يقول محمد علي المتوكّل:
" شيئاً فشيئاً بدأنا ندرك أنّ الكثير من الحقائق المُكتشفة لايمكن قبولها إلاّ بعد التخلّي عن مسلّمات قديمة، وأننا بصدد التوصّل إلى دعائم جديدة يقوم عليها الدّين، وهي أعلى وأسمى من تلك التي توهّمنا أنّ الدّين قائم بها.
بتعبير آخر لقد بتنا على ضوء تلك المستجدّات، مطالبين باتّخاذ موقف فاصل،ولامجال للتمييع. وإلاّ كنّا مثل ذلك الانتهازي الذي قال في فترة التمرّد العسكري الذي قاده معاوية ضدّ الإمام علي (عليه السلام): الأكلُ مع معاوية أَدسم، والصّلاة مع على أتمّ، والوقوف على التلّ أسلم.
سارع بعضُنا إلى اجتياز هذه العقبة النفسيّة، واستطاع أن يتخطّى الماضي ومخلّفاته والتقليد وقيوده، فلم يعد يتردّد في القبول بنتائج البحث، مهما كانت قاسية ومريرة.
ولكنّي ومع آخرون، توقفت كثيراً وفكّرت طويلاً لَعَلّي أوفّق بين هذا الولاء الذي أخذ يتجذّر في قلبي لأهل البيت، وبين ولاءات سابقة، انتفت عوامل بقائها، ولم يبق منها سوى بعض الرّواسب النفسيّة. ولكن هيهات، ( مَا جَعَلَ اللهُ لِرجُل مِن قَلبَينِ في جَوفِهِ)(1)، ولا مكان للغير في نفس بات يعمرها الحبُّ والولاء لأهل البيت.
لم يتعرّض الشيخ للمسائل الفقهيّة، ولم يبد ملاحظة على ما نحن عليه من فقه، وبدوري كنت أمنّي نفسي وأرجو أنْ لاتكون هناك اختلافات فقهيّة بين مذهب أهل البيت ومذاهب أخرى.
إذ كَم هو قاس أن تكتشف أنّ الفقه الذي عملت به طيلة سنوات مضت يعاني من خَلَل في بعض جوانبه.
وكم هو عسير أن تتواءم نفسيّاً وعمليّاً مع أحكام جديدة غير التي اعتدت عليها!
لذلك استنكرت نفسي ما شاهدته من تفاوت، لكنّي فوجئت عندما بدأت ألاحظ بعض الأشياء الغريبة في وضوء الشيخ وصلاته، استفسرنا منه عنها فكان عنده على كل حكم دليل، مع ذلك أبت نفسي أن تسلّم.
وكنت أقول للآخرين أنّني لن أتبع الشيعة في كلّ شيء، وكوني أوافقهم الآن فيما يتعلّق بولاية أهل البيت لا يعني أن أقلّدهم في كلّ شيء، لاسيّما هذه المسائل الفقهيّة التي لايؤيّدها العقل، وأيّهما أفضل، غسل الرجل وإزالة ما يعلق بها من غبار وغيره، أم تمرير اليد المبتلّة عليها فلا تزداد إلاّ اتّساخاً؟!
ولكن الأخوة كان بعضهم قد وطّن نفسه على قبول كل ما يقول به الشيعة، بعد أن أسقط الاعتبار عن السبل الموازية لأهل البيت. وهكذا كنّا في جدل دائم حول القضايا الفرعيّة مع اتفاقنا الكامل على الأصول.
وعندما طرحنا الأمر على الشيخ تجنّب الخوض في التفاصيل الفقهيّة، ولكنّه أرسى قاعدة وأوصى باتّباعها، وهي عدم مناقشة الأحكام الفقهيّة من حيث حِكَمها وعِلَلها إلاّ بعد التّحقق من مصادرها، وما يثبت وروده عن النبيّ وأهل بيته صحيح، حتى ولو خالف المألوف ولم تَستوعبه العقول، إذ ليس للرأي مكان في الفقه ".
____________
1- الأحزاب: 4.
تبدّد الغيوم عن وجه الحقيقة
- الزيارات: 820