بعد فراغي من بحثي الأول الذي كلفني مجهوداً فكرياً ونفسياً، وجعلني أعيش صراعات مع ضميري وأخرى مع زملائي وأساتذتي في الجامعة، وصلت فيه إلى قناعة كافية أشك في الشمس ولا أشك فيها، وكانت النتيجة من ذلك كما وضحت وجوب اتباع أهل البيت (ع) وأخذ الدين عنهم، وكانت هذه قناعاتي الأولى لفترة من الزمن، لم أتمكن بعد من تحديد الموقف واختيار مذهبي رغم وجداني الذي كان يلح علي باتباع مذهب التشيع، ورغم أن أصدقائي وأهلي وزملائي كانوا يصنفونني شيعياً، وكثير منهم يناديني بالشيعي وبعضهم بالخميني؟، وأنا بعد لم أحدد موقفي، لا أشك فيما توصلت إليه، ولكن نفسي الأمارة بالسوء هي التي تنهاني وتوسوس لي:
كيف تترك ديناً وجدت عليه آباءك؟!
وماذا تصنع مع هذا المجتمع الذي هو بعيدٌ عن اعتقادك؟!
وأنت من حتى تصل إلى هذا؟! أغفل عنه أعاظم العلماء؟!! بل جل المسلمين؟!... وآلاف من الأسئلة والتشكيكات التي غالباً ما كانت تتغلب عليّ وتسكتني!. وأحياناً ينتفض عقلي وضميري.. وهكذا.. دفع وجذب ومد وجزر وتوتر عصبي وانفصام في نفسي، لا مفر ولا أنيس ولا صديق ولا حبيب..
فطفقت أسأل وأبحث عن الكتب التي ردت على الشيعة لعلها تنقذني مما أنه فيه وتوضح لي حقائق لعلها غائبة عني، ولقد كفاني الوهابية عن جمعها، فقد كان إمام الجماعة في مسجد قريتنا يحضر لي كل ما أطلبه..
وبعد البحث فيها تعقدت مشكلتي وازداد توتري ولم أجد فيها بغيتي، لأنها خالية من الموضوعية والنقاش المنطقي وكل ما فيها سب ولعن وشتم، وافتراءات وكذب، شكلت لي حجاباً في أول الأمر، ولكن بعد تجريدها من هذه التأثيرات الإعلامية تبينت أمامي أوهن من بيت العنكبوت.
فعزمت بعد ذلك على مواصلة البحث، رغم اقتناعي بما توصلت غليه في البحث الأول مقاوماً تسويلات نفي ومتطلعاً لرؤية الحقيقة أكثر ظهوراً وضياءً، فوقع اختياري على بحث أدلة ولاية الإمام علي (ع) والناصة على إمامته وكان في ذهني مجموعة من الأدلة التي تؤدي هذا العرض رغم أنها كافية لمن كان له عقل صاف وقلب سليم، ولكن أردت أن يكون هو البحث الفاصل بين أن أكون سنياً أعتقد بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وبين أن أكون شيعياً، أقول بإمامة علي (ع).
وبعد البحث كانت المفاجأة! حيث لم أستطع وإلى الآن أن أجمع وأحصي وتتبع كل الأدلة سواء أكانت نقلية أو عقلية، التي تصرح وبكل وضوح بإمامة أمير المؤمنين (ع)، بعضها ظاهر في الدلالة وبعضها يحتاج إلى مقدمات مطولة.
وما أسجله في هذا الفصل هو مقتطف يسير، وذلك مراعاةً للاختصار وتشويقاً للباحث، ولاعتقادي بأن فيه الكفاية بعد الشرح والتوضيح.
(1) قوله تعالى:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(1) صدق الله العظيم.
____________
1- سورة المائدة: الآية 54.
البحث الفاصل
- الزيارات: 791