الجوف إلى الشدق. النهاية.
(20) الترمذي: السنن: 4| 433، باب ما جاء لا وصية لوارث، الحديث 2120ـ2121.
(21)الخطيب: تاريخ بغداد: 6|226ـ227.
(22)ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق:4|376.
(23)جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 3|175ـ178.
(24)الترمذي: السنن: 4|433، الحديث 220.
(25)النسائي: الضعفاء والمتروكين: 134 برقم 310.
(26)ابن حجر: تهذيب التهذيب: 4|286، برقم 570.
(27) جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 12|581.
(28)أبو داود: السنن:3 | 114، باب ما جاء في الوصية للوارث، برقم 2870.
(29)النسائي: السنن: 6|207، كتاب الوصايا باب ابطال الوصية للوارث، الحديث بأسناده الثلاثة ينتهي إلى عمرو بن خارجة الذي قال البزارفي حقّه: إنّه لا نعلم له عن النبي إلاّ هذا الحديث.
(30)ابن حجر: تهذيب التهذيب: 8|319، جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 23|509.
(31)سنن ابن ماجة: 2| 905، كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث، الاَحاديث2712ـ 2714.
(32)ابن حجر: تهذيب التهذيب: 6|266 برقم 581.
(33)المصدر نفسه: 4|34 برقم 61.
(34)المصدر نفسه: 7|190 برقم 395.
(35)البيهقي: السنن الكبرى: 6|264.
(36)الدار قطني: السنن: 4|152 «الوصايا» الحديث 10 و11.
(37)ابن حجر: تهذيب التهذيب: 7|234 رقم 476.
(38)الدارقطني: السنن: 4|152 «الوصايا» الحديث 12 و 13.
(39)الدارمي: السنن: 2|419، باب الوصية للوارث.
(40)ابن حجر: تهذيب التهذيب : 3 | 213 برقم 473.
(41)جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 11|196.
(42)ابن حجر: تهذيب التهذيب: 10|40 برقم 68.
(43)جمال الدين المزّي: تهذيب الكمال: 3| 198 برقم 483.
(44)البيهقي: السنن: 6|264ـ265.
(45)ابن حجر: تهذيب التهذيب: 11|32 برقم 74.
(46)الصنعاني: عبد الرزاق بن همام (176 ـ 211) : المصنف: 9|70 برقم 16376.
(47)لاحظ ما نقلناه عن أئمة الرجال في حق رواة الحديث ونقلته.
(48)ابن حجر : الاصابة: 2|527 و المزّي: تهذيب الكمال: 21|599 وابن حبّان: الثقات: 3|271.
(49)وسائل الشيعة: 13، الباب 15 من أبواب أحكام الوصايا الحديث، وفيه ثلاثة عشر حديثاً تصرِّح على جواز الوصية للوارث.
(50)لاحظ الرقم 14 ممّا سلف وفيه: فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث.
(51)الحسن بن علي بن شعبة ( من محدّثي القرن الرابع) تحف العقول: 34.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page