• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الخروج من مأزق الحيرة


إنّ الباحث لا يجد أمامه بعد الحيرة إلاّ أنّ يحاول البحث عن الطريق الصحيح لإخماد نيران الشكوك التي ثارت في أعماق نفسه.
ويذكربعض المستبصرين أنّهم في البداية يجدون أنفسهم لا تمتلك القدرة على مصارحة أحد بما يعتمل في صدورهم من إضطراب ولا يمتلكون الشجاعة الكافية للجهر بما في قرارة أنفسهم، خيفة أن ينالهم الأذى ممن حولهم.
فلهذا لا يجدون أمامهم في حيرتهم هذه إلاّ أن يتوجّهوا بصدق نحو البحث من أجل تحديد موقفهم النهائي إزاء انتمائهم المذهبي.
ويذكر كافّة المستبصرين أن مواصلتهم للبحث لم تزدهم إلاّ شكّاً في معتقداتهم السابقة، وأن علماء أهل السنّة لم يمنحوهم فصل الخطاب لأسئلتهم الحائرة التي تحتاج إلى جواب مقنع.
ويقول مروان خليفات في هذا المجال:
" وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق، لكنّها لم تنفعني بل زادتني بصيرة بأحقّية مذهب أهل البيت، وقرأت كتباً كثيرة، لايسعني ذكرها، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة، التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها، فضلاً عن حيرة علمائنا في التعامل معها "(1).
وفي ظل أجواء الحيرة المزعجة يفضّل البعض أن لا تكدّر الشبهات أنفسهم، فيغضّوا أبصارهم عن الشبهات العالقة بأذهانهم، ويحاولون أن يبعدوا الشكوك التي تحوم حولهم، ليحتفظوا بالسلام الداخلي الذي يحلمون به.
ولكن الباحث الواعي الذي لا يهمّه سوى معرفة الحقّ لا يسمح لنفسه بذلك، ولا يحاول تسكين الألم الذي يعاني منه نتيجة الحيرة، لأنّه يعي بأنّ هذا الألم هو المحفّز الذي يُزيد ظمأه للحقيقة ويدفعه لمعرفة الحق، فيحاول بشتى السبل أن يجد مخرجاً مناسباً لحلّ المشكلة التي يعاني منها.
ويبقى الحل النهائي بعد أن يعجز الباحث أن ينقذ نفسه من أغلال الحيرة عن طريق البحث هو الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
ويذكر بعض المستبصرين أنّهم بعد أن بقوا فترة طويلة في هذه الحالة حيارى ينشدون الاستقرار الروحي الذي يوصلهم إلى السعادة الحقيقيّة فلا يجدوه، توجّهوا بكل وجودهم إلى الله تعالى ورفعوا أيديهم بكلّ إخلاص ونيّة صادقة ليخرجهم الباري عزّوجل من الأزمة التي هم فيها، وتضرّعوا إليه بكل جوارحهم وخلجات نفوسهم لينوّر عقولهم ويهديهم سواء السبيل ويرشدهم إلى دين الحق فيخرجهم بذلك من الحيرة التي يعانون منها وينتشلهم من حومة القلق القاتل الذي ألمّ بحياتهم.
وكان من جملة هؤلاء محمّد علي المتوكّل وباقي الإخوة الذين كانوا معه في رحلة البحث عن الحقيقة.
ويشير محمّد علي المتوكّل في كتابه (ودخلنا التشيّع سجّداً) إلى التجائه نحو الباري عزّوجل في زمن الحيرة، قائلاً:
" كان لابدّ لنا أن نمضي قدماً لاستكشاف المجهول وإزالة الحجب التي أسدلها المضلّون على وجه الحقيقة، هنا كانت الحاجة ملحّة إلى من يمسك بأيدينا ويكون دليلاً لنا في متاهات التاريخ ومنعطفاته، فتوجّهنا إلى المولى (جلّ وعلا) بالدعاء ضارعين، وفي مثل وضعنا ذاك يكون الدعاء هو السبيل الأوحد للخروج من دوامة الشك والحيرة، وأيّ نور يكون لنا في تلك الظلمات إن لم يجعل الله لنا نوراً ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَل اللهُ لَه نُوراً فَمَا لَه مِنْ نُور)، وكان دعاؤنا المستمر: (اللهمّ أَرنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتّباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه).
ولم يمض إلاّ القليل حتى استجاب الله لدعائنا، فإنّه بالأوّابين رؤوف رحيم، وجاء الفرج من حيث لم نحتسب "(2).
ويشير إدريس الحسيني إلى توسّله بالخالق الجليل قائلا:
" في يوم من الأيّام لم يبق لي سوى أن أخلع جبّة أهل السنّة والجماعة، فلم يبق أمامي دليل واحد يسند مصداقيّة مذهبهم غير أنّ العادة ـ قبّحها الله ـ حالت دوني وبين التغيّر، وما أصعب المرء وهو يتحوّل من مذهب لآخر، وما أشدّ برزخ الانتقال الاعتقادي، لابدّ لي إذن من محفّز روحي يشجّعني على هذا الانتقال، لابدّ من شمّة رحمانيّة تكشف لي الغطاء عن الاختيار الرشيد.
كانت ليلة غنيّة بطلب الرّحمان والإلحاح عليه، لكشف هذه الغمّة عنّي، فلقد أوصلني عقلي إلى هذه النقطة، ولم يبق لي إلاّ التوسّل بالخالق الجليل "(3).
ويذكر التيجاني السماوي أيضاً أنّه بعد زيارته للعراق وتعرّفه على التشيّع توجّه إلى الحج وهو حيران في أمر دينه، فلم يجد بدّاً سوى الدعاء من الباري عزّوجل ليفتح بصيرته ويلهمه السداد ويهديه سواء السبيل، فيقول:
" وكنت كلّما طفت بالبيت العتيق خلال العمرة وفي كلّ زيارة لمكّة المكرّمة ـ ولم يكن يطوف بها إلاّ نفر قليل من المعتمرين ـ صلّيت وسألت الله سبحانه من كل جوارحي أن يفتح بصيرتي ويهديني أيّ الحقيقة.
وقفت على مقام ابراهيم (عليه السلام) واستعرضت الآية الكريمة: ( وجَاهِدُوا في الله حقَّ جِهَادِهِ هو اجتَباكُم ومَا جَعَل عَليكُم في الدِّينِ من حَرَج مِلّة أبيكُم إبرَاهيم هو سَمّاكُم المُسلِمينَ من قَبلُ وَفي هذا لَيَكُونُ الرَّسولُ شهيداً عَلَيكُم وتَكُونُوا شُهَداءَ على النّاسِ فَأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ واعتَصِمُوا بالله هو مَولاكُم فَنِعمَ المَولى ونِعمَ النَّصيرُ)(4); صدق الله العظيم.
وبدأت أناجي سيّدنا إبراهيم أو أبانا إبراهيم كما سمّاه القرآن:
ـ يا أبتاه، يا من سمّيتنا بالمسلمين، ها قد اختلف أبناؤك من بعدك فأصبحوا يهوداًونصارى ومسلمين، واختلف اليهود فيما بينهم إلى إحدى وسبعين فرقة واختلف النصارى إلى اثنين وسبعين فرقة، واختلف المسلمون إلى ثلاثة وسبعين فرقة وكلّهم في الضّلالة حسبما أخبر بذلك إبنك محمّد وفرقة واحدة بقيت على عهدك يا أبتاه!
أهي سنّة الله في خلقه كما يقول القدريّة، فالله سبحانه هو الذي كتب على كل نفس أن تكون يهوديّة أو نصرانيّة أو مسلمة أو ملحدة أو مشركة، أم أنّه حب الدنيا والابتعاد عن تعاليمه سبحانه، ذلك بأنّهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
إنّ عقلي لا يطاوعني بتصديق القضاء والقدر، بأنّه هو الذي حتّم مصير الإنسان، بل أميلُ وأكاد أجزم بأنّ الله سبحانه خلقنا وهدانا وألهمنا الفجور والتقوى، وأرسل إلينا رُسُلَه ليوضّحوا لنا ما أشكل علينا ويعرّفوننا الحقّ من الباطل، ولكنّ الإنسان غرّته الحياة الدنيا وزينتها، الإنسان بأنانيّته وكبريائه، بجهله وفضوله، وبعناده ولجلجته، بظلمه وطغيانه مال عن الحقّ واتّبع الشيطان وابتعد عن الرحمن فورد غير مورده، وأكل غير مأكله، وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك أحسن تعبير وأوجزه بقوله تعالى:
(إنّ الله لا يظلمُ النّاسَ شَيئاً ولكنّ النّاس أنفُسَهم يظلمون)(1).
يا أبانا إبراهيم، لا لوم على اليهود والنصارى الذين عاندوا الحقّ بغياً بينهم لمّا جاءتهم البيّنة، فها هي الأمة التي أنقذها الله بولدك محمّد وأخرجها من الظلمات إلى النور وجعلها خير أمّة أخرجت للناس، فهي الأخرى اختلفت وتفرّقت وكفّر بعضها بعضاً، وقد حذّرهم رسول الله ونبّههم إلى ذلك وضيّق عليهم حتى قال:(لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث) فما بال هذه الأمّة قد انقسمت وافترقت وأصبحت دويلات يعادي بعضها البعض ويحارب بعضها البعض ويكفّر بعضها البعض وحتى لا يعرف بعضها البعض الآخر، فيهجره طيلة حياته "(2).

____________
1- مروان خليفات/ وركبت السفينة: 18.
2- محمد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: 40.
3- إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: 63.
4- الحج: 78.
5- يونس: 44.
6- محمّد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: 68ـ69.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page