يختلف المستبصرون فيما بينهم في مجال أساليب الدعوة لنشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ويحاول كلٌ منهم أن يستخدم الأسلوب الذي يجد فيه أكبر قدر ممكن من النتائج المثمرة في الصعيد الاجتماعي الذي هو فيه.
فالبعض ـ من قبيل حسن شحاتة ـ يفضّل استخدام اللهجة الشديدة والأسلوب الاستفزازي، لأنّه يرى أنّ هذا الأسلوب يحرّك النفوس الأبيّة وتكون ثماره مذهلة.
ويقول هذا المستبصر حول سبب حدّة لهجته في هذا المجال:
"[انّ أعداء أهل البيت (عليهم السلام)] يستحقّون أكثر من ذلك، فقد شاء الله أن كل أمّة عادت نبيّها وكالت له وآذته، ولكن ما أوذيَ نبيٌّ مثل ما أوذيَ نبيُّنا في نفسه وآل بيته، فقد دُبّرت له صلوات الله عليه وآله أربعون مؤامرة لقتله، ونجّاه الله، ثمّ ظلموه في أخيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته تكراراً واتّهموه بأنّه سدّ أبوابهم وترك باب أخيه وأخرجهم من المسجد وترك أخاه، وفي كل مرّة يدفع الله أعلام آل البيت وينبّه بمقامهم...
هذا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، أما بعد وفاته فإنّهم قد انقضوا عليه في آل بيته، فأوّل ما قاموا به أن اغتصبوا مقام أخيه أمير المؤمنين الذي أقامه الله فيه، وأخذوا الخلافة بمسرحيّة قذرة أقاموها في زريبة بني ساعدة! ثمّ انقضوا على الزهراء قرّة عين المصطفى وفلذة كبده، فاغتصبوا حقّها وميراثها وآذوها وشتموها في ملئهم وأحرقوا دارها وكسروا الباب على ضلعها وأسقطوا جنينها وجرى ما جرى عليها!! وغضبت الزهراء وعند غضبها يغضب الله، ومن يغضب الله عليه يستحقّ اللعن الدائم، فلعن الله من آذى النبيَّ فيها، بأبي هي وأمّي كانت شهيدة...(بكى الشيخ ولم يكمل)"(1).
ويرى التيجاني السماوي أنّه لا مانع من توخّي الأسلوب الليّن فيقول:
" وإن كنت أعتقد بأنّ الأسلوب الاستفزازي الذي يحرّك النفوس الأبيّة والذي اعتمدته في الكتب السابقة قد أتى بنتائج مثمرة ومذهلة، إلاّ أنّه لا مانع من توخّي الأسلوب الليّن المسالم الذي قد يُقنع الكثير من الناس فتكون ثماره ألذُّ وأشهى "(2).
ويرى إدريس الحسيني في هذا المجال:
" إنّ شعوبنا أصبحت ـ بفضل الله ـ على درجة من الوعي قادرة أن يجعلها في مستوى استيعاب الفكرة ولا داعي لأن نكثر من شرح المعتقد "(3).
ويرى صالح الورداني أنّ ذلك يتّبع الطرف المقابل، فانّ الذي يواجه جبهات تعلن الحرب ما بين الحين والآخر على الشيعة والتشيّع دون هوادة، بمناسبة وبدون مناسبة، وتطعن في عقائد الشيعة من منطلق حقد دفين لا يدلّ على تقوى أو ورع أو حرص على الإسلام والمسلمين، أو تواجه التشيّع على أسس غير علميّة وغير موضوعيّة، فمن الطبيعي أن يكون الردّ على مستوى المواجهة(4).
ويقول صالح الورداني حول سبب استخدامه اللهجة الشديدة في بعض الأحيان:
" ليس من يجلس على الشاطىء كمن يصطرع مع الأمواج "(5).
ثمّ يقول:
" إنّ كتاباتنا إنّما تعكس حالة الرأي العام الإسلامي في مصر الذي يتقبّل هذه اللغة ويحتاجها وهو ما لمسناه من ردود الأفعال الايجابيّة تجاه كتبنا ليس على مستوى الداخل فقط، بل على مستوى الخارج أيضاً، وإنّني في كتاباتي لا أعتبر أنّني أدافع عن التشيّع، وإنّما أدافع عن الإسلام الحقيقي الذي جاءنا عبر آل البيت عليهم الصلاة والسلام "(6).
ثمّ يضيف:
" إنّ المجتمع السنّي يحتاج إلى هزّة كبيرة حيث أنّ المعتقدات السنيّة قد عيّشت هذا المجتمع في وهم كبير، وهم النجاة من النار واحتكار الحقّ في دائرته، وذلك الوهم الناتج من كم الروايات التي تقوم على أساسها هذه المعتقدات.
ونظراً لتجربتي الطويلة في المجتمع السنّي جماعات وأفراد وأطروحات أيقنت بهذا، من هنا برزت مؤلّفاتي تحمل طابع التحدّي والمواجهة من أجل تحقيق هذه الهزّة، وسواء كان الأمر إثارة الإشكالات العقائديّة أو التعرّض للصحابة ونفي القداسة عنهم أو التشكيك في روايات أهل السنّة، فكل ذلك مطلوب ومن شأنه أن يحدث هذه الهزّة المطلوبة "(7).
ويقول إدريس الحسيني حول أسلوبه الحاد في مخاطبة أهل السنّة:
" إنّنا لنعتقد ـ بكلّ أسف ـ ما شحنت به كتاباتنا السابقة، تلك التي جاءت حامية، ناريّة.. وما تركته من صدمات في بعض النفوس، وما أثاره من إرباك في نفوس أخرى.. وأيّاً كان موقفي العقدي، فلست ممن تأخذه العزّة بالجهل والجفاء.. لعلّ الأمر كما سبق وأن قلت عدّة مرّات، أمر انتقال جرى على ذاتي، وأفقدني هدوئي. ونظراً لما
رأيته من فتاوى وتشنيعات، ما كان لي أن أعطيها ذلك الاعتبار.. فإنّي أعلم حقّاً أنّ من إخواننا أهل السنّة مَن لهم قابليّة الحوار.
ولقد فوجئت بما أثاره مؤلّفي الأوّل وكذا الثاني، من اهتمام شريحة واسعة من القرّاء.. منهم المُعجب ومنهم المعترض.
وأقول بهذا الخصوص، إن كان مبعث اعتراض البعض، موجّه إلى الأسلوب القاسي، ولاختراق تلك التابوهات المحرمة الممنوعة، فانّ لهم عليَّ أن يؤاخذوني، لأنّ أسلوباً كهذا لا يمكن أن يؤدّي إلاّ إلى ردّة فعل الطرف الآخر، سواء أكان معادياً أو غير متفهّم. ولكن الحقائق التي بحثناها، لا زالت تشكل أزمة حقيقيّة وتحدّياً لتراثنا المعرفي بشكل عام "(8).
____________
1- مجلّة المنبر/ العدد: 11.
2- محمّد التيجاني السماوي/ كل الحلول عند آل الرسول (عليهم السلام): 11.
3- إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: 240.
4- انظر: مجلّة المنبر/ العدد 22، لقاء مع صالح الورداني.
5- المصدر السابق.
6- المصدر السابق.
7- المصدر السابق.
8- إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: 205.
أساليب الدعوة عند المستبصرين
- الزيارات: 1113