يعتبر التأثر بشخصيّة الزهراء (عليها السلام) من جملة أهم الأسباب التي دفعت بعض أهل السنّة إلى اعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
ويُمكننا عدّ عبد المنعم حسن من جملة الّذين اعتنقوا مذهب أهل البيت (عليهم السلام)عن طريق تأثّره بفاطمة الزهراء (عليها السلام).
ويقول هذا المستبصر في كتابه (بنور فاطمة اهتديت) حول بداية استبصاره أنّه استمع عبر إحدى الأشرطة الصوتيّة إلى محاضرة أحد الخطباء الحسينيّين، والتي بدأ الخطيب فيها بقراءة خطبة الزهراء (عليها السلام) التي ألقتها في المسجد النبويّ بعد أن غُصب حقُّها.
فشعر عبد النمعم حسن أنّ هذه الخطبة اخترقت بتعابيرها الرائعة وجوده ثمّ وجدت لنفسها مأوى في سويداء قلبه وكيانه بأسره.
ويذكر هذا المستبصر أن المقطع الذي تأثر به من خطبة الزهراء (عليها السلام) أمام المهاجرين والأنصار هو قولها (عليها السلام):
"(وأنتم الآن تزعمون أنّ لاإرث لنا، أفحكم الجاهليّة تبغون؟!! ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟! أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلّى لكم كالشّمس الضاحية أنّي ابنتُه.
أيّها المسلمون!! أأُغلب على إرثي؟ ياابن أبي قُحافة! أفي كتاب الله أن تَرث أباك ولاأرثَ أبي؟ لقد جئتَ شيئاً فريّاً، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟!
إذ يقول: ( و وَرِثَ سُليمانُ داوُدَ) وقال فيما اقتصّ من خبر زكريّا ـ إذ قال:
(فَهَب لي من لَدُنكَ وَليّاً يَرثُني و يَرثُ من آلِ يَعقوُب) وقال: ( وأوُلوا الأرحَامِ بَعضُهُم أَولى ببَعض في كتَابِ الله) وقال: ( إنْ تَرَكَ خيراً الوصيَّةَ للوَالِدينِ والأقْرَبين بالمَعروُفِ حقّاً على المُتّقينَ).
وزعمتُم أنّ لاحَظوة لي ولا إرث من أبي أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون إنّا أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك. نعم الحَكَم الله والزّعيم محمّد والموعد القيامة وعند السّاعة يخسر المُبطِلون ولاينفعكم إذ تندمون)"(1).
يقول عبد المنعم حسن حول تأثّره بهذا المقطع من الخطبة:
" نفذت هذه الكلمات كالّسهم إلى أعماقي، ثمّ فتحت جرحاً لا أظنّه يندمل بسهولة ويسر، غالبت دموعي وحاولت منعها من الإنحدار ما استطعت!
ولكنّها انهمرت وكأنّها تُصرّ أنْ تغسل عارَ التاريخ في قلبي، فكان التصميم للرحيل عبر محطات التاريخ للتعرّف على مأساة الأمّة وتلك كانت هي البداية لتحديد هويّة السير والانتقال عبر فضاء المعتقدات والتاريخ والميل مع الدليل.
كان ذلك في الدّار التي يقيم فيها ابن عمّي الشيعي! جئت لتحيّته والتحدّث معه عن أمور عامّة.. لحظة ثمّ لفت انتباهي صوتُ خطيب ينبعث من جهاز التسجيل قائلاً:
(وهذه الخطبة وردت في مصادر السنّة والشيعة وقد ألقتها فاطمةُ الزهراء (عليها السلام) لتثبيت حقّها في فدك)، ثم بدأ الخطيب في إلقاء الخطبة "(2).
ويضيف هذا المستبصر:
" إلى حين استماعي لهذا الشريط لم أكن على استعداد للخوض في قضايا خلافيّة مذهبيّة. قد عرفنا أنّ الأخ ـ ابن عمّي ـ شيعي وسألنا الله أنْ يهديه، وكنّا نتحاشى الدخول معه في نقاش بقدر استطاعتنا... ولكن أبى الله سبحانه وتعالى إلاّ أن يقيم علينا حجّته "(3).
ويذكر عبد المنعم حسن حول الآثار التي تركتها هذه الخطبة بعد أن استمع إليها من الشريط:
" تدفّق شعاعُ كلماتها إلى أعماق وجداني، و اتّضح لي أنّ مثل هذه الكلمات لاتخرج من شخص عادي، حتى ولو كان عالماً مفوهاً درس آلاف السنين، بل هي في حدّ ذاتها معجزة، كلمات بليغة... عبارات رصينة، حجج دامغة وتعبير قوي...
تركتُ نفسي لها، واستمعت إليها بكلّ كياني، وعندما بلغت خطبتها الكلمات التي بدأت بها هذا الفصل لم أتمالك نفسي وزاد انهمار دموعي.
وتعجبت من هذه الكلمات القويّة الموجهة إلى خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)،ومما زاد في حيرتي أنّها من ابنة رسول الله، فماذا حدث؟ ولماذا.. وكيف؟!! ومع من كان الحق، وقبل كل هذا هل هذا الاختلاف حدث حقيقة؟
وفي الواقع لم أكن أعلم صدق هذه الخطبة ولكن اهتزّت مشاعري حينها وقرّرت الخوض في غمار البحث بجدّية مع أول دمعة نزلت من آماقي.. ومن هذا المنحى لا أريد أن أسمع من أحد، فقط أريد خيط البداية أو بداية الخيط لانطلق، ولم تكن الخطبة مقصورة على ما ذكرته من فقرات، بل هي طويلة جدّاً، وفيها الكثير من الأمور التي تشحذ الهمّة لمعرفة تفاصيل ما جرى و ظروفه الموضوعيّة المحيطة به "(1).
____________
1- عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: 59.
2- المصدر السابق: 60.
3- المصدر السابق.
التأثّر بفاطمة الزهراء (عليها السلام)
- الزيارات: 958