إنّ أوّل أمنية يتمنّاها المستبصر بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) هي أن يبيّن للآخرين الحقائق التي توصّل اليها، وأن يعرّف أبناء مجتمعه الطريق الذي أخذ بيده إلى الهدى والرشاد، لأنّه يودّ أن يجد الآخرون حلاوة الاستبصار التي شعر بها حين اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ويعزّ عليه أن لا يقوم بإخراج أبناء مجتمعه من الظلمات إلى النور.
وتتوفّر هذه الفرصة للمستبصر بصورة طبيعيّة، لأنّ الناس إنطلاقاً من حبّ الاستطلاع تتوجّه إلى المستبصر وتنهال عليه لتستفسر منه أسباب تغييره للانتماء المذهبي.
وفي الحالات التي قد يكتفي الناس باستهزاء صاحبهم بعد الاستبصار، يكون السبب هو أنّهم يحسبون اعتناق صاحبهم للتشيّع نزعة عارضيّة سرعان ما تزول، ولكن بعد مضيّ فترة، عندما يجد الناس أنّ التشيّع عقيدة نالت اهتمام صاحبهم بشكل مكثّف، تتحوّل أسئلتهم من أسئلة سخريّة إلى أسئلة جادّة حول مبادىء وتعاليم مذهب التشيّع.
وهنا تتوفّر للمستبصر الفرصة المناسبة لنشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فيقوم بإيضاح جوانب كثيرة من التاريخ الإسلامي، وتبيين ما ثار في نفسه من تساؤلات وشكوك أزالت الغشاوة عن عينيه، ويوضّح لهم الملابسات التاريخيّة ويشرح لهم الحقائق التي حاول الكثير إخفاءها من أجل نيل مصالحهم الشخصّية.
ومن هذا المنطلق يتقدّم المستبصر إلى المجتمع بكلّ قوّة وشجاعة وبإصرار وحماس متلبّساً بالروح الجهاديّة حاملاً راية العمل التوجيهي من أجل استنقاذ أبناء مجتمعه من مهاوي الضلالة والانحراف، ومن أجل المساهمة في نشر الفكر الديني الرصين وتزويد الناس بعناصر اليقظة والنهوض الفكري وتوجيههم إلى المبادىء القيّمة والتراث الإسلامي الأصيل.
ويكرّس المستبصر في هذا المجال جهده للدفاع عن التشيّع والردّ على منتقديه، ويأخذ على عاتقه مهام الدعوة والتبليغ لنشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)ويشمّر عن ساعديه لخدمة هذا المذهب، ويجنّد قواه ويوظّف كل طاقاته وقدراته لتوسيع آفاق رؤية أبناء مجتمعه وتصحيح أفكارهم المشوّهة حول هذا المذهب.
ويوطّن المستبصر في هذا المجال نفسه لإعلاء كلمة الحقّ، وينذر حياته للتبليغ وخدمة الدين لتكون حياته حافلة بالعطاء الصادق لخدمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
ويحاول المستبصر خلال عمله التوجيهي أن يكون أداة مؤثّرة في تصحيح معتقدات من حوله وتقويم اعوجاجهم وإصلاح أحوالهم وتصحيح مسيرتهم، ويحاول أن تكون كلماته صادقة و واعية تحمل تفهماً وإدراكاً واضحاً لحقيقة التشيّع، لتكون سبباً في استضائة بصائر الناس وتنوير عقولهم بمعارف أهل البيت (عليهم السلام).
وفي هذا الصعيد يكون الشباب المتعطّش إلى فهم الإسلام الأصيل وتطبيق تعاليمه المتعالية الأرضيّة المناسبة والخصبة لتقبّل الحقائق.
ولهذا يقول محمّد علي المتوكّل:
" كان الشباب والطلاّب هم محور اهتمامنا ومجال دعوتنا، فكان اكثر المستبصرين فيما بعد شباباً.
لقد اتّخذنا من الجامعة منطلقاً لدعوتنا فقمنا بإصدار الصحف الحائطيّة وإقامة الأسابيع الثقافيّة بما فيها من ندوات ومحاضرات وحوارات ومعارض كتاب، لم يكن خطابنا مستغرباً في الوسط الطلاّبي! إذ نخاطب العقول ونقدّم الحجج والبراهين بين يدي رؤانا ومعتقداتنا، والطلاب بعيدون عن التعصّب والتبيعيّة خاصة إزاء الطرح الموضوعي والحجج القويّة، باستثناء الوهّابيين، فهم الفئة الوحيدة التي ناصبتنا العداء وسعت إلى عزلنا عن الطلاب عن طريق الوصم بالكفر والزندقة والانحراف الفقهي.
ويضيف محمّد علي المتوكّل:
" لقد اتّسمت دعوتنا بالموضوعيّة والهدوء واحترام الآخر، والبعد عن التفاصيل المستفزّة للآخرين، وليس ذلك تكتيكاً بل استراتيجية نستمدّها من قيم التشيّع ومبادئه التي تدعو إلى الجماعة ونبذ الفُرقة...
أما مجتمعنا التقليدي فلم نزدد بالتشيّع إلاّ قرباً منه وتفاعلاً معه، ولقد لاقت وتلاقي دعوتنا إلى أهل البيت قبولاً وتجاوباً يتناسب مع ثقافة الشعب السوداني وموروثاته الروحيّة والأخلاقيّة "(1).
ولهذا يقول التيجاني السماوي:
" فعلى المستبصرين من الشيعة في كلّ مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحقّ لكلّ أبناء الأمّة الإسلاميّة، فلم يكن أئمّة أهل البيت حكرة على الشيعة وحدهم، إنّما هم أئمّة الهدى ومصابيح الدجى لكلّ المسلمين "(2).
____________
1- محمّد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: 69ـ70.
2- محمّد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: 27.
تصدّي المستبصرين لمهمّة الدعوة للتشيّع
- الزيارات: 938