ثم إنّ زين العابدين (عليه السّلام) أومأ إلى النّاس أنْ اسكتوا فسكتوا ، فقام(1) قائماً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النّبي (صلّى الله عليه وآله) ثمّ صلّى عليه ، ثمّ قال : (( أيّها النّاس ، مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا اُعرّفه بنفسي : أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات(2) ، أنا ابن مَن انتُهك حريمه وسُلب نعيمه ، وانتُهب ماله وسُبي عياله ، أنا ابن مَن قُتل صبراً وكفى بذلك فخراً .
أيّها النّاس ، ناشدتكم الله هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه ؟! فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم ، وسوءاً(3) لرأيكم ! بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ يقول لكم : قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من اُمّتي ؟! )) .
قال الراوي(4) : فارتفعت أصوات النّاس من كلّ ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون .فقال (عليه السّلام) : (( رحم الله امرئً قَبِل نصيحتي وحفِظ وصيّتي في الله وفي رسوله وأهل بيته ، فإنّ لنا في رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اُسوةٌ حسنة )) .فقالوا بأجمعهم : نحن كلّنا يابن رسول الله سامعون مطيعون ، حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنّا حربٌ لحربك وسلمٌ لسلمك ، لنأخذنّ يزيد ونبرأ ممّن ظلمك وظلمنا.
فقال (عليه السّلام) : ((هيهات هيهات أيّها الغدرة المَكَرة ! حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم . أتريدون أنْ تأتوا إليّ كما أتيتم إلى أبي من قبل ؟! كلاّ وربّ الراقصات ، فإنّ الجرح لمّا يندمل ؛ قُتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم يُنسني ثكل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وثكل أبي وبني أبي ، ووجدهُ بين لهواتي(5) ، ومرارتُه بين حناجري وحلقي ، وغُصصه تجري في فراش صدري . ومسألتي أنْ لا تكونوا لنا ولا علينا )) .
ثم قال :
لا غـرو إنْ قُتل الحسين وشيخُهُ قد كان خيراً من حسين وأكرما(6)
فـلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي أصـاب حـسيناً كان ذلك أعظما
قـتيلٌ بـشطّ النهر روحي فداؤه جــزاءُ الـذي أرداه نار جهنّما
ثم قال (عليه السّلام) : (( رضينا منكم رأساً برأس ، فلا يوم لنا ولا علينا )) .
قال الراوي(7) : ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر وأذن إذناً عاماً ، وجيء برأس الحسين (عليه السّلام) فوضع بين يديه ، وأدخل نساء الحسين (عليه السّلام) وصبيانه إليه .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ر : فقال .
(2) ر : من غير دخل ولا تراث .
(3) ع : وسوءة .
(4) الراوي ، من ع .
(5) في متن ر : لهاتي ، وفي حاشيتها : لهواتي خ .
(6) كذا في ب . ع . وفي ر :
فلا غرو من قتل الحسين فشيخه أبـوه علي كـان خـيراً وأكرما
(7) الراوي ، من ع .
خطبة زين العابدين (عليه السّلام)
- الزيارات: 905