فجلست زينب ابنة علي (عليها السّلام) متنكّرة ، فسأل عنها ، فقيل : هذه زينب بنت علي (عليها السّلام) .
فأقبل إليها ، وقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب اُحدوثتكم ! ! فقالت : إنّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا . فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجّ وتُخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، هبلتك(1) اُمّك يابن مرجانة .
قال الراوي(2) : فغضب وكأنّه(3) همّ بها ، فقال له عمرو بن حريث(4) : أيها الأمير إنها امرأة ، والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها .
فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك ! ! فقالت : لعمري لقد قتلتَ كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي ، فإنْ كان هذا شفاؤك(5) فقد اشتفيت .
فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوك شاعراً(6) . فقالت : يابن زياد ، ما للمرأة والسجاعة(7) ! !
ثم التفت ابن زياد لعنه الله إلى علي بن الحسين (عليه السّلام) ، فقال : مَن هذا ؟ فقيل : علي بن الحسين . فقال : أليس قد قَتل الله علي بن الحسين ؟! فقال له علي (عليه السّلام) : (( قد كان لي أخ يسمّى علي بن الحسين ، قَتله النّاس )) . فقال : بل الله قتله . فقال علي (عليه السّلام) : (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا(8) )) . فقال ابن زياد : وبكَ جرأة على جوابي ! اذهبوا به فاضربوا عنقه .
فسمعت به عمّته زينب (عليها السّلام) ، فقالت : يابن زياد ، إنّك لم تُبقِ منّا أحداً ، فإن كنت عزمت على قتله ، فاقتلني معه . فقال علي (عليه السّلام) لعمّته : (( اسكتي يا عمّة حتّى اُكلّمه )) .
ثم أقبل (عليه السّلام) إليه ، فقال : (( أبالقتل تهدّدني يابن زياد ؟! أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة )) .
ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين وأهل بيته (عليهم السّلام) ، فحملوا إلى بيت في جنب(9) المسجد الأعظم .
فقالت زينب بنت علي (عليها السّلام) : لا يدخلن علينا عربية إلاّ اُمّ ولد أو مملوكة ؛ فإنّهنّ سُبين كما سُبينا .
ثم أمر ابن زياد برأس الحسين (عليه السّلام) ، فطيف به في سكك الكوفة .
ويحقّ لي أنْ أتمثّل هنا أبياتاً(10) لبعض ذوي العقول ، يرثي بها قتيلاً من آل الرسول صلى الله عليه وآله ، فقال :
رأسُ ابـنِ بنتِ مـحمَّدٍ ووصيِّهِ لـلـناظرينَ عـلـى قناةٍ يُرفعُ
والـمـسلمونَ بـمنظرٍ وبمسمعٍ لا مـنـكـرٌ مـنهمْ ولا متفـجّعُ
كـحلت بمنظرك العيونُ عمايةً وأصـمَّ رزؤك كـلّ اُذنٍ تـسمعُ
أيـقظت أجفاناً وكنتَ لها كرى وأنـمـتَ عيناً لم تكن بك تهجعُ
مـا روضـةٌ إلاّ تـمـنّت أنّها لك حفرةٌ ولخطِّ قبرك مضجعُ(11)
ــــــــــــــــــــ
(1) ب : ثكلتك .
(2) الراوي ، من ع .
(3) ر : فكأنّه .
(4) ر : عمر بن حريث .
وهو : عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله المخزومي . روى عن أبي بكر وابن مسعود ، وروى عنه ابنه جعفر والحسن العرني والمغيرة بن سبيع وغيرهم .
ولي عمرو هذا الكوفة لزياد بن أبيه ولأبنه عبيد الله ، فكانت داره مأوى لأعداء أهل البيت (عليهم السّلام) .
توفّي سنة 85 هـ .
سير اعلام النّبلاء 3 / 417 ـ 419 ، الأعلام 5 / 76 .
(5) ب . ع : شفاك . ر : فإنْ كان هذا شفاؤك فقد أشفيت .
(6) ر : . . . هذه شجاعة ، ولعمري لقد كان أبوك شجاعاً . ع : . . . لقد كان أبوك شاعراً سجّاعاً .
(7) ر : والشجاعة .
(8) سورة الزمر / 42 .
(9) ب : . . . وأهله فحملوا إلى دار إلى جنب .
(10) ب : ههنا بأبيات .
(11) هذا البيت في ب مقدم على البيت الذي قبله .
في قصرابن زياد
- الزيارات: 847