• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أعداء الوحدة الإسلامية

لقد كان للشيخ محمود شلتوت رحمه الله دور مهم في محاربة الفتن الطائفية، والتقريب بين صفوف المسلمين. وله الكثير من الأحاديث الصحافية وغيرها التي تحض على الوحدة والاتحاد ونبذ التطرف والتعصب. كان رحمه الله يقول: " لقد مضى زمان العصبية... كلنا مسلمون.. ومذاهبنا جميعا تنبثق من أصل واحد هو رسالة محمد (ص) كتاب الله وسنة رسوله.. إن بيني وبين كثير من أئمة الشيعة رسائل تهدف وجوب التقريب، ونزع ما بين السنة والشيعة من عصبية انتهزها الأعداء والمستعمرون للتفريق بين الشعوب الإسلامية الواحدة... إن الاستعمار يحاول أن يجد ثقوبا ينفذ منها إلى وحدة المسلمين...
ولقد رجحت مذهب الشيعة خضوعا لقوة الدليل في كثير من مسائل المسلمين، أخص منها ما تضمن قانون الأحوال الشخصية. وإن الباحث المستوعب سيجد في مذهب الشيعة ما يقوي دليله، ويلتئم مع أهداف الشريعة من صلاح الأسرة والمجتمع ".
وقال الشيخ شلتوت رحمه الله عن التقريب بين المذاهب التي اشترك في تأسيس دار لها في القاهرة (131)، بأن من حاربها " ضيقوا الأفق، كما حاربها صنف آخر من ذوي الأغراض الخاصة السيئة. ولا تخلو أمة من هذا الصنف من الناس. حاربها من يجدون من التفرق ضمانا لبقائهم وعشيهم، وحاربها ذوو النفوس المريضة، وأصحاب الأهواء والنزعات الخاصة.. هؤلاء وأولئك ممن يؤجرون أقلامهم لسياسات مغرضة، لها أساليبها المباشرة في مقاومة أي حركة إصلاحية، والوقوف في سبيل كل عمل يضم شمل المسلمين ويجمع كملتهم " (132).
وهؤلاء الذين يحاربون الوحدة الإسلامية ويعمقون حالة التشرذم هم دعاة السلفية الوهابية. يقول إبراهيم سليمان الجبهان السلفي يتكلم عن الميوعة الفكرية: " هي التي شجعت عملاء الماسونية الكافرة بأن يؤسسوا بين ظهرانينا وتحت أسماعنا، وأبصارنا، وفي أعز بقعة تتطلع إليها أنظارنا دارا للنصب والاحتيال، وممارسة الدعارة المذهبية أسموها (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) (133).
إن دعاة السلفية اليوم هم الأعداء الحقيقيون لكل وحدة اجتماعية داخل الوطن الإسلامي، فهم يكفرون علماء أهل السنة ويرمون جماهيرهم بالشرك، ويخوضون حربا ضروسا مع المتصوفة وأصحاب الطرق التعبدية، وهم فئات واسعة من المجتمع الإسلامي. ولكي يتسنى لهم ذلك يقومون بحملة واسعة لتحريف تراث الإسلام والمسلمين. ويشوهون الإسلام في أعين أتباعه ومخالفيه، عندما يصرون على الالتزام بعادات وتقاليد البدو في الملبس والمأكل وطريقة التفكير والحياة.
أما الشيعة فإن فئات عريضة من المجتمع الإسلامي قد تأثرت بالدعوة السلفية التكفيرية المضللة تجاههم، ولا يمكن تغيير الصورة المشوهة للشيعة في أذهان الجماهير المسلمة السنية، إلا بجهد جهيد قد يتطلب سنوات بل ربما عقودا من الزمن.
يقول الشيخ الغزالي في كتابه " دفاع عن العقيدة والشريعة " جاءني رجل من العوام مغضبا يتسائل: كيف أصدر شيخ الأزهر فتواه بأن الشيعة مذهب إسلامي كسائر المذاهب المعروفة ؟ فقلت للرجل: ماذا تعرف عن الشيعة ؟ فسكت قليلا ثم أجاب: ناس على غير ديننا.. فقلت له: لكنني رأيتهم يصلون ويصومون كما نصلي ونصوم.. فعجب الرجل وقال: كيف هذا ؟ قلت له: والأغرب أنهم يقرأون القرآن مثلنا، ويعظمون الرسول ويحجون إلى البيت الحرام ".
وفي موقع آخر قال: سمعت واحدا يقول في مجلس علم: إن للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف. فقلت له: أين هذا القرآن ؟ إن العالم الإسلامي الذي امتدت رقعته في ثلاث قارات ظل من بعثة محمد (ص) إلى يومنا هذا بعد أن سلخ من عمر الزمن أربعة عشر قرنا لا يعرف إلا مصحفا واحدا مضبوط البداية والنهاية، محدود السور والآيات والألفاظ، فأين هذا القرآن الآخر ؟.
ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال الدهر الطويل ؟ لماذا يساق هذا الإفتراء ؟ ولحساب من تفتعل هذه الإشاعات وتلقى بين الأغرار ليسوء ظنهم بإخوانهم وقد يسوء ظنهم بكتابهم. إن المصحف واحد يطبع في القاهرة فيقدسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخة بين أيديهم وفي بيوتهم دون أن يخطر ببالهم شئ بتة إلا توقير الكتاب ومنزله جل شأنه ومبلغه (ص)، فلم الكذب على الناس وعلى الوحي ؟ (134).
ونعود إلى موجة التكفير لنقول إن الجهود لا بد أن تبذل لوقف هذا النزيف في الجسم الإسلامي. على علماء السنة أن يتدخلوا لإيقاف الكتب والكتيبات والأشرطة التي توزعها المؤسسة السلفية من داخل المملكة السعودية أو من خارجها. وأن يتحرروا من الخوف المبالغ فيه من الإرهاب السلفي. وحتى إن منعوا من الحج أو العمرة فإن عذرهم عند الله سيكون مقبولا.
أما أن يسكتوا على هذه الموجة التكفيرية التي طالت الحاضر والماضي، فإنه موقف يدل على الخنوع وانحطاط الهمم، والخوف على الدنيا، في الوقت الذي يخرب فيه الدين وتنهدم عراه ؟ فما حجتهم أمام الله غدا ؟ !.
أما علماء الشيعة فهم جاهدون في نشر الحقائق وكشف الظلمات السلفية. لكن الكتاب الشيعي محارب في كل مكان وممنوع دخوله في أغلب الدول، وقد أحاط السلفيون والغرب الاستعماري دولة التشيع بأسلاك شائكة من الدعايات المغرضة وتزييف الحقائق الدينية والسياسية، مخافة تصدير الثورة كما يزعمون.
إن ظاهرة التكفير من جهة ونشر الفكر البدوي الساذج من جهة أخرى يعتبران إعلانا واقعيا لانتكاسة الصحوة الإسلامية وتقهقر الفكر الإسلامي إلى الوراء. ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين، حيث التحديات الحضارية المتعددة تكاد ترمي بنا بعيدا في مزابل التاريخ الإنساني.
لأننا أمة يتطاحن أبناؤها ويتقاتلون فيما بينهم حول حلق اللحية، ومقدار رفع الثوب عن الكعب، والنفور من دراسة العلوم أو التعرف على الآخر، لأن ذلك لا يقرب إلى الله. أو في أسوء الحالات بدع منهي عنها ولم يعرف عن السلف اشتغالهم بها. فهي إن لم تكن كفرا تفتح الطريق واسعا نحو الكفر ؟ ! !.
يقول المفكر الإسلامي حسين أحمد أمين: " التكفير سلاح من لا حجة له، وهو من قبيل استعداد السلطة الدينية أو السياسية حتى تتصدى إداريا للمبادرات الفكرية الحرة. وقد أدى تكرار ظاهرة التكفير في التاريخ الإسلامي إلى نتائج عدة من بينها شل كل محاولة من أجل التجاوب مع المتغيرات في العالم المحيط بدولة الإسلام، ومن أجل مواجهة التحديات الجديدة وميل المثقفين إلى التماس السلامة بالتزام الصمت أو التزام ما يمليه المتطرفون " ويتساءل: " ألم يكفر هؤلاء القوم شارب القهوة في القرن السادس عشر، وحكموا بهدم المقاهي في أرجاء الدولة العثمانية وبجلد من يرى وهو يحتسيها ؟.
ألم يكفروا اختراع الطباعة فظل استخدامها محرما في أقطار الدولة العثمانية حتى أفتى شيخ الإسلام بإجازتها بعد نحو ثلاثة قرون كانت أوروبا قد أفلحت خلالها - ربما بفضل الاختراع نفسه - في أن تسبق العالم الإسلامي في مضمار الحضارة ؟ فلنسألهم إذن متى كانوا على طريق الهداية والصواب، ومن أعطاهم ذلك الحق وقال إنه وقف عليهم " ؟.
ويرى الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ الإسلامي: " إنه لا يوجد من يملك استعمال كلمة التكفير إلا من أعلن صراحة كفره. أما دون ذلك فإن سبيل المناقشة الفكرية هي الطريق الوحيد للإقناع والتحاور. فمن قال لا إله إلا الله ليس لنا أبدا أن نكفره. فاستعمال التكفير نوع من الارهاب الفكري نرفضه علما، ما دام من يحاورنا يستعمل العلم في حججه فيكون الرد عليه بالعلم أيضا (135).
وأخيرا إن العقل السلفي الحنبلي الحشوي كان فتنة ظهرت في تاريخ الإسلام، وما زالت أعراضها تنمو وتتفجر في جسم الإسلام والمسلمين، محنة للعقل المبدع الخلاق، وانتكاسة لأي ثقافة حضارية أو تطور نحو الأفضل، ودعما للاستبداد والدكتاتورية والظلم والسياسي والاقتصادي...
أما تراث الحشوية فكان ولا يزال دستورا أبديا ينظم الحرب الأهلية ويشرعها. ويمدها بالقوانين والأعراف، كي تستمر، ليتم هدم وتمزيق كيان الاجتماع الإسلامي، وتقطع أوصال انسجامه ووحدته، ومن يشك في ذلك فالواقع أمامه أصدق إنباء من الكتب.
***



____________
(1) من المفارقات العجيبة أن الشيعة الإمامية لا يكفرون السلفية الوهابية، رغم أن هؤلاء يلهجون ليل نهار بتكفيرهم. وقد أفتى علماء الشيعة بصحة الصلاة وراء السلفية الوهابية في الحرم في موسم الحج ؟ ! !.
(2) بدأت دعوة التقريب في مصر عام 1946 م وقد دعمتها جماعة الإخوان في ذلك الوقت بقيادة حسن البنا وتبناها الكثير من رجال الأزهر الذين ارتبطوا بعلاقات حميمة مع كثير من علماء الشيعة طول تلك الفترة وحتى أواخر السبعينات. ومن علماء الأزهر ورجاله البارزين الذين ارتبطوا بتلك الدعوة الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ الشرباصي والشيخ الفحام، والشيخ محمد المدني الذي تولى منصب السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية. أما من الجانب الشيعي فقد ساهم فيها صاحب الدعوة الشيخ محمد تقي القمي من إيران والشيخ محمد جواد مغنية إمام القضاء الشرعي الجعفري في لبنان والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء من علماء العراق. أنظر الشيعة في مصر لصالح الورداني، والوحدة الإسلامية، عبد الكريم الشيرازي، منشورات مؤسسة الأعلمي، ط 2 - 1992 م.
(3) الشيعة في المملكة العربية السعودية، م. س، ج 2 ص 413 - 414.
(4) تبديد الظلام، م س، ص 19.
(5) الشيعة في المملكة العربية السعودية، م س، ج 2، ص 414.
(6) مجلة الوسط، م. س، ص 17. ويقول الشيخ عبد الله الهرري: " الذي يعرف ضلال الوهابية ثم يسكت عن التحذير منهم، هذا ذنبه أشد من الذي يعرف أن هناك كامنا يكمن للناس فيقتلهم، لأن هؤلاء إذا قتلوا تكتب لهم شهادة. أما ذاك الذي يترك الناس يأخذون الكفر من الوهابية ثم يموتون على ذلك يكونون صاروا من أهل الهلاك الأبدي.
والسبب الذي يوصل إلى الكفر أقبح من الأسباب التي توصل إلى الكبائر، كالقتل ظلما. لأن دعوة الوهابية هي دعوة لتكفير المؤمنين لغير سبب شرعي ودعوة إلى التجسيم أي تشبيه الله بخلقه ". أنظر مجلة منار الهدى، عدد 35 / أيلول / 1995 م، والمقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية، للشيخ الهرري.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page