• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رسالة في المتعتين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين .
وبعد ... فإنّ البحث عن المتعتين قديم جدّاً ، وكتابات السلف والخلف عنهما من النواحي المختلفة كثيرة جدّاً أيضاً ، وهذه رسالة وجيزة كتبتها بمناسبة أحاديث رووها في أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي حرّم متعة النساء ، وعمدتها ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ... منها أنّه قال لابن عبّاس ـ وقد بلغه أنّه يقول خيبر ، وهي . أحاديث موضوعة مختلفة ، يعترف بذلك كلّ من ينظر في أسانيدها ومداليلها وينصف ، والله هو الموفّق .
تمهيد :
لا خلاف بين المسلمين في نزول القرآن المبين بالمتعتين ...
أمّا متعة الحجّ ، فقد قال عزّ وجلّ :
( فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) (1) .
وأمّا متعة النساء ، فقد قال عزّ وجلّ : ( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ آجورهنّ فريضة ) (2) .
وكان على ذلك عمل المسلمين ...
حتّى قال عمر بعد شطرٍ من خلافته :
« متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » .
فوقع الخلاف ...
وحار التابعون له ، الجاعلون قوله أصلاً من الأصول ، كيف يوجّهونه وهو صريح : قال الله ... وأقول ... ؟!
متعة الحجّ :
ومتعة الحجّ : أن ينشئ الإنسان بالمتعة إحرامه في أشهر الحجّ من الميقات ، فيأتي مكّة ، ويطوف بالبيت ، ثمّ يسعى ، ثمّ يقصرّ ، ويحلّ من إحرامه ، حتّى ينشئ في نفس تلك السفرة إحراماً آخر للحجّ من مكّة ، والأفضل من المسجد الحرام ، ويخرج إلى عرفات ، ثمّ المشعر ... إلى آخر أعمال الحج ...
فيكون متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ .
وإنّما سمّي بهذا الاسم لما فيه من المتعة ، أي اللذّة بإجابة محظورات الإحرام ، في تلك المدّة المتخلّلة بين الإحرامين ...
وهذا ما حرّمه عمر وتبعه عليه عثمان ومعاوية وغيرهما ...
موقف علي وكبار الصحابة من تحريمها :
وكان في المقابل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الحافظ للشريعة المطهّرة والذابّ عن السنّة المكرّمة .
أخرج أحمد ومسلم عن شقيق قال ـ واللفظ للأوّل ـ : « كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان عليّ يأمر بها ، فقال عثمان لعليّ : إنّك كذا وكذا . ثمّ قال (3) علي : لقد علمت أنّا تمتّعنا مع رسول الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟ فقال : أجل » (4) .
وعن سعيد بن المسيّب ، قال : « اجتمع علي وعثمان بعسفان ، فكان عثمان ينهى عن المتعة والعمرة . فقال له علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم تنهى عنه ؟! فقال عثمان : دعنا عنك ! فقال علي : إنّي لا أستطيع أن أدعك » (5) .
وعن مروان بن الحكم ، قال : « شهدت عثمان وعليّاً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما . فلمّا رأى علي ذلك أهلّ بهما : لبيّك بعمرةٍ وحجّةٍ معاً ، قال : ما كنت لأدع سنّة النبّي لقول أحد » (6) .
وعلى ذلك كان أعلام الصحابة ...
* كابن عبّاس ... فقد أخرج أحمد أنّه قال : « تمتّع النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فقال عروة بن الزبير : نهى أبوبكر وعمر بن المتعة ، فقال ابن عبّاس : ما يقول عريّة (7) !! قال : يقول : نهى أبوبكر وعمر بن المتعة .
فقال : ابن عبّاس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبي ؛ ويقولون : نهى أبوبكر وعمر ! » (8) .
* وسعد بن أبي وقّاص ... فقد أخرج الترمذي : « عن محمد بن عبدالله ابن الحارث بن نوفل أنّه سمع سعد بن أبي وقاص الضحّاك بن قيس ـ وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ـ فقال الضحّاك بن قيس : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى . فقال سعد : بئسما قلت يا ابن أخي . فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى ذلك . فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وصنعناها معه .
هذا حديث صحيح » (9) .
* وأبي موسى الأشعري ... فقد أخرج أحمد : « أنّه كان يفتى بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ! حتى لقيه أبو موسى بعد فسأله عن ذلك ، فقال عمر ، قد علمت أنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد فعله هو وأصحابه ولكن كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثم يروحون بالحج تقطر رؤوسهم » (10) .
* وجابر بن عبدالله ...فقد أخرج مسلم وغيره عن أبي نضرة ، قال : « كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها . قال فذكرت ذلك لجابر ابن عبدالله . فقال : علي يدي دار الحديث . تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فلمّا قال عمر (11) قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، وأبتوا (12) نكاح هذه النساء فلن أوتى برجلٍ نكح امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته بالحجارة » (13) .
* وعبدالله بن عمر ... فقد أخرج الترمذي : « أنّ عبدالله بن عمر سئل عن متعة الحجّ . فقال : هي حلال . فقال له السائل : إنّ أباك قد نهى عنها . فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أمر أبي نتّبع أم أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟‍ فقال الرجل : بل أمر رسول الله . قال : فقد صنعها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (14) .
* وعمران بن حصين (15) ـ وكان شديد الإنكار لذلك حتّى في مرض موته ـ فقد أخرج مسلم : « عن مطرف قال : بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي . فإن عشت فاكتم علي (16) وإن متّ فحدّث بها إن شئت . إنّه قد سلّم عليّ . واعلم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد جمع بين حجّ وعمرة ، ثم لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبيّ الله . فقال رجل برأيه فيها ما شاء » (17) .
قال النووي بشرح أخبار إنكاره : « وهذه الروايات كلّها متّفقة على أنّ مراد عمران أنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ جائز ، وكذلك القران ، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطّاب منع التمتّع » .

دفاع ابن تيميّة ثمّ إقراره بالخطأ :
وذكر شيخ إسلامهم ابن تيميّة في الدفاع عن عمر وجوهاً ، كقوله : « إنّما كان مراد عمر أن يأمر بما هو أفضل » واستشهد له بما رواه عن ابنه من أنّه « كان عبدالله بن عمر يأمر بالمتعة ، فيقولون له : إنّ أباك نهى عنها . فيقول : إنّ أبي لم يرد ما تقولون » وحاصل كلامه ما صرّح به في آخره حيث قال : « فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار ، لا على وجه التحريم ، وهو لم يقل : « أنا أحرّمهما » .
قلت : أمّا أنّ مراده كان الأمر بما هو أفضل ، فتأويل باطل ، وأمّا ما حكاه عن ابن عمر فتحريف لما ثبت عنه في الكتب المعتبرة ، وقال ابن كثير : « كان ابنه عبدالله يخالفه فيقال له : إنّ أباك كان ينهى عنها ! فيقول : خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء ! قد فعل رسول الله ، أفسنّة رسول الله نتّبع أم سنّة عمر بن الخطّاب؟! » (18) .
والعمدة إنكاره قول عمر : « وأنا احرمّهما » . وسنذكر جمعاً ممّن رواه !
هذا ، وكأنّ ابن تيميّة يعلم بأن فائدة فيما تكلّفه في توجيه تحريم عمر والدفاع عنه ، فاضطرّ إلى أن يقول :
« أهل السنّة متّفقون على أنّ كلّ واحدٍ من الناس يؤخذ بقوله ويترك إلاّ رسول الله ، وإنّ عمر أخطأ ، فهم لا ينزّهون عن الإقرار على الخطأ إلاّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (19)
لكنّه ليس « خطأ » من عمر ، بل هو « إحداث » كما جاء في الحديث المتقدّم عن أبي موسى الأشعري ... وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
« أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعنّ رجال منكم ثم ليختلجنّ دوني ، فأقول : يا ربّ أصحابي ! فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! » (20) .
ولقائل أن يقول : إنّ الغرض الأصلي من التحريم هو إحياء سنّة الجاهليّة ، فإنّهم « كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض » (21) .
قال البيهقي : « ما أعمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر الشرك » (22) .
ولذا صحّ عنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي لأحللت . فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله هي لنا أو للأبد ؟ فقال : لا ، بل للأبد » . أخرجه أرباب الصحاح كافّة ، وعقد له البخاري في صحيحة باباً .
متعة النساء :
وهي أن تزوجّ المرأة الحرّة الكاملة نفسها من الرجل المسلم بمهرٍ مسمّىّ إلى أجلٍ مسمّىً ، فيقبل الرجل ذلك ، فهذا نكاح المتعة ، أو الزواج الموقّت ، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر في النكاح الدائم ، من كون العقد جامعاً لجميع شرائط الصحّة ، وعدم وجود المانع من نسبٍ أو سببٍ وغيرهما ، ويجوز فيه الوكالة كما تجوز في الدائم ، ويلحق الولد بالأب كما يلحق به فيه ، وتترتّب عليه سائر الاثار المترتّبة على النكاح الدائم ، من الحرمة والمحرمية والعدّة ...
إلاّ أنّ الافتراق بينهما يكون لا بالطلاق بل بانقضاء المدّة أو هبتها من قبل الزوج ، وأنّ العدّة ـ إن لم تكن في سنّ اليأس الشرعي ـ قرءان إن كانت تحيض ، وإلاّ خمسة وأربعون يوماً ، وأنّه لا توارث بينهما ، ولا نفقة لها عليه وهذه أحكام دلّت عليها الأدلّة الخاصّة ، ولا تقتضي أن يكون متعة النساء شيئاً في مقابل النكاح مثل ملك اليمين .
ثبوتها بالكتاب والسنّة والإجماع :
وقد دلّ على مشروعيّة هذا النكاح وثبوته في الإسلام :
1 ـ الكتاب ، في قوله عزّ وجلّ : ( فما استمتعتم به منهنّ ... ) (23) وقد روي عن جماعة من كبار الصحابة والتابعين ، المرجوع إليهم في قراءة القرآن واحكامه التصريح بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، حتّى أنّهم كانوا يقرأونها : « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلّ ... »، وكانوا قد كتبوها كذلك في مصاحفهم ، فهي ـ حينئذٍ ـ نصّ في المتعة ، ومن هؤلاء :
عبدالله بن عبّاس ، واُبي بن كعب ، وعبدالله بن مسعود ، وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدّي ، وقتادة (24) .
بل ذكروا عن ابن عبّاس قوله : « والله لأنزلها الله كذلك ـ ثلاث مرّات » .
وعنه وعن أبي التصريح بكونها غير منسوخة .
بل نصّ القرطبي على أنّ دلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور ، وهذه عبارته : « وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام » (25) .
2 ـ السنّة : وفي السنّة أحاديث كثيرة دالّة على ذلك ، نكتفي منها بواحدٍ ممّا أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم عن عبدالله بن مسعود قال :
« كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ليس لنا نساء . فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى اجل ، ثمّ قرأ عبدالله : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين ) (26) .
ولا يخفى ما يقصده ابن مسعود من قراءة الآية المذكورة بعد نقل الحديث ، فإنّه كان ممّن أنكر على حرّم المتعة .
3 ـ الإجماع : فإنّه لا خلاف بين المسلمين في أنّ « المتعة » نكاح . نصّ على ذلك القرطبي ، وذكر طائفةً من أحكامها ، حيث قال :
« لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق » ثمّ نقل عن ابن عطيّة كيفيّة هذا النكاح وأحكامه (27) .
وكذا الطبري ، فنقل عن السدّي ، « هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى » (28) .
وعن ابن عبدالبّر في « التمهيد » : « أجمعوا على أنّ التعة نكاح ، لا إشهاد فيه ، وأنّه نكاح إلى أجلٍ يقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما » .
تحريم عمر :
وكانت متعة النساء ـ كمتعة الحجّ ـ حتّى وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وزمن أبي بكر ، وفي شطرٍ من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال :
« متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » وقد وردت قولته هذه في كتب الفقه والحديث والتفسير والكلام أنظر منها : تفسير الرازي 2 | 167 ، شرح معاني الاثار 374 ، سنن البيهقي 7 | 207 ، بداية المجتهد 1 | 346 المحلّى 7 | 107 ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 1 | 279 ، شرح التجريد
للقوشجي الأشعري ، تفسير القرطبي 2 | 370 ، المغني 7 | 527 ، زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 205 ، الدرّ المنثور 2 | 141 ، كنز العمّال 8 | 293 ، وفيات الأعيان 5 | 197 .
ومنهم من نصّ على صحّته كالسرخسي ، ومنهم من نصّ على ثبوته كابن قيّم الجوزية ، وفي المحاضرات للراغب الأصبهاني : « قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة ؟ قال : بعمر بن الخطّاب . فقال : كيف هذا وعمر كان أشدّ الناس فيها ؟ ! قال : لأنّ الخبر الصحيح قد أتى أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله أحلاّ لكم متعتين وإنّي أحرمهما عليكم وأعاقب عليهما ؛ فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه » .
وفي بعض الروايات : أنّ النهي كان عن المتعتين وحيّ على خير العمل (29) .
وعن عطاء ، عن جابر بن عبدالله : « استمتعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأبي بكر وعمر ، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حديث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر ، فدعاها فسألها فقالت : نعم ، قال من أشهد ؟ قال عطاء : لا أدري قال : أمّي أم وليّها . قال فهلاً غيرها ؟!
فذلك حين نهى عنها » (30) .
ومثله أخبار أخرى ، وفي بعضها التهديد بالرجم (31) .
فالذي نهى عن المتعة هو عمر بن الخطّاب ...
وفي خبرٍ : أنّ رجلاً قدم بن الشام ، فمكث مع امرأةٍ إلى ما شاء الله أن يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب ، فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله ، ثمّ لم ينهانا عنه حتّى قبضه الله . ثمّ مع أبي بكر فلم ينهانا حتى قبضه الله ، ثمّ معك ، فلم تحدث لنا فيه نهياً . فقال عمر : أم والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهيٍ لرجمتك » (32) .
ومن هنا ترى أنّه في جميع الأخبار ينسبون النهي إلى عمر ، يقولون : « فلمّا كان عمر نهانا عنهما » و« نهى عنها عمر » و « قال رجل برأيه ما شاء » ونحو ذلك ، ولو كان ثمّة نهي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما كان لنسبة النهي وما ترتّب عليه من الآثار الفاسدة إلى عمر وجه كما هو واضح . وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله : « لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي » (33) وعن ابن عبّاس : « ما كانت المتعة إلاّ رحتً من الله تعالى رحم بها عباده ، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلاّ شقي » (34) .
ومن هنا جعل تحريم المتعة من أوّليّات عمر بن الخطّاب (35) .
بل إنّ عمر نفسه يقول : « كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما » فلا يخبر عن نهي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بل ينسب النهي إلى نفسه ويتوعّد بالعقاب ، بل إنّه لم يكذّب الرجل الشامي لمّا أجابه بما سمعت ، بل لمّا قال له : « ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً » اعترف بعدم النهي مطلقاً حتى تلك الساعة ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمة « تحدثّ » .
موقف عليّ وكبار الصحابة من تحريمها :
ثم إنّه وإن تابع عمر في تحريمه بعض القوم كعبدالله بن الزبير ، لكن ثبت على القول بحلّيّة المتعة ـ تبعاً للقرآن والسنّة ـ أعلام الصحابة ، وعلى رأسهم مولانا أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ... قال ابن حزم :
« وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف ، منهم من الصحابة : أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبدالله وابن مسعود وابن عبّاس ومعاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد ابنا أميّة بن خلف .
ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر » .
قال : « ومن التابعين : طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله ... » (36) .
ولم يذكر ابن حزم عمران بن حصين وبعض الصحابة الآخرين : وذكر ذلك القرطبي وأضاف عن ابن عبدالبّر : « اصحاب ابن عباس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عبّاس » (37) .
ومن أشهر فقهاء مكّة المكرّمة القائلين بحلّيّة المتعة : عبدالملك بن عبدالعزيز ، المعروف بابن جريج المكّي ، المتوفّى سنة 149 هـ ، وهو من كبار الفقهاء وأعلام التابعين وثقات المحدّثين ومن رجال الصحيحين ، فقد ذكروا أنّه تزوّج نحواً من تسعين امرأة بنكاح المتعة .
وذكر ابن خلّكان أنّ المأمون أمر أيّام خلافته أن ينادى بحلّيّة المتعة . قال : فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء ، فوجداه يستاك ويقول ـ وهو متغيّظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما . قال : ومن أنت يا جعل حتى تنهى عمّا عفله رسول الله وأبو بكر ؟! فأراد محمد بن منصور أن يكلّه ، فأومأ إليه أبو العيناء وقال : رجل يقول في عمر بن الخطّاب ما يقول نكلّمه نحن ؟! ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوّفه من الفتنة ، ولم يزل به حتى صرف رأيه » (38) .
الأقوال في الدفاع عن عمر :
وجاء دور المدافعين والموجّهين الّذين يتعبون أنفسهم في هذا السبيل ... كما هو شأنهم في كلّ قضيّة من هذا القبيل ... حيث الحكم ثابت بالكتاب والسنّة ... وبالضروة من الدين ... والخليفة يخالف بكلّ صراحةٍ ... حكم ربّ العالمين ...
لكنّهم اختلفوا إلى طوائف ... بين قائل بأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي حرّمها ، وقائل بأنّ عمر هو الذي حرّمها ... وقائل بأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي نسخ حكم الإباحة لكن لم يعلم به إلاّ عمر!!
أمّا القول الأخير فهو للفخر الرازي ، فقد قال :
« فلم يبق إلاّ أن يقال : كان مراده أنّ المتعة كانت مباحةً في زمن الرسول عليه السلام ، وأنا أنهى عنه لما ثبت عندي أنّه نسخها « (39) .
وقال النووي بعد قولة عمر :
« محمول على أنّ الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ » (40) .
وأمّا القولان الأوّلان فقد ذكرهما ابن قيّم الجوزيّة (41) .
لكن اختلف أصحاب القول الأول في وقت تحريم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أقوال سبعة (42) .
1 ـ أنّه يوم خيبر : وهذا قول طائفةٍ ، منهم الشافعي .
2 ـ أنّه في عمرة القضاء .
3 ـ أنّه عام فتح مكّة . وهذا قول ابن عيينة وطائفة .
4 ـ أنّه في أوطاس .
5 ـ أنّه عام حنين . قال ابن القيّم : وهذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتّصال غزاة حنين بالفتح .
قلت : وسأذكر الحديث فيه .
6 ـ أنّه عام تبوك : وسأذكر الحديث فيه .
7 ـ أنّه عام حجّة الوداع .
قال ابن القيّم : « وهو وهم من بعض الرواة ، سافر فيه وهمه من فتح مكّة إلى حجّة الوداع ... وسفر الوهم من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، ومن واقعة إلى واقعة ، كثيراً ما يعرض للحفاظ فمن دونهم » (43) .
وعمدة ما ذكره أصحاب القول الثاني في وجه تحريم ما أحلّه الله ورسوله وبقي الحكم كذلك حتى ذهاب رسول الله إلى ربه ـ وقد تقرّر أن لا نسخ بعده صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هو : « إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون » (44) .
فهذه هي الأقوال التي يستخلصها المتتبّع المنقّب من خلال كلماتهم المضطربة وأقوالهم المتعارضة ...
نقد القول بأنّ السنخ من النبيّ ولم يعلم به إلاّ عمر :
أمّا القول الثالث ـ وهو أنّ النسخ كان من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه ، ولكن لم يعلم به غير عمر ـ فقد كان الأولى بإمامهم !! الفخر الرازي أن لا يتفوّه به ! إذ كيف يثبت النسخ عند عمر فقط ولا يقبت عند علي عليه السلام وجمهور الصحابة ؟! ولماذا خصّة النبّي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالعلم به دونهم ؟! وهلاّ أخبر هو عن هذا النسخ ـ الثابت عنده ! ـ حين قال له ناصحه ، وهو عمران ابن سوادة : « عابت أمّتك منك أربعاً ... قال : وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت ورخصةً من الله ، نستمتع بقبضةٍ ونفارق عن ثلاث . قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أحلّها في زمان ضرورة ، ثم رجع الناس إلى سعة ... » (45) .
ولماذا لم تقبل الأمّة منه ذلك وبقي الخلاف حتى اليوم ؟ !
نقد القول بأنّ التحريم من عمر ويجب اتّباعه :
قال ابن القيّم : « فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله قال : كنّا نستمتع القبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله وأبي بكر ، حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث . وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ ؟
قيل : الناس في هذا طائفتان :
طائفة تقول : إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم باتّباع ما سنّة الخلفاء الراشدون . ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح ، فإنّه من رواية عبدالملك ابن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه . وقد متكلّم فيه ابن معين . ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدّة الحاجة إليه وكونه أصلاً من أصول الإسلام . ولو صحّ عنده لم يصبر من إخراجه والإحتجاج به . قالوا : ولو صحّ حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود ، حتّى يروي أنّهم فعلوها . ويحتدّ بالآية .
وأيضاً : ولو صحّ لم يقل عمر إنّها كانت على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنها أعاقب عليها ، بل كان يقول إنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حرّمها ونهى عنها . قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد الصدّيق وهوعهد خلافة النبوّة حقّاً .
والطائفة الثانية رأت صحّة حديث سبرة ، ولو لم يصحّ فقد صحّ حديث عليّ رضي الله عنه أن رسول الله حرّم متعة النساء .
فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر ، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر .
وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها . وبالله التوفيق » (46) .
أقول : فالقائلون بهذا القول يلتزمون بأنّ التحريم كان من عمر لا من الله ورسوله ، لكنّهم يؤجّهون تحريم عمر ، بل ينسبونه إلى الله ورسوله باعتبار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون .
هذا عمدة دليلهم ... فإذا لم يثبت « أنّ رسول الله أمر باتّباع ما سنّة الخلفاء الراشدون » لم يبق مناص من الاعتراف بأنّ ما فعله عمر كان « إحداثاً في الدين » كما قال غير واحدٍ من الصحابة !
إنّ قوله : « وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء » اشارة إلى ما يروونه عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي وعضّوا عليها بالنواجذ ! .
لكن هذا الحديث من أحاديث سلسلتنا في ( الأحاديث الموضوعة ) .
إنّه حديث باطل بجميع أسانيده وطرقه ، ولقد أفصح عن بطلانه بعض كبار الأئمّة كالحافظ ابن القطّان ، المتوفّى سنة 628 هـ ، قال ابن حجر بترجمة عبدالرحمن السلمي : « له في الكتب حديث واحد في الموعظة صحّحه الترمذي قلت : وابن حبّان والحاكم في المستدرك .
وزعم ابن القطّان الفاسي : إنّه لا يصحّ ، لجهالته » (47) .
وقد ترجم لابن القطّان وأثنى عليه كبار العلماء (48) .
وبقي القول بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذّي حرّمها ... وقد عرفت أنّ القائلين به اختلفوا على أقوال :
أمّا القول بأنّه كان عام حجّة الوداع فقد ابن القيّم : « هو وهم من بعض الرواة ... ».
وأمّا القول بأنّه كان عام حنين ، فقد قال ابن القيّم : « هذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتّصال غزاة حنين بالفتح » .
وأمّا القول بأنّه كان في غزوة أوطاس فقد قال السهيلي : « من قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح » (49) .
وأمّا القول بأنّه كان في عمرة القضاء فقد قال السهيلي : « أغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ، ثمّ رواية الحسن أنّ ذلك كان في عمرة القضاء » (50) . وقال ابن حجر : « وأمّا عمرة القضاء فلا يصحّ الأثر فيها ، لكونه من مرسل الحسن ، ومراسيله ضعيفة ، لأنّه كان يأخذ عن كلّ أحد ، وعلى تقدير ثبوته فلعلّه أراد أيّام خيبر لأنّهما كانا في سنةٍ واحدة ، كما في الفتح وأوطاس سواء » (51) .
وقال ابن حجر : « الطريق التي أخرجها مسلم مصرّحة بأنّها في زمن الفتح أرجح ، فتعين المصير إليها » .
قال هذا بعد أن ذكر روايات الأقوال الأخرى ، وتكلّم عليها بالتفصيل ... حتى قال : « فلم يبق من المواطن ـ كما قلنا ـ صحيحاً صريحاً سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح . وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدّم » (52) .
بل لقد نسب السهيلي هذا القول إلى المشهور (53) .
1 ـ حديث التحريم عام الفتح :
قلت : وهذا نصّ الحديث عند مسلم بسنده :
« حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إبراهيم بن سعد ، عن عبدالملك بن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : أمرنا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكّة ، ثمّ لن يخرج حتى نهانا عنها » (54) .
2 ـ حديث التحريم في غزوة تبوك :
ورووا حديث التحريم في غزوة تبوك عن :
1 ـ أمير المؤمنين عليه السلام .
2 ـ جابر بن عبدالله .
3 ـ أبي هريرة .
أمّا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام فقد ذكره النووي قائلاً :
« وذكر غير مسلم عن عليّ أنّ النبيّ نهى عنها في غزوة تبوك ، من رواية إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عبدالله بن محمد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ » (55) .
وأمّا الحديث عن جابر فأخرجه الحازمي .
وأمّا الحديث عن أبي هريرة فأخرجه ابن راهويه وابن حبّان من طريقه وقد أوردهما ابن حجر (56) ولا حاجة إلى ذكرهما اكتفاءً بما سنذكره في نقدهما .
3 ـ حديث التحريم في غزوة حنين :
ورووا حديث التحريم في غزوة حنين عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كذلك ... فقد أخرج النسائي قائلاً :
« أخبرنا عمرو بن عليّ ومحمّد بن بشّار ومحمد بن المثّنى ، قالوا : أنبأنا عبدالوهّاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أخبرني مالك بن أنس أنّ ابن شهاب أخبره أنّ عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ أخبراه أنّ أباهما محمد بن عليّ أخبرهما أن عليّ بن أبي طالب قال : نهى رسول الله يوم خيبر عن متعة النساء . قال ابن المثنّى : يوم حنين ، وقال : هكذا حدّثنا عبدالوهّاب من كتابه » (57) .
4 ـ حديث التحريم في يوم خيبر :
ورووا في الصحاح وغيرها حديث التحريم في يوم خيبر عن أمير المؤمنين عليه السلام كذلك ، لكن باختلاف في اللفظ كما سترى ، ونكتفي هنا بما جاء عند البخاري ومسلم :
أخرج البخاري : « حدّثنا مالك بن إسماعيل ، حدّثنا ابن عيينة أنّه سمع الزهري يقول : أخبرني الحسن بن محمّد بن عليّ وأخوه عبدالله عن أبيهما إنّ عليّاً رضي الله عنه قال لابن عبّاس : إنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر » (58) .
وأخرج مسلم : « حدّثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ بن أبي طالب أن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية .
وحدّثناه عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي ، حدّثنا جويرية ، عن مالك بهذا الإسناد وقال : سمع عليّ بن أبي طالب يقول لفلان : إنّك رجل تائه ، نهانا رسول الله . بمثل حديث يحيى عن مالك .
حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعاً ، عن ابن عيينة ، قال زهير : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن حسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ : أنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية .
وحدّثنا محمد بن عبدالله بن نمير ، حدّثنا أبي ، حدثّنا عبيدالله ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ إنّه سمع ابن عبّاس يلين في متعة النساء فقال : مهلاً يا ابن عبّاس ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية .
وحدّثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى ، قالا : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيهما أنّه سمع عليّ بن أبي طالب يقول لابن عبّاس : نهى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية » (59) .
أقول :
وفي جميع أحاديث الباب نقود مشتركة ، توجب القول ببطلانها جميعاً ، حتى لو صحّت كلّها سنداً ...
فنذكر تلك النقود المشتركة بإيجاز ، ثم نتعرّض لنقد حديث فتح مكّة لكونه القول المشهور كما عرفت ، ولنقد حديث خيبر بالتفصيل لكونه المشهور عندهم عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو من أحاديث الصحيحين!!
وإنّما تعرضنا ـ من بين الأحاديث الأخرى ـ لحديثي تبوك وحنين ... لأنّهم رووهما عن أمير المؤمنين عليه السلام كذلك .
نقود مشتركة :
وأوّل ما في هذا الأحاديث تكاذب البعض منها مع البعض الآخر ، الأمر الذي حار القوم واضطربوا وتضاربت كلماتهم في حلّه (60) فاضطرّ بعضهم إلى القول بأنّ المتعة أحلّت ثم حرمت ثمّ أحلّت ثمّ حرمت ... حتّى عنون مسلم في صحيحه : « باب نكاح المتعة وبيان أنّه أبيح ثمّ نسخ ثم أبيح ثم نسخ ، واستقرّ حكمه إلى يوم القيامة » .
لكن الأخبار لم تنته بذلك ، بل جاءت بالتحليل والتحريم حتى سبعة مواطن كما قال القرطبي (61) .
إلاّ أنّ ابن القيّم ينصّ على أنّ النسخ لا يقع في الشريعة مرّتين ، فكيف بالأكثر ؟! وهذه عبارته حيث اختار التحريم في عام الفتح : « ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرّتين ، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة ألبتّه ولا يقع مثله فيها » (62) .
ثم تكذيب قولة عمر : « متعتان كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما ... » لجميعها : فإنّه في هذا القول الثابت عنه ـ معترف بأنّه هو الذي حرّم ما كان حلالاً على عهد رسول الله عليه وآله وسلّم .
ثم قول الأصحاب ، قبل عمر وفي زمانه وبعده ـ بحلّيّة المتعة ، وأنّ عمر هو الذي حرّمها ، وأنّه لولا تحريمه لما زنى إلاّ شقي ...
نقد حديث عام الفتح
أمّا حديث عام الفتح فقد عرفت من كلام ابن القيّم عدم صحّته ، قال : « فإنّه من رواية عبدالملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، عن جدّه وقد تكلّم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه » .
أقول : نكتفي هنا من ترجمة الرجل بما ذكره ابن حجر العسقلاني وأشار في كلامه إلىهذا الحديث ، وهذا نصّ عبارته : « قال أبو خيثمة : سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبدالملك بن الربيع عن أبيه عن عن جدّه فقال : ضعاف . وحكى ابن الجوزي عن ابن معين أنّه قال : عبدالملك ضعيف . وقال أبو الحسن ابن القطّان : لم تثبت عدالته ، وإن كان مسلم أخرج له فغير محتجّ به . إنتهى .
ومسلم إنّما أخرج له حديثاً واحداً في المتعة متابعةً . وقد نبّه على ذلك المؤلّف » (63) .
نقد حديث حنين
وأمّا حديث التحريم يوم حنين الذي رواه النسائي عن أمير المؤمنين عليه السلام فسنتكلّم عليه عندما نتعرّض لما رووه عنه عليه السلام .
قلت : هذا مضافاً إلى أنّهم رووا عن الربيع بن سبزة نفسه أنّ التحريم كان في حجّة الوداع :
أخرج أبو داود : « حدّثنا مسدّد بن مسهّر ، حدّثنا عبدالوارث ، عن إسماعيل ابن اميّة ، عن الزهري ، قال : كنّا عند عمر بن عبدالعزيز ، فتذاكرنا متعة النساء . فقال له رجل يقال له ربيع بن سبرة : اشهد على أبي أنّه حدّث أنّ رسول الله نهى عنها في حجّة الوداع » (64) .
نقد حديث غزوة تبوك
وأمّا حديث عزوة تبوك ... فالذي عن أمير المؤمنين عليه السلام سنذكره كذلك .
وأمّا الذي عن جابر بن عبدالله فقد نصّ ابن حجر العسقلاني على أنّه « لا يصح ، فإنّه من طريق عبّاد بن كثير ، وهو متروك » (65) .
أقول : ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب : « عبّاد بن كثير الثقفي البصري » و« عبّاد بن كثير الرملي الفلسطيني » وكلاهما « متروك » « يروي أحاديث موضوعة » ، « كذّب » . وعن أبي حاتم بترجمة الثاني ـ : « ظننت أنّه أحسن حالاً من عبّاد بن كثير البصري فإذا هو قريب منه ، ضعيف الحديث » (66) .
هذا ، وكأنّ واضعه وضعه ليقابل به الحديث الصحيح الثابت عنه الدالّ على بقائه على الإباحة حتى آخر لحظةٍ من حياته .
كما وضعوا الأحاديث العديدة في رجوع ابن عبّاس ... كما سنشير .
وكما وضعوا عن أمير المؤمنين عليه السلام ... كما ستعلم ! .
والذي عن أبي هريرة قال ابن حجر : « إنّ في حديث أبي هريرة مقالاً ، فإنّه من رواية مؤمّل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمّار ، وفي كلّ منهما مقال » (67) .
أقول : فإن شئت تفصيل ذلك فراجع ترجمتهما (68) .
نقد حديث يوم خيبر
وأهمّ أحاديث المسألة ... ما وضع على لسان أمير المؤمنين عليه السلام ... لأنّ أمير المؤمنين أهمّ المعارضين ... فلتبذل الهمم من الّذين أشربوا في قلوبهم ... حبسةً ... وتزلّفاً إلى الحكّام والولاة المتسلّطين .
لكن الأحاديث الموضوعة على لسانه متكاذبة متهافتة لتكثّر القالّة عليه وتعدّد الأيدي المختلقة ... وهذه آية من آيات علوّ الحقّ ...
لقد وضعوا الحديث على لسان أحفاده عن ابنه محمد بن الحنفيّة ... ولم يضعوه على لسان أولاد الحسنين ... عنهما ... عن أمير المؤمنين ... لأنّهم يعلمون أنّ مثل هذه التهمة لا تلتصق بهم ...
وضعوه ... على لسانه عليه السلام . يخاطب ابن عمّه عبدالله بن العبّاس ... وقد بلغه أنّه يقول بالمتعة ... يخاطبه بلهجةٍ حادّة ...
ولقد كان بالإمكان أن تنطلي الحقيقة على الحقيقة على خواصّ الناس فضلاً عن عوامّهم ... لولا اختلاف الاختلاق !
فلنشرع في شرح القضيّة ببعض التفصيل في فصول :
1 ـ تعارض الحديث عن عليّ في وقت التحريم :
لقد روي هذا الحديث عن الزهري ، عن الحسن بن محمد بن عليّ وأخيه عبدالله بن محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ عليه السلام أنّه قال لابن عبّاس :
إنّك رجل تائه ، إنّ رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية » (69) .
وعن الزهري ، عنهما ، عن أبيهما ، عن عليّ ... « يوم حنين » (70) .
وعن الزهري ، عن عبدالله بن محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ :
« إنّ النبي نهى عنها في غزوة تبوك » (71) .
وعن ... محمّد بن الحنفيّة أنّه قال عليه السلام لابن عبّاس :
« إنّك رجل تائه ، إنّ رسول الله نهى عن متعة النساء في حجّة الوداع » (72) .
وعن الشافعي عن مالك بإسناده عن عليّ :
« إنّ رسول الله نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية » ولم يزد على ذلك ، وسكت عن قصّة المتعة » (73) .
فهذه أخبارهم بالسند الواحد عن أمير المؤمنين عليه السلام حول أمر واحدٍ ... !!
فإن قلت : ليس كلّها بصحيحٍ عندهم .
قلت : أمّا الأول فقد اتّفقوا على صحّته واستندوا إليه في بحوثهم .
وأمّا الثاني فهو عند النسائي وكتابه من صحاحهم .
وأمّا الرابع الذي رواه الطبراني فقد أورده الهيثمي وقال : « رجاله رجال الصحيح » (74) .
نعم ، الثالث ذكره النووي ثم قال نقلاً عن القاضي عياض : « لم يتابعه أحد على هذا وهو غلط » (75) .
وقال ابن حجر : « وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ : نهي عن غزوة تبوك عن نكاح المتعة وهو خطأ أيضاً » (76) .
أمّا الخامس فتتعلق به نقاط :
إنّه لو قد ثبت عنده نهي عن المتعة يوم خيبر لما سكت عن القصّة ، لأنّه تدليس قبيح كما لا يخفى .
لكنّ الشافعيّ نفسه ممّن يرى أنّ التحريم من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي يوم خيبر (77) .
مضافاً إلى أنّ الحديث عن مالك ، وهو يروي في الموطّأ : عن الزهري ، عن عبدالله والحسن ، عن أبيهما محمد بن الحنفية ، عن أبيه علي أنّه قال : « نادى منادي رسول الله ، نادى يوم خيبر : ألا إنّ الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ينهاكم عن المتعة » (78) .
2 ـ تلاعب القوم في لفظ حديث خيبر :
وإذ عرفت أنّ الصحيح عندهم ممّا رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الباب حديث التحريم يوم خيبر وعمدته حديث الزهري عن ابني محمد بن الحنفية عنه عليه السلام ... فلا بأس بأن تعلم القوم رووه بألفاظ مختلفة :
قال ابن تيميّة : « رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري ، عن عبدالله ، والحسن ابني محمد بن الحنفيّة عن أبيهما محمد بن الحنفيّة ، عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال لابن عبّاس لمّا أباح المتعة : إنّك امرؤ تائه ! إنّ رسول الله حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر . رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنّة وأحفظهم لها ، أئمّة الإسلام في زمنهم ، مثل : مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممّن اتّفق على علمهم وعدالتهم وحفظهم ، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أنّ هذا حديث صحيح يتلقّى بالقبول ، ليس في أهل العلم من طعن فيه » (79) .
وفي البخاري ومسلم والترمذي وأحمد عن الزهري : « أخبرني الحسن بن محمد بن عليّ وأخوه عبدالله ، عن أبيهما أنّ عليّاً قال لابن عبّاس : إنّ النبي نهى عن المتعة وعن لحوم الأهليّة زمن خيبر »  
وفي مسلم : « سمع عليّ بن أبي طالب يقول لفلان : إنّك رجل تائه » .
وفيه : « سمع ابن عبّاس يلين في المتعة فقال : مهلاً يا ابن عبّاس » .
وفي النسائي : « عن أبيهما أنّ عليّاً بلغة أنّ رجلاً لا يرى بالمتعة باساً فقال : إنّك تائه ، إنّه نهاني رسول الله عنها وعن لحوم الحمر الأهليّة يوم خيبر » .
أّمّا الشافعي فروى حديث خيبرٍ ، لكن سكت عن قصّة المتعة لما علم فيها من الاختلاف !
وأمّا الطبراني فروى الحديث بلفظ : « تكلّم عليّ وابن عبّاس في متعة النساء فقال له عليّ : إنّك رجل تائه ، إنّ رسول الله نهى عن متعة النساء في حجّة الوداع » فروى الحديث لكن جعل زمن التحريم حجّة الوداع !
3 ـ نظرات في دلالة حديث خيبر :
ثمّ إنّ هذا الحديث في متنه ودلالته صريح في الأمور التالية :
أوّلا : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يرى حرمة نكاح المتعة ، حتى أنّه خاطب ابن عبّاس القائل بالحليّة بقوله : « إنّك رجل تائه » .
وهذا كذب ، فالكلّ يعلم أنّ الإمام عليه السلام كان على رأس المنكرين لتحريم نكاح المتعة ، كما كان على رأس المنكرين لتحريم متعة الحجّ ، ولكن لا غرابة في وضع القوم الحديث على لسانه في باب النكاح المتعة كما وضعوه في باب متعة الحجّ ... وهو أيضاً عن لسان ولدي محمد عن أبيهما عنه ... فقد روى البيهقي : « عن عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ عن أبيهما : أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : يا بني أفرد بالحجّ فإنّه أفضل » (80) .
وثانياً : إنّ تحريم متعة النساء كان يوم خيبر ... وهذا ما غلّطه وكذّبه كبار الحفّاظ ، ثمّ حاروا في توجيهه :
قال ابن حجر بشرحه عن السهيلي : « ويتّصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال ، لأنّ فيه النهى عن نكاح المتعة يوم خيبر ، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر » (81) .
وقال العيني بشرحه : « قال عبدالبرّ : وذكر النهي عن المتعة يوم خيبر غلط » (82) .
وقال القسطلاني بشرحه : « قال البيهقي : لا يعرفه أحد من أهل السير » (83) .
وقال ابن القيّم : « قصّة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتّعون باليهوديّات ، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله ، ولا نقله أحد قطّ في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر ألبتّة لا فعلاً ولا تحريماً » (84) .
وقال ابن كثير : « قد حاول بعض العلماء أن يجيب عن حديث عليّ بأنّه وقع فيه تقديم وتأخير . وإلى هذا التقرير كان ميل شيخنا أبي الحجّاج المزي . ومن هذا ما رجع ابن عبّاس عمّا كان يذهب إليه من إباحتها » (85) .
وثالثاً : إنّ عبّاس كان على خلاف أمير المؤمنين عليه السلام في مثل هذه المسألة .
وهذا ممّا لا نصدّقه ، فإبن عبّاس كان تبعاً لأمير المؤمنين عليه السلام لا سيّما في مثل هذه المسألة التي تعدّ من ضروريّات الدين الحنيف .
ولو تنزّلنا عن ذلك ، فهل يصدّق بقاؤه على رأيه بعد أن بلّغه الإمام عليه السلام حكم الله ورسوله في المسألة ؟!
كلاّ والله ، ولذا اضطرّ الكذّابون إلى وضع حديث يحكي رجوعه ... قال ابن تيميّة : « وروي عن ابن عبّاس أنّه رجع عن ذلك لمّا بلغه حديث النهي » (86) .
لكنّه خبر مكذوب عليه ، قال ابن حجر العسقلاني عن ابن بطّال : « وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة » (87) ولذا قال ابن كثير : « ... ومع هذا ما رجع ابن عبّاس عمّا كان يذهب إليه من إباحتها » .
نعم ، لم يرجع ابن عبّاس حتى آخر لحظةٍ من حياته :
أخرج مسلم عن عروة بن الزبير أنّ عبدالله بن الزبير قام بمكّة فقال : « إنّ أناساً أعمى الله قلوبهم ـ كما أعمى أبصارهم ـ يفتون بالمتعة ، يعرّض برجلٍ . فناداه فقال : إنّك لجلف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتّقين ـ يريد رسول الله ـ . فقال له ابن الزبير : فجرّب بنفسك (88) ، فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك » (89) .
وابن عبّاس هو الرجل المعرّض به ، وقد كان قد كفّ بصره ، فلذا قال :
« اعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم » . وقد وقع التصريح باسمه في حديث أبي نضرة الذي أخرجه مسلم أيضاً وأحمد .
فهذا حال ابن عبّاس وحكمه في زمن ابن الزبير بمكّة ... فابن عبّاسٍ كان مستمرّ القول على جواز المتعة ، وتبعه فقهاء مكّة كما عرفت ، ومن الواضح عدم جواز نسبة القول بما يخالف الله ورسوله والوصيّ إلى ابن عبّاس ، لو كان النبّي قد حرّم المتعة وأبلغة الإمام به حقّاً ؟
4 ـ نظرات في سند ما روي عن عليّ عليه السلام :
هذا ، وقد رأيت أنّ الأحاديث المتعارضة المرويّة عن أمير المؤمنين عليه السلام في تحريم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نكاح المتعة مروية كلّها بسند واحد ... فكلّها عن الزهري عن ابني محمد عن أبيه ...
وبغضّ النظر عمّا ذكروا بترجمة عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفيّة ...
وعمّا جاء في خبر الحسن بن محمّد عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبدالله من « أنّ رسول الله أتانا فأذن لنا في المتعة » (90) من الدلالة على عدم قولهما بالحرمة ، إذ لا يعقل أن يروي الرجل عن هذين الصحابيين حكم التحليل ولا يروي عنهما ـ أو لم يخبراه ـ النسخ بالتحريم لو كان :
بعض النظر عن ذلك ...
وبغّض النظر عن التكاذب والتعارض الموجود فيها بينها ...
فإنّ مدار هذه الأحاديث على « الزهري » .
موجز ترجمة الزهري :
وهذا موجز من ترجمة « الزهري » الذي وضع الأحاديث المختلفة المتعارضة على مولانا أمير المؤمنين عليه السلام .
1 ـ كان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان يجالس عروة بن الزبير فينالان منه .
2 ـ كان يرى الرواية عن عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، قاتل الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام .
3 ـ كان من عمال الحكومة الأمويّة ومشيدّي أركانها ، حتّى أنكر عليه كبار العلماء ذلك .
4 ـ قدح فيه الإمام يحيى بن معين حين قارن بينه وبين الأعمش .
5 ـ كتب إليه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام يوبّخه ويؤنّبه على كونه في قصور الظلمة ... ولكن لم ينفعه ذلك !!
وإن شئت التفصيل فراجع رسالتنا حول صلاة أبي بكر ؛
نتيجة البحث في نكاح المتعة :
ويتخلّص البحث في خصوص نكاح المتعة في خطوط :
1 ـ إنّه مع أحكام الإسلام الضروية بالكتاب والسنّة والإجماع ، وكان على ذلك المسلمون قولاً وفعلاً .
2 ـ وإنّ عمر بن الخطاب حرّمه بعد شطرٍ من خلافته .
3 ـ واختلف القوم ـ بعد الإقرار بالأمرين المذكورين ـ واضطربوا في توجيه تحريم عمر :
فمنهم من قال بأن النسخ كان من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يعلم به غير عمر ، وهذا بن البطلان بمكان .
ومنهم من قال بأنّ التحريم كان من عمر نفسه لكن يجب اتّباعه ، لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين » . ولكن هذا الحديث من أحاديث سلسلتنا !!
ومنهم من قال بأنّ المحرّم هو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نفسه ... ثمّ اختلفوا في وقت هذا التحريم على أقوالٍ ، واستندوا إلى أحاديث ... لكنّها أحاديث موضوعة ...
4 ـ وإذا كانت حليّة المتعة من أحكام الإسلام ، والأحاديث في تحريم النبي موضوعة ، وإنّ عمر هو الذي حرّم ، وأنّ الحديث المستدلّ به لوجوب اتّباعه يشكّل الحلقة السادسة من سلسلتنا ...
فما هو إلاّ « حدث » وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم « إيّاكم ومحدّثات الأمور ... » .
أقول :
هذا ما توصّلت إليه في البحث الوجيز الذي وضعته في حدود الأحاديث والأقوال الواردة فيه ، من غير تعرّض للأبعاد المختلفة والجوانب المتعدّدة التي طرحها الباحثون من فقهاء ومتكلّمين في كتبهم المفصّلة المطوّلة ...
والله أسأل أن يوفّقنا لتحقيق الحقّ واتّباعه ، وأن يجعل أعمالنا خالصةّ لوجهه الكريم ، وأن يحشرنا في زمرة محمد وآله وأشياعه ، إنّه هو البرّ الرحيم
____________
(1) سورة البقرة 2 : 196 .
(2) سورة النساء 4 : 24 .
(3) لقد أبهم الرواة ما قاله خليفتهم عثمان لعليّ عليه السلام ، كما أبهموا جواب الإمام عليه السلام على كلمات عثمان ... وفي بعض المصادر : « فقال عثمان لعلّي كلمة » .
(4) مسند أحمد 1 | 97 .
(5) مسند أحمد 1 | 136 . ورواه البخاري ومسلم في باب التمتّع .
(6) مسند أحمد 1 | 95 . ورواه البخاري أيضاً وجماعة .
(7) تصغير « عروة » تحقيراً له .
(8) مسند أحمد 1 | 337 .
(9) صحيح الترمذي 4 | 38 .
(10) مسند أحمد 1 | 50 .
(11) أي بأمر الخلافة .
(12) أي : اقطعوا ، اتركوا .
(13) صحيح مسلم ، باب جواز التمتع .
(14) صحيح الترمذي 4 | 38 .
(15) ذكر كلّ من ابن عبدالبرّ في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة أنّه كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم ، بل نصّ ابن القيّم في زاد المعاد على كونه أعظم من عثمان ، وذكروا أنّه كان يرى الملائكة وتسلّم عليه وهو ما أشار إليه في الحديث يقوله : « قد سلّم عليّ » توفّي سنة 52 بالبصرة .
(16) لاحظ إلى أين بلغت التقيّة !!
(17) صحيح مسلم باب جواز التمتّع . وفي الباب من صحيح البخاري وسنن ابن ماجة ، وهو عند
أحمد في المسند 4 | 434 .
(18) تاريخ ابن كثير 5 | 141 .
(19) منهاج السنّة 2 | 154 .
(20) أخرجه البخاري وغيره في باب الحوض .
(21) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما في أبواب التمتّع والعمرة .
(22) سنن البيهقي 4 | 345 .
(23) سورة النساء : 24 .
(24) راجع التفاسير : الطبري والقرطبي وابن كثير والكشّاف والدرّ المنثور . كلّها بتفسير الآية . وراجع أيضاً : أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 2 | 147 ، سنن البيهقي 7 | 205 ، شرح مسلم ـ النووي ـ 6 | 127 ، المغني لابن قدامة 7 | 571 .
(25) تفسير القرطبي 5 | 130 .
(26) صحيح البخاري | في كتاب النكاح وفي تفسير سورة المائدة ، صحيح مسلم كتاب النكاح ، مسند أحمد 1 | 420 .
(27) تفسير القرطبي 5 | 132 .
(28) تفسير الطبري بتفسير الآية .
(29) كذا في شرح التجريد للقوشجي ، بحث خلافة عمر .
(30) صحيح مسلم باب نكاح المتعة 6 | 127 بشرح النووي هامش القسطلاني ، مسند أحمد 3 | 304 ، سنن البيهقي 7 | 237 ، والقصّة هذه في المصنّف لعبد الرزّاق 7 | 469 .
(31) بل عنه أنّه قال : « لا أؤتى برجلٍ تزوّج امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته ولو أدركته ميّتاً لرجمت قبره! » المبسوط ـ للسرخسي ـ 5 | 153 .
(32) كنز العمّال 8 | 294 .
(33) المصنّف ـ لعبد الرزّاق بن همام ـ 7 | 500 ، تفسير الطبري 5 | 17 ، الدرّ المنثور 2 | 40 ، تفسير الرازي 3 | 200 .
(34) تفسير القرطبي 5 | 130 . ومنهم من رواه بلفظ « شفا » أي قليل . أنظر : النهاية وتاج العروس وغيرهما من كتب اللغة .
(35) تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ .
(36) المحلّى 9 | 519 .
(37) تفسير القرطبي 5 | 133 .
(38) وفيات الأعيان 5 | 197 بترجمة يحيى بن أكثم .
(39) تفسير الرازي ، بتفسير الآية .
(40) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم 6 | 128 .
(41) زاد المعاد 2 | 184 وسنذكر عبارته .
(42) ذكر منها ابن القيّم أربعة هي : خيبر ، الفتح ، حنين ، حجّة الوداع ، والثلاثة الاخرى من فتح الباري 9 | 138 .
(43) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 183 .
(44) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 184 .
(45) تاريخ الطبري ـ حوادث سنة 23هـ .
(46) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 184 .
(47) تهذيب التهذيب 6 | 238 .
(48) أنظر : تذكرة الحفّاظ 4 | 1407 وطبقات الحفّاظ : 494 .
(49) فتح الباري 9 | 138 .
(50) فتح الباري 9 | 138 .
(51) فتح الباري 9 | 139 .
(52) زاد المعاد 6 | 127 .
(53) فتح الباري 9 | 139 .
(54) فتح الباري 9 | 138 .
(55) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني ـ 6 | 127 .
(56) المنهاج ، شرح صحيح مسلم هامش القسطلاني 6 | 119 .
(57) فتح الباري 9 | 138 .
(58) سنن النسائي 6 | 126 .
(59) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ 9 | 136 .
(60) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني 6 | 129 ـ 130 .
(61) راجع إن شئت الوقوف على طرفٍ منها : المنهاج للنووي 6 | 119 فما بعدها ، وفتح الباري ـ لابن حجر ـ 9 | 138 .
(62) تفسير القرطبي 5 | 130 .
(63) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 184 .
(64) تهذيب التهذيب 6 | 349 .
(65) سنن أبي داود 1 | 324 .
(66) فتح الباري 9 | 139 .
(67) تهذيب التهذيب 5 | 87 ـ 89 .
(68) فتح الباري 9 | 139 .
(69) تهذيب التهذيب 10 | 339 ، و7 | 232 .
(70) صحيح مسلم بشرح النووي ـ هامش القسطلاني ـ 6 | 129 .
(71) سنن النسائي 6 | 126 .
(72) المنهاج في شرح مسلم ـ هامش القسطلاني ـ 6 | 130 .
(73) مجمع الزوائد 4 | 265 .
(74) عمدة القاري ـ شرح البخاري .
(75) مجمع الزوائد 4 | 265 .
(76) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ـ 6 | 131 .
(77) فتح الباري | 137 .
(78) زاد المعاد في هدي خير العباد .
(79) الموطّأ 2 | 74 بشرح السيوطي .
(80) منهاج السنّة 2 | 156 .
(81) سنن البيهقي 5 | 5 .
(82) فتح الباري ـ شرح البخاري 9 | 138 .
(83) عمدة القاري ـ شرح البخاري 17 | 246 .
(84) إرشاد الساري ـ شرح البخاري6 | 536 و 41 ...
(85) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 | 184 .
(86) تاريخ ابن كثير 4 | 193 .
(87) منهاج السنّة 2 | 156 .
(88) فتح الباري 9 | 139 .
(89) رواه بعضهم بلفظ : « فجرت نفسك » .
(90) صحيح مسلم . كتاب النكاح باب المتعة . بشرح النووي 6 | 133 .
(91) أخرجه البخاري ومسلم في باب المتعة . وأحمد في المسند 4 | 51 .

رسالة في المتعتين


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page