طباعة

- 20 - الدكتور سليمان دنيا: أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهرومدير المركز الإسلامي في الولايات المتحدة واشنطن

•  تعرفت إليه في القاهرة عام 1957 م
•  من أساتذة الفن المتضلعين.
•  من دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
•  كتب مقدمة إضافية لكتاب " الشيعة وفنون الإسلام " ذهب فيه إلى أنه لا يرى مأساة في الاختلاف على الفروع مع اتفاق الأصول، كما يرى أن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يعكر صفو المسلمين أو يفسد شيئا من أمرهم.
تعرفت إلى هذا الأستاذ بمعرفة الشيخ حسن زيدان، وقصدته في كلية أصول الدين بحي الأزهر الشريف وكان عميدها آنذاك، وزرته في داره العامرة أكثر من مرة مع الأخ الشيخ حسن المذكور وأهديت لفضيلته مجموعة من الكتب التي قمت بطبعها في القاهرة مع كتاب مصادر نهج البلاغة وأسانيده الذي حملته معي من العراق وقد ألفه صديقنا العلامة المحقق اليد عبد الزهراء الخطيب ويقع في أجزاء (1).
وكنت قد أطلعته على كتاب (الشيعة وفنون الإسلام) لصاحب السماحة آية الله السيد حسن الصدر وقد صحبت هذا الكتاب معي من النجف الأشرف - العراق وتسلمته من مكتبة العلامة الجليل الشيخ محمد الرشتي (2) لغرض طبعه ونشره في القاهرة.
فأخذ الكتاب منى الدكتور دنيا وصار ينظر فيه. وأخبرته أن نجل هذا المؤلف هو: السيد محمد الصدر رئيس مجلس الأعيان العراقي ورئيسا للوزراء في العهد الملكي.
وسألني فضيلته عن صاحب السماحة السيد محمد باقر الصدر مؤلف كتاب:
" فلسفتنا " (3) قائلا:
هل إنه يخص مؤلف هذا الكتاب (4).
فقلت نعم: إنه من عائلة الصدر ومن بنى عمومته،
فقال فضيلته:
إنني استفدت كثيرا من كتاب " فلسفتنا " وطالعته أكثر من مرة. فلو أنك تقيم معنا بمصر وتطبع هذا الكتاب فإني مستعد للقيام بتدريسه هنا على طلابي في الجامعة فأجبته:
لا يمكنني البقاء هنا على الدوام وبصورة مستمرة.
وبعد أن أتم فضيلته حديثه تركت الكتاب عنده ليطلع عليه ويكتب التقديم له واستأذنته وانصرفت.
وهذا نص التقديم الذي تفضل به سيادته:
الشيعة وفنون الإسلام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خير الخلق وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين.
أما بعد فمنذ بضعة أعوام خلت كتبت رسالة صغيرة بعنوان:
(بين الشيعة وأهل السنة) ضمنتها أملا كبيرا، ورغبة ملحة، في أن يتلاقى الشيعة وأهل السنة، عند مبادئ الأخوة والمحبة، والمودة والمصافاة، ونبذ ما غرسه أعداء الفريقين في النفوس من عوامل الفرقة والشقاق.
ودعوت إلى أن ينظر كل فريق إلى جهة نظر الفريق الآخر، نظرة العالم يبحث عن الحق، ويدرك أن الحق أحق أن يتبع.
وقلت: أنه إذا كان الأثر الذي كنا توارثناه عن سلفنا الصالح قد أكد ضرورة الحصر على الحق أين وجد. وأعلن:
إن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها ولو من فم كافر.
وأوضح: أن العاقل لا يعرف الحق بالرجال، وإنما يعرف الحق بالدلائل والبراهين، فإذا عرفه عرف به أهله، فقد أصبح لزاما علينا - نحن الجيل - أن نحرص على الحق، وأن نأخذ أنفسنا به، وأن نجند أنفسنا للدعوة إليه، وأن نجتمع حوله، غير ناظرين إلى ما دعانا إليه وعرفنا به، اللهم إلا نظرة إكبار وإعظام وإجلال.
ومن المسلمين به لدى العقلاء أن الأمور التي لم يبلغ العلم بها مبلغ اليقين، تكون ملتقى لوجهات نظر مختلفة.
ومن المسلم به لديهم أيضا ضرورة احترام كل واحد من الباحثين لوجهة نظر الآخرين في المسائل المتحملة لضروب من العراك الفكري، حتى أنهم ليختلفوا ويكونون في ذات الوقت أصدقاء وأحباء وأصفياء. ورحم الله من يقول:
" اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ".
ولقد رفع الإسلام راية السماحة عالية، فقال في كتابه الكريم:
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن).
وإذا كان الإنسان يحب لنفسه أن يستمتع بالحرية، فيقول، ويعلن ما يهديه إليه بحثه وتفكيره، فلا يليق به أن ينكر على إنسان مثله حقه في أن يقول ويعلن ما يهديه إليه بحثه وتفكيره كذلك.
وحسب المسلمين فخارا أنهم اجتمعوا على أصول دينهم لم يختلفوا فيها:
فالألوهية في أسمى مكان من التقديس في نفوس المسلمين.
وعقيدة البعث، والإقرار بالنبوة، وحاجة البشر إليها، وختامها بسيد ولد آدم " محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) ".
وصدق القرآن الكريم، وما صح منه حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
كل أولئك يحتل من نفوس جميع المسلمين مكانة لا تطاولها قداسة أي دين آخر في نفوس أتباعه.
قلت ذلك وأكثر من ذلك في رسالتي " بين الشيعة وأهل السنة " رغم أني لم أقل في هذه الرسالة كل ما أحب أن أقوله، نظرا لظروف الطبع وقت ذاك.
والآن يسعدني أن تتاح لي فرصة التقديم لكتاب " الشيعة وفنون الإسلام " الذي نحا فيه مؤلفه السيد الشريف " الحسن أبو محمد " منحى ربما يبدو غريبا لدى أهل السنة. وكنت أريد أن أدرس الكتاب دراسة موضوعية، وتبين بالدلائل والشواهد مبلغ صدق القضية التي يعالجها الكتاب، ولكني رأيت الأمر فوق طاقتي لأن المؤلف (رضي الله عنه) واسع الباع غزير الاطلاع. يعرض لسائر العلوم الإسلامية والعربية، ويحكم عليها حكم المحيط بها، الواقف في أسرارها، العارف بعوامل نشأتها، ومراحل نموها. ومتابعة هذه العوامل، وتلكم المراحل تتطلب حشد المتخصصين في هذه العلوم، ليتبع كل متخصصه، ويوافق المؤلف عن بينة. أو يخالفه عن بينة.
وإذا فاتني أن أخوض في هذا المجال، وأن أعرض لموضوع الكتاب عرضا تحليليا اتكالا على همة المتخصصين الذين أطمع في أن يتناولوا الكتاب بكل ما هو جدير به من عناية واهتمام، فما أحب أن يفوتني أن أقول كلمة ما أراها إلا متابعة لما جاء في رسالتي " بين الشيعة وأهل السنة " تلكم هي أن المؤلف (رضي الله عنه) يدعي سبق الشيعة في تأسيس العلوم الدينية والعربية ويقدم بين يدي دعواه أدلة تبررها، ويدور كتابه حول بسط هذه الدعوى، وإيضاح أدلتها.
والناس أمام هذه الدعوى فريقان.
فريق المتعلمين: وهؤلاء لا يهتمون بواضع العلوم ومؤسسيها، وإنما الشيعة وحدهم، أو هم أهل السنة وحدهم، أو هؤلاء وهؤلاء.
وفريق العلماء: وهؤلاء كما يهتمون بالعلوم ذاتها، يهتمون بنشأتها ومنشئيها والأطوار التي تواردت عليها إذ أن العلوم لها نشأة كنشأة عظماء الرجال، لهذا كان لها تاريخ عظماء الرجال كذلك.
ولهؤلاء أقول:
إن كتاب " الشيعة وفنون الإسلام " جهد مشكور قام به صاحبه (رضي الله عنه) مساهمة منه في المهمة المنوطة بأعناق علماء الإسلام تلكم هي التاريخ لعلوم الإسلام، وما تستتبعه من علوم أخرى، فلا ينبغي أن يقابل هذا الجهد الجبار بنظرة سطحية تعتمد على عدم المبالاة وعدم الاكتراث. لا ينبغي أن يقال مثلا: " هذه عصبية " أو " هذا تحد " أو نحو ذلك من أساليب القول التي يحتمي بها من لا يريد أن يجشم نفسه مشقة البحث والنظر.
نعم لا ينبغي أن يقال هذا ولا شئ منه، لأنه لا داعي للعصبية، ولا داعي للتحدث لأن الشيعة كأهل السنة مسلمون.
واختلافهم مع أهل السنة إنما هو في مسائل لا ترتقي إلى مستوى الأصول.
وإذن فهم أخوة مسلمون، وسبقهم في بعض العلوم إنما هو كسبق الأخ لأخيه، إن أثار تنافسا وحماسا، فإنه لا يثير خصومة، ولا عداء.
وإذن فلا مناص من إحدى اثنين:
أما أن نطأطئ الرأس إجلالا واحتراما، لما بذل المؤلف من جهد، ولما انتهى إليه من نتائج
وإما أن نقابل الجهد بجهد مثله. ونتقدم بما نظفر به من نتائج مؤيدة بأدلة سليمة مقبولة.
وأني أتوجه إلى الله جلت قدرته راجيا أن يطهر النفوس مما علق بها من شوائب، وأن يملأها بمعاني الحقب، والتعاطف، والتآخي، وأن يعيد للمسلمين وحدتهم، وأن يفقههم في دينهم، ويبصرهم بعاقبة أمرهم، ويوفقهم للاهتداء بهدى الإسلام في سلوكهم ومعاملاتهم، ولتبليغ دعوة دينهم إلى خلق الله كافة مبرهنين
على جمالها وكمالها بالتزامهم لها ووقوفهم عند حدودها.
وفي هذا المقام يحلو لي أن أشير إلى مفخرة من مفاخر المسلمين، بحق أن نعتز بها ونفاخر، تلكم هي: كتب السيد " محمد باقر الصدر " التي ما أظن أن الزمن قد جاء بمثلها في مثل الظروف التي وجدت فيها.
لقد أنتجت عبقريته الفذة الكتب الآتية.
" فلسفتنا " و " اقتصادنا ".
تلكم الكتب التي تعرض عقيدة الإسلام، ونظم معاملاته، عرضا تبدو إلى جانبها الآراء التي تشمخ بها أنوف الكفرة والملاحدة من الغربيين وأذنابهم ممن ينتسبون إلى الإسلام وهو منهم براء، وكأنها فقاقيع قد طفت على سطح الماء ثم لم تلبث أن اختفت وكأنها لم توجد.
ألا فليقرأ هذه الكتب أولئكم الذين حشو رؤوسهم بهراء من القول، وزيف من الخيال، ليتطهروا بطهور الحق من رجس الباطل، وليبصروا نور الوجود، بعد ما ضلوا في بيداء العدم، وليجدوا أنفسهم بعد أن فقدوها.
ألا فليقرأ هذا الكتب شباب الإسلام المخدوع ببريق المدنية الكاذبة، وكيف يتيسر لهم قراءتها، وقد شغلوا بالهزل عن الجد، وبالباطل عن الحق، لأن الهزل والباطل قد اقتحما عليهم عقولهم وقلوبهم في غفلة من الجد والحق.
ألا فليتعرف على هذه الكتب المربون ليقوموا بها نفوسا قد أعوجت، وقلوبا قد اظلمت، وعقولا قد أقفزت وأجدبت حتى هانت الدنيا على أصحابها فسخروا منها لأنهم لم يحسوا لها طعما، ولم يعرفوا لها قدرا، فساءت أحوالهم وانحرف بهم سلوكهم وضلت عنهم آمالهم، وأصبحوا بحالة تستوجب أن يخلقوا خلقا جديدا.
وأنه لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أشكر الأخ الفاضل السيد " مرتضى الرضوي " صاحب مكتبة النجاح، بالنجف الأشرف، بالجمهورية العراقية، على جهوده الموفقة المشكورة في نشر العلم، والتعريف بكنوزه الدفينة، وعلى ما أتاح لي من فرصة الاطلاع على هذا السفر القيم " الشيعة وفنون الإسلام " ويقيني أن هذا الكتاب سوف يكون موضوع دراسة هامة من أهل العلم حينما يصل إلى أيديهم طبعته الجديدة إن شاء الله.
كتبه سليمان دنيا                    
أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف
القاهرة في العشرين من رمضان عام 1386 هـ    
الموافق: أول يناير عام 1967 م          
____________
(1) صدر منه أربعة أجزاء وطبعت في النجف وأعيدت في بيروت.
(2) نجل آية الله الشيخ الرشتي الذي كان رحمه الله كاتبا يمثل " سكرتارية " المغفور له الإمام الحكيم وهو من أعاظم زعماء الشيعة الإمامية ومرجعهم في العالم الإسلامي في جامعة النجف الأشرف - العراق. وكان يملك مكتبة خطية تحتوي على مخطوطات نفيسة وارتحل في الآونة الأخيرة إلى إيران وذلك بعد وفاة الإمام الحكيم واختار الإقامة في خراسان " المشهد المقدس الرضوي " وانتقل إلى جوار ربه في ليلة الجمعة ليلة عيد الفطر قبل أذان الفجر بساعة عام 1393 هـ. وله تحقيق وتصحيح على كتاب الفهرست للشيخ المنتخب الدين وكتاب معالم العلماء لابن شهرآشوب تغمده الله برحمته الواسعة.
(3) السيد محمد باقر الصدر من مراجع التقليد للشيعة الإمامية في العالم الإسلامي، ومن كبار المفكرين في الحقل الإسلامي في هذا العصر له، عدة مؤلفات مطبوعة منها: " فلسفتنا "، " اقتصادنا " جزآن " فدك في التاريخ " وترجمة هذه الثلاثة إلى اللغة الفارسية وطبعت في عام 1972 و 73 و 77 م في طهران، وقم - وله: " بحوث في شرح العروة الوثقى " صدر منها ثلاثة أجزاء " الفتاوى الواضحة " وله " الأسس المنطقية للاستقراء "، " المدرسة الإسلامية " جزآن وطبع طباعة أنيقة في بيروت أخيرا " المعالم الجديدة للأصول "، " غاية الفكر في علم الأصول "، " البنك اللاربوي في الإسلام " وغيرها وقد تكرر طبع هذه الكتب في لبنان والعراق وإيران.
(4) أراد به: مؤلف كتاب " الشيعة وفنون الإسلام ".