• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثاني أضواء على المسيرة

أولا: أضواء على الساحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

كان في الساحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميع الأنماط البشرية، بها المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، وبها الذين في قلوبهم مرض أو زيغ وهؤلاء لا يخلو منهم مجتمع على امتداد المسيرة البشرية.
وكان الذين في قلوبهم مرض يختزنون في ذاكرتهم بعض ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ما يستقبل الناس، ومنه تفسيره لقوله تعالى:
(وجاهدوا في الله حق جهاده) (الحج: 78)، قوله: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) (الزخرف: 41)، وقوله تعالى: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) إبراهيم:
(28)، وقول النبي القرشي: (يا معشر قريش، ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان، فيضرب رقابكم على الدين، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وقد كان ألقى نعله إلى علي بن أبي طالب يخصفها) (1).
وكان في الساحة أفراد وقبائل ذمهم الله - تعالى - أو لعنهم على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه لعلم الله بما في قلوبهم، ومنه أمره صلى الله عليه وآله وسلم بجهاد مخزوم وعبد شمس (2)، وقوله: (إن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم) (3)، وفي رواية:
(بنو أمية وثقيف وبنو حنيفة) (4) ولعنه للحكم بن أبي العاص (5)، ولعنه لأبي الأعورالسلمي (6)، ولعنة لأحياء: لحيان ورعلا وذكوان وعصية (7)، وكان في الساحة مجموعة تخريبية من اثني عشر رجلا، حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند عودته من تبوك، آخر غزواته، وأسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم إلى حذيفة، وكان حذيفة وعمار بن ياسر معه صلى الله عليه وآله وسلم عند محاولة هذه المجموعة اغتياله، وروي أن حذيفة قال: يا رسول الله، ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله، فقال: (أكره أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحذيفة: (فإن هؤلاء فلانا وفلانا (حتى عدهم) منافقون لا تخبرن أحدا) (8)، وعدم إفشاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم يستنتج منه أن هذه المجموعة لم تكن من رعاع القوم، وإنما من أشد الناس فتكا، وقتلهم يؤدي إلى طرح ثقافة يتناقلها الناس بأن محمدا في آخر أيامه بدأ يقتل أصحابه، ويستنتج منه أيضا أن الله - تعالى - شاء أن تنطلق المسيرة تحت مظلة الامتحان والابتلاء، بعد أن تبينت طريق الحق وطريق الباطل، وإخفاء أسماء المجموعة التخريبية هو في حقيقته دعوة للالتفات حول الذين بينهم وأظهرهم رسول الله للناس. وروى الإمام مسلم عن حذيفة أنه قال: (أشهد الله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (9)، وروي عن عمار بن ياسر أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط) (10)، وكان عمار بن ياسر علامة مميزة في المسيرة لأنه كان يحمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) (11).
فالساحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان فيها جميع التيارات، وكان فيها مجموعة حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ويبدو من قراءة الأحداث أنه كان في الساحة مجموعة من أصحابه أخذت في اعتبارها أن ولاية علي بن أبي طالب قد تؤدي إلى أحداث اعتقدوا أنها يمكن أن تعصف بالدعوة، فاختاروا حلا وسطا، يبعد به علي بن أبي طالب عن مركز الصدارة، وتظل به الدعوة قائمة، ويشهد بذلك قول أبي بكر - رضي الله عنه - لرافع بن أبي رافع حين عاتبه على توليه الخلافة: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض والناس حديثو عهد بكفر، فخفت أن يرتدوا وأن يختلفوا فدخلت فيها وأنا كاره) (12)، وفي رواية قال: (تخوفت أن تكون فتنة يكون بعدها ردة) (13)، ويشهد به - أيضا - قول عمر بن الخطاب أثناء خلافته: (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة) (14)، قال في لسان العرب: (يقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي فجأة، إذا لم يكن عن تدبر ولا ترو، والفلتة: الأمر يقع من غير إحكام، وفي حديث عمر أراد فجأة وكانت كذلك، لأنها لم ينتظر بها العوام، وقال ابن الأثير في حديث عمر: والفلتة كل شئ فعل من غير روية، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر) (15). ويشهد به قول عمر لابن عباس: (يا ابن عباس، ما منع قومكم منكم؟ قال:
لا أدري، قال: لكني أدري، يكرهون ولايتكم لهم، يكرهون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة) (16)، وزاد في رواية: (فاختارت قريش لنفسها فأصابت ووفقت) (17).
وروي أن عمر بن الخطاب - عندما اختلف بعض الأنصار مع بعض المهاجرين في سقيفة بني ساعدة، على من الذي يتولى الخلافة ومن يتولى الوزارة - أمرا بقتل مرشح الأنصار سعد بن عبادة، وذلك حينما اشتد الخلاف وتشابكوا بالأيدي، روى الطبري: (قال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا ألا تطأوه، فقال عمر: اقتلوه اقتلوه، ثم قام على رأسه فقال: بقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك) (18)، وروى البخاري: (قال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله) (19)، وكتبت النجاة لسعد، وروي أنه قال بعد بيعة أبي بكر: (لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي) (20)، ولم يبايع سعد حتى خرج في خلافة عمر بن الخطاب إلى الشام، وقتل في الطريق، وروي أن الجن هم الذين قتلوه!

ثانيا: أضواء على حركة الاجتهاد والرأي

على امتداد عهد البعثة كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وكان في الساحة من سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ولم يحفظه على وجهه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه، وكان في الساحة من سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا يأمر به، ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه - ولو علم المسلمون - إذ سمعوه منه - أنه منسوخ لرفضوه، وكان في الساحة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، لم يكذبوا على الله ولا على رسوله، حفظوا ما سمعوا على وجهه، فلم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه، حفظوا الناسخ فعملوا به، وحفظوا المنسوخ فاجتنبوه، عرفوا الخاص والعام، والمحكم والمتشابه، فوضعوا كل شئ موضعه، وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان، فكلام خاص وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى به الله سبحانه، ولا ما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان يسأله ويستفهمه، حتى أن كانوا يحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ، فيسأله - عليه الصلاة والسلام - حتى يسمعوا، وقال الإمام علي: وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه وحفظته (21). ويضاف إلى هذه الأصناف، الذين احترفوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده، حتى قام خطيبا فقال: من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار).
ونظرا لاتساع الهوة في رواية الحديث بعد إبعاد أهل البيت عن مكانتهم في الذروة، اختلف الناس في الفتوى، حتى قال الإمام علي: (ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب اراءهم جميعا، وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله - تعالى - بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل سبحانه دينا تاما فقصر الرسول عن تبليغه وأدائه؟ والله تعالى يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (الأنعام: 38)، وفيه تبيان كل شئ.
وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا، وأنه لا اختلاف فيه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (النساء: 82). إن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به) (22).
ويشهد بعدم معرفة جميع الصحابة بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختلافهم في الفتوى، ما رواه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: (إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يشبع بطنا، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون) (23)، وروى البخاري أن عمر ابن الخطاب لم يكن يعلم حكم الاستئذان، وذلك عندما استأذنه أبو موسى، وعندما لم يؤذن له رجع، فقال له عمر: ما منعك؟ قال: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع، فقال عمر: والله لتقيمن عليه بينة، فانطلق أبو موسى إلى مجلس من الأنصار، وقال: أمنكم أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال أبي بن كعب: لا يقوم معك إلا أصغر القوم - وفي رواية: لا يشهد إلا أصاغرنا (24) -، قال أبو سعيد الخدري:
(وكنت أصغر القوم، فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك) (25)، وفي رواية: قال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألهاني الصفق بالاسواق) (26).
ويشهد بأنهم لم يكونوا على علم بجميع ما روي عن رسول الله، ما روي في حديث صحيح، عن سالم بن عبد الله عن أبيه: (إن أبا بكر وعمر وناسا، جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو أسأله، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك، ووثبوا إليه شيعا حتى أتوه في داره، فأخبرهم بحديث رسول الله..) (27).
ويشهد باختلافهم في الفتوى، أن عمر بن الخطاب لم يكن يعلم حكم دية الأصابع، فكان يقضي بتفاوت ديتها على حسب اختلاف منافعها، حتى وجد كتابا عند آل عمرو بن حزم، يذكر فيه سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك (28)، ولم يعلم عمر حكم الجنين إذا أسقط قبل ولادته، حتى جاء المغيرة بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك (29)، واختلفوا في ميراث الجدة (30) وبالجملة، اجتهد الصحابة تحت سقف الامتحان والابتلاء، وكان الاجتهاد قابلا للخطأ وللصواب، فعن موسى بن إبراهيم قال: (إن أبا بكر حين استخلف، قعد بيته حزينا، فدخل عليه عمر بن الخطاب، فأقبل أبو بكر عليه يلومه، وقال: أنت كلفتني هذا الأمر، وشكا إليه الحكم بين الناس، فقال عمر: أو ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الوالي إذا اجتهد فأصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد). فكأنه سهل على أبي بكر) (31).

ثالثا: المقدمات العمرية والنتائج الأموية
1 - الأمر برواية الحديث

أمرت الدعوة الإلهية الخاتمة بتدوين ما بين الناس حفظا للحقوق، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)، إلى قوله تعالى:
(ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا) (البقرة) 282)، قال الخطيب البغدادي: (أدب الله - تعالى - عباده بقيد ما بينهم من معاملات في بداية التعامل حفظا للدين وإشفاقا من دخول الريب فيه، فلما أمر الله - تعالى - بكتابة الدين حفظا له، كان العلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدين، أحرى أن تباح كتابته خوفا من دخول الريب والشك فيه) (32)، والكتابة أوكد الحجج، ببطلان ما يدعيه أهل الريب والضلال، فالمشركون لما ادعوا بهتانا اتخاذ الله - سبحانه - بنات من الملائكة، أمر الله - تعالى - رسوله أن يقول لهم (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) (الصافات: 157).
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكتابة العلم، وقال: (قيدوا العلم بالكتاب) (33)، وعن رافع قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تحدثوا، وليتبوأ من كذب علي مقعده من النار، قلت: يا رسول الله، إنا لنسمع منك أشياء فنكتبها؟
قال: اكتبوا ولا حرج) (34)، وعن أبي هريرة قال: (ليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مني حديثا عن رسول الله إلا ابن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب) (35).
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) (36)، وكان يقول: (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) (37)، وقال:
(تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم) (38).
ولقد وقف البعض من قريش في طريق الرواية والكتابة، ومن المحفوظ أن الله - تعالى - لعن على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعض الأفراد والقبائل، وأن الرسول ذكر أسماء رؤوس الفتن وهو يخبر بالغيب عن ربه، حتى أن حذيفة قال:
(والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) (39)، ويشهد بصد قريش عن الرواية، ما روي عن عبد الله بن عمرو قال: (قلت: يا رسول الله، أقيد العلم؟ قال: نعم، قلت: وما تقييده؟ قال: الكتابة) (40)، وروي عنه أنه قال:
(كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اكتب، والذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا حق - وأشار إلى فيه) (41)، وما حدث مع عبد الله، حدث مع ابن شعيب، فعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قلت: يا رسول الله، أكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضا والغضب؟ قال: نعم، فأني لا أقول في ذلك كله إلا حقا) (42).
وبينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحث على الرواية والكتابة على امتداد عهد البعثة، كان يخبر بالغيب عن ربة بأنه يوشك أن يكذبه أحدهم، وأن الرواية سيتم تعطيلها إلى أن يشاء الله، فعن معد يكرب قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته، يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) (43).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (لألفين أحدهم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري بما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه) (44)، وقوله: يوشك، إشارة إلى أن الأمر قريب، وقوله: متكئ على أريكته، المتكئ: كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا.
أ - اجتهادات الصحابة في رواية الحديث وتدوينه
اجتهد أبو بكر - رضي الله عنه - في رواية الحديث وتدوينه، فقد روى الحافظ عماد الدين بن كثير عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: (جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب كثيرا، فغمتني، فقلت: تتقلب بشكوى أو بشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئت بها، فدعا بنار فأحرقها، وقال:
خشيت إن أموت وهي عندك، فيكون أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني، فأكون قد تقلدت ذلك) (45)، وذكر الذهبي في تذكرته عن أبي بكر أنه قال: (إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها، الناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه) (46).
وروي أن عمر بن الخطاب قال في خلافته: (إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم، كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني - والله - لا شوب كتاب الله بشئ أبدا) (47)، وروي عن مالك أن عمر قال: (لا كتاب مع كتاب الله) (48)، وعن يحيى بن جعدة قال: (أراد عمر أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شئ من ذلك فليمحه) (49)، وعن القاسم بن محمد أن عمر قال: (لا يبقى أحد عنده كتاب إلا أتاني به فأرى فيه رأيي، فظن الناس أنه يريد إن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار) (50).
وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن (عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولأبي ذر ولأبي الدرداء: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب) (51)، وعن السائب بن يزيد قال: (سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو لألحقنك بأرض دوس) (52)، وعن الزهري عن أبي سلمة قال: (سمعت أبا هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبض عمر بن الخطاب) (53).
وبعد عمر بن الخطاب بدأ بعض الصحابة يرون بعض ما عندهم، فأخذ عثمان بن عفان بسنة عمر في عدم الرواية، فعن محمود بن لبيب قال:
(سمعت عثمان بن عفان يقول: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع في عهد أبي بكر ولا عهد عمر) (54)، ثم أخذ معاوية بن أبي سفيان بهذه السنة، فقال:
(أيها الناس، أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كنتم تتحدثون فتحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر) (55).
وعندما جاء عهد الإمام علي بن أبي طالب، لم يكن السواد الأعظم من الأمة يعرفون عنه إلا القليل، وذلك لأن عهده جاء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بربع قرن تقريبا، عتم فيها عدم الرواية على منزلته ومناقبه، وفي عهده بدأ الصحابة يروون الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان علي يقول: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، قالوا: يا رسول الله، ومن خلفائك؟ قال: الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي ويعلمونها للناس) (56)، وعن الحسن بن علي قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رحمة الله على خلفائي، قالوا: ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: الذين يحبون سنتي ويعلمونها للناس) (57)، وعن سعيد بن المسيب قال: (ما كان أحد من الناس يقول: سلوني، غير علي بن أبي طالب) (58)، وكان علي يحض الناس على السؤال، ويقول: (ألا رجل يسأل فينتفع، وينتفع جلساؤه) (59)، وكان يقول:
(تزاوروا وتدارسوا الحديث، ولا تتركوه يدرس (أي تعهدوه لئلا تنسوه) (60)، وقال: (تعلموا العلم، فإذا علمتموه فاكظموا عليه ولا تخالطوه بضحك وباطل فتمحه القلوب) (61).
وبالجملة، بينت الدعوة الإلهية الخاتمة، أن الحديث عن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، لا غنى للمسيرة عنه، لأنه مكمل للتشريع ومبين لمجملات القرآن، ومخصص لعموماته ومطلقاته، كما أن الحديث تكفل بكثير من النواحي الأخلاقية والاجتماعية والتربوية، وأخبر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب عن ربه جل وعلا، فبين للناس ما يستقبلهم من أحداث ليأخذوا بأسباب النجاة من مضلات الفتن، وبعد رحيل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد بعض الصحابة في أمر الرواية والتدوين، ولقد تواترت الأخبار في منع عمر بن الخطاب الصحابة، وهم الثقات العدول، وردعهم عن رواية العلم وتدوينه، وفي هذا يقول ابن كثير (هذا معروف عن عمر) (62)، ثم سار على سنة عمر خلفاء وملوك بني أمية، ولم ترو الأحاديث الجامعة للعلم والمبينة للناس ما يستقبلهم من أحداث، إلا في عهد الإمام علي بن أبي طالب (63).
ب - من آثار عدم الرواية والتدوين
كانت أهم آثار عدم الرواية، ظهور القص في المساجد، ومن خلال القص دخلت الأحاديث الإسرائيلية، ورفع القص من شأن أفراد وقبائل ذمهم الله على لسان رسوله، وفي الوقت نفسة عتم القص على أفراد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وفي عهد الإمام علي - وعندما أظهر الإمام أحاديث رسول الله - قابلة أهل الشام وغيرهم بأحاديث يجري القص في عروقها، وترتب على ذلك اختلاط الأمور على السواد الأعظم من الأمة، ولم يكونوا من الصحابة حتى يميزوا بين الصالح والطالح، وجرت المعارك، ثم اختلفت الأمة وتفرقت، وكان في حوزة كل فرقة أحاديث تتفق مع أهواء شيوخهم.
1 = - أضواء على القص
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا) (64)، وقال:
(سيكون بعدي قصاص لا ينظر الله إليهم) (65)، وأول من أمر بالقص، كان عمر بن الخطاب، روى الإمام أحمد عن السائب بن يزيد قال: (إنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أبي بكر، كان أول من قص تميم الداري، استأذن عمر أن يقص على الناس قائما فأذن له) (66).
واستلم بنو أمية أعلام القص بعد ذلك، روي أن عبد الملك بن مروان قال: (إنا جمعنا الناس على أمرين: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر) (67)، ولبس القص الزي الديني في عهد بني أمية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبدأ بالصلاة في العيدين ثم يخطب بعد ذلك، ففعل بنوا أمية العكس، وبدأوا بالخطبة لينشروا بذلك مذهبهم السياسي بين الناس، روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته وسلم، قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت لهو حاجة بغير ذلك أمرهم بها (68).
إما التغيير ففي ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري: (إن مروان خطب قبل الصلاة، فقال له أبو سعيد: غيرتم والله، قال مروان: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقال: ما أعلم - والله - خير مما لا أعلم، قال مروان: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة)، وقد اختلف في أول من سن هذه السنة، قال في تحفة الأحوازي: (اختلف في أول من غير ذلك، فرواية الإمام مسلم صريحة في أن مروان أول من بدأ الخطبة قبل الصلاة، وقيل: سبقه إلى ذلك عثمان بن عفان، روى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري، قال: أول من خطب قبل الصلاة عثمان، وروي أن مروان فعل ذلك تبعا لمعاوية ومعاوية عندما قدم المدينة قدم الخطبة) (69).
وكان الإمام علي يتصدى للقصاصين وينهاهم عن القص، فعن أبي البحتري قال: (دخل علي بن أبي طالب المسجد، فإذا رجل يخوف، فقال:
ما هذا؟ قالوا: رجل يذكر الناس، فقال: ليس برجل يذكر الناس، ولكنه يقول: أنا فلان بن فلان، اعرفوني فأرسل إليه فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ، قال: لا، فقال: أخرج من مسجدنا ولا تدكر فيه) (70).
وبالجملة، قال في الفتح الرباني: القص: هو إخبار الناس بقصص الماضيين، وعمل ذلك مذموم شرعا، لأنه يصرف الناس عن الاشتغال بالعلوم الدينية، ولم يعهد ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال ابن حبان: (قال أبو حاتم: كان القصاصون يضعون الحديث في قصصهم، وكانوا إذا دخلوا مساجد الجماعات ومحافل القبائل من العوام والرعاع أكثر جسارة على وضع الحديث) (71)، كما وضعوا أحاديث تنافي عصمة الأنبياء، فجعلتهم يخطئون، ونسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسب ويلعن ويجلد بغير سبب، ونسبوا إليه أنه كان يسهو في الصلاة، وأنه كان ينسى آيات القرآن الكريم، وأرادوا من وراء تجريد النبي من العصمة أن يبرروا أخطاء الأمراء الذين جلدوا الشعوب وضيعوا الصلاة، وأن يعطوا للذين لعنهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم جواز المرور لتولي المراكز القيادية.
ووضع القصاصون أحاديث تحمل بصمة أهل الكتاب، وألصق بالتفسير روايات وقصص لا يتصورها عقل، ولا يجوز أن يفسر بها كتاب الله، ووضعوا في هذه الأحاديث أن الله يشغل حيزا من المكان، ويضحك، وينتقل من مكان إلى آخر، وأنه يتألف من أعضاء، وهو عبارة عن هيكل مادي، وعين ويد وأصابع وساق وقدم.
وبالجملة، كان القص وراء تغييب العقل ووطئه بالأقدام، وتحت سقفه اختل منهج البحث ومنهج التفكير ومنهج الاستدلال، وعلى موائده لا تظهر القراءة النقدية المتفحصة التقييمية إلا بعد عناء شديد، وكان القص وراء إهمال الواجبات، والتسامح في المحرمات، والتهاون بالسنن والمستحبات، وكان البذرة الأولى لظهور المبادئ والمنظمات الباطلة التي وضعت القوانين على طبق أهوائهم وآرائهم، وعلى هذه المبادئ انقسمت الأمة إلى قوافل، وكل قافلة تتولى حزبا وتدعمه، لأنها تميل إلى قوانينه، وتحب القائمين عليه، وعلى رؤوس الجميع الحجة قائمة. والله - تعالى - ينظر إلى عباده كيف يعملون.
2 - الخفوت والظهور
وكان من آثار عدم الرواية التعتيم على أهل البيت، وذلك لأن الأمر بحرق الكتب أطاح بالعديد من الأحاديث التي تبين منزلة أهل البيت ومناقبهم، ويشهد على ذلك ما رواه الخطيب البغدادي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: (جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن، صحيفة فيها أحاديث في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاستأذنا على عبد الله، فدخلنا عليه، فدفعنا إليه الصحيفة، فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن، أنظر فيها، فإن فيها أحاديث حسانا، فجعل يميثها في الماء، ويقول: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن)
(يوسف: 3)، القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بما سواه) (72).
ويشهد بذلك إن عليا عندما تولى الخلافة لم يكن السواد الأعظم يعلم عن منزلته ومناقبه شيئا، حتى أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، أن يقوم، وكان قد جمعهم في الرحبة، ولم يعرف العوام مناقبه إلا من خلال ما رواه الصحابة بعد ذلك، وكان العديد من الصحابة يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن مناقبه، ولكن هذا الحديث لم يكن يخرج إلى الساحات العامة، وفي مقابل هذا التعتيم، كان لعدم الرواية الأثر الكبير في ظهور الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه، ويشهد بذلك ما روي عن حذيفة أنه قال: (والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا وقد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) (73)، ومعنى (أم تناسوا) أي أظهروا النسيان لمصلحة، ومعنى (باسمه واسم أبيه)، يعني وصفا واضحا مفصلا لا مبهما، مجملا، فالاستقصاء متصل.
وروي عن حذيفة أنه قال: - إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون) (74)، وقال: (إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان) (75)، وحذيفة مات بعد مقتل عثمان بأقل من شهر، وكان مريضا، وعندما علم بأن الناس بايعوا علي بن أبي طالب، بايع وهو على فراش المرض، وحث الناس على الالتفاف حول علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر، وأمر ولديه بالقتال مع علي، فقاتلا تحت أعلام الإمام علي، حتى قتلا (76).
وبعد ظهور النفاق في ظل سياسة اللارواية، خاف الصحابة فلم يحدثوا بالأحاديث الكاشفة، ويشهد بذلك، ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال:
(حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم) (77)، وعنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش)، إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان) (78)، وعنه أنه قال: (إني لأحدث أحاديث، لو تكلمت بها في زمان عمر، أو عند عمر، لشج رأسي (79).
ويشهد به أيضا، ما روي عن بجالة قال: (قلت لعمران بن حصين:
حدثني عن أبغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: تكتم علي حتى أموت؟ قلت: نعم: قال: بنو أمية وثقيف وبنو حنيفة) (80). ومن الثابت والمعروف أن بني أمية شقوا طريقهم نحو السلطة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر أبو بكر - رضي الله عنه - يزيد بن أبي سفيان على الشام (81)، وبعد وفاة يزيد، قام عمر بتأمير معاوية (82)، وروي أن عمر كان يقول للناس: (أتذكرون كسرى وعندكم معاوية؟) (83)، وقال لهم عندما ذكروا معاوية: (دعوا فتى قريش وابن سيدها، إنه لمن يضحك في الغضب، ولا ينال منه إلا على الرضا) (84).
وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي يحذر فيها من بني أمية أحاديث كثيرة، منها: ما روي عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا بلغ بنو أمية أربعين رجلا، اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا) (85)، ومعنى (مال الله دولا)، أي: يكون لقوم دون قوم،
(وعباد الله خولا) أي،:
خدما وعبيدا، (ودين الله دغلا)، أي: يدخلون في الدين أمورا لم ترد بها السنة.
والحديث روي عن أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي ذر، ورواه الإمام أحمد، والحاكم، وأبو يعلى، والطبراني، والبيهقي، وروي بلفظ:
(إذا بلغ بنو أبي العاص)، وبلفظ: (إذا بلغ بنو فلان)، وقال الحاكم بعد روايته للحديث: (ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي، وأن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم، ولم يسعني فيما بيني وبين الله - تعالى - أن أخلي الكتاب من ذكرهم) (86).
والخلاصة، أنه كان لسياسة اللارواية واللاتدوين آثار جانبية، منها:
اكتفاء الناس بتلاوة القرآن دون الوقوف على معانيه وأهدافه، وأدى ذلك إلى ظهور الذين يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وفي عهد الإمام علي ظهرت حقيقتهم أمام الناس، وحاربهم الإمام في موقعة النهروان، وما زالت بقيتهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، لأن منهجهم وثقافتهم لن تموت حتى يخرج الدجال، ومنها: ظهور الذين لعنهم الله على لسان نبيه بعد أن ضاع التحذير منهم في عالم اللارواية، ومنها التعتيم على الهداة، واقتصر ذكرهم في المجالس الخاصة، ومنها: ظهور القص وعلى مائدته صنعت مناقب وتواريخ لقوافل لا تحمل من العلم إلا قشوره، وعلى القص ظهرت ثقافات التحمت مع ثقافة أهل الكتاب، وتشهد بذلك عقيدة الجبرية، يقول الشيخ محمد أبو زهرة: (أول من دعا إلى هذه النحلة من المسلمين الجعد بن درهم، وقد تلقى ذلك عن يهودي بالشام، لأن اليهود أول من فعل ذلك وعلموه بعض المسلمين، وهؤلاء أخذوا ينشرونه) (87)، ولقد استغل بنو أمية هذه العقيدة في إخضاع المسلمين، بحجة أن قيادتهم مفروضة عليهم بقضاء الله وقدره، وأن أي تمرد عليهم هو تمرد على قضاء الله، ولقد قامت هذه العقيدة على أحاديث وضعها القصاص، كان الهدف من ورائها تزييف النشاط الإنساني منذ بدء الخلق إلى قيام الساعة، وتحت أعلام عقيدة الجبر انطلقت جحافل بني أمية إلى ديار المسلمين، بعد أن مهد القص والأحاديث الموضوعة طريقهم نحو اتخاذ دين الله دغلا، ليتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، من أمثال: حجر بن عدي، والحسين بن علي، وغيرهما.
ولم تكن عقيدة المرجئة بعيدة عن نسيج القصاص، لأن الأحاديث الموضوعة هي التي غذتها، وعلى ذروة عقيدة المرجئة يجلس يوحنا الدمشقي، وهو آخر كبار علماء النصرانية على مذهب الكنيسة الإغريقية، وكان أبوه صاحب عبد الملك بن مروان، وصنف يوحنا كتابا في فضائل النصرانية على منهج محادثة بين مسلم ونصراني (88)، وقال الشيخ أبو زهرة:
(كان يوحنا يبث بين علماء النصارى في البلاد الإسلامية طرق المناظرات التي تشكك المسلمين في دينهم، وظهرت آراء يوحنا بالشام)، بعد أن وجدت لها حصنا صنعه القص والأحاديث الموضوعة، ومن خلال هذا الالتقاء تطرق البحث حول مرتكب الكبيرة، هل هو مؤمن أم غير مؤمن؟ وهل يضر مع الإيمان ذنب؟ وعلى مائدة البحث خرجت العقيدة التي تعتذر عن بني أمية في ما ارتكبوه من جرائم، بمعنى: لقد ضربوا بعقيدة الجبرية، واعتذروا بعقيدة المرجئة، التي تقول بأن لا ينبغي المفاضلة بين المسلمين، ولا الحكم على أحد بتقوى وغير تقوى، فالمسلم يكفي أن يكون مسلما، وبهذه العقيدة تم الافتراء على الله ورسوله بتغيير الأحكام الشرعية، وإظهار البدع والباطل، وقولهم: إن الأمة مرحومة، والله رفع العذاب عنها، وإنهم في أمن من عذاب الله وأن انهمكوا في كل إثم وخطيئة، وهتكوا كل حجاب، والأمة مغفور لها، محسنهم ومسيئهم، وإن لهم الكرامة في الدنيا، ولهم أن يفعلوا ما شاءوا بعد أن استظلوا بمظلة حجاب الأمن، ولهم في الآخرة مغفرة توجب فتح أبواب الجنة أمامهم، وبعقيدة المرجئة اشتد الساعد بعد أن ارتدى قفازا من حرير في الوقت الذي يحتفظ فيه بقبضته الحديدية، وملئت الأرض ظلما وجورا.

2 - مخالفة السنة النبوية في قسمة الأموال

أ - مخالفة الأمر النبوي في الأموال
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال) (89)، ولما كانت فتنة الأمة في المال، بينت الشريعة الخاتمة موضع الرحاب الآمن، وشاء الله أن يكون الأمن في فعل الرسول، بمعنى أن النجاة لن تكون في منع الرواية عن الرسول، لأن الله - تعالى - بين موضع كل مال وقسمه بين عباده تقسيما حقا بوضع قوانين عادلة تقضي على منابت الفساد، وهذه القسمة وهذه القوانين نفذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، وفي الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقيم الحجة، كان يخبر بالغيب عن ربه ويقول: (إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من قبلكم وهما مهلكاكم) (90)، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر تدفع هذا الهلاك، ومنها إعطاء الصدقة، لأن من خاصتها أنها تنمي المال، لأنها تنشر الرحمة وتورث المحبة، وتؤلف بين القلوب وتبسط الأمن، وتصرف القلوب عن أن تهم بالغضب والاختلاس والفساد والسرقة، وتدعو إلى الاتحاد والمساعدة والمعونة، وبذلك يقضى على أغلب طرق الفساد، وحذر - عليه الصلاة والسلام - من التعامل بالربا، لأن الربا من خاصته أنه يمحور المال ويفنيه تدريجيا، من حيث أنه ينشر القسوة والخسارة، ويورث البغض والعداوة وسوء الظن، ويفسد الأمن والاستقرار، ويهيج النفوس على الانتقام بأي وسيلة أمكنت، ويدعوا إلى التفرق والاختلاف والفساد، كما يؤدي إلى زوال المال ولأن المجتمع في نظر الشريعة ذو شخصية واحدة، له كل المال الذي أقام به صلبه وجعله له معاشا، فإن الشريعة ألزمت المجتمع بأن يدير المال ويصلحه ويعرضه معرض النماء، ويرتزق به ارتزاقا معتدلا مقتصدا، ويحفظه من الضياع والفساد، ومن مجملات القرآن التي تتعلق بالأموال، وبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليستقيم حال المجتمع، قوله تعالى: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (الأنفال: 1)، والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنائم التي غنمتها، فقل: هي لله والرسول، يحكم فيها الله بحكمه ويقسمها الرسول. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنما أنا قاسم وخازن، والله يعطي) (91)، وقال: (ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت) (92)، وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم الله في الغنيمة، قال تعالى: (واعلموا أنما غنمتم عن شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله...) (الأنفال.. 41)، وبين الرسول حكم الخمس وحكم الأربعة أخماس، وعلموا حق الذين حرمت عليهم الصدقة من ذي القربى، وحق الجنود.
وقال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (التوبة: 60)، قال المفسرون: بين الله - تعالى - أنه هو الذي قسم الصدقات وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمتها إلى أحد غيره، فقوله: (فريضة من الله)، إشارة إلى أن تقسيمها إلى الأصناف الثمانية أمر مفروض منه تعالى، وإشارة إلى أن الزكاة فريضة واجبة، وقوله تعالى:
(والله عليم حكيم)، إشارة إلى أن فريضة الزكاة مشرعة عن علم وحكمة، لا تقبل تغيير المغير.
وروى أبو داود عن زياد بن الحارث قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته، فأتاه رجل، فقال: إعطني من الصدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيرة في الصدقات حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك).
وأقامت الشريعة الخاتمة الحجة على المسيرة، فأخبر النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم أن فتنة أمته في المال وبين كيف تدخل الأمة في حجاب الأمن. وفي الوقت الذي بين فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم الغنيمة أخبر بالغيب عن ربه، بأن فتنة المال ستصيب البعض، وقال: (كأني براكب قد أتاكم فنزل، فقال: الأرض أرضنا والفئ فيؤنا، وإنما أنتم عبيدنا، فحال بين الأرامل واليتامى وما أفاء الله عليهم) (93)، أخبر النبي بهذا حتى يأخذوا بالأسباب وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، لأن الله - تعالى - ينظر إلى عباده كيف يعملون.
ب - اجتهاد الصحابة في الأموال
ذكرنا أن الساحة بعد رسول الله كان فيها صحابة سمعوا من النبي شيئا ولم يحفظوه على وجهه، وكان فيها من سمع منه شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، وأدى هذا في نهاية المطاف إلى تضارب القرارات ثم ضياع مال الله في عهد بني أمية، بعد أن بسطوا أيديهم على بيوت المال، وبالجملة، نقدم هنا الأحاديث التي تشهد بالمقدمات الأولى:
روى البخاري ومسلم عن عائشة (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرة له حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر، فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبا بكر ذلك..) (94).
وروى الإمام أحمد أنه: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر، فقالت: أأنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أهله؟ فقال: بل أهله، قالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الله - عز وجل - إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده، فرأيت أن أرده على المسلمين) (95).
ولقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن أبا بكر أبى أن يعطي فاطمة - رضي الله عنها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، وذلك لما عنده من حديث لم يروه غيره. وفي عهد عمر روى البخاري ومسلم أن صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة دفعها عمر إلى علي بن أبي طالب والعباس، وأمسك خيبر وفدكا (96)، وذلك أيضا لما عنده من حديث، وروي أن أهل البيت ردوا إلى عمر ما دفعه إليهم لأنهم وجدوه دون حقهم الذي بينه رسول الله لهم، فعن يزيد بن هرمز أن نجدة الحروري أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى، ويقول: لمن تراه؟ فقال ابن عباس: لقربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا فرددناه عليه، وأبينا أن نقبله (97).
وكان القرار منع ميراث الرسول وصدقته آثار جانبية منها: التعتيم على أهل البيت، لأن خروجهم من تحت سقف ما كتبه الله لهم، وهم الذين حرمت عليهم الصدقة، يجعلهم كغيرهم من الناس، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا في حياته، وإنما كان يضع الناس في مواضعهم التي حددها الله تعالى، فعن جبير بن مطعم قال: (مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلنا: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شئ واحد) (98)، وفي رواية: (إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شئ واحد، وشبك بين أصابعه) (99).
أما في ما يختص بحقوق الجنود، فقد بينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سئل: ما تقول في الغنيمة؟ قال: (لله خمس، وأربعة أخماس للجيش) (100)، لكن عمر بن الخطاب اجتهد في هذا، وأمر بوضع جميع الغنائم في بيت المال، ثم قام بتقسيم هذه الغنائم وفقا بما يراه، ودون على ذلك الدواوين، وعدم قسمة عمر للغنائم يشهد به ما روي عن إبراهيم أنه قال: لما افتتح المسلمون السواد قالوا لعمر اقسمها بيننا فإنا فتحناها، فأبى عمر وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ (101) وقال عمر: (لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله خيبر سهمانا، ولكني أردت أن يكون جزية تجري على المسلمين، وكرهت أن يترك آخر المسلمين لا شئ لهم) (102)، وفي رواية قال: (ولكني أتركها خزانة لهم) (103).
ويشهد التاريخ أن هذه الخزانة أضرت أكثر مما نفعت، فبعد أن بسط بنو أمية أيديهم على بيوت المال التي تركها عمر بن الخطاب، اتخذوا دين الله دغلا، ومال الله دولا، وعباد الله خولا، واستمرت بيوت المال على امتداد المسيرة يشتري بها الحكام الذمم ويسفكون بها الدم الحرام.
وكان هناك العديد من الصحابة الذين عارضوا سياسة عدم قسمة الغنائم على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منهم الزبير بن العوام، فعن سفيان بن وهب قال:
(لما فتحنا مصر بغير عهد، قام الزبير فقال: اقسمها يا عمرو بن العاص، فقال: لا أقسمها، فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله خيبر، فقال: والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب عمر إليه: أقرها حتى تغزوا منها حبل الحبلة) (104)، قال المفسرون في رد عمر: (يريد حتى يغزوا أولاد الأولاد ويكون عاما في الناس)، وقيل: (أو يكون أراد المنع من القسمة حيث علقه على أمر مجهول).
ويشهد التاريخ أن عمرو بن العاص بسط يده على مصر كلها، وكان خراجها له طيلة حياته في عهد معاوية بن أبي سفيان، وذلك عندما تكاتف عمرو مع معاوية على علي بن أبي طالب، فكافأه معاوية بأن تكون مصر له طعمة، ومن الذي اعترضوا على قرار عمر: بلال بن رباح، فقد قال لهم عندما افتتحوا أرضا: اقسمها بيننا وخذ خمسها، فقال عمر: لا، هنا عين المال، ولكني أحبسه فيئا يجري عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه:
اقسمها بيننا، فقال عمر: اللهم اكفني بلالا وذويه. قال راوي الحديث: فما حال الحول ومنهم عين تطرف (105)، أي: ماتوا بفضل دعاء عمر.
وكان بلال كثير الاعتراض على سياسة عمر، عن ابن أبي حازم قال:
(جاء بلال إلى عمر حين قدم الشام، وعنده أمراء الأجناد، فقال: يا عمر، إنك بين هؤلاء وبين الله، وليس بينك وبين الله أحد، فانظر من بين يديك ومن عن يمينك ومن عن شمالك، فإن هؤلاء الذين جاؤوك (أي أتباع بلال)، والله لم يأكلوا إلا لحوم الطير (أي لم يصل إليهم من الأمر شئ)، فقال عمر للأمراء: لا أقوم من مجلسي هذا حتى تكفلوا لي لكل رجل من المسلمين بمديت (106) بر وحظهما من الخل والزيت، قالوا: تكفلنا لك يا أمير المؤمنين (107).
أما قسمة عمر بن الخطاب بين الناس، فلقد فضل عمر المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضل العرب على العجم، وروي أنه قال: (من أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني له خازنا وقاسما، ألا وإني بادئ بالمهاجرين الأولين أنا وأصحابي فمعطيهم، ثم بادئ بالأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان فمعطيهم، ثم بادئ بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمعطيهن)، وفي رواية:
(ففرق لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا جويرية وصفية وميمونة: فقالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعدل بيننا، فعدل بينهن عمر)، ثم قال عمر: (من أسرعت به الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ به عن العطاء، فلا يلومن أحدكم إلا مناخ راحلته) (108).
وبالجملة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما قرية افتتحها الله ورسوله فهي لله ورسوله، وأيما قرية افتتحها المسلمون عنوة، فخمسها لله ولرسوله وبقيتها لمن قاتل عليها) (109)، كان صلى الله عليه وآله وسلم يسوي بين الجنود في القسمة، ولم يخص أحدا بشئ دون الآخر (110)، ولقد أخبر بالغيب عن ربه بما سيحدث من بعده، وقال لأبي ذر: (كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفئ، اصبر حتى تلقوني) (111)، وقال: (خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا كان إنما هو رشى فاتركوه، ولا أراكم تفعلون، يحملكم على ذلك الفقر والحاجة، ألا وإن رحى بني مرج قد دارت، وإن رحى الإسلام دائرة، وإن الكتاب والسلطان سيفترقان، فدوروا مع الكتاب حيث دار..) (112).
وذا كان الاجتهاد قد أخرج أهل البيت والجنود الذين شاركوا في المعارك من قسمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الاجتهاد قد أخرج المؤلفة قلوبهم من القسمة التي قسمها الله تعالى.
ولقد ذكرنا من قبل أن الله - تعالى - هو الذي قسم الصدقات، بين حكمها، وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمتها إلى أحد غيره، وجزأها - سبحانه - ثمانية أجزاء، لا تقبل تغيير المغير، قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) (التوبة: 60)، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم، وهم صنفان: صنف كفار، وصنف أسلموا على ضعف، وذلك ليأمن شرهم وفتنتهم، لأن من شأن الصدقة أنها تؤلف بين القلوب وتبسط الأمن، وظل النبي (ص يعطي هذا السهم للمؤلفة قلوبهم ليعاونوا المسلمين أو ليقوى إسلامهم، حتى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان أبو سفيان (1123) وابنه معاوية (114) من الذين أعطاهم النبي من سهم المؤلفة قلوبهم، وروي (أن عمرو بن العاص حين جزع عن موته، فقيل له:
قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدينك ويستعملك، فقال: أما - والله - ما أدري أحبا كان ذلك أم تألفا يتألفني؟) (115)، وعلى الرغم من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي أبا سفيان من سهم المؤلفة، إلا أن الصحابة كانوا يختلفون في تحديد موقعه، روي (أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم أبو بكر، فقال: يا إخوتاه أغضبتكم، قالوا: يغفر الله لك يا أخي) (116)، قال النووي:
(هذه فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقته هؤلاء) (117)، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى قريشا حين أفاء الله عليه أموال هوازن، فقال الناس من الأنصار: يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فعندما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمقالتهم، أرسل إلى الأنصار فجمعهم ولم يدع أحدا غيرهم، فقال: (إني لأعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون برسول الله إلى رحابكم؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، قالوا:
أجل يا رسول الله قد رضينا، فقال لهم: إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني فرطكم على الحوض) (118).
لقد كان في سهم المؤلفة امتحان وابتلاء، ولكن الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتهدوا فيه.
وروي (أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين، وكانا من المؤلفة قلوبهم، جاءا يطلبان أرضا من أبي بكر، فكتب بذلك خطا، فمزقه عمر بن الخطاب، وقال: هذا شئ كان يعطيكموه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تأليفا لكم، فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف، فرجعوا إلى أبي بكر، فقالوا: أنت الخليفة أم عمر؟ بذلك لنا الخط ومزقه عمر، فقال أبو بكر، هو إن شاء الله، ووافق عمر) (119).
وعن الشعبي أنه قال: (كنت المؤلفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ولي أبو بكر انقطعت) (120)، واعترض ابن قدامة على انقطاع سهم المؤلفة وقال: إن الله - تعالى - سمى المؤلفة في الأصناف الذين سمى الصدقة لهم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء)، وكان - عليه الصلاة والسلام - يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورة، لم يزل كذلك حتى مات، ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ثم إن النسخ إنما يكون في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن النسخ إنما يكون بنص ولا يكون النص بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانقراض زمن الوحي، ثم إن القرآن لا ينسخ إلا بقرآن، وليس في القرآن نسخ لذلك ولا في السنة، فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم، أو بقول صحابي أو غيره؟ (121).
والخلاصة، ختم الله - تعالى - آية الأنفال بقوله: (وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (الأنفال: 1)، وفي هذا تحذير من الاختلاف، وإخبار بأن طاعة الرسول طاعة لله، وختم - سبحانه - آية الخمس بقوله: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) (الأنفال: 41،) قال ابن كثير: (أي امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وما أنزلنا على الرسول في القسمة) (122)، وختم سبحانه آية الزكاة بقوله: (فريضة من الله والله عليم حكيم) (التوبة: 60)، قال ابن كثير:
(أي حكما مقدرا بتقدير الله وفرضه وقسمه، فهو - تعالى - عليم بظواهر الأمور وبواطنها، وبمصالح عباده في ما يقوله ويفعله ويشرعه ويحكم به) (123).
والمسيرة قد اجتهدت تحت سقف الامتحان والابتلاء، ولكن أحاديث الإخبار بالغيب، وحركة التاريخ، تثبت أن بعض هذه الاجتهادات انتهت في نهاية المطاف إلى دائرة لا تحقق الأمان بصورة من الصور، قد تكون بيوت المال قد امتلأت بالذهب والفضة عند المقدمة، ولكن عند النتيجة نرى أن تفضيل هذا عن ذاك في القسمة، أدى إلى الصراع القبلي بين ربيعة ومضر، وبين الأوس والخزرج (124)، وأشعل الصراع العنصري بين العرب والعجم، والصريح والموالي (125)، كما أدى الاجتهاد في الخمس إلى اختلاف الأمة في من هم عشيرة النبي الأقربون؟ ومن هم أهل بيته وعترته؟ وأدى الاجتهاد في الأربعة أخماس الخاصة بالجنود، إلى استيلاء الأمراء في الأمصار على معظم هذه الأموال، وكان لهذا أثر سيئ على امتداد المسيرة، وأدى الاجتهاد في سهم المؤلفة، إلى استواء ضعيف الإيمان مع قويه، وأدى إلى تهييج النفوس على الانتقام بأي وسيلة، لأن الصدقة من خصائصها أنها تنشر الرحمة وتورث المحبة، وتؤلف بين القلوب، وتبسط الأمن، فإذا أمسكت - وكان تحت سقف الأمة منافقون، منهم: اثنا عشر رجلا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ولن يدخلوا الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط - كان إمساكها سببا في فتح طرق الفساد.

رابعا: من معالم المسيرة

في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كانت الأحكام والفرائض والحدود وسائر السياسات الإسلامية قائمة ومقامة، ثم لم تزل بعد ارتحاله صلى الله عليه وآله وسلم تنقص وتسقط حكما فحكما، يوم فيوما، بيد الحكومات الإسلامية، على امتداد المسيرة كان هناك شبه انفصال بين الشعوب الإسلامية وحكامها، فكثير من الحكومات لم تكن تعبر عن شعوبها، وبينما كان الأمراء وأصحاب المقاعد الأولى في الدولة يضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات، كانت الشعوب تختزن بداخلها الفطرة النقية ببركة وجود القرآن الكريم، ونحن في بحثنا هذا في المسيرة الإسلامية، لم نرصد إلا حركة أصحاب المقاعد الأولى ومن دار في فلكهم، أما حركة الأمة الإسلامية ورفضها للانحراف فإن لهذا موضعا آخر.
وحركة الدعوة الخاتمة في اتجاه الشعوب هي حركة المنقذ للفطرة من الانحراف والضلال، ولقد أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفكرة الصحيحة الداعية للفتح الإسلامي، وبين أن الفتح ليس للقتل أو الانتقام، وإنما هو رحمة وشفقة على البلاد المفتوحة، ولتخليصها من نير العبودية، وتطبيق النظام الإسلامي الفطري فيها، ولم تكن الغنائم هي غاية الفتح، فالغنائم ليس لها أهمية تذكر بجانب هدف الفتح الأسمى، فرفع الظلم عن البلد المفتوح هو المقصد، سواء غنم الجيش أو لم يغنم، والإسلام ينظر إلى الغنيمة على أساس أنها من قبيل جوائز التشجيع على القتل في سبيل الله، لأن المقصود من الحرب الظفر على الأعداء، فإن غلبوا فقد حصل المطلوب، وتكون الأموال التي غنمها المقاتلون زيادة على أصل الغرض، ولما كانت الغنيمة حصيلة القتال في سبيل الله، وبما أن الله - تعالى - وضع أحكاما خاصة بالقتال في سبيله، فإنه - تعالى - قسم الغنيمة على الجيش المنتصر لرفع معنوياته، وترغيبا له بالتكرار. وبالجملة، الغنيمة زيادة على أصل الغرض الذي من أجله يقاتل الجيش، وهي ملك لله ورسوله، وتوضع حيثما أراد الله ورسوله.
واجتهد الصحابة في غنائم الحرب، فصب هذا الاجتهاد - في نهاية المطاف - في دائرة التنافس والتحاسد وغير ذلك، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه في ما رواه مسلم عن عبد الله، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: كما أمرنا الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض) (126). فالفتح أنتج ثقافة لم تكن يوما من أهداف الفتح، وأيقظ غريزة العرب الجاهلية بعد ما سكنت بالتربية النبوية، والطريق الذي انتهى بالتباغض - كما مر في الحديث السابق -، امتد لينتهي بالبغي في حديث آخر يخبر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب عن ربه ويقول: (سيصيب أمتي داء الأمم، الأشر والبطر، والتكاثر، والتشاحن، والتباغض، والتحاسد، حتى يكون البغي) (127).
والطريق إلى البغي كان عليه أمراء لا يمتازون إلا بالسواعد القوية، وروي أن حذيفة قال لعمر بن الخطاب: (إنك تستعين بالرجل الفاجر، فقال له عمر: إني لأستعمله لأستعين بقوته، ثم أكون على قفائه) (128)، وقال في فتح الباري: (والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد، أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة بالسياسة، فلأجل هذا استخلف معاوية، والمغيرة بن شعبة، وعمروا بن العاص، مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم) (129).
وذكر ابن حجر (أن عمر ولى إياس بن صبيح القضاء في البصرة، وكان إياس من أصحاب مسيلمة الكذاب) (130)، و (كتب عمر إلى الأمراء أن يشاوروا طليحة بن خويلد، وكان طليحة قد أسلم ثم ارتد ثم أسلم، وكان قد ادعى النبوة) (131)، وروي أن (ابن عدي الكلبي قال لعمر: أنا امرؤ نصراني، فقال عمر: فما تريد؟، قال أريد الإسلام، فعرضه عمر عليه، ثم دعا له برمح، فعقد له على من أسلم، وقال عوف بن خارجة: ما رأيت رجلا لم يصل صلاة أمر على جماعة من المسلمين قبله) (132).
وإذا كان طريق البغي من علاماته التنافس والتحاسد والتدابر والتباغض، فإنه يختزن في أحشائه معالم الضلال، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا، حتى نشأ فيهم المولدون، وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا) (133)، فأبناء الأمم إذا لم يجدوا الرعاية والتربية الصحيحة، أصبحوا من العوامل التي تساعد على الهدم، وهؤلاء ترعرعوا في المسيرة الإسلامية تحت سقف الدولة الأموية، ثم امتدوا بامتداد المسيرة، وذكر الطبري: (إن أول سبي قدم المدينة من العجم كان في عهد أبي بكر) (134)، وذكر البلاذري:
(إن معاوية حاصر قيسارية حتى فتحها فوجد من المرتزقة سبعمائة ألف، ومن السامرة ثلاثين ألفا، ومن اليهود مائتي ألف) (135)، فبعث إلى عمر عشرين ألفا من السبي (136).
فالطريق كان عليه ضعيف الإيمان، وكان عليه أبناء الأمم، وكان عليه أمراء التنافس والتحاسد، والتدابر، والتباغض، والبغي، وكان عليه المنافقون، ومنهم اثنا عشر رجلا حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا، وعلى طريق كهذا، لا نستبعد أن تضيع الصلاة، وقد سجل حذيفة البادرة الأولى قبل وفاته، فقال:
(ابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا) (137)، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر بالغيب عن ربه، أن الصلاة في طريقها إلى الضياع، فعن أبي ذر قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا ذر، أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها...) (138)، قال النووي:
(أي يجعلونها كالميت الذي خرجت روحه) (139).
وروي أن الوليد بن عقبة - وكان أخا عثمان لأمه - حين كان واليا لعثمان ابن عفان على الكوفة أخر الصلاة، فقام عبد الله بن مسعود فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ أجاءك من أمير المؤمنين أمر أم ابتدعت؟ فقال: لم يأتني من أمير المؤمنين أمر ولم أبتدع، ولكن أبى الله - عز وجل - علينا ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك (140).
وبينما كان الإمام يؤدي الصلاة، كانت الصلاة تؤدى بروحها خلف علي بن أبي طالب، روى مسلم عن مطرف قال: (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما انصرفنا من الصلاة، أخذ عمران بيدي ثم قال: صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (141)، وفي رواية: قال عمران: قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وروي أن عمران بن حصين مات سنة اثنتين وخمسين هجرية (142) ولما كان حذيفة قد صلى سرا، ولما كان ابن مسعود قد شهد تأخير الصلاة، فإن أبا الدرداء قد شهد شيئا آخر، فعن أم الدرداء قالت: (دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: من أغضبك؟ قال: والله لا أعرف فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا) (143)، ومات أبو الدرداء في خلافة عثمان.
ثم جاء عام ستين، وهو العام الذي حمل الصبيان أعلامه، وفيه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تعوذوا بالله من رأس الستين ومن إمارة الصبيان) (144)، وقال:
(ويل للعرب من شر قد اقترب على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة، والصدقة غرامة، والشهادة بالمعرفة، والحكم بالهوى) (145)، فرأس الستين تطوير للعربة التي تنطلق بوقود الرأي، ورأس الستين هو الوعاء الذي يصب فيه إماتة الصلاة من العهود التي سبقته، وينطلق منه وقود إضاعة الصلاة، وقراءة القرآن بلا تدبر، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه: (يكون خلف بعد ستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق، وفاجر) (146)، وعن أبي سعيد قال: (المنافق كافر به، والفاجر يتأكل منه، والمؤمن يؤمن به) (147).
ومن الدلائل على أن جيل الستين أخذ وقوده ممن سبقه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر في حديث آخر بأن كثرة المال هي الخلفية الأساسية التي يتم عليها تفريخ هؤلاء، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (مما أتخوف على أمتي أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيقتلون عليه، وإن مما أتخوف على أمتي أن يفتح لهم القرآن، حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق) (148).
فالمال أنتج التنافس، والتحاسد والتدابر، والتباغض، والبغي، وفتح القرآن أمام العامة - مع عدم وجود العالم به - أدى إلى ترتيله في زحام الأسواق، حيث لا مستمع ولا منصت، ومن الأصاغر أخذ العلم الذي أدى إلى ضياع الصلاة، ولقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أشراط الساعة، فقال:
(إن من أشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر)، قال ابن المبارك: (الأصاغر الذين يقولون برأيهم) (149)، وعن ابن مسعود قال: (لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإن أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا) (150)، وعن أنس قال: (قيل: يا رسول الله، متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا كانت الفاحشة في كباركم، والملك في صغاركم، والعلم في رذالكم) (151).
وإذا كان أبو الدرداء قد شهد قبل وفاته أنه لا يعرف في الناس من أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا، فإن أنس بن مالك شهد عام ستين، حيث مقدمة الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، روى البخاري عن الزهري قال: (دخلت على أنس فوجدته يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: ما أعرف شيئا مما أدركت، إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت) (152)، ومات أنس سنة ثلاث وتسعين، وكان يقول: (لم يبق أحد صلى القبلتين غيري) (153).
وفي الخلف الذين يضيعون الصلاة بعد أنبياء الله، يقول تعالى:
(أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا * فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) (مريم: 58 - 59)، قال المفسرون: ذكر الله حزب السعداء، وهم الأنبياء ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره، المؤدين فرائض الله، ثم ذكر - سبحانه - الخلف: أي البدل السيئ، وقوله تعالى: (فخلف من بعدهم)، أي قام مقام أولئك الذين أنعم الله عليهم، وكانت طريقتهم الخضوع والخشوع لله بالتقدم إليه بالعبادة، قوم سوء أضاعوا الصلاة، وضياع الشئ: فساده أو افتقاده، ومعنى أنهم أضاعوا الصلاة: أي أفسدوها بالتهاون فيها والاستهانة بها، حتى تنتهي إلى أمثال اللعب بها والتغيير فيها والترك لها، فإذا كانوا قد فعلوا هذا بالصلاة فإنهم لما سواها من الواجبات أضيع، لأنها عماد الدين وقوامه، ثم أخبر - سبحانه - بأن القوم السوء الذين أضاعوا الصلاة، وهي الركن الأصيل في العبودية، واتبعوا الشهوات، هؤلاء سيلقون غيا: أي خسارة، وهذه العقوبة سنة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، يعاقب الله بها كل خلف طالح، وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية، أن هذا الخلف في هذه الأمة أيضا (154) والخسارة التي توعد الله بها الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، يحمل أسبابها أمراء السوء وسبايا السوء الذين تربوا على القصص، وتسربت إليهم روح الأمم المستعلية الجبارة، فهؤلاء وغيرهم فتحوا أبواب القتال من أجل الملك، وعند نهاية القتال، وفي نهاية المسيرة كانت الخسارة عنوانا رئيسيا لكل شئ في عالم الاستدراج.
أما القتال على الملك، فيشهد به أبو برزة الأسلمي، روى البخاري عن أبي المنهال قال: (لما كان ابن زياد ومروان بالشام، ووثب ابن الزبير بمكة، ووثب القراء بالبصرة، انطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي، فقال أبي: يا أبا برزة، ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فقال: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنكم - يا معشر العرب - كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالاسلام وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم،
حتى بلغ ما ترون، وهذه الدنيا أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشام - والله - إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم - والله - إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة - والله - إن يقاتل إلا على الدنيا) (155).
ونتيجة القتال على الملك، أنه لم تستطع الدولة البقاء تحت حكم إدارة مركزية واحدة، فعند بداية المسيرة اتسعت الدولة من شواطئ المحيط الأطلسي في المغرب إلى نهر السند في الشرق، ومن بحر مازندران في الشمال إلى منابع النيل في الجنوب، وكما توسعت الدولة بسرعة، تجزأت بسرعة أيضا، فإذا نظرنا على امتداد المسيرة لنرصد معالم الاختلاف والتفريق على الأرض، نجد أن عبد الرحمن الداخل، وهو أحد أفراد الأسرة الأموية، قد أسس دولة مستقلة في إسبانيا سنة 138 ه‍، ورفع يد الحاكم العباسي عن ذلك الجزء من الدولة العباسية، ثم ظهر الأدارسة وأسسوا دولتهم، ثم جاء الأغالبة واستولوا على بقية مناطق إفريقيا عام 184 ه‍، ثم ظهر ابن طولون في مصر والشام وفصلهما عن الدولة، وعند حلول سنة 323 ه‍ أسس الأخشيد حكمه في مصر، ولم يبق تحت نفوذ الدولة العباسية السياسي من بلاد المغرب سوى رمزها.
أما في المشرق، فتم تأسيس الدولة الطاهرية بخراسان عام 204 ه‍، وتتابع ظهور الدويلات الصغيرة بعد ذلك شرق إيران، كالصغاريين والسامانيين والغزنويين، ثم قامت الدولة البويهية في الجزء المتبقي لهم في إيران، ثم جاء المغول عام 334 ه‍ وأنزل الستار على الدولة العباسية، وكان للدولة فرع يحكم رمزيا في مصر، قضى عليه سليم الأول من سلاطين آل عثمان، بعد استيلائه على مصر عام 922 ه‍.
وعلى امتداد المسيرة كانت الأصابع اليهودية تعمل في الخفاء، كانت تثقب في الجدار بواسطة أبناء الأمة، وتحطم الأقفال بواسطة الحروب الصليبية المتعددة الأشكال، حتى جاء اليوم الذي طبقت فيه اتفاقية سايكس بيكو على الشام، وفرض الانتداب الفرنسي على شمال هذه البلاد، وقسم إلى كيانين هما: سوريا، ولبنان، وفرض الانتداب البريطاني على جنوبها، وقسم إلى كيانين هما، الأردن، وفلسطين، وفي عام 1917 م صدر وعد بلفور، الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي عام 1967 م بسط اليهود أيديهم على ما حلموا به طيلة حياتهم، بسطوا أيديهم على الأرض الواسعة، التي يحيط بها غثاء من كل مكان.
لقد بدأ الطريق من عند البحث عن الدرهم والدينار، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن ربه جل وعلا، فقال: (كيف أنتم إذا لم تجبوا دينارا ولا درهما؟
قالوا: ولم ذاك؟ قال: تنتهك ذمة الله وذمة رسوله، فيشد الله قلوب أهل الذمة فيمنعون ما بأيديهم) (156)، وقال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: يا رسول الله، فمن قلة بنا يومئذ؟ قال:
لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت) (157)، وقال صاحب عون المعبود:
(أي يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال، ولقد وصفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغثاء السيل، لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم، وغثاء السيل: أي كالذي يحمله السيل من زبد ووسخ) (158).
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن فتنة أمته في المال، وأن الدرهم والدينار سيهلكهم كما أهلك الذين من قبلهم، وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم موضع كل مال في الإسلام، وأمر الأمة بأن تتمسك بالكتاب والعترة، وأن تأخذ بأسباب الحياة التي تحقق السعادة في الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، فيأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولكن القافلة تركت الأمراء الصبيان يعبثون بكل شئ، خوفا من الجوع والفقر، وفي نهاية المطاف وقف الحاضر أمام الماضي على رقعة واحدة، يدوي فيها صوت النبي الأعظم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، النبي العربي القرشي الهاشمي المكي المدني صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يقول: (منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم) (159).





____________
(1) رواه الحاكم، وأقره الذهبي، والمستدرك: 2 / 138، وابن جرير والضياء بسند صحيح، كنز العمال: 13 / 173، والترمذي وصححه، الجامع: 5 / 634.
(2) رواه أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، كنز: 2 / 480.
(3) رواه نعيم بن حماد والحاكم، كنز: 11 / 169.
(4) رواه نعيم بن حماد، قال ابن كثير: رواه البيهقي ورجاله ثقات، كنز العمال: 11 / 274، البداية: 6 / 268.
(5) أنظر: مجمع الزوائد: 1 / 112، المستدرك: 4 / 481، البداية والنهاية: 10 / 50، الإصابة:  2 / 29.
(6) كنز العمال: 8 / 82.
(7) مسلم، الصحيح: 2 / 135.
(8) محاولة الاغتيال رواها الإمام أحمد والطبراني وابن سعد وغيرهم، أنظر: الزوائد: 11 / 110.
(9) رواه مسلم، الصحيح: 7 / 125.
(10) رواه مسلم، الصحيح: 7 / 124، وأحمد، الفتح الرباني: 23 / 140.
(11) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب، التعاون في بناء المساجد، ورواه أحمد، الفتح الرباني:  22 / 331.
(12) رواه ابن خزيمة في صحيحه، والبغوي وابن رهويه، كنز العمال: 5 / 586.
(13) رواه أحمد بسند صحيح، الفتح الرباني: 23 / 61.
(14) رواه الإمام أحمد الفتح الرباني: 1 / 60، الطبري، تاريخ الأمم والملوك: 3 / 200.
(15) لسان العرب، مادة: فلت، ص 3455.
(16) تاريخ الأمم والملوك: 5 / 30.
(17) المصدر نفسه: 5 / 31.
(18) تاريخ الأمم والملوك: 3 / 210.
(19) البخاري، الصحيح: 2 / 291.
(20) تاريخ الأمم والملوك: 3 / 210.
(21) أنظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 591.
(22) المصدر نفسه: 1 / 233.
(23) البخاري، الصحيح: 1 / 214.
(24) المصدر نفسه، كتاب الاعتصام: 4 / 269.
(25) المصدر نفسه، كتاب الاستئذان: 4 / 88.
(26) المصدر نفسه، كتاب الاعتصام: 4 / 269.
(27) قال المنذري: رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وصححه، وقال: صحيح على شرط مسلم، الترغيب والترهيب: 3 / 184.
(28) أخرجة الشافعي في الأم بسند حسن، والنسائي.
(29) رواه البخاري، كتاب الديات، الصحيح: 4 / 193.
(30) رواه أحمد، الفتح الرباني: 15 / 198، والترمذي، الجامع: 4 / 419.
(31) رواه البيهقي وابن رهويه وخيثمة، كنز العمال: 5 / 630.
(32) تقييد العلم، الخطيب البغدادي، ص: 34.
(33) رواه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، والزوائد: 1 / 152، وابن عبد البر، جامع العلم: 11 / 86.
(34) رواه الطبراني، والزوائد: 1 / 151، والخطيب وسمويه، كنز العمال: 10 / 232.
(35) رواه الترمذي وصححه، الجامع: 5 / 40.
(36) رواه أحمد، الفتح الرباني: 1 / 191، والحاكم، والمستدرك: 1 / 109.
(37) رواه أحمد، كنز العمال: 10 / 220، والترمذي، ابن حبان في صحيحه، كنز: 10 / 221.
(38) رواه أحمد وأبو داود والحاكم، كنز: 10 / 223.
(39) رواه أبو داود، حديث رقم 4243.
(40) رواه الطبراني، الزوائد: 1 / 152.
(41) رواه أحمد، الفتح الرباني: 1 / 173، والحاكم، وأقره الذهبي، المستدرك: 1 / 106، وأبو داود، حديث رقم 3646، والدارمي في سننه: 1 / 125.
(42) رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1 / 85، والخطيب، تقييد العلم، ص: 74.
(43) رواه أحمد، الفتح الرباني: 1 / 191، والحاكم وصححه، المستدرك: 1 / 109، والترمذي.
وصححه، الجامع: 5 / 38.
(44) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه، كنز: 1 / 174، والترمذي وصححه،.
الجامع: 5 / 37.
(44) رواه ابن كثير، كنز العمال: 10 / 285، 286.
(45) تذكرة الحافظ: 1 / 352.
(46) رواه ابن عبد البر، كنز: 10 / 292، وابن سعد، كنز: 10 / 293، والخطيب، تقييد العلم، ص: 49.
(47) رواه ابن عبد البر، كنز: 10 / 292.
(48) رواه خيثمة وابن عبد البر، كنز: 10 / 292، والخطيب، تقييد العلم، ص: 53.
(49) رواه الخطيب، تقييد العلم، ص: 52.
(50) رواه ابن عبد البر، كنز العمال: 10 / 292، وابن سعد، كنز: 10 / 293، والخطيب، تقييد العلم، ص: 49.
(51) رواه ابن عساكر: 10 / 291.
(52) رواه ابن كثير، البداية والنهاية: 8 / 107.
(53) رواه ابن سعد، الطبقات: 2 / 336، وابن عساكر، كنز: 10 / 295.
(54) رواه ابن عساكر، كنز: 10 / 291.
(55) رواه الطبراني والرامهرزي والخطيب والديلمي وابن النجار والدينوري والقشيري ونصر، كنز العمال: 10 / 294.
(56) رواه ابن عساكر وأبو نصر السجزي، كنز: 10 / 229.
(57) رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1 / 137.
(58) المصدر نفسه.
(59) رواه الخطيب، كنز العمال: 10 / 304.
(60) رواه عبد الله بن أحمد والخطيب، كنز: 10 / 304.
(61) البداية والنهاية: 8 / 107.
(62) أنظر: معالم الفتن، سعيد أيوب، ط. دار الكرام - بيروت.
(63) رواه الطبراني ورجاله موثقون، وفيه الأجلح الكندي والأكثر على توثيقه، الزوائد: 1 / 189.
(64) رواه ابن فضالة في أماليه، كنز العمال: 10 / 282.
(65) رواه أحمد والطبراني، الزوائد: 1 / 190، والعسكري عن بشر بن عاصم، كنز: 10 / 281، والمروزي عن أبي نضرة، كنز: 10 / 281.
(66) رواه أحمد والبزار، وقال ابن حجر: إسناده جيد، الفتح الرباني: 1 / 194.
(67) رواه مسلم، الصحيح: 3 / 20.
(68) تحفة الأحوازي: 3 / 74.
(69) رواه العسكري والمروزي، كنز العمال: 10 / 281، وانظر: كنز العمال: 10 / 282.
(70) كتاب المجروحين، ابن حبان: 1 / 88.
(71) تقييد العلم، والخطيب، ص: 54.
(72) رواه أبو داود، حديث رقم 4243.
(73) رواه البخاري، الصحيح: 4 / 230.
(74) رواه البخاري، الصحيح: 4 / 230.
(75) أنظر: معالم الفتن، سعيد أيوب.
(76) البخاري، الصحيح: 1 / 34.
(77) المصدر نفسه: 2 / 280.
(78) رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1 / 148، وابن كثير، البداية والنهاية: 8 / 107.
(79) رواه نعيم بن حماد، كنز العمال: 11 / 274.
(80) تاريخ الأمم والملوك 4 / 28.
(81) ابن سعد، كنز العمال: 13 / 606، البداية والنهاية: 8 / 118، تاريخ الأمم والملوك: 5 / 69، الإستيعاب: 3 / 596.
(82) تاريخ الأمم: 6 / 186، الإستيعاب: 3 / 596.
(83) الديلمي، كنز: 13 / 587، البداية والنهاية: 8 / 125، الإستيعاب: 3 / 597.
(84) الحاكم وصححه، المستدرك: 3 / 479.
(85) المصدر نفسه: 4 / 482.
(86) تاريخ المذاهب الإسلامية، أبو زهرة: 2 / 102.
(87) تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 1 / 256.
(88) رواه الترمذي وصححه، الجامع: 4 / 569.
(89) رواه أبو داود عن أبي موسى، كنز: 3 / 191، والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود، كنز: 3 / 191.
(90) رواه البخاري، الصحيح: 2 / 190.
(91) المصدر نفسه: 2 / 192.
(92) رواه ابن النجار، كنز: 11 / 195.
(93) رواه البخاري، الصحيح: 2 / 186، وأحمد ومسلم والبيهقي، كنز: 7 / 242.
(94) رواه أحمد بإسناد صحيح، الفتح الرباني: 23 / 63.
(95) رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي، كنز: 7 / 242.
(96) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي، الفتح الرباني: 14 / 77.
(97) رواه البخاري، الصحيح: 2 / 196.
(98) رواه أحمد، الفتح الرباني: 14 / 76، وأبو داود حديث رقم 2980.
(99) رواه البغوي، كنز العمال: 4 / 375.
(100) رواه أبو عبيد وابن زنجويه، كنز: 4 / 574.
(101) رواه أحمد والبخاري وابن خزيمة في صحيحه وابن الجارود والطحاوي وأبو يعلى وابن أبي شيبة وأبو عبيد، كنز: 4 / 555.
(102) رواه البخاري وأبو داود، كنز: 4 / 514.
(103) رواه الشيخان وابن عساكر وابن زنجويه وأبو عبيد، كنز: 4 / 557.
(104) المغني، لابن قدامة: 2 / 716.
(105) مكيال معروف بالشام.
(106) رواه أبو عبيد، كنز العمال: 4 / 575.
(107) رواه البيهقي، كنز العمال: 4 / 578.
(108) رواه أبو عبيد وابن شيبة والبيهقي وابن عساكر، كنز: 4 / 556.
(109) رواه البخاري ومسلم، كنز العمال: 4 / 378.
(110) أنظر: الفتح الرباني: 13 / 72، كنز العمال: 4 / 375.
(111) رواه أحمد وأبو داود وابن سعد، كنز العمال: 4 / 373، 374.
(112) رواه الطبراني عن معاذ، وابن عساكر عن ابن مسعود، وأبو داود عن أبي مطير باختصار، كنز 1 / 216، وأبو داود حديث رقم 2958.
(113) أنظر: صحيح مسلم: 7 / 156، البداية والنهاية: 4 / 359، كنز العمال: 9 / 176.
(114) أنظر: البداية والنهاية: 4 / 359.
(115) رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، الفتح الرباني: 22 / 310، الزوائد:
9 / 353، وابن سعد، الطبقات: 1 / 263.
(116) رواه مسلم، الصحيح: 16 / 16.
(117) رواه مسلم، شرح النووي: 16 / 16.
(118) رواه البخاري ومسلم وأحمد، الفتح الرباني: 14 / 89.
(119) الفتح الرباني: 9 / 62، الدر المنثور: 2 / 252، تفسير المنار: 10 / 496، فقه السنة، سيد سابق: 1 / 425.
(120) رواه ابن أبي شيبة والطبراني، تحفة الأحوازي: 3 / 335.
(121) المغني، ابن قدامة: 2 / 666.
(122) تفسير ابن كثير: 2 / 313.
(123) تفسير ابن كثير: 2 / 366.
(124) تاريخ اليعقوبي: 2 / 106.
(125) شرح نهج البلاغة: 8 / 111.
(126) رواه مسلم، الصحيح: 18 / 97.
(127) رواه الحاكم وصححه، كنز العمال: 3 / 526.
(128) رواه أبو عبيد، كنز العمال: 5 / 771.
(129) فتح الباري: 1 / 116.
(130) الإصابة: 1 / 120.
(131) البداية والنهاية: 7 / 130.
(132) الإصابة: 1 / 116.
(133) رواه الطبراني، كنز العمال: 1 / 181.
(134) تاريخ الأمم: 4 / 27.
(135) فتوح البلدان، ص: 147.
(136) البداية والنهاية: 7 / 54.
(137) المصدر نفسه.
(138) رواه مسلم والترمذي وصححه، تحفة الأحوازي: 1 / 524.
(139) المصدر نفسه.
(140) رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، الزوائد: 1 / 324.
(141) رواه مسلم، باب: قراءة الفاتحة، الصحيح: 2 / 8.
(142) الإصابة: 5 / 26.
(143) رواه أحمد وإسناده جيد، الفتح الرباني: 1 / 200.
(144) رواه أحمد وأبو يعلى، كنز العمال: 11 / 119.
(145) رواه الحاكم وصححه المستدرك: 4 / 483.
(146) رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، الزوائد: 6 / 231، وقال ابن كثير: رواه أحمد وإسناده على شرط السنن، البداية: 6 / 228، التفسير: 3 / 128 ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه، والبيهقي، كنز: 11 / 195، المستدرك: 4 / 507.
(147) رواه الحاكم وصححه، وأقره الذهبي، المستدرك: 4 / 507.
(148) رواه الحاكم وصححه، كنز: 10 / 200.
(149) رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1 / 190.
(150) المصدر نفسه: 1 / 192.
(151) قال البوصيري: رواه ابن ماجة وإسناده صحيح، ورواه أحمد، الفتح الرباني: 19 / 177.
(152) رواه البخاري، الفتح الرباني: 1 / 200.
(153) الإصابة: 1 / 171.
(154) تفسير ابن كثير: 3 / 128.
(155) رواه البخاري، الصحيح: 4 / 230.
(156) رواه البخاري ومسلم وأحمد، الفتح الرباني: 23 / 36.
(157) رواه أحمد بسند جيد، الفتح الرباني: 24 / 32، وأبو داود.
(158) عون المعبود: 11 / 405.
(159) رواه مسلم، الصحيح: 18 / 20، وأحمد، الفتح الرباني: 24 / 37.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page