• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

السنّة والقرآن عند "أهل السنّة والجماعة"

بعد ما عرفنا بأنّ الشيعة الإمامية يقدِّمون القرآن على السنّة، ويجعلونه القاضي عليها والمهيمن، فـ "أهل السنّة والجماعة" على العكس تماماً يقدِّمون السنّة على القرآن، ويجعلونها قاضية ومهيمنة عليه.
ونستنتح من هذا بأنّهم سمّوا أنفسهم بـ "أهل السنّة" من أجل هذا المبدأ الذي ارتأوه، و إلاّ لماذا لم يقولوا بأنّهم أهل القرآن والسنّة، وخصوصاً أنّهم يروون في كتبهم بأنّ النبيّ قال: "تركت فيكم كتاب الله وسنّتي"؟
ولأنّهم أهملوا القرآن وجعلوه في المرتبة الثانية، وتمسكوا بالسنّة المزعومة وجعلوها في المرتبة الأُولي، فهمنا من ذلك السبب الرئيسي لقولهم بأنّ السنّة قاضية على القرآن.
وهذا منهم أمر عجيب، وأعتقد بأنّهم اضطروا إلى ذلك اضطراراً عندما وجدوا أنفسهم يقومون بأعمال مخالفة لما جاء في القرآن، وقد ألفوها بعدما فرضها عليهم الحكَّام الذين أطاعوهم، ولتبرير تلك الأعمال وضعوا لها أحاديث نسبوها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كذباً، ولما كانت تلك الأحاديث تتعارض مع أحكام القرآن، قالوا بأن السنّة قاضية على القرآن، أو أنّها تنسخ القرآن.
وأضرب لذلك مثلا واضحاً يفعله المسلم مرّات عديدة في كلّ يوم، ألا وهو الوضوء قبل الصلاة، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}(1).
ومهما قيل، وبقطع النظر عن قراءة النصب والجر، وقد قدمنا بأنّ الفخر الرازي ـ وهو من أشهر علماء "أهل السنّة والجماعة" في اللغة العربية ـ قال بوجوب المسح في القراءتين(2).
وقال ابن حزم أيضاً: سواء قُرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كلّ حال عطف على الرؤوس، إمّا على اللفظ وإمّا على الوضع، ولا يجوز غير ذلك(3).
ولكن الفخر الرازي بعد اعترافه بأنّ القرآن نزل بوجوب المسح في القراءتين، نراه يتعصَّب لمذهبه السنّي، فقال: ولكنّ السنّة جاءت بالمسح ناسخة للقرآن(4).
وهذا المثل من السنّة المزعومة القاضية على القرآن أو الناسخة له، يوجد له أمثلة كثيرة عند "أهل السنّة والجماعة" فكم من حديث موضوع يُبطلون به حكماً من أحكام الله بدعوى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نسخه.
ونحن لو تمعنَّا قي آية الوضوء التي نزلت في سورة المائدة، وإجماع المسلمين على أنّ سورة المائدة هي آخر ما نزل من القرآن، ويقال: إنّها نزلت قبيل وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهرين فقط، فكيف ومتى نسخ النبيّ حكم الوضوء يا ترى؟! وقد قضى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة وعشرين سنة وهو يتوضّأ بالمسح ويفعل ذلك مرّات في كلّ يوم، فهل يعقل أنّه وقبل شهرين من وفاته عندما نزل عليه قوله سبحانه: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}عمد إلى غسل رجليه معارضة لكتاب الله؟! إنّه كلام لا يصدّق.
ثمّ كيف يُصدّق الناس هذا النبيّ الذي يدعوهم لكتاب الله والعمل به قائلا لهم: إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ثمّ يعمل هو بعكسه؟! فهل هذا معقول أو يقبله العقلاء؟ أم سيقول له المعارضون والمشركون والمنافقون: إذا كنت أنت تعمل بخلافه، فكيف تأمرنا نحن باتباعه؟! وسوف يجد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذلك نفسه محرجاً ولا يقدر على دفع حجّتهم، ولذلك نحن لا نصدّق بهذا الادعاء الذي يرفضه النقل والعقل، وكلّ من له دراية بالكتاب والسنّة لا يصدّقه.
ولكن "أهل السنّة والجماعة" ـ والذين هم في الحقيقة حكّام بني أُميّة ومن جرى وراءهم، كما عرفنا بذلك في أبحاث سابقة ـ عمدوا لوضع الأحاديث على لسان النبيّ ليصححوا بذلك آراء واجتهادات أئمة الضلالة، ويكسبوها شرعيّة دينية أولا، وليعللوا اجتهادات هؤلاء في مقابل النصوص، بأنّ النبيّ نفسه قد اجتهد مقابل النصوص القرآنية ونسخ منها ما شاء، فيصبح بذلك أهل البدع يستمدّون شرعيّة مخالفتهم للنصوص اقتداء بالرسول كذباً وبهتاناً.
وقد قدّمنا في بحث سابق بالأدلّة والحجج القويّة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال يوماً برأي ولا بقياس، وإنّما كان ينتظر نزول الوحي لقوله تعالى:
{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ}(5).
أليس هو القائل مبلّغاً عن ربّه: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآن غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْم عَظِيم }(6).
أوَلم يهدِّده ربّه بأشدّ التهديد لو حاول أن يتقوَّل على الله كلمة واحدة، فقال جلّ وعلا: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ حَاجِزِينَ }(7).
فهذا هو القرآن، و هذا هو النبيّ الذي كان خلقه القرآن، ولكن "أهل السنّة والجماعة"(8)، ولشدّة عداوتهم لعليّ بن أبي طالب وأهل البيت (عليهم السلام)، كانوا يخالفونهم في كلّ شيء، حتى أصبح شعارهم هو مخالفة عليّ وشيعته في كلّ شيء، حتى لو كانت سنّة نبوية ثابتة عندهم(9).
ولمّا كان المشهور عن الإمام عليّ (عليه السلام) الجهر بالبسملة حتى في الصلاة السريّة من أجل إحياء السنّة النبويّة، فقد عمل بعضهم على القول بكراهتها في الصلاة، وكذلك بالنسبة للقبض والسدل، ودعاء القنوت، وغير ذلك من الأُمور التي تخصّ الصلاة اليومية.
ولذلك كان أنس بن مالك يبكي ويقول: والله ما أجد شيئاً ممّا أدركت عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالوا: وهذه الصلاة؟ قال: لقد غيرتم فيها ما غيرتم(10).
والغريب أنّ "أهل السنّة والجماعة" يسكتون عن هذه الاختلافات; لأنّ مذاهبهم الأربعة يختلفون فيما بينهم، فلا يرون بذلك بأساً، بل يقولون بأنّ اختلافهم رحمة.
ولكنّهم يشنِّعون على الشيعة إذا خالفوهم في أية مسألة، فتصبح تلك الرحمة نقمة، ولا يقبلون إلاّ آراء أئمتهم، مع أنّ أئمتهم لا يساوون أئمة العترة الطاهرة في علم، ولا في عمل، ولا في فضل، ولا في شرف.
وكما ذكرنا في "غسل الرجلين" ورغم أنّ كتبهم تشهد بأنّ المسح هو الذي نزل به القرآن، وهو أيضاً سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(11)، ولكنّهم لا يقبلون من الشيعة شيئاً من ذلك، ويتهمونهم بتأويل القرآن والخروج عن الدين!!
والمثل الثاني الذي لابدّ من ذكره أيضاً، هو نكاح المتعة الذي نزل به القرآن وأقرّته السنّة النبويّة، ولكنّهم لتبرير اجتهاد عمر بن الخطّاب الذي حرَّمه، اختلقوا حديثاً مكذوباً نسبوه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخذوا يشنِّعون على الشيعة لإباحتهم هذا النكاح، استناداً لما رواه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أضف إلى ذلك أنّ صحاحهم تشهد بأنّ الصحابة فعلوه في عهد رسول الله، وعهد أبي بكر، وشطر من عهد عمر قبل أن يحرمه، ويشهدون أيضاً بأنّ الصحابة اختلفوا فيه بين محلِّل ومحرِّم.
والأمثلة في هذه المواضيع ـ التي ينسخون فيها النصّ القرآني بحديث مكذوب ـ كثيرة جدّاً، وقد ضربنا منها مثلين، والقصد هو رفع الستار عن مذهب "أهل السنّة والجماعة"، وإطلاع القارئ بأنّهم يقدِّمون الحديث على القرآن، ويقولون صراحة بأنّ السنّة قاضية على القرآن.
فهذا الإمام الفقيه عبد الله بن مسلم بن قتيبة محدّث وفقيه "أهل السنّة والجماعة" متوفّى سنة 276 هجرية يقول بصراحة: "السنّة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاض على السنّة"(12).
كما ذكر صاحب كتاب مقالات الإسلاميين الإمام الأشعري، وهو إمام "أهل السنّة والجماعة" في الأصول(13): "إن السنّة تنسخ القرآن وتقضي عليه، وأن القرآن لا ينسخ السنّة ولا يقضي عليها"(14).
وذكر ابن عبد البر بأنّ الإمام الأوزاعي، وهو من كبار أئمة "أهل السنّة والجماعة"، قال: "إنّ القرآن أحوج إلى السنّة من السنّة إلى القرآن..."(15).
فإذا كانت هذه أقوالهم تشهد على عقيدتهم، فمن الطبيعي جدّاً أن يتناقض هؤلاء مع ما يقوله أهل البيت من عرض كلّ حديث على كتاب الله ووزنه عليه; لأنّ القرآن هو القاضي على السنّة، ومن الطبيعي أيضاً أن يرفضوا هذه الأحاديث، ولا يعترفوا بها ولو رواها أئمة أهل البيت; لأنّها تنسف مذهبهم نسفاً.
فقد ذكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة بأنّ الحديث الذي رُوي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قوله: "إذا جاءكم الحديث عنّي فاعرضوه على كتاب الله"، قال البيهقي: هذا حديث باطل لا يصحّ، وهو ينعكس على نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن(16).
وصرّح ابن عبد البر نقلا عن عبد الرحمان بن مهدي بأنّ الحديث الذي روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "ما أتاكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله"، هذه الألفاظ لا تصحّ عنه عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه، وقال بأنّ هذا الحديث وضعه الزنادقة والخوارج(17).
أُنظر إلى هذا التعصّب الأعمى الذي لم يترك لهم سبيلا للتحقيق العلمي والخضوع للحقّ، فأصبحوا يسمون رواة هذا الحديث ـ وهم أئمة الهدى من العترة الطاهرة ـ بالزنادقة والخوارج، ويتهمونهم بوضع الحديث!
وهل لنا أن نسألهم: ما هو هدف الزنادقة والخوارج من وضع هذا الحديث الذي يجعل كتاب الله ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ مرجعاً لكلّ شيء؟
والعاقل المنصف يميل إلى هؤلاء الزنادقة والخوارج الذين يُعظّمون كتاب الله، ويجعلونه في المرتبة الأُولى للتشريع، أحسن له من الميل إلى "أهل السنّة والجماعة" الذين يقضون على كتاب الله بأحاديث مكذوبة، وينسخون أحكامه ببدع مزعومة.
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً }(18).
فالذين يسمّونهم زنادقة وخوارج هم أهل بيت النبوة، أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين وصفهم جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّهم أمان الأُمّة من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة صارت حزب إبليس، وذنبهم الوحيد هو أنّهم تمسّكوا بسنّة جدّهم، ورفضوا ما سواها من البدع البكرية، والعمرية، والعثمانية، والمعاوية، واليزيدية، والمروانية، والأموية، وبما أنّ السلطة الحاكمة بيد هؤلاء المذكورين، فمن الطبيعي أن يشتموا المعارضين لهم بأنّهم خوارج كانت وزنادقة، وأن يحاربوهم وينبذوهم، ألم يُلعن علي وأهل البيت على منابرهم ثمانين عاماً؟ ألم يُقتل الحسن بسمّهم، والحسين وذريته بسيوفهم؟
ودعنا من الرجوع إلى مأساة أهل البيت الذين لم تنته مظلمتهم بعد، ولنعد إلى هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم "أهل السنّة والجماعة"، والذين ينكرون حديث عرض السنّة على القرآن، فلماذا لم يسمّوا أبا بكر"الصديق" من الخوارج أو من الزنادقة؟ وهو الذي أحرق الأحاديث وخطب في الناس قائلا: "أنّكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه"(19).
ألم يُقدّم أبو بكر القرآن علي السنّة؟ بل جعله المصدر الوحيد، ورفض السنّة بدعوى أنّ الناس يختلفون فيها؟!
ولماذا لم يسمّوا عمر بن الخطّاب من الخوارج أو من الزنادقة، وهو الذي رفض السنّة النبويّة من أوّل يوم عندما قال: حسبنا كتاب الله، يكفينا! وقد أحرق هو أيضاً كلّ ما جمعه الصحابة من الأحاديث والسنن على عهده(20)، ولم يقف عند ذلك الحدّ حتى نهى الصحابة عن إفشاء الحديث(21).
ولماذا لم يسمّوا أُمّ المؤمنين عائشة ـ التي يؤخذ عنها نصف الدين ـ بأنّها من الخوارج ومن الزنادقة، فهي التي اشتهرت بعرض الحديث على القرآن، فكانت كلّما بلغها حديث لا تعرفه عرضته على كتاب الله وأنكرته إذا عارض القرآن، فقد أنكرت على عمر بن الخطّاب حديث: إنّ الميّت يُعذّب في قبره ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن، فإنّه يقول: ولا تزرُ وازرة وزرَ أخرى(22).
كما أنكرت حديث عبد الله بن عمر الذي روى بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: "إنّهم ليسمعون ما أقول".
فكذَّبت عائشة أن يكون الأموات يسمعون وقالت: إنّما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حقّ"، ثمّ استشهدت على كذب الحديث بعرضه على القرآن، فقرأت قوله سبحانه: { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى }(23)، { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِع مَنْ فِي الْقُبُورِ }(24)(25).
وأنكرت أحاديث كثيرة كانت في كلّ مرّة تعرضها على كتاب الله، فقالت لمن حدَّث بأنّ محمّداً رأى ربّه: لقد قفَّ شعري ممّا قلت، أين أنت من ثلاث من حدّثكهنّ بها فقد كذب: من حدّثك أنّ محمّداً رأى ربّه فقد كذب، ثمّ قرأت قوله تعالى: { لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }(26)، وقرأت: { وَمَا كَانَ لِبَشَر أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَاب }(27).
ومن حدّثك أنّه يعلم ما في غد فقد كذب، ثمّ قرأت قول الله: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً }(28).
ومن حدَّثك أنّه كتم فقد كذب، ثمّ قرأت قوله تعالى: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ }(29)(30).
كذلك كان أبو هريرة راوية أهل السنّة عندهم، كان كثيراً ما يحدّث الحديث ثمّ يقول: فاقرأوا إن شئتم قوله تعالى، فيعرض حديثه على كتاب الله حتى يصدّقه المستمعون.
فلماذا لا يسمّي "أهل السنّة والجماعة" كلّ هؤلاء من الخوارج والزنادقة، فهم يعرضون الأحاديث التي يسمعونها على كتاب الله، ويكذّبون ما خالف منها القرآن؟! إنّهم لا يجرأون علي ذلك.
أمّا إذا تعلّق الأمر بأئمة أهل البيت، فإنّهم لا يتورّعون بأن يشتموهم بكلّ نقيصة، ولا ذنب لهم سوى عرض الحديث على كتاب الله، كي يفتضح أُولئك الوضَّاعون والمدلّسون الذين يسعون لتعطيل أحكام الله وإبطالها بأحاديث مكذوبة.
لأنّهم يدركون تماماً أنّه لو عرضت أحاديثهم على كتاب الله، فسوف لن يوافق كتاب الله على تسعة أعشار منها، والعشر العاشر الذي يؤيّده كتاب الله لأنّه من أقوال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، يؤولون بعضه على غير ما أراده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كتأويلهم حديث: "الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش"، وحديث: "تمسّكوا بسنّة الخلفاء الراشدين بعدي"، وكقوله: "اختلاف أُمّتي رحمة"، وغيرها من الأحاديث الشريفة والتي يقصد بها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أئمة العترة الطاهرة، ولكنّهم صرفوها إلى خلفائهم الغاصبين، وإلى بعض الصحابة المنقلبين.
وحتى الألقاب التي يضفونها على الصحابة كتسمية أبي بكر بـ "الصديق"، وعمر بـ "الفاروق"، وعثمان بـ "ذي النورين"، وخالد بـ "سيف الله"، والحال أنّ كلّ هذه الألقاب هي لعليّ على لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أفضلهم"(31).
وعليّ نفسه كان يقول: "أنا الصدّيق الأكبر، ولا يقولها بعدي إلاّ كذّاب"(32)، وهو الفاروق الأعظم الذي فرَّق الله به الحقّ من الباطل(33)، ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق(34)، وأنّ الحقّ يدور معه حيث دار(35)؟
وأمّا "ذو النورين"(36)، فهو (عليه السلام)، والد الحسن والحسين (عليهما السلام) سيّدي شباب أهل الجنّة، وهما نوران من صلب النبوة.
وأمّا "سيف الله" فهو الذي قال فيه جبريل (عليه السلام) يوم أحد: "لا فتى إلاّ عليّ ولا سيف إلاّ ذوالفقار"(37).
وهو بحقّ سيف الله الذي سلَّه على المشركين فقتل أبطالهم، وجندل شجعانهم، وهشَّم أنوفهم، حتى أذعنوا للحق وهم كارهون، وهو سيف الله; لأنّه لم يهرب من معركة أبداً، ولم يخشَ من مبارزة قط، وهو الذي فتح خيبر وقد عجز عنها أكابر الصحابة ورجعوا منهزمين.
لقد قامت السياسة من أوّل خلافة على عزله وتجريده من كلّ فضل وفضيلة، ولمّا جاء معاوية للحكم ذهب أشواطاً بعيدة فعمل على لعن علي وانتقاصه، وعلى رفع شأن مناوئيه، ونسب إليهم كلّ فضائله وألقابه زوراً منه وبهتاناً، ومن يقدر في ذلك العهد على تكذيبه أو معارضته؟ وقد وافقوه على سبِّه ولعنه والبراءة منه، وقد قلَّب أتباعه من "أهل السنّة والجماعة" كلّ الحقائق ظهراً على عقب، فأصبح عندهم المنكر معروفاً والمعروف منكراً، وأصبح علي وشيعته هم الزنادقة والخوارج والروافض، فاستباحوا بذلك لعنهم وقتلهم، وأصبح أعداء الله ورسوله وأهل بيته هم "أهل السنّة"! فاقرأ واعجب، و إن كنت في شك من هذا فابحث ونقِّب.
{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}(38).

صدق الله العلي العظيم

 



_____________
1- المائدة: 6.
2- التفسير الكبير للفخر الرازي 4: 350، سورة المائدة: 6.
3- المحلّى لابن حزم 2: 56.
4- التفسير الكبير للفخر الرازي 4: 306 باختلاف.
5- صحيح البخاري 8: 148 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب ما كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري). النساء: 105.
6- يونس: 15.
7- الحاقة: 44 ـ 47.
8- ونقصد بهم الأوائل الذين عادوا علياً وأولاده من بعده والذين أسّسوا مذهب "أهل السنّة والجماعة" (المؤلّف).
9- قد فصّلنا في ذلك وأخرجنا تصريحاتهم من كتبهم وأقوال أئمّتهم في كتاب "مع الصادقين" فليراجع (المؤلّف).
10- صحيح البخاري 1: 134 (كتاب الصلاة، أبواب سترة المصلي)، ولفظه: أليس ضيّعتم ما ضيّعتم فيها؟
11- الطّبقات الكبرى لابن سعد 6: 274، عن ابراهيم النخعي، وانظر المعجم الكبير للطبراني 10: 71 ح9982.
12- سنن الدارمي 1: 145.
13- كيف لا يكون إمامهم وهو الذي أطاح بالمعتزلة ألدّ أعداء أهل السنّة، وفي ذلك يقول ابن الصيرفي من كبار الأئمة الشافعية: "كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم" (تاريخ الإسلام للذهبي 24: 155).
14- مقالات الإسلاميين: 479، وقد ذكر اختلاف أهل السنّة في نسخ القرآن بالسنّة إلى ثلاثة أقوال، أحدها ما ذكره المؤلّف في المتن.
15- جامع بيان العلم: 429 (باب 65، موضع السنّة من الكتاب).
16- دلائل النبوة 1: 27، فصل في قبول الأخبار.
17- جامع بيان العلم: 428، (باب 65، موضع السنّة من الكتاب).
18- الكهف: 5.
19- الذهبي في تذكرة الحفّاظ 1: 3 وهو مرسل صحيح من مراسيل أبي مليكة.
20- الطبقات الكبرى 5: 188، سير أعلام النبلاء 5: 59.
21- الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 6.
22- صحيح البخاري 2: 81 (كتاب الجنائز، باب قول النبيّ: يعذّب الميّت ببعض بكاء أهله عليه)، وكذلك صحيح مسلم 3: 43، (كتاب الجنائز، باب الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه).
23- النمل: 80.
24- فاطر: 22.
25- صحيح البخاري 5: 9 باب دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على كفّار قريش، وكذلك صحيح مسلم 3: 44 باب الميت يعذب ببكاء أهله.
26- الأنعام: 103.
27- الشورى: 51.
28- لقمان: 34.
29- المائدة: 67.
30- صحيح البخاري 6: 50 (كتاب التفسير، تفسير سورة النجم)، صحيح مسلم 1: 110 (كتاب التفسير، باب معنى قوله اللّه عزّ وجل {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى})، مسند أحمد 6: 49.
31- الجامع الصغير للسيوطي 2: 115 ح5149، كنز العمال 11: 601 ح32897، الدر المنثور 5: 262، تاريخ دمشق 42: 313.
32- المستدرك للحاكم 3: 111، المصنّف لابن أبي شيبة 7: 498 ح21، كتاب السنّة لابن أبي عاصم: 584 ح1324، السنن الكبرى للنسائي 5: 107، أمّا عباد بن عباد لله راوي الحديث فقد أورده العجلي في معرفة الثقات 2: 17 ووثّقه، وكذلك ذكره ابن حبان في كتابه الثقات 5: 141. وابن ماجة في سننه 1: 55، وعلّق العلاّمة البوصيري في كفاية الحاجة بقوله: (انفرد به ابن ماجة عن الكتب التسعة، قال في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات).
ومع وجود هؤلاء العلماء المصحّحين لهذا الحديث تجد عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني:190 يصف الحديث بالوضع معتمداً على ابن الجوزي، في كتابه الموضوعات!!
وإذا رجعنا إلى ترجمة ابن الجوزي نجد أنّ العلماء قالوا في حقّه: إنّه كثير الخطأ والأوهام في ما يصنّفه; إذ كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره، وقد استدرك عليه الذهبي كتابه الموضوعات تحت عنوان (تلخيص الموضوعات) وقال في ترجمته في السير 21: 381: "وكتب إلى أبي بكر بن طوخان، أخبرنا الإمام موفّق الدين قال: ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنّف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، كان يصنّف في الفقه ويدرس وكان حافظاً للحديث، إلاّ أنّنا لم نرض تصانيفه في السنّة ولا طريقته فيها، وكان العامة يعظّمونه، وكانت تنفلت منه في بعض الأوقات كلمات تنكر عليه في السنّة، فيستفتى عليها ويضيق صدره من أجلها".
وقال الحافظ سيف الدين ابن المجد: هو كثير الوهم، فإنّ في مشيخته مع صغرها أوهاماً، قال في حديث أخرجه البخاري عن محمّد المثنى، عن الفضل بن هشام، عن الأعمش! وإنّما هو عن الفضل بن مساور عن أبي عوانة عن الأعمش.
وقال في آخر: أخرجه البخاري، عن عبد اللّه بن منير، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار، وبينهما أبو النظر، فاسقطه.
وقال في حديث: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمّد الاثرم، وإنما هو محمّد بن أحمد.
وقال في آخر: أخرجه البخاري عن الأويسي عن إبراهيم عن الزهري، وإنّما هو عن إبراهيم بن مسعد، عن صالح، عن الزهري.
وقال في آخر: حدّثنا قتيبة، حدّثنا خالد بن إسماعيل، وإنّما هو حدّثنا حاتم.
وفي آخر: حدّثنا أبو الفتح محمّد بن علي العشاري، وإنّما هو أبو طالب.
وقال: حميد بن هلال عن عفان بن كاهل، وإنّما هو هضاب بن كاهل.
قال: أخرجه البخاري عن أحمد بن أبي إياس، وإنما هو آدم.
وفي وفاة يحيى بن ثابت، وابن خضير، وابن المقرب ذكر ما خولف فيه.
قلت (يعني الذهبي): هذه عيوب وحشة في جزئين.
قال السيف: سمعت ابن نقطة يقول: قيل لابن الأخضر: ألا تجيب عن بعض أوهام ابن الجوزي؟ قال: إنّما تتبع على من قلّ غلطه، فأمّا هذا فأوهامه كثيرة.
ثمّ قال السيف: ما رأيت أحداً يعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله راضياً عنه.
قال: وقال جدّي: كان أبو المظفّر بن حمدي ينكر على أبي الفرج كثيراً كلمات يخالف فيها السنّة.
قال السيف: وعاتبه أبو الفتح ابن المنّي في أشياء، ولمّا بان تخليطه أخيراً رجع عنه أعيان أصحابنا وأصحابه.
وكان أبو إسحاق العقلي يكاتبه وينكر عليه".
وقال الذهبي في السير 21: 378: "قرأت بخطّ محمّد بن عبد الجليل الموقاني: إنّ ابن الجوزي شرب (البلاذر) فسقطت لحيته.. قال: وكان كثيراً الغلط في ما يصنّفه، فإنّه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره.
قلت (يعني الذهبي): هكذا هو، له أوهام وألوان من ترك المراجعة، وأخذ العلم من صحف..".
قال الإمام السندي في شرحه على سنن ابن ماجه في شرحه للحديث 1: 85: "قوله: "أنا الصدّيق الأكبر" هو للمبالغة من الصدق، وتصديق الحقّ بلا توقّف من باب الصدق، ولا يكون عادة إلاّ من غلب عليه الصدق..
قال: كأنه أراد بقوله: "الصدّيق الأكبر" إنّه أسبق إيماناً من أبي بكر أيضاً.
وفي الإصابة في ترجمة علي: هو أوّل الناس إسلاماً في قول كثير من أهل العلم. قوله: "صلّيت قبل الناس بسبع سنين" ولعلّه أراد به أنّه أسلم صغيراً، وصلّى في سن الصغر وكلّ من أسلم من معاصريه ما أسلم في سنّه. بل أقل ما تأخر معاصره عن سنّه سبع سنين فصار كأنه صلى قبلهم سبع سنين وهم تأخروا عنه بهذا القدر. فكان من حكم بالوضع حكم عليه لعدم ظهوره معناه، لا لأجل خلل في إسناده. وقد ظهر معناه بما ذكرنا".
ومنه تعرف أنّ المضعّفين له لم يضعّفوه لخلل في سنده، وإنّما لما ادعوه من وجود النكارة في متنه حيث أطلق على نفسه الصديق الأكبر وأنّه صلّى قبل الناس بسبع سنين! وهذا خلاف ما عليه القوم من سبق إيمان أبي بكر وأنّه الصديق الأكبر.
إلاّ أنّه بما ذكرناه وذكره علماء السنّة يتّضح أنّ الحديث صحيح سنداً، ولا نكارة في متنه; لأنّ الكثير من علماء أهل السنّة ذهب إلى إسلام علي بن أبي طالب قبل أبي بكر، وعليه فتندفع جميع التوهمات التي ذكرت.
33- الاحتجاج 1: 204، اليقين لابن طاووس: 499.
34- صحيح مسلم في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام).
35- سنن الترمذي 5: 297، المستدرك للحاكم 3: 125 وصحّحه، المعجم الأوسط 6: 95.
36- سمّى أهل السنّة والجماعة عثمان بذي النورين، ويعلّلون ذلك بأّنّه تزوّج رقيّة وأُمّ كلثوم بنتي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحيح أنّهما ربيبتاه، وعلى فرض أنّهما بنتاه فكيف تكونان نورين ولم يحدّث النبيّ لهما بفضيلة واحدة، ولماذا لا تكون فاطمة التي قال في حقّها "سيّدة نساء العالمين" هي النور، ولماذا لم يسمّوا علياً بذي النور، على هذا الأساس؟ (المؤلّف).
37- نظم درر السمطين للزرندي: 120، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 217.
38- هود: 24.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page