من جملة العقبات الأخرى التي يواجهها المستبصر في مراجعته للتاريخ هي الإطار الفكري الذي املاه عليه المجتمع السنّي حول التاريخ.
ويصف إدريس الحسيني هذا الاطار الذي يلقّنه علماء أهل السنّة لاتباعهم:
" لقد تلقّينا دروساً ـ ديماغوجيّة ـ خاصّة، لفهم التّاريخ الإسلامي وأن (نترضى) بعد ذكر كلّ اسم ينتمي إلى جوقة القديم.
وإذا رأينا الدم والفسق والكفر، ليس لنا الحق سوى أن نغمض الأعين، ونكف الألسن خوفا من الغيبة التاريخيّة، ثم نقول: ( تِلك أمّة قَد خَلتْ لَها ما كَسبَتْ ولَكُم ما كَسبْتُم ولاَ تُسألونَ عمّا كانُوا يَعْمَلُون )(2).
عملية لجم مُبرمجة، وقيود توضع على عقل الإنسان، قبل أن يدخل إلى محراب التأريخ المقدّس.
لقد علّمونا أن نرفض عقولنا، لنكون كائنات (روبوت) توجّهنا كمبيوترات مجهولة "(3).
ويضيف هذا المستبصر في هذا المجال:
" من الدّروس ـ الديماغوجيّة ـ التي حقنوا بها وعينا، هو أن ما كان في التاريخ الإسلامي هو الصواب المطلق.
ولم يكن في الامكان أبدع مما كان.. وان الايمان كل الايمان، هو التصديق بما وقع، والخلافة الرشيدة حبكة جملية جداً، بل وأنّها تكاد تطفح ابداعاً، وما زلتُ أضحك على نفسي لتقبلها بسذاجة الأمويين.
لقد تلقّيت منهم واقع الخلافة الراشدة دون مناقشة، وإذا راودتني نفسي بتساؤلات، قمعتها، لتستقيم عل التزام التجاهل.
واذكر أنّ الشك بهذه الحبكة طرأ عليّ وأنا ابن خمسة عشر عاماً غير انني طويت الصفحة عن ذلك الشك وتعمدت نسيانه! "(4).
ويقول هذا المستبصر حول المعاناة التي عاناها في هذا المجال:
" إنّني ورثت مجموعة تقديسات متناقضة، تجرّعتُها على حين غفلة من نضجي ووعيي التاريخي... ولكن التاريخ علّمني ألاّ أكون مناقضاً للحقيقة، وإلاّ كيف يتّسع القلب لحب الشيء ونقيضه؟ "(1).
ويذكر هذا المستبصر حول المعاناة التي عاناها في بداية قراءته لبعض فقرات التاريخ الإسلامي:
" كنت أقرأ صفحة ثم أتوقّف متعوّذاً بالله، وكأنّني أنا المسؤول عن كل ماوقع، أقرأ التاريخ خلسة وخفية، وكأنني أمارس الفحشاء والمنكر، وما زلت اتذكر الأصحاب وقد بدأوا يوجهون لي النقد، لأنني بدأت أخرج عن الايمان، وأهتمّ بالفتن، إنّني كنت أدرك أنّهم لا يقولون إلاّ ما لُقّنوه "(2).
ويقول مصطفى خميس حول تقييمه لهذه الفكرة التي يتبناها البعض حول النظرة القدسيّة إلى التاريخ:
" لم يكن الذين كتبوا التاريخ عدولاً بأجمعهم، كلا، ولا مسدّدين بأمر الله عزّوجل، لكنهم كانوا أناساً عاديين، تأثروا بعواطفهم وبميولهم وسياسات حكامهم، وقد جمعوا روايات التاريخ وأحداثه من أفواه الرواة، وكتابات القصّاصين أحيانا من غير تحقيق ولا تدقيق، وهذا ما حدث عند الكثيرين منهم، بل أكثرهم.
فهذه النظرة القدسيّة إلى التاريخ بكل ما جاء فيه - بعجره وبجره - قادت الكثيرين منهم إلى التجنّي على الحقيقة، كما قادتهم إلى نصرة الباطل على الحق، وذلك باظهار كثير من الأكاذيب والدسائس والافتراءات على أنّها أحداث تاريخيّة، وألبسوها ثوب الحقيقة المزيّف "(3).
____________
1- مجلّة المنبر/ العدد: 10.
2- البقرة: 141.
3- إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: 41.
4- المصدر السابق: 43.
5- المصدر السابق: 96.
6- المصدر السابق: 94.
7- مصطفى خميس/ شبهات وحقائق: 154ـ155.
عقبة الإطار الفكري في فهم التاريخ
- الزيارات: 883