دلالة الحديث على إمامة أهل البيت من أوضح الأمور وأظهرها ـ عند كل منصف ـ لأنه يفيد وجوب أتباعهم في المعتقدات والأحكام والآراء وعدم مخالفتهم، بقول أو فعل، لان أي عمل يخرج عن إطارهم يعتبر خارجاً عن القرآن وبالتالي خارجاً عن الدين، وهم بذلك مقياس دقيق يعرف به الطريق المستقيم والصراط السوي، حيث لا يكون الهدى إلا عن طريقهم ولا يكون الضلال إلا بمخالفتهم (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا) لأن التمسك بالقرآن يعني العمل بما فيه، وهو الائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، فكذلك يكون التمسك بالعترة، لأنه لا يقوم جواب شرط إلا بقيام المشروط، كما أن الضمر في (بهما) يرجع إلى الكتاب والعترة، ولا أظن أن عربياً أعطي قليلاً من الفهم في اللغة يخالف في ذلك، وبذلك يكون إتباع أهل البيت بعد رسول اله (ص) فرضاً كما أن إتباع القرآن فرض، بعيداً عن من هم أهل البيت، لأن هذا بحث متأخر، والمهم هنا إثبات أن الأمر والنهي والإتباع والإقتداء لأهل البيت، وتحديد هويتهم خارج عن إطار هذا الحديث، كما يقول علماء الأصول (إن القضية لا تثبت موضوعها) فيكون بالضرورة أن أهل البيت هم الخلفاء بعد رسول الله (ص). وقوله (ص) (إني تارك فيكم) نص صريح بأن رسول الله (ص) خلّفهم ووصى الأمة باتباعهم، وأكد ذلك قوله (ص) (فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
فخلافة القرآن واضحة، وخلافة أهل البيت لا يتكون إلا بإمامتهم.
وبذلك، يكون كتاب الله وعترة رسوله (ص) السبب الموصل إلى رضوان الله، لأنهم حبل الله الذي أمرنا الله بالاعتصام به (واعتصموا بحبل الله)(1).
والآية هنا عامة في تعيين وتحديد حبل الله، وكل ما يتبين منها هو وجوب التمسك به. فأتت السنة بحديث الثقلين وأحاديث أخرى، تبين أن الحبل الذي يجب أن نتمسك به هو كتاب الله مع عترة رسوله (ص).
وقد قال بذلك مجموعة من المفسرين: فقد أوردها ابن حجر في كتابه الصواعق في باب ما أنزل في أهل البيت من القرآن.. فراجع.
وذكرها القندوزي في كتابه ـ ينابيع المودة ـ قال: (في قوله تعالى: (واعتصمنا بحبل الله جميعاً..) اخرج الثعلبي عن بان بن تغلب عن جعفر الصادق (ع) قال: نحن حبل الله الذي قال الله عز وجل (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وأيضاً أخرج صاحب كتاب المناقب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عنهما قال: كنا عند النبي (ص)، إذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله سمعتك تقول واعتصموا بحبل الله، فما حبل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبي (ص) يده في يد علي وقال (تمسكوا بهذا هو حبل الله المتين)(2).
وأما قوله (ص): (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) فهو دال على عدة وجوه:
أولها: إثبات العصمة لهم، لأن اقترانهم بالكتاب الذي لا يأتيه بالباطل من بين يديه ولا من خلفه، دال على علمهم بما في الكتاب وأنهم لا يخالفونه قولاً ولا فعلاً، ومن البديهي أن صدور أي مخالفة منه للكتاب سواء كانت عن عمد أو سهو حاكمة بافتراقهم عن القرآن، والحديث صريح في عدم افتراقهما حتى يردا الحوض، وإلا يكون تكذيباً لرسول الله (ص)، كما أن هذا الفهم تؤيده أدلة من القرآن والسنة ـ نؤجل البحث فيها إلى مكان آخر.
ثانياً: إن مفاد (لن) التأبيدية تفيد أن التمسك بهما مانع من الضلالة دائماً وأبداً، ولا يتم ذلك إلا بالتمسك بهما معاً، لا بواحد منهما كما تقدم، وقول الرسول (ص) في رواية الطبراني: (فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) تؤكد هذا المعنى.
ثالثاً: بقاء العترة إلى جانب الكتاب إلى يوم القيامة، فلا يخلو منهما زمان، وقد قرَّب هذا المعنى ابن حجر في صواعقه (وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به على يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما سيأتين ويشهد لذلك الخبر السابق.. في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي. ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته)(3).
رابعاً: كما أنه يدل على تميزهم وعلمهم بتفاصيل الشريعة وذلك لاقترانهم بالكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، كما قال (ص): (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
والخلاصة أنه لا بد من وجود ولو واحد من أهل البيت في كل زمان على قيام الساعة لا يخالف قوله ولا فعله القرآن حتى لا يفترق عنه ومعنى لا يفترق قولاً وفعلاً عن القرآن أنه معصوم لساناً وسلوكاً يجب إتباعه لأنه أمان من الضلال.
وهذا المعنى لا تقول به إلا الشيعة حيث يقولون بوجوب وجود إمام في كل زمان من أهل البيت يكون معصوماً عن الخطأ والزلل يجب موالاته ومعرفته (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ودل على هذا المعنى قوله تعالى (ويوم ندعو كل أناس بإمامهم).
____________
1- آل عمران ـ 103.
2- الينابيع ص 118 منشورات مؤسسة الأعلمي بيروت ـ لبنان.
3- الصواعق ص151.