• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

صمود المستبصرين إزاء مضايقات أبناء مجتمعاتهم

إنّ المستبصر رغم المضايقات التي يواجهها من أبنا مجتمعه يقف بقوّة إزاء كافّة التيّارات التي تحاول إعادته إلى ما كان عليه، ولا يعبأ بكلّ المصاعب التي تنهال عليه نتيجة صموده واستقامته في هذا السبيل، لأنّه يشعر بعد الاستبصار بامتلاك شخصيّة قويّة ومتماسكة يستمدّ منها القدرة على تخطّي كافّة الحواجز والعقبات الصعبة التي ستقف بوجهه لتصرفه عن السير باتّجاه الحقيقة.
وبهذا الشعور الإيماني العظيم الذي يتضاءل بجانبه كل شيء يشعر المستبصر باستقرار نفسي لا يشوبه أيّ خوف أو قلق.
ومن هذا المنطلق يندفع المستبصر بقوّة لمواجهة القوى المعاكسة المغرضة التي تقف بوجهه لتصدّه عن مواصلة الطريق الذي اختاره بنفسه، لأنّ المستبصر يعتقد كما ذكر سعيد أيّوب:
" إنّ على الأرض معسكران لا ثالث لهما: معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، ومعسكر الإيمان ممتدٌّ طال ما ظلّ متمسّكاً بالمنهج الذي يمدّه بكل تصوّرات الحياة، وهذا المنهج تكفّل الله تعالى بحفظه وبنصره حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، فقال تعالى: (...واللهُ مُتمُّ نورِهِ ولَو كَرِه الكافِرُونَ)(1).
( هو الذي أَرسَلَ رسُولَه بالهُدى ودينِ الحقِّ لِيُظهِرَه على الدّينِ كلّه وَلو كَرِه المُشركونَ)(2).
ووفقاً لهذه النصوص تكون الغاية قد أعلنت، وهي أنّ الله تعالى سوف يتمّ نوره ولو كره معسكر الكفر وسيظهر دينه ولو كره معسكر الشرك. فاذا كان الله تعالى قد تكفّل بهذا فما هو دور الإنسان المؤمن؟
بمعنى إذا كان الله تعالى سيتم ويظهر ولن يؤجّل إهمال جميع الخلق هذا الإتمام والظهور كما لن يعجل طاعة جميع الخلق هذا الاهتمام وهذا الظهور، فما هو دور الإنسان المؤمن في هذا النصر الذي سيتحقّق حتماً في نهاية الطريق؟
إنّ دور الإنسان الذي يأخذ موقعه في معسكر الإيمان هو أن يضع نفسه على الطريق الذي حدّده المنهج، ويسير في الحياة وفقاً لهذا التحديد، ولا شأن له متى يأتيه نصر الله، وحركة المؤمن على الطريق نحو الغاية المعلنة يقول فيها تعالى:
( وَلَنَبْلونّكُم حَتّى نَعلَمَ المُجَاهِدينَ مِنْكُم والصَّابِريِنَ ونَبلُوَا أخْبَارَكُم)(3).
وهذا الاختبار يجعل الإنسان في شعور دائم بأنّه مراقب في جميع مهامه، لأنّ حركته كعبد ارتبطت بمنهج الله تعالى كمعبود، وهو في الحياة لابدّ إما أن يكون مجاهداً وإمّا أن يكون صابراً. وكما أنّ هذه هي حركته في حياة الإبتلاء فعليها يكون عطاء المعبود في عالم الخلود، يقول تعالى: ( أم حَسِبتُم أنْ تدْخلُوا الجَنّةَ ولَمّا يَعلَم اللهُ الّذينَ جَاهَدُوا مِنْكُم ويَعلَم الصّابِريِن)(4)"(5).
ويعي المستبصر ـ كما ذكر معتصم سيّد أحمد ـ أنّه قد وضع نفسه في مقام يتطلّب منه التحلّي بالصبر والعزيمة، لأنّ الطريق الذي اختاره هو طريق أنبياء الله الذين لاقوا أشدّ أنواع العذاب من مجتمعاتهم(6) بحيث قال تعالى:
( ومَا يأتيهِم مِن نَبيٍّ إلاّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهزِؤُون)(7).
وبهذه الرؤية ينطلق المستبصر بعد استبصاره، فيقف بكل صمود وتحدّي إزاء كافّة التيّارات التي تحاول أن تسلب منه القناعات التي توصّل إليها عبر الأدلّة والحجج والبراهين.
ويقول محمّد عبد العال حول إحدى الأمور التي حفّزته على الاستقامة والصمود إزاء التيّارات المعاكسة:
" رغم أنّ مستلزمات الوحشة كانت كثيرة جدّاً وصاخبة جدّاً، إلاّ أنّني لا ولم ولن أشعر بها، لأنّني حفظت عن ظهر قلب قول الإمام علي (عليه السلام): (أيّها النّاس لا تستوحشوا طريق الهُدى لقلّة أهله)"(8).
وبهذه الرؤية، فإنّ المستبصر لا تأخذه في الله لومة لائم، لأنّه يعلم بأنّه قد أرضى الله سبحانه وتعالى في عمله الذي قام به.
ولهذا يقول التيجاني السماوي:
" ومادام هدفنا سليماً، فما قيمة اعتراض المعترضين والمتعصّبين الذين لا يعرفون إلاّ السباب والشتائم "(9).
ويقول التيجاني السماوي أيضاً في هذا المجال:
" فالله يقول: ( يَا أيُّها الّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامينَ بالقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَو على أنْفُسِكُم)(10).
ومن أجل هذه الآية الكريمة فأنا لا أبالي إلاّ برضاء الله سبحانه وتعالى ولا أخشى فيه لومة لائم مادمتُ أدافع عن الإسلام الصحيح وأنزّه نبيّه الكريم عن كلّ خطأ ولو كان ذلك على حساب نقد بعض الصّحابة المقرّبين ولو كانوا من (الخلفاء الراشدين) لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أولى بالتنزيه من كلّ البشر.
والقارىء الحرّ اللّبيب يفهم من كلّ مؤلّفاتي ماهو الهدف المنشود، فليست القضيّة هي انتقاص الصّحابة والنيل منهم بقدر ماهو دفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وعصمته ودفع الشبهات التي ألصقها الأمويّون والعبّاسيّون بالإسلام وبنبيِّ الإسلام خلال القرون الأولى التي تحكّموا فيها على رقاب المسلمين بالقهر والقوّة وغيّروا دين الله بما أملته عليهم أغراضهم الدنيئة وسياستهم العقيمة وأهواؤهم الخسيسة.
وقد أثّرتْ مؤامرتُهم الكبرى على كتلة كبيرة من المسلمين الذين اتّبعوهم عن حسن نيّة فيهم وتقبّلوا كلّ ما رَوَوه من تحريف وأكاذيب على أنّها حقائق وأنّها من الإسلام ويجب على المسلمين أن يتعبّدوا بها ولا يُناقشوها.
ولو عرف المسلمون حقيقة الأمر لما أقاموا لهم ولا لمَرويّاتهم وَزناً "(11).
ويقول التيجاني السماوي أيضاً:
"... فلا أبالي بلوم الأكثريّة ولا أباهي بمدح الأقليّة مادمت أبتغي رضا الله ورسوله ورضا الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام); وأما رضا الناس فهو غاية لا تدرك، لأنّ الناس لا يرضون إلاّ عمّا يعجبهم ولا يميلون إلاّ مع أهوائهم، وأهواؤهم شتى ( وَلَو اتّبَعَ الحَقُّ أهْوَاءَهُم لَفَسَدت السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ...)(12).
وإذا كان أغلب الناس معرضين عن الحقّ حتى وصل بهم الأمر إلى قتل رُسُل الله معاندةً للحقّ الذي لا يتماشى مع أهوائهم، قال تعالى: ( أَفَكُلّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُكُم اسْتَكبَرتُم فَفريقاً كَذَّبْتُم وَفَريقاً تَقْتُلُونَ)(13).
فلا غضاضة عليَّ إن أُهنت أو لُعنت على لسان البعض منهم الذين لم يتحمّلوا الحقّ الذي صدعتُ به في كتبي السّابقة وقد أعيتهم الحلية في الردّ عليَّ بالحجّة والدّليل العلمي فلجأوا للسبّ والشتم كما هي عادة الجاهلين.
فلا ولن أخضع للمساومات ولا للترهيب والترغيب، وسأكون المدافع بلساني وقلمي عن رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، عسى أن أحظى لديهم بالقبول فأكون من الفائزين، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب "(14).
ويقول أحد أصدقاء أحمد حسين يعقوب بعد وقوفه على حقيقة التشيّع من أوثق المصادر:
" لا أشعر بأي حرج الآن لو أعلنت وعلى رؤوس الأشهاد، وبكلّ وسائل الإعلان انّني مع بني هاشم ومع أهل بيت النبوّة، وانّني من حزبهم أو من شيعتهم، لأنّ طريقهم هي الطريق الأصوب، ومنهاجهم هو منهاج النبوّة.
ثم لماذا عليَّ أن أشعر بهذا الحرج التقليدي؟ فلقد عرف التاريخ القديم الكثير من الناس الذين تشيّعوا وتحزّبوا لمن هم أقلّ مرتبة، وأدنى مقاماً من أهل بيت النبوّة وبني هاشم (عليهم السلام)، فلقد تشيّعت الأكثريّة الساحقة من المسلمين وتحزّبت لبني أميّة وبني مخزوم وبني عديّ وبني تيم ولرجالات هذه البطون ولم نشعر بالحرج، ولم يَلُمها أحد بل أعتبرت الأكثريّة ذلك من فضائلها ومناقبها "(15).
ويقول محمّد مرعي الانطاكي حول صموده في سبيل الحقّ:
" وعلى كلّ حال نحن ثابتون كالجبل الأشمّ لا تحرّكه العواصف، والبحر الخضمّ لا يأبه بحَرّ الهجير، مشمّرين عن سواعدنا، آخذين بأذيال الحقّ، ندعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمجادلة التي هي أحسن ( وَمَن أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى الله وعَمَل صَالِحاً وَقَالَ إنّني مِن المُسْلِمينَ)(16) وقد أخذ الله بأيدينا ببركة أهل البيت (عليهم السلام)في الأحوال كلّها، ننتصر عيلهم، وهم فاشلون خائبون خاسرون، وبصنع أعمالهم يوم القيامة مَجزِيّون "(17).
ويقول إدريس الحسيني في هذا المجال:
" أن أكون من شيعة الإمام علي (عليه السلام) وأختار لنفسي طريق النبوّة في مسلك آل البيت (عليهم السلام) ليس عيباً! إنّما العيب كلّ العيب في ألاّ أكون كذلك بعد أن حصل لي العلم بوجوب هذا "(18).
وقد يصل المستبصر إلى مستوى رفيع من الوعي بحيث إذا استهزأ به البعض وعابوا عليه، يبستم ويسترحم في قلبه على حالهم، ويدعوا الله أن يرزقهم فهماً وعلماً ليدركوا بها الحقائق.
وعموماً، فإنّ أفضل موقف يختاره المستبصر في هذا المجال هو أن يقابل سوء تصرّفات قومه بالأفعال الحسنة وأن يقترب إلى إخوانه من أهل السنّة أكثر من قبل ليبيّن لهم الحق الذي خفي عليهم.
وهذا ما أوصى به السيّد محمّد باقر الصّدر (رحمة الله عليه) للتيجاني السماوي حينما التقى به في العراق:
فيقول التيجاني حول هذا الأمر:
" وكم كانت فرحتي عظيمة عندما قابلت السيّد محمّد باقر الصّدر في النجف الأشرف... وشكوت إليه ما نلاقيه من مقاومة ومن بثّ الإشاعات ضدّنا والعزلة التي نواجهها.
وقال السيّد في معرض كلامه: (لابدّ) من تحمّل المشاق، لأنّ طريق أهل البيت (عليهم السلام)صعب ووعر... وماذا قدّمنا نحن في سبيل دعوة الحقّ التي دفع ثمنها أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله وذريّته وأصحابه، كما دفع ثمنها الشيعة على مرّ التاريخ وما زالوا حتى اليوم يدفعون ثمن ولائهم لأهل البيت (عليهم السلام). فلابدّ يا أخي من تحمّل بعض الأتعاب والتضحيّة في سبيل الحقّ، فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها.
كما نصحني السيد الصدر بعدم الانزواء، وأمرني بأن أتقرّب أكثر من إخواني أهل السنّة كلّما حاولوا الابتعاد عنّي، وأمرني أن أصلّي خلفهم حتى لاتكون القطعية، واعتبارهم أبرياء، فهم ضحايا الأعلام والتاريخ المزيّف، والناس أعداء ما جهلوا.
وعملاً بنصائح الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) وكذلك بنصائح علماء النجف الأشرف عمدنا للتقرّب من إخواننا من المذاهب الأخرى ولا زمنا الجماعة، فكنّا نصلّي معاً، وخفّت بذلك حدّة التوتّر، وتمكنّا من إقناع بعض الشباب من خلال تساؤلاتهم عن كيفيّة صلاتنا و وضوئنا وعقائدنا "(19).
ومن هذا المنطلق يواجه المستبصر سوء تصرّفات قومه بروح هادئة تتحرّك بوعي وثبات وفي ضوء منهجيّة تنطلق من موقع القاعدة الإيمانيّة الصلبة.
وبهذا يعيش المستبصر ـ عند مواجهته لهذه التحدّيات ـ بعيداً عن مشاعر الخوف والقلق والضياع والاهتزاز، وبعيداً عن كافّة مشاعر الضعف التي تملأ النفس رعباً وتحطّم فيها كلّ استعداد للمقاومة، بل يستبدل المستبصر هذه المشاعر نتيجة المامه بمعارف أهل البيت (عليهم السلام) بمشاعر الثقة والسرور والثبات والوضوح في الموقف.
____________
1- الصفّ: 8.
2- الصف: 9.
3- محمّد (صلى الله عليه وآله): 31.
4- آل عمران: 142.
5- سعيد أيوب/ عقيدة المسيح الدجّال: 18.
6- أنظر: معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: 31.
7- الزخرف: 7.
8- مجلّة المنبر/ العدد: 26.
9- محمد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذكر: 176.
10- النساء: 135.
11- محمّد التيجاني السماوي/ فسألوا أهل الذكر: 174ـ175.
12- المؤمنون: 71.
13- البقرة: 87.
14- محمّد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: 16.
15- أحمد حسين يعقوب/ مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة: 282ـ283.
16- فصّلت: 33.
17- محمد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة: 61.
18- إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: 16.
19- محمّد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: 174ـ175.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page