• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

متن کتاب سلیم - ولاية علي عليه السلام هي الفارق بين الإيمان والكفر

أسانيد الكتاب (1)


أربعة أسانيد إلى الشيخ الطوسي
*أخبرني الرئيس العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون رضي الله عنه، قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادى الأولى سنة خمس وستين وخمسمائة، قال: حدثني الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور، قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة، قال: حدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه، في رجب سنة تسعين وأربعمائة.
*وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده، فيما سمعته يقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه، في المحرم من سنة ستين وخمسمائة.
*وأخبرني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن الكال، عن الشريف الجليل نظام الشرف أبي الحسن العريضي، عن ابن شهريار الخازن، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.
*وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب، قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة، عن جده شهرآشوب، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه.
أربعة أسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم
قال: حدثنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن أبي القاسم الملقب بماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.(2)
قال: قال الشيخ أبو جعفر: وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري،
قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي ابن همام بن سهيل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.(3)
____________
1- سبق الكلام عن أسانيد الكتاب ومفردات رجالها في المقدمة.
2- في فهرست الشيخ الطوسي هكذا: ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن القاسم الملقب ماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى وعثمان بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عنه، ورواه حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عنه.
أقول: الظاهر توسط عمر بن أذينة بين أبان وحماد كما مر في المقدمة.
3- الأسانيد المذكورة إلى هنا هي التي توجد في مفتتح نسخة (ألف)، وهناك سند آخر في مفتتح نسخة (ب) هكذا: (قال: حدثني أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قال:
أخبرني أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني بصنعاء - شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدبري - قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني الحميري، قال: حدثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري، قال: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته...).
والظاهر توسط ابن أذينة بين معمر وأبان.
وهناك أيضا سند آخر في مفتتح نسخة (د) هكذا: حدثنا الحسن بن أبي يعقوب الدينوري قال: حدثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدثني عمي عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن أبان بن أبي عياش. ومر الكلام حول الأسناد في المقدمة.

مسيرة الكتاب التاريخية


كيف تعرف ابن أذينة على أبان؟
قال عمر بن أذينة: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بنحو شهر فقال لي: رأيت البارحة رؤيا، أني خليق أن أموت سريعا. إني رأيتك الغداة ففرحت بك.
إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي فقال لي: (يا أبان، إنك ميت في أيامك هذه. فاتق الله في وديعتي ولا تضيعها، وف لي بما ضمنت من كتمانها. ولا تضعها إلا عند رجل من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه له دين وحسب).
فلما بصرت بك الغداة فرحت برؤيتك وذكرت رؤياي سليم بن قيس.
كيف تعرف أبان على سليم؟
لما قدم الحجاج العراق (1) سأل عن سليم بن قيس، فهرب منه فوقع إلينا بالنوبندجان(2) متواريا، فنزل معنا في الدار. فلم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ولا أشد اجتهادا
ولا أطول حزنا منه، ولا أشد خمولا لنفسه ولا أشد بغضا لشهرة نفسه منه. وأنا يومئذ ابن أربع عشرة سنة، وقد قرأت القرآن، وكنت أسأله فيحدثني عن أهل بدر.
فسمعت منه أحاديث كثيرة عن عمر بن أبي سلمة (3) ابن أم سلمة زوجة النبي صلی الله عليه و اله، وعن معاذ بن جبل وعن سلمان الفارسي وعن علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي ذر والمقداد وعمار والبراء بن عازب. ثم استكتمنيها ولم يأخذ علي فيها يمينا.
قراءة سليم كتابه على أبان وتسليمه إياه
فلم ألبث أن حضرته الوفاة، فدعاني وخلا بي وقال: يا أبان، إني قد جاورتك فلم أر منك إلا ما أحب. وإن عندي كتبا سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي، فيها أحاديث
لا أحب أن تظهر للناس، لأن الناس ينكرونها ويعظمونها. وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم.
وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الآخر حتى اجتمعوا عليه
جميعا، فتبعتهم عليه، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق. وإني هممت
حين مرضت أن أحرقها، فتأثمت من ذلك وقطعت به. (4)فإن جعلت لي عهد الله
عز وجل وميثاقه أن لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا، ولا تحدث بشئ منها بعد موتي إلا من تثق به كثقتك بنفسك، وإن حدث بك حدث أن تدفعها إلى من تثق به من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن له دين وحسب.
فضمنت ذلك له، فدفعها إلي وقرأها كلها علي. فلم يلبث سليم أن هلك، رحمه الله.
إقرار الحسن البصري بمحتوى كتاب سليم
فنظرت فيها بعده فقطعت بها (5) وأعظمتها واستصعبتها (6)، لأن فيها هلاك جميع أمة محمد صلی الله عليه و اله من المهاجرين والأنصار والتابعين، غير علي بن أبي طالب وأهل بيته صلوات الله عليهم وشيعته.
فكان أول من لقيت بعد قدومي البصرة الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو
يومئذ متوار من الحجاج. والحسن يومئذ من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ومن مفرطيهم (7)، نادم متلهف على ما فاته من نصرة علي عليه السلام والقتال معه يوم الجمل.
فخلوت به في شرقي دار أبي خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي (8)، فعرضتها عليه، فبكى ثم قال: (ما في أحاديثه شئ إلا حق، قد سمعته من الثقات من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وغيرهم ".
تقرير الإمام زين العابدين عليه السلام للكتاب
قال أبان: فحججت من عامي ذلك فدخلت على علي بن الحسين عليه السلام، وعنده
أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلی الله عليه و اله - وكان من خيار أصحاب علي عليه السلام - ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة زوجة النبي صلی الله عليه و اله.(9)
فعرضته عليه وعلى أبي الطفيل وعلى علي بن الحسين عليه السلام ذلك أجمع ثلاثة أيام
- كل يوم إلى الليل - ويغدو عليه عمر وعامر. فقرآه عليه ثلاثة أيام، فقال عليه السلام لي(10):
(صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله (11) نعرفه). وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ما فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه، ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد).
فقلت لأبي الحسن علي بن الحسين عليه السلام: جعلت فداك، إنه ليضيق صدري ببعض ما
فيه، لأن فيه هلاك أمة محمد صلی الله عليه و اله رأسا من المهاجرين والأنصار والتابعين، غيركم
أهل البيت وشيعتكم.
فقال عليه السلام: يا أخا عبد القيس، أما بلغك أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. وكمثل باب
حطة في بني إسرائيل)؟ (12)فقلت: نعم. قال: من حدثك؟ فقلت: قد سمعته من أكثر من
مائة من الفقهاء. فقال: ممن؟ فقلت: سمعته من حنش بن المعتمر، وذكر أنه سمعه من
أبي ذر وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ينادي به نداء ويرويه عن رسول الله صلی الله عليه و اله.(13) فقال:
وممن؟ فقلت: ومن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه سمعه من أبي ذر ومن المقداد
بن الأسود الكندي ومن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. فقال: وممن؟ (14) فقلت:
ومن سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس، ومن أبي ظبيان الجنبي، ومن عبد الرحمن
بن أبي ليلى (15) - كل هؤلاء حاجين - أخبروا أنهم سمعوا من أبي ذر.
وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ونحن والله سمعنا من أبي ذر، وسمعناه من
علي بن أبي طالب عليه السلام والمقداد وسلمان). ثم أقبل عمر بن أبي سلمة فقال: والله،
لقد سمعته ممن هو خير من هؤلاء كلهم، سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله، سمعته أذناي
ووعاه قلبي.
فأقبل علي علي بن الحسين عليه السلام فقال: أوليس هذا الحديث وحده ينتظم جميع ما أفظعك وعظم في صدرك من تلك الأحاديث؟ اتق الله يا أخا عبد القيس، فإن وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد علمه إلى الله، فإنك في أوسع مما بين السماء والأرض.قال
أبان: فعند ذلك سألته عما يسعني جهله وعما لا يسعني جهله، فأجابني بما أجابني.
أبان وأبو الطفيل
قال أبان: ثم لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله، فحدثني في الرجعة عن أناس من
أهل بدر وعن سلمان وأبي ذر والمقداد وأبي بن كعب. (16)وقال أبو الطفيل: فعرضت
ذلك الذي سمعته منهم على علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فقال لي: (هذا علم خاص يسع الأمة جهله ورد علمه إلى الله تعالى). ثم صدقني بكل ما حدثوني فيها وقرأ علي
بذلك قرآنا كثيرا وفسره تفسيرا شافيا، حتى صرت ما أنا بيوم القيامة بأشد يقينا مني بالرجعة. (17)
وكان مما قلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن حوض رسول الله صلی الله عليه و اله، أفي الدنيا هو أم في الآخرة؟ فقال: بل في الدنيا. (18)قلت: فمن الذائد عنه؟ قال: أنا بيدي هذه، فليردنه أوليائي وليصرفن عنه أعدائي.
قلت: يا أمير المؤمنين، قول الله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم، أن الناس...) الآية (19)، ما الدابة؟ قال: يا أبا الطفيل، اله (20) عن هذا.
فقلت:يا أمير المؤمنين، أخبرني به جعلت فداك. قال: هي دابة تأكل الطعام
وتمشي في الأسواق وتنكح النساء.
فقلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: هو زر الأرض (21) الذي إليه تسكن الأرض. قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: صديق هذه الأمة وفاروقها ورئيسها
وذو قرنها.
قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: الذي قال الله عز وجل:(ويتلوه شاهد منه)(22) ، والذي (عنده علم الكتاب) (23)، (والذي جاء بالصدق) (24)، والذي (صدق به) أنا، والناس كلهم
كلهم كافرون غيري وغيره.(25)
قلت: يا أمير المؤمنين، فسمه لي. قال: قد سميته لك.
يا أبا الطفيل، والله لو دخلت على عامة شيعتي الذين بهم أقاتل، الذين أقروا بطاعتي وسموني (أمير المؤمنين) واستحلوا جهاد من خالفني، فحدثتهم شهرا ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل على محمد صلی الله عليه و اله وببعض ما سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة حق قليلة، أنت وأشباهك من شيعتي.
ففزعت وقلت: يا أمير المؤمنين، أنا وأشباهي نتفرق عنك أو نثبت معك؟ قال: لا،
بل تثبتون.
ثم أقبل علي فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به إلا ثلاثة: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان. يا أبا الطفيل، إن رسول الله صلی الله عليه و اله قبض فارتد الناس ضلالا وجهالا (26)، إلا من عصمه الله بنا أهل البيت.
قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه
قال عمر بن أذينة: ثم دفع إلي أبان (كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري)، ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا شهرا (27) حتى مات. فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري الهلالي، دفعه إلي أبان بن أبي عياش وقرأه علي. وذكر أبان أنه قرأه على علي بن الحسين عليه السلام فقال: (صدق سليم، هذا حديثنا نعرفه).(28)
____________
1- قدم الحجاج العراق حاكما عليها من قبل عبد الملك بن مروان في سنة 75 الهجرية.
2- كانت مدينة كبيرة من أرض فارس من كورة سابور، قريبة من شعب بوان الموصوف بالحسن والنزاهة، وقد تدعى نوبنجان. ذكرها في معجم البلدان: ج 5 ص 302، ونزهة القلوب: المقالة الثالثة، ص 128 وآثار العجم: ص 90 و 304.
وقد بقيت اليوم منها قرية صغيرة في جنوبي إيران بين مدينتي شيراز وفسا تدعى (نوبندكان).
3- عمر بن أبي سلمة هذا هو الذي قرء كتاب سليم على الإمام السجاد × كما سيجيئ.
4- تأثم أي امتنع من الإثم، وقطع به أي امتنع منه ولم يره صوابا.
5- أي جزمت بما فيها. في (د): ففظعت بها.
6- أي وجدتها صعبا.
7- إن الحسن البصري من المذبذبين المنافقين، وإن أبان يشير إلى نفاقه بقوله: (يومئذ)، أي كان في تلك الأيام يظهر الإفراط في التشيع. راجع عن أحوال الحسن البصري: بحار الأنوار: ج 2 ص 64، و ج 42 ص 141.
8- هو الذي توارى عنده الحسن البصري كما يصرح بذلك أبان في الحديث 58. وقد يذكر بعنوان (الحجاج بن عتاب العبدي البصري). وفي (د): (الدئلي) مكان (الديلمي).
9- أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني الأسقع ولد عام أحد وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ثماني سنين من حياة النبي. كان له منزلة عند أمير المؤمنين عليه السلام وشهد صفين وكان يسكن الكوفة ثم انتقل إلى مكة. وهو من جملة من أراد الحجاج قتلهم لكنه نجا لأنه كانت له يد عند عبد الملك. مات سنة 100 وهو آخر من بقي من الصحابة.
وأبو حفص عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من أصحابه. كان واليا على البحرين من قبل علي عليه السلام وشهد معه صفين. توفي بالمدينة في سنة 83.
10- (ب): فقرأته عليهم، فقالوا لي.
11- (ب): كل. (ب) خ ل: كلنا. وفي (د): كله أعرفه.
12- " باب حطة " في بني إسرائيل كان علامة الخضوع أمام الأوامر الإلهية ولذلك كان الوجب عليهم أن يدخلوا منها في حالة السجود ليعرف خضوعهم. فتشبيه أهل البيت عليهم السلام بباب حطة لأن الخلق بالتواضع والخضوع أمامهم يخضعون تجاه الأوامر الإلهية، فقد ورد في إثبات الهداة: ج 1 ص 618 ح 657 أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الزيادة من خالقه كما قال الله عز وجل: أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. راجع عن باب حطة: البحار: ج 13 ص 185 - 180.
13- أوردنا هذا الحديث عن سليم في المستدركات: الحديث 75.
14- من هنا إلى آخر العبارة في (د) هكذا: قال: وممن نقلت؟ قلت: من سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس وأبي ظبيان الجنبي وأبي وائل أنهم سمعوه من أبي ذر، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعاصم بن ضمرة وهبيرة بن مريم عن علي عليه السلام.
ثم إن أبا وائل هو شقيق بن سلمة مات في إمارة عمر بن عبد العزيز. وعاصم بن ضمرة السلولي من أصحاب علي عليه السلام. وهبيرة بن مريم الحميري الكوفي من أصحاب علي عليه السلام.
15- أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المتوفى سنة 94، رباه أمير المؤمنين عليه السلام وقد عد في الخمس الذين كانوا حواري علي بن الحسين عليه السلام.
وعلقمة بن قيس كان فقيها في دينه قارئا لكتاب الله عالما بالفرائض وهو من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم، وكان من ثقات أمير المؤمنين عليه السلام. شهد صفين وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها.
وأبو ظبيان حصين بن جندب بن الحارث الجنبي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن، تابعي مشهور الحديث. مات سنة 90.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، عربي كوفي من خواص أمير المؤمنين عليه السلام ومن أصحابه من اليمن.
شهد مع علي عليه السلام مشاهده وهو الذي ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه. قتل سنة 82.
16- أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي. شهد بدرا والعقبة وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر.
17- راجع عن (الرجعة): البحار: ج 53 ص 39 ب 29.
18- الظاهر - بقرينة كلمة (بل) - أنه عليه السلام يريد بذلك أن أصل الحوض في الدنيا وهو محبة محمد وآله عليهم السلام وولايتهم وبغض أعدائهم كما يستفاد ذلك من أحاديث كثيرة. يراجع البحار: ج 8 ص 16 الباب 20.
19- سورة النمل: الآية 82. وبقية الآية هكذا: (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون). روى في البحار: ج 39 ص 243 ح 31 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال:
قم يا دابة الله فقال رجل من أصحابه:
يا رسول الله، أيسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا والله، ما هو إلا له خاصة وهو دابة الأرض الذي ذكر الله في كتابه: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون).
ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك....
20- (ب): إليك.
21- زر الأرض كناية عما به قوامها.
22- سورة هود: الآية 17، وما قبل الآية هكذا: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه).
23- سورة الرعد: الآية 43، وما قبل الآية هكذا: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب).
24- سورة الزمر: الآية 33. وتمام الآية هكذا: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون).
25- أي أنا الذي صدقت الصدق الذي جاء به، والناس كلهم كانوا كافرين به ومكذبين له غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي (د) هكذا: والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وآله، والذي صدق به (أنا) أيام كان الناس كلهم كافرين مكذبين غيري وغيره.
26- في (د): فارتد الناس بعده كفارا.
27- (ب): شهرين.
28- في مختصر البصائر: (هذه أحاديثنا صحيحة)، والظاهر أنه نقل بالمعنى.

كلام النبي صلی الله عليه و اله في اللحظة الأخيرة من عمره المبارك


قال سليم: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالسا بين يدي رسول الله صلی الله عليه و اله في مرضه الذي قبض فيه. فدخلت فاطمة عليها السلام، فلما رأت ما برسول الله صلی الله عليه و اله من الضعف خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خديها.
فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: يا بنية، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله، أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك.
آل محمد عليهم السلام خيرة الله في أرضه فقال رسول الله صلی الله عليه و اله - واغرورقت عيناه بالدموع -: يا فاطمة، أوما علمت إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه وإن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيا. ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه، وأن أتخذه أخا ووزيرا ووصيا وأن أجعله خليفتي في أمتي.
فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء والوزراء، وأنت أول من يلحقني من أهلي. ثم اطلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر رجلا من ولدك وولد أخي بعلك منك.
بشارة النبي بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام
فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنا وأخي والأحد عشر إماما أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون.
أول الأوصياء بعد أخي، الحسن ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في منزل واحد في الجنة. وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثم منزل إبراهيم وآل إبراهيم.
إكرام الله لفاطمة عليها السلام
أما تعلمين - يا بنية - أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي وخير أهل بيتي، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأكرمهم نفسا وأصدقهم لسانا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا. فاستبشرت فاطمة عليها السلام بما قال لها رسول الله صلی الله عليه و اله وفرحت.
ميزات أمير المؤمنين عليه السلام
ثم قال لها رسول الله صلی الله عليه و اله: إن لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس ثواقب نوافذ، ومناقب ليست لأحد من الناس:
إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك، لأن الله علمني علما لا يعلمه غيري وغيره، ولم يعلم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلمه عليا ففعلت ذلك. فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره.
وإنك - يا بنية - زوجته، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي. وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإن الله جل ثناؤه علمه الحكمة وفصل الخطاب.
ميزات أهل البيت عليهم السلام الخاصة
يا بنية، إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحدا من الأولين ولا أحدا من الآخرين غيرنا: أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم، ووصيي خير الوصيين،
ووزيري بعدي خير الوزراء، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي.
قالت: يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك؟ قال: لا، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء. (1)
وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع
الملائكة في الجنة. (2)وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة.ومنا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل؟ فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: أخي علي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول الله صلی الله عليه و اله بيده إلى الحسين عليه السلام - منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر لأنه إمامه والآخر وصي الأول. إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا.
إخبار النبي صلی الله عليه و اله بتظاهر الأمة على علي عليه السلام من بعده
ثم نظر رسول الله صلی الله عليه و اله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. أما إنهم معي في الجنة.
ثم أقبل النبي صلی الله عليه و اله على علي عليه السلام فقال: يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة. إنه قال لأخيه موسى(3):
(إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).
____________
1- (ب): ما خلا النبيين والوصيين. وبيان ذلك أن الأنبياء والأوصياء لا يقاسوا بغيرهم وخاصة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وقد تواترت الروايات بأن أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام هو سيد الشهداء من الأولين والآخرين.
2- ذكر حمزة وجعفر قبل أصحاب الكساء إنما هو للتقدم الزماني أو أن الكلام في بيان خير الشهداء كما ترى بيانه بعد ذلك بأسطر.
3- سورة الأعراف: الآية 150، وتمام الآية هكذا: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين).

تظاهر الأمة على علي عليه السلام بعد رسول الله صلی الله عليه و اله


قال سليم: وحدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت أمشي مع رسول الله صلی الله عليه و اله في بعض طرق المدينة. فأتينا على حديقة فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة
قال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها.
ثم أتينا على حديقة أخرى، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال:
ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها. حتى أتينا على سبع حدائق، أقول:
يا رسول الله، ما أحسنها ويقول: لك في الجنة أحسن منها.
علي عليه السلام الشهيد الوحيد الفريد
فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثم أجهش باكيا فقال: بأبي الوحيد الشهيد فقلت:
يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، أحقاد بدر وترات أحد.
قلت: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك.
برنامج النبي عليه السلام لعلي صلی الله عليه و اله
فأبشر يا علي، فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت صفيي
ووزيري ووارثي والمؤدي عني، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عني، وأنت تبرء
ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي الناكثين من أمتي والقاسطين والمارقين، وأنت
مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا
يقتلونه.
فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن
تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم: إن
ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه
ولا يفرق بينهم.
اختلاف الأمة امتحان إلهي
يا علي، ما بعث الله رسولا إلا وأسلم معه قوم طوعا وقوم آخرون كرها، فسلط الله
الذين أسلموا كرها على الذين أسلموا طوعا فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم.
يا علي، وإنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، وإن الله
قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه ولا يتنازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله. ولو شاء عجل النقمة فكان منه التغيير (1) حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكن
جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (2)
فقلت: الحمد لله شكرا على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.
____________
١- أي لو شاء الله أن ينصر أوليائه لعجل النقمة على الظالمين وغير النعمة عليهم.
٢- سورة النجم: الآية 31.

قضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب


وعن سليم، قال: سمعت البراء بن عازب يقول:
كنت أحب بني هاشم حبا شديدا في حياة رسول الله صلی الله عليه و اله وبعد وفاته.
كيفية تغسيل رسول الله صلی الله عليه و اله
فلما قبض رسول الله صلی الله عليه و اله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره، وأنه لا ينبغي لأحد
أن يرى عورته غيره، وأنه ليس أحد يرى عورة رسول الله صلی الله عليه و اله إلا ذهب بصره.
فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك؟ قال: جبرائيل في جنود من الملائكة.
فكان علي عليه السلام يغسله، والفضل بن العباس مربوط العينين يصب الماء والملائكة
يقلبونه له كيف شاء. ولقد أراد علي عليه السلام أن ينزع قميص رسول الله صلی الله عليه و اله، فصاح به صائح:
(لا تنزع قميص نبيك، يا علي). فأدخل يده تحت القميص فغسله ثم حنطه وكفنه، ثم
نزع القميص عند تكفينه وتحنيطه.
مفاجأة أهل البيت عليهم السلام بعمل أصحاب السقيفة
قال البراء بن عازب: فلما قبض رسول الله صلی الله عليه و اله تخوفت أن تتظاهر قريش على
إخراج هذا الأمر من بني هاشم.
فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي
من الحزن لوفاة رسول الله صلی الله عليه و اله.
فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله صلی الله عليه و اله لغسله
وتحنيطه. وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جهلة أصحابه،
فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شئ.
فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش. فإني لكذلك إذ فقدت
أبا بكر وعمر. ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمر بهم أحد إلا خبطوه، فإذا عرفوه مدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى(1)
فأنكرت عند ذلك عقلي جزعا منه، مع المصيبة برسول الله صلی الله عليه و اله. فخرجت مسرعا حتى أتيت المسجد، ثم أتيت بني هاشم، والباب مغلق دونهم. فضربت الباب ضربا
عنيفا وقلت: يا أهل البيت فخرج إلي الفضل بن العباس، فقلت: قد بايع الناس
أبا بكر فقال العباس: (قد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر. أما إني قد أمرتكم فعصيتموني).
ما جرى بين صالحي الصحابة ليلة السقيفة
فكمثت أكابد ما في نفسي. فلما كان الليل خرجت إلى المسجد، فلما صرت فيه
تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله صلی الله عليه و اله بالقرآن. فانبعثت من مكاني فخرجت نحو الفضاء - فضاء بني بياضة -، فوجدت نفرا يتناجون. فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما عرفتهم، فدعوني إليهم فأتيتهم فإذا المقداد وأبو ذر وسلمان وعمار بن ياسر وعبادة بن الصامت وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام، وحذيفة يقول: والله ليفعلن ما أخبرتكم به. فوالله ما كذبت ولا كذبت.
وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين والأنصار. فقال حذيفة:
انطلقوا بنا إلى أبي بن كعب فقد علم مثل ما علمت.
فانطلقنا إلى أبي بن كعب فضربنا عليه بابه، فأتى حتى صار خلف الباب، ثم قال:
من أنتم؟ فكلمه المقداد. فقال: ما جاء بكم؟ فقال: إفتح بابك، فإن الأمر الذي جئنا فيه أعظم من أن يجري وراء الباب. فقال: ما أنا بفاتح بابي، وقد علمت ما جئتم له. وما أنا بفاتح بابي، كأنكم أردتم النظر في هذا العقد.
فقلنا: نعم. فقال: أفيكم حذيفة؟ فقلنا: نعم. قال: القول ما قال حذيفة، فأما أنا
فلا أفتح بابي حتى يجري على ما هو جار عليه، ولما يكون بعدها شر منها، وإلى الله جل ثنائه المشتكى.
قال: فرجعوا. ثم دخل أبي بن كعب بيته.
محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخلافة
قال: وبلغ أبا بكر وعمر الخبر، فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة فسألاهما الرأي. فقال المغيرة بن شعبة: أرى أن تلقوا العباس بن عبد المطلب
فتطمعوه في أن يكون له في هذا الأمر نصيب يكون له ولعقبه من بعده فتقطعوا عنكم بذلك ناحية علي بن أبي طالب، فإن العباس بن عبد المطلب لو صار معكم كانت
الحجة على الناس وهان عليكم أمر علي بن أبي طالب وحده.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة حتى دخلوا
على العباس بن عبد المطلب في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلی الله عليه و اله.
قال: فتكلم أبو بكر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث لكم محمدا
نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده وترك للناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصلحتهم، متفقين لا مختلفين. فاختاروني عليهم
واليا ولأمورهم راعيا، فتوليت ذلك. وما أخاف بعون الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله.
غير أني لا أنفك من طاعن يبلغني فيقول بخلاف قول العامة، فيتخذكم لجأ
فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه أو صرفتموهم عما مالوا إليه. فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا
يكون لك ولعقبك من بعدك، إذ كنت عم رسول الله صلی الله عليه و اله، وإن كان الناس أيضا قد رأوا مكانك ومكان صاحبك فعدلوا بهذا الأمر عنكما.
فقال عمر(2): أي والله، وأخرى يا بني هاشم على رسلكم (3)، فإن رسول الله صلی الله عليه و اله منا ومنكم، وإنا لم نأتكم لحاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون، فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم وللعامة. ثم سكت.
مواجهة العباس لمؤامرة أصحاب السقيفة
فتكلم العباس فقال: إن الله تبارك وتعالى ابتعث محمدا صلی الله عليه و اله - كما وصفت - نبيا وللمؤمنين وليا، فإن كنت برسول الله صلی الله عليه و اله طلبت هذا الأمر فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن من المؤمنين، ما تقدمنا في أمرك ولا تشاورنا ولا تآمرنا
ولا نحب لك ذلك، إذ كنا من المؤمنين وكنا لك من الكارهين.
وأما قولك (أن تجعل لي في هذا الأمر نصيبا)، فإن كان هذا الأمر لك خاصة فأمسك عليك فلسنا محتاجين إليك وإن كان حق المؤمنين فليس لك أن تحكم في حقهم
دونهم، وإن كان حقنا فإنا لا نرضى منك ببعضه دون بعض. (4)
وأما قولك يا عمر (إن رسول الله صلی الله عليه و اله منا ومنكم)، فإن رسول الله شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، فنحن أولى به منكم.
وأما قولك (إنا نخاف تفاقم الخطب بكم وبنا)، فهذا الذي فعلتموه أوائل ذلك، والله المستعان.
فخرجوا من عنده وأنشأ العباس يقول:
ما كنت أحسب هذا الأمر منحرفا عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالآثار والسنن
وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما في جميع الناس كلهم وليس في الناس ما فيه من الحسن
من ذا الذي ردكم عنه فنعرفه ها إن بيعتكم من أول الفتن
____________
1- روى الشيخ المفيد في كتاب (الجمل): ص 59 عن أبي مخنف بأسناده قال: كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها، فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر.
فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: (خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه). قال: والله، لقد رأيت الأعراب تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاءوا بهم مكرهين للبيعة.
2- (ب): فتكلم عمر فقال. وفي شرح النهج: (فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال...).
3- (ترسل) أي تمهل ولم يعجل. و (على رسلك) أي على هينتك، و (الرسل): الرفق. وقوله (يتفاقم الخطب) أي يعظم الأمر ولا يجري على استواء.
4- زاد في شرح النهج: (وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان).

قضايا السقيفة على لسان سلمان الفارسي


احتجاج الأنصار على أهل السقيفة
وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال: سمعت سلمان الفارسي قال:
لما أن قبض النبي صلی الله عليه و اله وصنع الناس ما صنعوا جاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي عليه السلام فقالوا: يا معاشر الأنصار،
قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلی الله عليه و اله من قريش، والمهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (الأئمة من قريش).
كيفية تغسيل النبي صلی الله عليه و اله والصلاة عليه
قال سلمان: فأتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلی الله عليه و اله. وقد كان رسول الله صلی الله عليه و اله أوصى عليا عليه السلامأن لا يلي غسله غيره. فقال: يا رسول الله، فمن يعينني على ذلك؟
فقال: (جبرائيل). فكان علي عليه السلام لا يريد عضوا إلا قلب له.
فلما غسله وحنطه وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن
والحسين عليهم السلام. فتقدم علي عليه السلام وصففنا خلفه وصلى عليه، وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها.
ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فكانوا يدخلون ويدعون و
يخرجون، حتى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه. (1)
أفراد قلائل بايعوا أبا بكر
قال سلمان الفارسي: فأخبرت عليا عليه السلام - وهو يغسل رسول الله صلی الله عليه و اله - بما صنع القوم، وقلت: إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلی الله عليه و اله، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة (2) وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله!
فقال علي عليه السلام: يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلی الله عليه و اله؟
قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير (3) بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.
قال عليه السلام: لست أسألك عن هؤلاء، ولكن هل تدري من أول من بايعه حين صعد
المنبر؟ قلت: لا، ولكني رأيت شيخا كبيرا يتوكأ على عصاه، بين عينيه سجادة شديدة التشمير، صعد المنبر أول من صعد وخر وهو يبكي ويقول: (الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك). فبسط يده فبايعه، ثم قال: (يوم كيوم آدم) ثم نزل فخرج من المسجد. (4)
فقال علي عليه السلام: يا سلمان، أتدري من هو؟ قلت: لا، لقد ساءتني مقالته كأنه شامت
بموت رسول الله صلی الله عليه و اله.
قال علي عليه السلام: فإن ذلك إبليس لعنه الله.
إبليس ينتقم بالسقيفة من يوم الغدير
أخبرني رسول الله صلی الله عليه و اله: إن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلی الله عليه و اله إياي يوم غدير خم بأمر الله، وأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب. فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: (إن هذه الأمة أمة مرحومة معصومة، فما لك ولا لنا عليهم سبيل، وقد أعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيهم).
فانطلق إبليس كئيبا حزينا.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: أخبرني رسول الله صلی الله عليه و اله بعد ذلك وقال: يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا. ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا. ثم يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرون سجدا فيقولون: (يا سيدنا، يا كبيرنا، أنت الذي أخرجت
آدم من الجنة). فيقول: أي أمة لن تضل بعد نبيها؟ كلا (5)، زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل؟ فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته وأمرهم به رسول الله وذلك قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين). (6)
____________
1- عن أبي جعفر عليه السلام، قيل له: كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله؟ قال: لما غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفنه وسجاه، أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي. أورد ذلك في الكافي: ج 1 ص 450، إعلام الورى: ص 84. وسائل الشيعة:
ج 2 ص 779.
2- في (د) وروضة الكافي: والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة.
3- (ب): بشر. يوجد ضبطه بكلا العنوانين، كما أن اسم أبيه قد يذكر بعنوان (سعد).
4- روي في البحار: ج 30 ص 155 ح 13 عنه عليه السلام: أن إبليس هو الذي أشار على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في دار الندوة وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر فبايعه.
5- (ب) مكان قوله (فيقولون) إلى هنا هكذا: (فيجث ويكسع ثم يقول). ويجث بمعنى يقلع من مكانه، ويكسع أي يضرب دبره بيده فرحا.
6- سورة سبأ: الآية 20.

أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على الأجيال


قال سلمان: فلما أن كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهم السلام، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا. فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت.
فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة. فقلت لسلمان: من الأربعة؟ فقال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام.
ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم، فقالوا: (نصبحك بكرة) فما منهم
أحد أتاه غيرنا. ثم أتاهم الليلة الثالثة فما أتاه غيرنا.
علي عليه السلام يجمع القرآن ويعرضه على الناس
فلما رآى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. (1)
فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع. فبعث إليه علي عليه السلام: (إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه).
فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله. فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته:
(يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلی الله عليه و اله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد. فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلی الله عليه و اله آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلی الله عليه و اله وعلمني تأويلها).
ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا غدا: (إنا كنا عن هذا غافلين). (2)
ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته.
فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه (3) ثم دخل علي عليه السلامبيته.
إقامة الحجة على أبي بكر في ما ادعاه من ألقاب وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه.
فأرسل إليه أبو بكر: (أجب خ ليفة رسول الله) فأتاه الرسول فقال له ذلك. فقال له علي عليه السلام: (سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري). وذهب الرسول فأخبره بما قال له.
قال: اذهب فقل له: (أجب أمير المؤمنين أبا بكر) فأتاه فأخبره بما قال. فقال له علي عليه السلام: سبحان الله ما والله طال العهد فينسى. فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين. فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أحق من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلی الله عليه و اله:
نعم، حقا حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار. فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك.
إتمام الحجة على الأنصار ومطالبتهم بالوفاء ببيعتهم فلما كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته. فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته.
____________
1- الأشظاظ بمعنى العيدان المتفرقة، والأسيار جمع السير وهو قدة من الجلد مستطيلة.
2- لعله إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 172: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين).
3- في الإحتجاج: فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله وبعده في (د) هكذا: فدخل بيته وأغلق بابه.
في البحار: ج 92 ص 42 ح 2 عن أبي ذر: أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم كما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله. فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم. فوثب عمر وقال: يا علي، أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف. ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليا عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل ما قد علمتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال: زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك....
فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال علي عليه السلام: هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: (إنا كنا عن هذا غافلين)، أو تقولوا: (ما جئتنا به).
إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة عليه.

شهادة فاطمة الزهراء عليها السلام


هجوم قبائل قريش على بيت الوحي وإحراقه
فلما رآى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته.
فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما.
فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب.
فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام، فأبى أن يأذن لهم.
فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناس حولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر: اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن!
فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام: (أحرج عليكم (1) أن تدخلوا على بيتي بغير إذن). فرجعوا وثبت قنفذ الملعون. فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا (2)
أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء!
____________
١- حرج عليه أي شدد عليه.
٢- من هنا إلى قوله: (ثم انطلق بعلي عليه السلام...) (بعد صفحات) في (د) هكذا: فقالوا: إن فاطمة حرجت علينا، فتحرجنا أن ندخل عليها بيتها بغير إذنها. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حزم الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما. ثم نادى عمر: يا علي، والله لتخرجن فلتبايعن خليفة رسول الله عليك أو لأضرمنها عليك نارا فلم يجبه.
فوضع عمر النار بالباب وهو متخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه لما عرف من بأسه وشدته حتى احترق الباب. ثم قال لقنفذ: اقتحم عليه فأخرجه فاقتحم هو وأصحابه وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوا إليه وكاثروه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا.
وجاءت فاطمة عليها السلام لتحول بينهم وبينه، فضربها قنفذ بسوطه وأضغطت بين الباب فصاحت: يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميتا وأثر سوط قنفذ في عضدها مثل الدملوج.

بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالجبر والإكراه


ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا (1) حتى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه(2)، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح(3) !
الدخول إلى بيت فاطمة عليها السلام بغير إذن
قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة عليها السلام بغير إذن؟ (4) قال: إي والله، وما عليها من خمار فنادت: (وا أبتاه، وارسول الله يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر عيناك
لم تتفقأ في قبرك) - تنادي بأعلى صوتها -. فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول: إنا لسنا من النساء ورأيهن في شئ.
أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على قريش
قال: فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا. أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني.
ولما أن بصر به أبو بكر صاح: (خلوا سبيله) فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر، ما أسرع
ما توثبتم على رسول الله بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله؟
وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط - حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر: (إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها) - فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها (5) فألقت جنينا من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة.
قال: ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال عليه السلام له: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلا وصغارا
فقال عليه السلام: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأما
أخو رسول الله فما نقر بهذا قال: أتجحدون أن رسول الله صلی الله عليه و اله آخى بيني وبينه؟ قال:
نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات.
ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار،
أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله صلی الله عليه و اله يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا؟ فلم يدع عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلی الله عليه و اله علانية للعامة إلا ذكرهم إياه.
قالوا: اللهم نعم.
أبو بكر يختلق حديثا لغصب الخلافة
فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال له(6): كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة).
فقال علي عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله شهد هذا معك؟ فقال عمر:
صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال. وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.
أمير المؤمنين عليه السلام يفضح الصحيفة الملعونة
فقال لهم علي عليه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة(7): " إن قتل الله محمدا أو مات لتزون (8) هذا الأمر عنا أهل البيت ".
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها (9) فقال عليه السلام: أنت يا زبير وأنت
يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم
رسول الله صلی الله عليه و اله يقول ذلك وأنتم تسمعون: (إن فلانا وفلانا - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت)؟(10) فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله صلی الله عليه و اله يقول ذلك لك: (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي).
قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك.
فقال علي عليه السلام: أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. (11)
الرد على الحديث المختلق بكتاب الله تعالى
وفيما يكذب قولكم على رسول الله صلی الله عليه و اله قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم
الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)(12) ، فالكتاب النبوة، والحكمة السنة، والملك الخلافة، ونحن آل إبراهيم.
دفاع المقداد وسلمان وأبي ذر عن علي عليه السلام
فقام المقداد فقال: يا علي، بما تأمرني؟ والله إن أمرتني لأضربن بسيفي وإن أمرتني كففت. فقال علي عليه السلام: كف يا مقداد، واذكر عهد رسول الله وما أوصاك به.
فقمت(13) وقلت: والذي نفسي بيده، لو أني أعلم أني أدفع ضيما وأعز لله دينا
لوضعت سيفي على عنقي ثم ضربت به قدما قدما. أتثبون على أخي رسول الله ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده؟ فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء.
وقام أبو ذر فقال: أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها المخذولة بعصيانها، إن الله يقول:
(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)(14). وآل محمد الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمد، أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة،
وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة، أضاء نورها وبورك زيتها. محمد خاتم الأنبياء وسيد ولد
آدم، وعلي وصي الأوصياء وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)(15). فقدموا من قدم الله وأخروا من أخر الله واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل الله.
عمر يهدد عليا بالقتل
فقام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا
جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ أو تأمر به فنضرب عنقه - والحسن والحسين قائمان - فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما عليه السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا، فوالله ما يقدران على قتل أبيكما.
دفاع أم أيمن وبريدة عن علي عليه السلام
وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله صلی الله عليه و اله فقالت: (يا أبا بكر، ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم) فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد وقال: ما لنا وللنساء.
وقام بريدة الأسلمي وقال: أتثب - يا عمر - على أخي رسول الله وأبي ولده وأنت
الذي نعرفك في قريش بما نعرفك؟ ألستما قال لكما رسول الله صلی الله عليه و اله: (انطلقا إلى علي وسلما عليه بإمرة المؤمنين)؟ فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ قال: نعم.
فقال أبو بكر: قد كان ذلك ولكن رسول الله قال بعد ذلك: (لا يجتمع لأهل بيتي
النبوة والخلافة). فقال: والله ما قال هذا رسول الله، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير.
فأمر به عمر فضرب وطرد!
كيفية بيعة أمير المؤمنين عليه السلام
ثم قال: قم يا بن أبي طالب فبايع. فقال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا والله نضرب عنقك
فاحتج عليهم ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه.
فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع - والحبل في عنقه -: (يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). (16)
بيعة الزبير وسلمان وأبي ذر والمقداد
وقيل للزبير: بايع، فأبى، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في
أناس معهم، فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسروه ثم لببوه. فقال
الزبير - وعمر على صدره -: يا بن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني).
ثم بايع.
قال سلمان: ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة، ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها.
ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير علي عليه السلام
وأربعتنا. ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير، فإنه لما بايع قال: يا بن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوي بهم وتصول.
فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟ فقال: ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها؟
وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك؟ أوليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك - بعد ما زنى
بها - فولدته، وإنه لعبد لجدي ولد زنا؟ (17)فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه.
____________
1- أي يجذب ويجر جرا عنيفا. وفي الإحتجاج: ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر.
2- (ب): على رأس أبي بكر بالسيف.
3- في (د): قد سلوا السيوف.
4- قد نظم العلامة الفقيه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني المتوفى 1335 ه‍ ق، هذا الموضع من حديث سليم في أرجوزته حيث يقول:
يا عجبا يستأذن الأمين عليهم ويهجم الخؤون
قال سليم: قلت يا سلمان هل هجموا ولم يك استيذان
فقال: اي وعزة الجبار وما على الزهراء من خمار
لكنها لاذت وراء الباب رعاية للستر والحجاب
فمذ رأوها عصروها عصرة كادت بنفسي أن تموت حسرة
تصيح يا فضة سنديني فقد وربى قتلوا جنيني
فأسقطت بنت الهدى وا حزنا جنينها ذاك المسمى محسنا
ولم يرعها كلما قد فعلوا لكنها قد خرجت تولول
فانبعثت تصيح بين الناس خلوه أو لأكشفن راسي
راجع وفاة الصديقة الطاهرة للمقرم: ص 49. رياض المدح والرثاء للشيخ حسين علي آل الشيخ سليمان البلادي البحراني: ص 3.
5- (د): ألجأها إلى عضادة بابها فأضغطها فتكسر ضلعا من أضلاعها.
6- (د): فقال مبادرا: نعم، كل ما قلت حق.
7- فضحك أمير المؤمنين عليه السلام وقال: الله أكبر، ما أشد ما وفيتم بصحيفتكم المعلومة التي تعاهدتم وتعاقدتم عليها في الكعبة.
8- زوى عنه حقه: منعه إياه.
9- روي في البحار: ج 28 ص 111 - 96، تفصيل المعاقدة ضد الخلافة وكتابة الصحيفة الملعونة ومحتوى الصحيفة، كل ذلك نقلا عن حذيفة بن اليمان الذي كان ممن عايش القضايا وفحص عن جزئياتها.
وملخص ذلك أن أول من تعاقد على غصب الخلافة هو أبو بكر وعمر، وكان الأساس الذي تعاقدوا عليه وارتكز عليه سائر معاهداتهم هو: (إن مات محمد أو قتل نزوي هذا الأمر عن أهل بيته فلا يصل أحد منهم الخلافة ما بقينا).
ثم اتصل بهما أبو عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل وأخيرا التحق بهم سالم مولى أبي حذيفة وصاروا خمسة، فاجتمعوا ودخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا: (إن مات محمد أو قتل...) وكانت عائشة وحفصة عينين لأبويهما في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع القضايا.
ثم إن أبا بكر وعمر اجتمعا وأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة هرشى عند منصرفه من حجة الوداع وهي في طريق مكة قريبة من الجحفة. وكان المتصدين لنفر الناقة أربعة عشر رجلا وقد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك.
فتقدم الأمر من الله في غدير خم بنصب أمير المؤمنين عليه السلام. ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من عقبة هرشى تقدم القوم فتواروا في ثنية العقبة، إلا أن الله صرف الشر عن نبيه وفضح أولئك الأربعة عشر.
فلما دخلوا المدينة اجتمعوا جميعا في دار أبي بكر وكتبوا صحيفة بينهم على ما تعاهدوا عليه في الكعبة. وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا: هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر منهم أبو سفيان، عكرمة بن أبي جهل، صفوان بن أمية بن خلف، سعيد بن العاص، خالد بن الوليد، عياش بن أبي ربيعة، بشير بن سعيد، سهيل بن عمرو، حكيم بن حزام، صهيب بن سنان، أبو الأعور الأسلمي، مطيع بن الأسود المدري.
وهؤلاء كانوا رؤساء القبائل وأشرافها، وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه من الناس خلق عظيم يسمعون له ويطيعون.
وكان الكاتب سعيد بن العاص الأموي، فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم في المحرم سنة عشرة من الهجرة. ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها.
10- (د): وكتبوا بينهم كتابا: إن هلك محمد أن يتظاهروا على أهل بيتي حتى يزيلوا هذا الأمر عنهم.
11- (د): أما والله لقد أزلتموها عن أهل بيت نبيكم ولا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثم التفت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى: يا بن عم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. فالمعذرة إلى الله ثم إليك.
12- سورة النساء: الآية 54.
13- القائل هو سلمان.
14- سورة آل عمران: الآيتان 33 و 34.
15- سورة الأحزاب: الآية 6.
16- سورة الأعراف: الآية 150.
17- روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 295: إن صهاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب وكانت ترعى له الإبل فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطاب. ثم إن الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة، فلفقها في خرقة من صوف ورمتها خوفا من مولاها في الطريق. فرآها هاشم بن المغيرة مرمية فأخذها ورباها وسماها حنتمة. فلما بلغت رآها خطاب يوما فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنكحها إياه فجاءت بعمر بن الخطاب. فكان الخطاب أبا وجدا وخالا لعمر، وكانت حنتمة أما وأختا وعمة له.

أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام يقيمون الحجة على الغاصبين


كلمة سلمان بعد البيعة
قال سليم بن قيس: فقلت لسلمان: أفبايعت أبا بكر - يا سلمان - ولم تقل شيئا؟
قال: قد قلت - بعد ما بايعت -: تبا لكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم؟
أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة
نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها. (1)
فقال عمر: يا سلمان، أما إذ بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك
وليقل صاحبك ما بدا له.
قال سلمان: فقلت: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب جميع أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا). فقال: قل ما شئت، أليس
قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك؟
فقلت: أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة: (إنك - باسمك ونسبك وصفتك - باب من أبواب جهنم) فقالوا لي: قل ما شئت، أليس قد أزالها الله عن أهل هذا البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله؟
فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول، وسألته عن هذه الآية: (فيومئذ
لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) (2)، فأخبرني بأنك أنت هو.
فقال عمر: أسكت، أسكت الله نامتك، أيها العبد، يا بن اللخناء!
فقال علي عليه السلام: أقسمت عليك يا سلمان لما سكت.
فقال سلمان: والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبرته بكل شئ نزل فيه، وكل
شئ سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله فيه وفي صاحبه. فلما رآني عمر قد سكت قال لي: إنك له لمطيع مسلم.
كلمة أبي ذر بعد البيعة
فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر: يا سلمان، ألا تكف كما كف صاحباك؟ والله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم منهما، وقد كفا كما ترى وبايعا.
فقال أبو ذر: يا عمر، أفتعيرنا بحب آل محمد وتعظيمهم؟ لعن الله - وقد فعل - من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد هذه الأمة
القهقرى على أدبارها.
فقال عمر: آمين لعن الله من ظلمهم حقهم لا والله ما لهم فيها من حق وما هم فيها
وعرض الناس إلا سواء. قال أبو ذر: فلم خاصمتم الأنصار بحقهم وحجتهم؟
كلمة أمير المؤمنين عليه السلام بعد البيعة
فقال علي عليه السلام لعمر: يا بن صهاك، فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان؟
فقال عمر: كف الآن يا أبا الحسن إذ بايعت، فإن العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا،
بك فما ذنبي؟
فقال علي عليه السلام: ولكن الله عز وجل ورسوله لم يرضيا إلا بي، فأبشر أنت وصاحبك
ومن اتبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه. ويلك يا بن الخطاب، لو ترى
ماذا جنيت على نفسك لو تدري ما منه خرجت وفيما دخلت وما ذا جنيت على
نفسك وعلى صاحبك؟
فقال أبو بكر: يا عمر، أما إذ قد بايعنا وآمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء.
أصحاب الصحيفة الملعونة في تابوت جهنم
فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شئ واحد. أذكركم بالله أيها الأربعة - يعنيني وأبا ذر والزبير والمقداد -: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا، ستة ن الأولين وستة من الآخرين، في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل (3)، على ذلك الجب صخرة. فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره.
قال علي عليه السلام: فسألت رسول الله صلی الله عليه و اله عنهم - وأنتم شهود به - عن الأولين، فقال: أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، أما أحدهما فهود اليهود والآخر
نصر النصارى (4)، وإبليس سادسهم. وفي الآخرين الدجال وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك
يا أخي، وتظاهرون عليك بعدي، هذا وهذا حتى سماهم وعدهم لنا.
قال سلمان: فقلنا: صدقت، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.
كلمة رسول الله صلی الله عليه و اله في عثمان والزبير
فقال عثمان: يا أبا الحسن، أما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث في؟ فقال
علي عليه السلام: بلى، سمعت رسول الله يلعنك مرتين (5) ثم لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك.
فغضب عثمان ثم قال: ما لي وما لك ولا تدعني على حال، عهد النبي ولا بعده.
فقال علي عليه السلام: نعم، فأرغم الله أنفك. فقال عثمان: فوالله لقد سمعت من
رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن الزبير يقتل مرتدا عن الإسلام)!
قال سلمان: فقال علي عليه السلام لي - فيما بيني وبينه -: صدق عثمان، وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان وينكث بيعتي فيقتل مرتدا.
ارتد الناس بعد الرسول صلی الله عليه و اله إلا أربعة
قال سلمان: فقال علي عليه السلام(6): (إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلی الله عليه و اله غير أربعة).
إن الناس صاروا بعد رسول الله صلی الله عليه و اله بمنزلة هارون ومن تبعه ومنزلة العجل ومن تبعه.
فعلي في شبه هارون وعتيق في شبه العجل وعمر في شبه السامري.
وسمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: ليجيئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة
مني ليمروا على الصراط. فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم وعرفوني اختلجوا دوني.
فأقول: أي رب، أصحابي أصحابي فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا
على أدبارهم حيث فارقتهم. فأقول: بعدا وسحقا.
وسمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل
وحذو القذة بالقذة، شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع، حتى لو دخلوا جحرا لدخلوا
فيه معهم. إن التوراة والقرآن كتبه ملك واحد في رق واحد بقلم واحد، وجرت الأمثال والسنن سواء.
____________
1- في (د) هكذا: قال: بلى، قد قلت: تبا لكم، أصبتم وأخطأتم، لو تدرون ما صنعتم بأنفسكم. قالوا: وما الذي أصبنا وأخطأنا؟ قلت: أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والضلالة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حين أخرجتموها من معدنها وأهلها.
2- سورة الفجر: الآيتان 25 و 26. روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 336: عن الباقر عليه السلام في قوله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) قال: زفر، فلا يعذب عذابه يوم القيامة أحد من خلقه. راجع تأويل الآيات: ج 2 ص 795.
3- (د): في جب في قعر جهنم، ذلك التابوت في تابوت آخر من نار مقفل عليه.
4- في النسخ هكذا: (... والآخر نصر النصارى، وعاقر الناقة، وقاتل يحيى بن زكريا)، وإبليس غير مذكور في النسخ إلا في (ب) خ ل. ونحن صححناه على ما في كتاب الإحتجاج حيث أورد الحديث بعينه نقلا عن سليم وذكر إبليس ولم يذكر عاقر الناقة وقاتل يحيى.
5- روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 312: أنه لما توفي أبو سلمة وعبد الله بن حذافة، وتزوج النبي صلى الله عليه وآله امرأتيهما أم سلمة وحفصة، قال طلحة وعثمان: أينكح محمد نسائنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات؟
والله لو قد مات لقد أجلنا على نساءه بالسهام وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أم سلمة. فأنزل الله تعالى: (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما) وأنزل: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا).
6- في الإحتجاج: قال سليم: ثم أقبل علي سلمان فقال: إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من عصمه الله بآل محمد عليهم السلام.

إبليس ومؤسس السقيفة يوم القيامة


عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي
يقول(1) :
إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس مزموما بزمام من نار، ويؤتى بزفر (2) مزموما بزمامين من نار!
فينطلق إليه إبليس فيصرخ ويقول: ثكلتك أمك، من أنت؟ أنا الذي فتنت الأولين والآخرين وأنا مزموم بزمام واحد وأنت مزموم بزمامين!
فيقول: أنا الذي أمرت فأطعت، وأمر الله فعصي.
____________
١- ينبغي أن أورد بذيل هذا الحديث ما رواه في البحار: ج 8 قديم ص 315 ح 95 عن الإختصاص للشيخ المفيد بأسناده عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر، فإذا إبليس قد أقبل، فقلت: بئس الشيخ أنت فقال: ولم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟
فوالله لأحدثنك بحديث عني عن الله عز وجل ما بيننا ثالث. إنه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت: يا إلهي وسيدي، ما أحسبك خلقت خلقا هو أشقى مني. فأوحى الله تعالى إلي: بلى، قد خلقت من هو أشقى منك، فانطلق إلى مالك يريكه. فانطلقت إلى مالك فقلت: السلام يقرء عليك السلام ويقول: أرني من هو أشقى مني. فانطلق بي مالك إلى النار، فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا. فقال لها: اهدئي فهدأت.
ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى. فقال لها: اخمدي.
فخمدت، إلى أن انطلق بي إلى السابع، وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الأولى. فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عز وجل. فوضعت يدي على عيني وقلت: مرها يا مالك تخمد وإلا خمدت. فقال: إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم. فأمرها فخمدت. فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بهما إلى فوق، وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها. فقلت: يا مالك، من هذان؟ فقال: أو ما قرأت على ساق العرش - وكنت قبل قرأته، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام - (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته ونصرته بعلي). فقال: هذان عدوا أولئك وظالماهم.
وروي في البحار: ج 8 قديم ص 298: قال الله تعالى: (لأصلبنه (أي عمر) وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه).
2- قال العلامة المجلسي في البحار: ج 22 ص 223: (زفر) و (حبتر) عمر وصاحبه، فالأول لموافقة الوزن والثاني لمشابهته لحبتر وهو الثعلب في الحيلة والمكر.
أقول: أستعمل كلمة (زفر) كناية عن عمر في كثير من الروايات. راجع البحار: ج 22 ص 223 و ج 37 ص 119.

مفاخر أمير المؤمنين عليه السلام


وقال سليم: وحدثني أبو ذر وسلمان والمقداد، ثم سمعته من علي عليه السلام، قالوا:
إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلی الله عليه و اله لعلي عليه السلام: أي أخي، فاخر العرب، فأنت أكرمهم ابن عم (1) وأكرمهم أبا وأكرمهم أخا وأكرمهم نفسا وأكرمهم نسبا وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولدا وأكرمهم عما، وأعظمهم عناء بنفسك ومالك، وأتمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما.
وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله (2) وأشجعهم قلبا في لقاء يوم الهيج، وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله وإلي.
إخبار النبي صلی الله عليه و اله بظلم الأمة لأمير المؤمنين عليه السلام وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش، ثم تجاهدهم في سبيل الله عز وجل إذا وجدت أعوانا. تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الأمة.
ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك. قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض
إلى الله والبعد من الله ومني، ويعدل قاتل يحيى بن زكريا وفرعون ذا الأوتاد. (3)
كلام الحسن البصري عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام قال أبان: وحدثت بهذا الحديث الحسن البصري عن أبي ذر، فقال: صدق سليم وصدق أبو ذر. لعلي بن أبي طالب السابقة في الدين والعلم والحكمة والفقه، وفي الرأي والصحبة وفي الفضل وفي البسطة وفي العشيرة وفي الصهر، وفي النجدة (4) في الحرب، وفي الجود وفي الماعون وفي العلم بالقضاء وفي القرابة للرسول والعلم بالقضاء والفصل وفي حسن البلاء في الإسلام. إن عليا في كل أمر أمره علي، فرحم الله عليا وصلى عليه. ثم بكى حتى بل لحيته.
قال: (5) فقلت له: يا أبا سعيد، أتقول لأحد غير النبي (صلى الله عليه) إذا ذكرته؟
فقال: ترحم على المسلمين إذا ذكرتهم وصل على محمد وآل محمد. وإن عليا خير آل محمد.
فقلت: يا أبا سعيد، خير من حمزة ومن جعفر ومن فاطمة ومن الحسن والحسين؟
فقال: إي والله، إنه لخير منهم، ومن يشك أنه خير منهم؟ فقلت له: بما ذا؟ قال: إنه
لم يجر عليه اسم شرك ولا كفر ولا عبادة صنم ولا شرب خمر. وعلي خير منهم بالسبق إلى الإسلام والعلم بكتاب الله وسنة نبيه. وإن رسول الله صلی الله عليه و اله قال لفاطمة عليها السلام: (زوجتك خير أمتي)، فلو كان في الأمة خيرا منه لاستثناه. وإن رسول الله صلی الله عليه و اله آخى بين أصحابه، وآخى بين علي ونفسه، فرسول الله خيرهم نفسا وخيرهم أخا. ونصبه يوم غدير خم وأوجب له من الولاية على الناس مثل ما أوجب لنفسه فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه). وقال له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، ولم يقل ذلك لأحد من
أهل بيته ولا لأحد من أمته غيره. وله سوابق كثيرة ومناقب ليس لأحد من الناس مثلها.
قال: فقلت له: من خير هذه الأمة بعد علي عليه السلام؟ قال: زوجته وابناه. قلت: ثم من؟
قال: ثم جعفر وحمزة. إن خير الناس أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير، ضم فيه رسول الله صلی الله عليه و اله نفسه وعليا وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: هؤلاء ثقتي وعترتي في أهل بيتي، فأذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت أم سلمة: أدخلني معك ومعهم في الكساء. فقال لها: يا أم سلمة، أنت بخير وإلى خير، وإنما نزلت هذه الآية في وفي هؤلاء خاصة.
محاولة الحسن البصري تبرير نفاقه
فقلت: الله يا أبا سعيد ما ترويه في علي عليه السلام وما سمعتك تقول فيه؟
قال: يا أخي، أحقن بذلك دمي من هؤلاء الجبابرة الظلمة لعنهم الله. يا أخي، لولا ذلك لقد شالت بي الخشب ولكني أقول ما سمعت فيبلغهم ذلك فيكفون عني. وإنما أعني ببغض علي غير علي بن أبي طالب عليه السلام، فيحسبون أني لهم ولي. قال الله عز وجل:
(ادفع بالتي هي أحسن السيئة) (6)يعني التقية.

____________
1- في الفضائل: يا علي فاخر أهل الشرق والغرب والعجم والعرب، فأنت أكرمهم وابن عم رسول الله وأكرمهم زواجا....
2- (ب): بسر الله.
3- زاد في الفضائل: (يا علي، إنك من بعدي في كل أمر غالب مغلوب مغصوب، تصبر على الأذى في الله وفي رسوله محتسبا أجرك غير ضائع عند الله، فجزاك الله بعدي عن الإسلام خيرا).
4- أي الشجاعة والغلبة.
5- القائل أبان يخاطب الحسن البصري.
6- سورة المؤمنون: الآية 96.

اختلاف الأمة وفرقها


افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة
قال أبان: قال سليم: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول:
إن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في
الجنة. وثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين تنتحل محبتنا أهل البيت، واحدة منها
في الجنة واثنتا عشرة في النار!
تعيين الفرقة الناجية
وأما الفرقة الناجية المهدية المؤملة المؤمنة المسلمة الموافقة المرشدة فهي
المؤتمنة بي المسلمة لأمري المطيعة لي المتبرئة من عدوي المحبة لي والمبغضة
لعدوي، التي قد عرفت حقي وإمامتي وفرض طاعتي من كتاب الله وسنة نبيه،
فلم ترتد ولم تشك لما قد نور الله في قلبها من معرفة حقنا وعرفها من فضلها، وألهمها وأخذها بنواصيها فأدخلها في شيعتنا حتى اطمأنت قلوبها واستيقنت يقينا لا يخالطه
شك.
أئمة الفرقة الناجية
إني أنا وأوصيائي بعدي إلى يوم القيامة هداة مهتدون، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه
في آي من الكتاب كثيرة، وطهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه وتراجمة وحيه وجعلنا مع القرآن والقرآن معنا
لا نفارقه ولا يفارقنا حتى نرد على رسول الله صلی الله عليه و اله حوضه كما قال.
الفرق الثلاث والسبعون يوم القيامة
وتلك الفرقة الواحدة من الثلاث والسبعين فرقة هي الناجية من النار ومن جميع الفتن والضلالات والشبهات، وهم من أهل الجنة حقا، وهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب.
وجميع تلك الفرق الاثنتين والسبعين هم المتدينون بغير الحق، الناصرون لدين
الشيطان الآخذون عن إبليس وأوليائه، هم أعداء الله تعالى وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين، يدخلون النار بغير حساب. براء من الله ومن رسوله، نسوا الله ورسوله (1)
وأشركوا بالله وكفروا به وعبدوا غير الله من حيث لا يعلمون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يقولون يوم القيامة: (والله ربنا ما كنا مشركين) (2)، (يحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ لا إنهم هم الكاذبون)(3).
المستضعفون دينيا
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، أرأيت من قد وقف فلم يأتم بكم ولم يعادكم
ولم ينصب لكم ولم يتعصب ولم يتولكم ولم يتبرء من عدوكم وقال: (لا أدري) وهو صادق؟
قال: ليس أولئك من الثلاث والسبعين فرقة، إنما عنى رسول الله صلی الله عليه و اله بالثلاث
والسبعين فرقة الباغين الناصبين الذين قد شهروا أنفسهم ودعوا إلى دينهم.
ففرقة واحدة منها تدين بدين الرحمن، واثنتان وسبعون تدين بدين الشيطان وتتولى على قبولها وتتبرأ ممن خالفها.
فأما من وحد الله وآمن برسول الله صلی الله عليه و اله ولم يعرف ولايتنا ولا ضلالة عدونا
ولم ينصب شيئا ولم يحل ولم يحرم، وأخذ بجميع ما ليس بين المختلفين من الأمة
فيه خلاف في أن الله عز وجل أمر به، وكف عما بين المختلفين من الأمة خلاف في
أن الله أمر به أو نهى عنه، فلم ينصب شيئا ولم يحلل ولم يحرم ولا يعلم ورد علم ما أشكل عليه إلى الله فهذا ناج.
أهل الجنة وأهل النار وأصحاب الأعراف
وهذه الطبقة بين المؤمنين وبين المشركين، هم أعظم الناس وجلهم، وهم
أصحاب الحساب والموازين والأعراف، والجهنميون الذين يشفع لهم الأنبياء
والملائكة والمؤمنون، ويخرجون من النار فيسمون (الجهنميين). (4)
فأما المؤمنون فينجون ويدخلون الجنة بغير حساب، أما المشركون فيدخلون النار
بغير حساب. وإنما الحساب على أهل هذه الصفات بين المؤمنين والمشركين،
والمؤلفة قلوبهم والمقترفة والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا والمستضعفين
الذين لا يستطيعون حيلة الكفر والشرك ولا يحسنون أن ينصبوا ولا يهتدون سبيلا إلى
أن يكونوا مؤمنين عارفين، فهم أصحاب الأعراف، وهؤلاء لله فيهم المشيئة. إن الله
عز وجل إن يدخل أحدا منهم النار فبذنبه وإن تجاوز عنه فبرحمته.
المؤمن والكافر والمستضعف
فقلت: أصلحك الله، أيدخل النار المؤمن العارف الداعي؟ قال عليه السلام: لا.
قلت: أفيدخل الجنة من لا يعرف إمامه؟ قال عليه السلام: لا، إلا أن يشاء الله.
قلت: أيدخل الجنة كافر أو مشرك؟ قال: لا يدخل النار إلا كافر، إلا أن يشاء الله.
قلت: أصلحك الله، فمن لقي الله مؤمنا عارفا بإمامه مطيعا له، أمن أهل الجنة هو؟
قال: نعم إذا لقي الله وهو مؤمن من الذين قال الله عز وجل: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (5)، (الذين آمنوا وكانوا يتقون) (6)، (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم
بظلم). (7)
قلت: فمن لقي الله منهم على الكبائر؟ قال: هو في مشيته، إن عذبه فبذنبه وإن
تجاوز عنه فبرحمته.
قلت: فيدخله النار وهو مؤمن؟ قال: نعم بذنبه، لأنه ليس من المؤمنين الذين عنى
الله (أنه ولي المؤمنين)، لأن الذين عنى الله (أنه لهم ولي) و (أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، هم المؤمنون (8) (الذين يتقون الله والذين عملوا الصالحات والذين
لم يلبسوا إيمانهم بظلم). (9)
____________
1- في (د) هكذا: براء من الله ومن رسوله والله ورسوله براء منهم، سبوا الله ورسوله وأشركوا....
2- سورة الأنعام: الآية 23.
3- سورة المجادلة: الآية 18.
4- روي في البحار: ج 8 ص 355 ح 8 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ثم تأخذ بحجزتي وآخذ بحجزة الله - وهي الحق - وتأخذ ذريتك بحجزتك وتأخذ شيعتك بحجزة ذريتك، فأين يذهب بكم إلا إلى الجنة؟ فإذا دخلتم الجنة فتبوأتم مع أزواجكم ونزلتم منازلكم أوحى الله إلى مالك:
أن افتح باب جهنم لينظر أوليائي إلى ما فضلتهم على عدوهم. فيفتح أبواب جهنم فتطلون عليهم. فإذا وجد أهل جهنم روح رائحة الجنة قالوا: يا مالك، أتطمع لنا في تخفيف العذاب عنا؟ إنا لنجد روحا.
فيقول لهم مالك: إن الله أوحى إلي أن أفتح أبواب جهنم لينظر أهل الجنة إليكم. فيرفعون رؤوسهم، فيقول هذا: يا فلان، ألم تك تجوع فأشبعك؟ ويقول هذا: ألم تك تعري فأكسوك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تخاف فآويتك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تحدث فأكتم عليك؟ فيقولون: بلى. فيقولون:
استوهبونا من ربكم. فيدعون لهم فيخرجون من النار إلى الجنة فيكونون فيها ملومين ويسمون (الجهنميين). فيقولون: سألتم ربكم فأنقذنا من عذابه فادعوه يذهب عنا هذا الاسم ويجعل لنا في الجنة مأوى. فيدعون فيوحي الله إلى ريح فتهب على أفواه أهل الجنة فينسيهم ذلك الاسم ويجعل لهم في الجنة مأوى.
وروي في البحار: ج 8 ص 360 ح 29 عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن (الجهنميين)، فقال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: يخرجون منها فينتهى بهم إلى عين عند باب الجنة تسمى (عين الحيوان) فينضح عليهم من مائها، فينبتون كما تنبت الزرع، تنبت لحومهم وجلودهم وشعورهم.
5- سورة البقرة: الآية 82، وتمام الآية هكذا: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).
6- سورة يونس: الآية 63.
7- سورة الأنعام: الآية 82، وتمام الآية هكذا: (... أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
8- أي إن المؤمنين الذين عنى الله في تلك الآية هم المؤمنون الذين جاء وصفهم في هذه الآيات. وهي إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: الآية 68: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) وإلى قوله تعالى في سورة يونس: الآية 62: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
9- قد مر الإشارة إلى مواضع الآيات في المصحف.

الفرق بين الإيمان والإسلام


قلت: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان وما الإسلام؟ قال: أما الإيمان فالإقرار بالمعرفة، والإسلام فما أقررت به والتسليم والطاعة لهم.
قلت: الإيمان الإقرار بعد المعرفة به؟ قال: من عرفه الله نفسه ونبيه وإمامه ثم أقر
بطاعته فهو مؤمن.
قلت: المعرفة من الله والإقرار من العبد؟ قال: المعرفة من الله دعاء وحجة ومنة
ونعمة، والإقرار من الله قبول العبد، يمن على من يشاء، والمعرفة صنع الله تعالى في القلب، والإقرار فعال القلب من الله وعصمته ورحمته.
تكليف الجاهل بالحق
فمن لم يجعله الله عارفا فلا حجة عليه، وعليه أن يقف ويكف عما لا يعلم،
فلا يعذبه الله على جهله. فإنما يحمده على عمله بالطاعة ويعذبه على عمله بالمعصية.
ويستطيع أن يطيع ويستطيع أن يعصي، ولا يستطيع أن يعرف ويستطيع أن يجهل؟
هذا محال!
لا يكون شئ من ذلك إلا بقضاء من الله وقدره وعلمه وكتابه بغير جبر لأنهم لو
كانوا مجبورين كانوا معذورين وغير محمودين.
ومن جهل وسعه أن يرد إلينا ما أشكل عليه ومن حمد الله على النعمة واستغفره من المعصية وأحب المطيعين وحمدهم على الطاعة، وأبغض العاصين وذمهم فإنه
يكتفي بذلك إذا رد علمه إلينا.
لهذا الحديث زيادة في (ج) وهي تنطبق على أواسطه هكذا:
أصحاب الحساب والشفاعة
... يحاسبون، منهم من يغفر له ويدخله الجنة بالإقرار والتوحيد، ومنهم من يعذب
في النار ثم يشفع له الملائكة والأنبياء والمؤمنون، فيخرجون من النار ويدخلون الجنة فيسمون فيها (الجهنميين)!
منهم أصحاب الإقرار، وليست الموازين والحساب إلا عليهم، لأن أولياء الله العارفين لله ولرسوله والحجة في أرضه وشهدائه على خلقه المقرين لهم المطيعين لهم يدخلون الجنة بغير حساب، والمعاندين لهم المنذرين المكابرين المناصبين أعداء الله يدخلون النار بغير حساب. وأما ما بين هذين، فهم جل الناس وهم أصحاب الموازين والحساب والشفاعة.
دعاء أمير المؤمنين عليه السلام لسليم بالولاية
قال(1): قلت: فرجت عني وأوضحت لي وشفيت صدري، فادع الله أن يجعلني لك وليا في الدنيا والآخرة. قال: اللهم اجعله منهم.
قال: ثم أقبل علي فقال: ألا أعلمك شيئا سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله، علمه سلمان وأبا ذر والمقداد؟ قلت: بلى، يا أمير المؤمنين.
قال: قل كلما أصبحت وأمسيت: (اللهم ابعثني على الإيمان بك والتصديق بمحمد رسولك والولاية لعلي بن أبي طالب والايتمام بالأئمة من آل محمد، فإني قد رضيت بذلك يا رب)،
عشر مرات.
قلت: يا أمير المؤمنين، قد حدثني بذلك سلمان وأبو ذر والمقداد، فلم أدع ذلك
منذ سمعته منهم. قال: لا تدعه ما بقيت.
____________
١- القائل هو سليم.

معنى الإسلام والإيمان


وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال:
سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام - وسأله رجل عن الإيمان - فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن الإيمان، لا أسأل عنه أحدا غيرك ولا بعدك.
فقال علي عليه السلام: جاء رجل إلى النبي عليه السلام وسأله عن مثل ما سألتني عنه، فقال له مثل مقالتك، فأخذ يحدثه. ثم قال له: اقعد. فقال له: آمنت.
ثم أقبل علي عليه السلام على الرجل فقال: أما علمت أن جبرئيل أتى رسول الله صلی الله عليه و اله في صورة آدمي فقال له: ما الإسلام؟ فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان والغسل من الجنابة). فقال:
وما الإيمان؟ قال: (تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالحياة بعد الموت وبالقدر كله خيره وشره وحلوه ومره).
فلما قام الرجل قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (هذا جبرئيل، جاءكم ليعلمكم دينكم). فكان كلما قال له رسول الله صلی الله عليه و اله شيئا قال له: (صدقت). قال: فمتى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: صدقت.

دعائم الإيمان


ثم قال علي عليه السلام - بعد ما فرغ من قول جبرئيل (صدقت) -: ألا إن الإيمان بني على أربع دعائم: على اليقين والصبر والعدل والجهاد.
فاليقين منه على أربع شعب: على الشوق والشفق والزهد والترقب.
فمن اشتاق إلى الجنة سلا (1) عن الشهوات، ومن أشفق من النار اتقى المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات.
والصبر على أربع شعب: على تبصرة الفطنة وتأول الحكمة ومعرفة العبرة وسنة الأولين.
فمن تبصر الفطنة تبين في الحكمة، ومن تبين في الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة أبصر العبرة، ومن أبصر العبرة فكأنما كان في الأولين.
والعدل منه على أربع شعب: على غوامض الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم.
فمن فهم فسر جمل العلم، ومن علم عرضه شرائع الحكمة، ومن حلم لم يفرط
في أمره وعاش به في الناس حميدا.
والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن والغضب لله وشنآن الفاسقين.
فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له.
وذلك الإيمان ودعائمه وشعبه.
أدنى درجات الإيمان والكفر والضلالة
فقال له: يا أمير المؤمنين، ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمنا، وأدنى ما يكون به
كافرا، وأدنى ما يكون به ضالا؟
قال: قد سألت فاسمع الجواب: أدنى ما يكون به مؤمنا أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية وأن يعرفه نبيه فيقر له بالنبوة وبالبلاغة. وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة.
قال: يا أمير المؤمنين، وإن جهل جميع الأشياء غير ما وصفت؟ قال: نعم، إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى.
وأدنى ما يكون به كافرا أن يتدين بشئ فيزعم أن الله أمره به - مما نهى الله عنه - ثم ينصبه دينا فيتبرأ ويتولى ويزعم أنه يعبد الله الذي أمره به.
وأدنى ما يكون به ضالا أن لا يعرف حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه الذي أمر الله بطاعته وفرض ولايته.
نص الرسول صلی الله عليه و اله على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
فقال: يا أمير المؤمنين، سمهم لي. قال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). (2)
قال: أوضحهم لي. قال: الذين قال رسول الله صلی الله عليه و اله في آخر خطبة خطبها ثم قبض من يومه: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن
اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين - وأشار بإصبعيه المسبحتين - ولا أقول كهاتين - وأشار بالمسبحة والوسطى - لأن إحديهما قدام الأخرى. فتمسكوا بهما لا تضلوا، ولا تقدموهم فتهلكوا، ولا تخلفوا عنهم فتفرقوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
قال: يا أمير المؤمنين، سمه لي. قال: الذي نصبه رسول الله صلی الله عليه و اله بغدير خم،
فأخبرهم (أنه أولى بهم من أنفسهم). ثم أمرهم أن يعلم الشاهد الغائب منهم.
فقلت: أنت هو، يا أمير المؤمنين؟
قال: أنا أولهم وأفضلهم، ثم ابني الحسن من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم أوصياء رسول الله صلی الله عليه و اله حتى يردوا عليه حوضه واحدا بعد واحد.
فقام الرجل إلى علي عليه السلام فقبل رأسه، ثم قال: أوضحت لي وفرجت عني وأذهبت كل شئ في قلبي. (3)
____________
1- أي طابت نفسه عنه وذهل عن ذكره وهجره.
2- سورة النساء: الآية 59.
3- في البحار بيان مفصل في توضيح عبارات الحديث وغوامضه: راجع: ج 68 ص 365.

خصائص الإسلام وآثاره


عن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: جاء رجل (1) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسأله عن الإسلام. فقال عليه السلام:
إن الله تبارك وتعالى شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه لمن حاربه، وجعله عزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وإماما لمن ائتم به، وزينة لمن تحلاه، وعدة لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلا لمن تمسك به، وبرهانا لمن تعلمه، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا(2) لمن حاكم به وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن رواه، وحكما لمن قضى به وحلما لمن جرب، وشفاء ولبا لمن تدبر، وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، ومودة لمن أصلح، وزلفى لمن اقترب وثقة لمن توكل، ورجاء (3) لمن فوض، وسابقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن رشد، وكهفا لمن آمن، وأمنة لمن أسلم، وروحا للصادقين، وموعظة للمتقين ونجاة للفائزين.
فالإيمان منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والموت غايته، والدنيا مضماره، والقيامة حلبته (4)، والجنة سبقته، والنار نقمته، والتقوى عدته، والمحسنون فرسانه.ذلك الحق، سبيله الهدى وصفته الحسنى ومأثرته المجد، أبلج المنهاج، مشرق المنار، ذاكي المصباح، رفيع الغاية، يسير المضمار، جامع الحلبة (5)، متنافس السبقة (6)، أليم النقمة، قديم النعمة، قديم العدة، كريم الفرسان.
فبالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا تجوز القيامة، وبالقيامة تزلف الجنة، والجنة حسرة أهل النار، والنار موعظة المتقين، والتقوى سنخ الإيمان.
فذلك الإسلام!
____________
1- الرجل هو ابن الكواء، كما صرح به في الكافي: ج 1 ص 49.
2- أي فوزا وظفرا.
3- (ب) خ ل: رخاء. وفي أمالي المفيد وأمالي الطوسي وتحف العقول: راحة.
4- الحلبة: خيل تجمع للسباق من كل ناحية.
5- السبقة: ما يتراهن عليه المتسابقون.
٣- قال المجلسي: معناه أن القيامة محل اجتماع الحلبة إما للسباق أو لحيازة السبقة.

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

علة الفرق بين أحاديث الشيعة وأحاديث مخالفيهم


أبان عن سليم، قال: قلت لعلي عليه السلام(1): يا أمير المؤمنين، إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي صلی الله عليه و اله، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي صلی الله عليه و اله تخالف الذي سمعته منكم، وأنتم تزعمون أن ذلك باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلی الله عليه و اله متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم؟
قال: فأقبل علي فقال لي: يا سليم، قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس
حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما. وقد كذب على رسول الله صلی الله عليه و اله على عهده حتى قام فيهم خطيبا فقال:
(أيها الناس، قد كثرت علي الكذابة.(2) فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). ثم كذب عليه من بعده حين توفي، رحمة الله على نبي الرحمة وصلى الله عليه وآله.
المحدثون أربعة
وإنما يأتيك بالحديث أربعة نفر ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلی الله عليه و اله متعمدا. فلو علم المسلمون أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: (هذا صاحب رسول الله صلی الله عليه و اله، رآه وسمع منه وهو لا يكذب ولا يستحل الكذب على رسول الله صلی الله عليه و اله). وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال الله عز وجل: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم)(3).
ثم بقوا بعده وتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والنفاق والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا. وإنما الناس مع الملوك في الدنيا إلا من عصم الله. فهذا أول الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله صلی الله عليه و اله شيئا فلم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول: (أنا سمعته من رسول الله). فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوا، ولو علم هو أنه وهم فيه لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلی الله عليه و اله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضا للكذب وتخوفا من الله
وتعظيما لرسوله صلی الله عليه و اله ولم يوهم، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمعه
ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإن أمر رسول الله صلی الله عليه و اله ونهيه مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وعام وخاص، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله صلی الله عليه و اله الكلام له وجهان: كلام خاص وكلام عام، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ومن عنى به رسول الله صلی الله عليه و اله.
وليس كل أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله
ولا يستفهم حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الطارئ والأعرابي فيسأل رسول الله صلی الله عليه و اله حتى يسمعوا منه.
وكنت أدخل على رسول الله صلی الله عليه و اله كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار. وقد علم أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول الله صلی الله عليه و اله، فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري وغيره. وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابني.
وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي، فكتبتها بخطي. ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني.
فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلمني تأويلها، فحفظته وأملاه علي فكتبته. وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفا واحدا. ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا، وأن يعلمني
فلا أجهل، وأن يحفظني فلا أنسى.
فقلت له ذات يوم: يا نبي الله، إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا مما علمتني، فلم تمليه علي وتأمرني بكتابته؟ أتتخوف علي النسيان؟ فقال: يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.
الأئمة الأحد عشر عليهم السلام شركاء أمير المؤمنين عليه السلام
قلت: يا نبي الله، ومن شركائي؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذين قال
في حقهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(4) فإن (خفتم التنازع في شئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم.
قلت: يا نبي الله، ومن هم؟ قال: الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم. هم مع القرآن والقرآن معهم،
لا يفارقونه ولا يفارقهم. بهم ينصر الله أمتي وبهم يمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.
فقلت(5): يا رسول الله، سمهم لي. فقال: ابني هذا - ووضع يده على رأس
الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن له على اسمي، اسمه (محمد) باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد (علي) في حياتك يا أخي، فاقرأه مني السلام. ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال: سيولد لك (محمد بن علي) في حياتك فاقرأه مني السلام. ثم تكملة الاثني عشر إماما من ولدك يا أخي.
فقلت: يا نبي الله، سمهم لي. فسماهم لي رجلا رجلا. منهم - والله يا أخا بني هلال - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم.
____________
1- يظهر مما رواه مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في خطبة له فسأله سليم هذا السؤال أثناء الخطبة، وأصل الخطبة هي الحديث 18 من كتاب سليم. راجع البحار: ج 2 ص 230، والاحتجاج: ج 1 ص 392.
2- قال المحقق السيد الداماد في التعليقة على الكافي: ص 146 في شرح حديث سليم ما ملخصه: (الكذابة) مصدر كذب يكذب، أي (كثرت علي كذابة الكاذبين)، أو بمعنى (المكذوب)، أي كثرت الأحاديث المفتراة المختلقة علي. وأما الكذابة بمعنى البليغ في الكذب أي (كثرت علي أكاذيب الكذابة)، أو (كثرت الجماعة الكذابة علي).
3- سورة المنافقون: الآية 4.
4- سورة النساء: الآية 59. وتمام الآية هكذا: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
5- هذه الفقرة في مختصر إثبات الرجعة هكذا: (قلت: سمهم لي يا رسول الله، قال: أنت يا علي أولهم، ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم سميك علي ابنه زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام. ثم ابنه محمد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى. ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي والمنتقم من أعدائي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام:
والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم.

تقرير الأئمة عليهم السلام لسليم في نقل هذا الحديث


قال سليم: ثم لقيت الحسن والحسين صلوات الله عليهما بالمدينة (1) بعد ما قتل
أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما. فقالا: صدقت، حدثك أبونا علي عليه السلام بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا ذلك عن رسول الله صلی الله عليه و اله كما حدثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا.
قال سليم: ثم لقيت علي بن الحسين عليه السلام - وعنده ابنه محمد بن علي عليه السلام - فحدثته بما سمعته من أبيه وعمه وما سمعته من علي عليه السلام. فقال علي بن الحسين عليه السلام: قد أقرأني أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلی الله عليه و اله، السلام وهو مريض وأنا صبي.
ثم قال محمد عليه السلام: وقد أقرأني جدي الحسين عليه السلام بعهد من رسول الله صلی الله عليه و اله - وهو مريض - السلام.
قال أبان: فحدثت علي بن الحسين عليه السلام بهذا الحديث كله عن سليم، فقال: صدق سليم، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني وهو غلام يختلف إلى، الكتاب (2) فقبله واقرأه من رسول الله صلی الله عليه و اله السلام. (3)
قال أبان: فحججت بعد موت علي بن الحسين عليه السلام، فلقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا واحدا. فاغرورقت عيناه ثم قال: صدق سليم، قد أتاني بعد أن قتل جدي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عند أبي فحدثني بهذا الحديث بعينه. فقال له أبي: صدقت، قد حدثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن شهود. ثم حدثاه بما هما سمعا من رسول الله صلی الله عليه و اله.
قال حماد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام فبكى وقال:
صدق سليم، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم. (4)
____________
١- في (د) وفي إعتقادات الصدوق: بالمدينة بعد ما ملك معاوية.
٢- الكتاب بمعنى موضع التعليم.
٣- روي في البحار: ج 36 ص 360 ح 230 بأسناده عن زيد بن علي قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري. فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد (يعني الإمام الباقر عليه السلام) من بعض الحجر. فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام، أقبل، فأقبل. ثم قال: أدبر، فأدبر. فقال: شمائل كشمائل رسول الله ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال: أنت إذا الباقر. قال: فانكب عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد، إن رسول الله يقرؤك السلام. قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلى مصلاه. فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوما: يا جابر، إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام، فإنه سميي وأشبه الناس بي...
4- جاء هذه الفقرة في آخر حديث سليم في مختصر إثبات الرجعة، رواها الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عليه السلام. راجع (مختصر إثبات الرجعة) لابن شاذان، مخطوطة في مكتبة آستان قدس رقمها 7442 و طبع بأجمعه في مجلة (تراثنا) العدد 15. ثم إن حماد بن عيسى من رواة كتاب سليم بأجمعه.

غدر الأمة بأهل بيت نبيها عليهم السلام


قال أبان: ثم قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس!!
إن رسول الله صلی الله عليه و اله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.

السقيفة لأبي بكر وعمر


فتظاهروا على علي عليه السلام، فاحتج عليهم بما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيه وما سمعته العامة.
فقالوا: صدقت، قد قال ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله ولكن قد نسخه فقال: (إنا أهل بيت أكرمنا الله عز وجل واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة) فشهد بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها من حيث جعلها الله.
واحتجوا على الأنصار بحقنا وحجتنا فعقدوها لأبي بكر. ثم ردها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها.
الشورى لعثمان
ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فقلدوها عبد الرحمن. ثم جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردها عليه، فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله وطعن عليه (1) في حياته وزعم ولده أن عثمان سمه فمات.
حروب الجمل وصفين والنهروان
ثم قام طلحة والزبير فبايعا عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين. ثم نكثا وغدرا، ثم ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة مطالبة بدم عثمان. ثم دعا معاوية طغاة أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان ونصب لنا الحرب. ثم خالفه أهل حروراء على أن يحكم بكتاب الله وسنة نبيه،
فلو كانا حكما بما اشترط عليهما لحكما أن عليا عليه السلام (2) أمير المؤمنين في كتاب الله وعلى لسان نبيه وفي سنته، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه. (3)
النكث والغدر بالإمامين الحسن والحسين عليهما السلام
ثم بايعوا الحسن بن علي عليه السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثم غدروا به وأسلموه ووثبوا عليه حتى طعنوه بخنجر في فخذه وانتهبوا عسكره وعالجوا خلاخيل أمهات أولاده.
فصالح معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته، وهم قليل حق قليل، حين لا يجد أعوانا.
ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا. ثم غدروا به، ثم خرجوا إليه فقاتلوه حتى قتل.
مظلومية الشيعة في عصر زياد وابن زياد والحجاج ثم لم نزل أهل البيت - منذ قبض رسول الله صلی الله عليه و اله - نذل ونقصي ونحرم ونقتل ونطرد ونخاف على دمائنا وكل من يحبنا. ووجد الكاذبون لكذبهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاتهم وعمالهم في كل بلدة، يحدثون عدونا عن ولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة، ويروون عنا ما لم نقل تهجينا منهم لنا وكذبا منهم علينا وتقربا إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب.
وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت الشيعة في كل بلدة قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على التهمة والظنة من ذكر حبنا والانقطاع إلينا(4).
ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه السلام. ثم جاء الحجاج فقتلهم بكل قتلة وبكل ظنة وبكل تهمة، حتى أن الرجل ليقال له (زنديق) أو (مجوسي) كان ذلك أحب إليه من أن يشار إليه أنه من (شيعة الحسين صلوات الله عليه)!!
____________
1- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 9 ص 86: أنه لما أحدث عثمان ما أحدث، قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا. ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان. ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه. مات عبد الرحمن سنة 32.
وروى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 319 عن الثقفي في تاريخه قال: كثر الكلام بين عبد الرحمن وبين عثمان حتى قال عبد الرحمن: أما والله لئن بقيت لك لأخرجنك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه، وما غررتني إلا بالله.
2- الضمير في (كانا حكما) راجع إلى (الحكمين).
3- في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد هيهنا زيادة هكذا: ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصب الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود.
4- في شرح نهج البلاغة هكذا: وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره.

تاريخ الجعل والتحريف في الأحاديث


وربما رأيت الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد مضى من الولاة، لم يخلق الله منها شيئا قط، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد سمعها منه ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع. ويروون عن علي عليه السلام أشياء قبيحة، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أنهم قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور.
نماذج من الأحاديث المختلقة
قال: قلت له: أصلحك الله، سم لي من ذلك شيئا. (1)قال: رووا (أن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر)، و (أن عمر محدث)، و (أن الملك يلقنه)، و (أن السكينة تنطق على لسانه)، و (أن عثمان، الملائكة تستحي منه)، و (أن لي وزيرا من أهل السماء ووزيرا من أهل الأرض " (2)، و " أن اقتدروا بالذين من بعدي "، و " أثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد)(3) - حتى عدد أبو جعفر عليه السلام أكثر من مائة رواية يحسبون أنها حق - فقال عليه السلام: هي والله كلها كذب وزور.
قلت: أصلحك الله لم يكن منها شئ؟ قال عليه السلام: منها موضوع ومنها محرف، فأما المحرف فإنما عنى (إن عليك نبي الله وصديقا وشهيدا) يعني عليا عليه السلام، فقبلها. (4)
ومثله (5) (كيف لا يبارك لك وقد علاك نبي وصديق وشهيد) يعني عليا عليه السلام. وعامها كذب وزور وباطل.
اللهم اجعل قولي قول رسول الله صلی الله عليه و اله، وقول علي عليه السلام ما اختلف فيه أمة محمد من بعده إلى أن يبعث الله المهدي عليه السلام.
____________
1- لقد قام العلامة الأميني في موسوعته (الغدير) بإيراد سلسلة من الموضوعات بشأن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية مشفوعا بذكر المصادر الناقلة لها من كتب القوم، وأثبت بالأدلة القاطعة أنها مما وضعته أيدي الكذابين الوضاعين. وذلك في ج 5 ص 378 - 297، ج 6 ص 96 - 87، ج 8 ص 96 - 33، ج 9 ص 396 - 273، ج 10 ص 138 - 70، ج 11 ص 101 - 75. هذا وقد أورد في البحار: ج 49 ص 208 - 189 احتجاج الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام مع العلماء بحضور المأمون في نفس الموضوع.
2- أورده في الغدير: ج 5 ص 318 هكذا: (إن الله أيدني بأربعة وزراء. قلنا: من هؤلاء الوزراء يا رسول الله؟
قال: اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: جبرئيل وميكائيل. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض - أو من أهل الدنيا -؟ قال: أبو بكر وعمر!!
3- روي في البحار: ج 17 ص 288 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله على جبل حراء، إذ تحرك الجبل. فقال له: (قر، فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد). فقر الجبل مجيبا لأمره ومنتهيا إلى طاعته.
وأورده في الغدير: ج 9 ص 332 هكذا: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان بحراء. فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض. فركضه برجله فقال: اسكن، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد). وفسرت العامة (الشهيد) بعثمان، وفي بعض رواياتهم بأبي بكر وعمر كما في الغدير: ج 10 ص 73.
4- معناه على الظاهر: فقبل حراء كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسكن.
5- لعل المعنى: ومثله في التحريف تحريفهم لمعنى الحديث.
 

أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على المسلمين في عصر عثمان


أبان عن سليم قال: رأيت عليا عليه السلام في مسجد رسول الله صلی الله عليه و اله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون الفقه والعلم.
فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيهم من الفضل، مثل قوله: (الأئمة من قريش)، وقوله: (الناس تبع لقريش) و (قريش أئمة العرب)، وقوله: (لا تسبوا قريشا)، وقوله: (إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم)، وقوله:
(أبغض الله من أبغض قريشا)، وقوله: (من أراد هوان قريش أهانه الله).
وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيهم من الفضل. وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته (1) وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة (2) والذي حمته الدبر (3)، حتى لم يدعوا شيئا من فضلهم، فقال فبعث الله الوادي (أي السيل) فاحتمله، فسمي (حمى الدبر).
كل حي: (منا فلان وفلان).
وقالت قريش: (منا رسول الله صلی الله عليه و اله ومنا حمزة بن عبد المطلب ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة (4) وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف). فلم يدعوا أحدا من الحيين من أهل السابقة إلا سموه.
وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل، منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة. فكان ممن حفظت من قريش: علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة (5) وعبد الله بن عمر والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس، ومن الأنصار(6): أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب وأبو الهيثم مالك بن تيهان الأوسي الأنصاري، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر غصب الخلافة ولزم أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه بصفين.
ومحمد بن مسلمة هو الذي اعتزل عن القتال مع أمير المؤمنين عليه السلام ولم يشهد شيئا من حروبه ومات بالمدينة سنة 46.
وأبو مريم الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
وأبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى صحابي شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، وتحول إلى الكوفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتوفي سنة 86.
أبو ليلى والد عبد الرحمن، يقال إنه استشهد بصفين. وقد مر ترجمة عبد الرحمن في مفتتح الكتاب.
الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد بجنبه، غلام أمرد صبيح الوجه.
وجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة.
قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما.
فأكثر القوم، وذلك من بكرة إلى حين الزوال - وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما
هم فيه - وعلي بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته.
____________
1- في الإحتجاج زيادة هكذا: وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته، و (إن العرش اهتز لموته)، وقوله صلى الله عليه وآله - لما جيئ إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس - فقال: (لمناديل سعد في الجنة أحسن منها).
ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في جنازة سعد: إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها وكانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ من سريره. راجع البحار: ج 10 ص 43 و ج 20 ص 236.
2- هو الذي استشهد يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة يغسلون ابن أبي عامر. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة سأل زوجته عن حاله، قالت: لما كان حنظلة راغبا في الجهاد توجه إلى الحرب بدون أن يغتسل للجنابة فلذا يقال له: (غسيل الملائكة). راجع البحار: ج 20 ص 47 و 58.
3- الدبر بالفتح جماعة النحل والزنابير. فسر أهل الغريب بهما في قصة عاصم بن ثابت الأنصاري المعروف بحمى الدبر. أصيب يوم أحد فمنعت النحل الكفار منه. روي في البحار: ج 20 ص 152: أن المشركين أحاطوا بعاصم بن ثابت فقتلوه، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر لأنه قتل ابنيها يوم أحد. فحمته الدبر، فقالوا: امهلوه حتى يمسي فتذهب عنه.
4- أبو الحارث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، صحابي كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله بعشر سنين. شهد بدرا وتوفي عائدا منها عن 63 سنة.
وزيد بن حارثة هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله أميرا على سرية مؤتة من أرض الشام فقتل هناك في سنة ثمان من الهجرة.
5- هاشم بن عتبة المرقال الزهري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من الفضلاء الأخيار. كان من الأبطال، فقعت عينه يوم اليرموك. شهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين وأبلى بلاء حسنا وقتل في صفين.
6- زيد بن ثابت بن ضحاك الأشعري الخزرجي الأنصاري صحابي مات سنة 51. كان عثمانيا ولم يشهد مع علي عليه السلام شيئا من حروبه.
وأبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام. شهد بدرا واحدا والعقبة وسائر المشاهد وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ممن أنكر على أبي بكر وشهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها وكان على مقدمته يوم النهروان.

احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام


فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن، ما يمنعك أن تتكلم؟ قال عليه السلام: ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا.
ثم قال: يا معاشر قريش، يا معاشر الأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم، أم بغيركم؟ قالوا: بل أعطانا الله ومن علينا برسول الله صلی الله عليه و اله
وبه أدركنا ذلك كله ونلناه. فكل فضل أدركناه في دين أو دنيا فبرسول الله صلی الله عليه و اله لا بأنفسنا ولا بعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا.
قال: صدقتم، يا معاشر قريش والأنصار. أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا
والآخرة منا خاصة - أهل البيت - دونكم جميعا، وأنكم سمعتم رسول الله صلی الله عليه و اله يقول:
(إني وأخي علي بن أبي طالب بطينة واحدة إلى آدم)؟ (1)قال أهل بدر وأهل أحد وأهل السابقة والقدمة: نعم، سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.
قال: أتقرون أن ابن عمي رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (إني وأهل بيتي كنا نورا يسعى بين يدي الله، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذف به في النار في
صلب إبراهيم. ثم لم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة بين الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط)؟ فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.
قال: فأنشدكم الله، أتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة)؟ فقالوا: اللهم نعم.
قال: أتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله اشترى موضع مسجده فابتناه ثم بنى عشرة منازل،
تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي.
فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلی الله عليه و اله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ولقد نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري، وكنت أجنب
في المسجد، ومنزلي ومنزل رسول الله صلی الله عليه و اله واحد في المسجد، يولد لرسول الله صلی الله عليه و اله ولي فيه أولاد؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى
عليه (2)، ثم قال صلی الله عليه و اله: (إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيره
وغير هارون وابنيه، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وأخي
وابنيه)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله دعاني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية، ثم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله - حين دعا أهل نجران إلى المباهلة - إنه لم يأت إلا بي
و بصاحبتي وابني؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أنه دفع إلي لواء خيبر ثم قال: (لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه)؟ قالوا: اللهم
نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله بعثني بسورة براءة ورد غيري - بعد أن كان بعثه - بوحي من الله وقال: (إن العلي الأعلى يقول: إنه لا يبلغ عنك إلا رجل منك)؟ قالوا:
اللهم بلى. (3)
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله لم تنزل به شديدة قط إلا قدمني لها ثقة بي، وأنه
لم يدعني باسمي قط إلا أن يقول: (يا أخي) و (ادعوا لي أخي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قضى بيني وبين جعفر وزيد في ابنة حمزة فقال:
(يا علي، أما أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم. (4)
قال: أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله صلی الله عليه و اله في كل يوم وليلة دخلة وخلوة، إذا
سألته أعطاني وإذا سكت ابتدأني؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله فضلني على جعفر وحمزة، فقال لفاطمة عليها السلام: (إني زوجتك خير أهلي وخير أمتي وأقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب
وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قالوا:
اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله أمرني أن أغسله، وأخبرني أن جبرئيل يعينني على غسله؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم بالله، أفتقرون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال في آخر خطبة خطبكم: (أيها
الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي)؟ قالوا: اللهم نعم.
ثم قال (5) علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلی الله عليه و اله أحد من هذه الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) (6)، (والسابقون السابقون أولئك المقربون) (7)، سئل عنها رسول الله صلی الله عليه و اله،
فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي
بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا: اللهم نعم.
يوم غدير خم على لسان أمير المؤمنين عليه السلام
قال: فأنشدكم، أتعلمون حيث نزلت (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) (8)، وحيث نزلت (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (9)، وحيث نزلت (أم حسبتم أن
تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله
ولا المؤمنين وليجة) (10)، قال الناس: يا رسول الله، خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟
فأمر الله عز وجل أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم. فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب وقال:
(أيها الناس، إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس تكذبني
فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني).
ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: (أيها الناس، أتعلمون أن الله
عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم)؟ قالوا: بلى،
يا رسول الله. قال: (قم، يا علي). فقمت، فقال: (من كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
فقام سلمان فقال: يا رسول الله، ولاء كما ذا؟ فقال: (ولاء كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه). فأنزل الله تعالى ذكره: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (11)فكبر النبي صلی الله عليه و اله وقال: (الله أكبر، تمام
نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي).
فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله، هذه الآيات خاصة في علي؟ قال: بلى، فيه
وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله، بينهم لنا. قال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع
القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي حوضي.
فقالوا كلهم: اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم:
قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظه كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.
فقال علي عليه السلام: صدقتم، ليس كل الناس يستوون في الحفظ، أنشد الله من حفظ ذلك
من رسول الله صلی الله عليه و اله لما قام فأخبر به.
فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا: نشهد
لقد حفظنا قول النبي صلی الله عليه و اله - وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه - وهو يقول: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي
والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي، وأمركم فيه بولايته. وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني.
أيها الناس، إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم، وبالزكاة والصوم والحج فبينتها لكم وفسرتها، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة - ووضع يده على علي بن أبي طالب عليه السلام - ثم لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي حوضي.
أيها الناس، قد بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم بعدي ووليكم وهاديكم، وهو
أخي علي بن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم. فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق
معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم). ثم جلسوا. (12)
قال سليم: ثم قال علي عليه السلام: أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (13)فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا، ثم ألقى علينا كساء وقال: (هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمهم ما يؤلمني ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم (14)، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا). فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (أنت إلى خير، إنما نزلت في وفي
أخي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة ليس معنا فيها أحد غيرهم)؟
فقالوا كلهم: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلی الله عليه و اله فحدثنا كما
حدثتنا به أم سلمة.
ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). (15)فقال سلمان: يا رسول الله، عامة هذا أم خاصة؟ قال صلی الله عليه و اله: (أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى
يوم القيامة)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله، أتعلمون أني قلت لرسول الله صلی الله عليه و اله في غزوة تبوك: لم خلفتني؟
قال: (إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه
لا نبي بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). (16)فقام
سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج، ملة أبيهم إبراهيم؟ قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة. قال سلمان: بينهم لنا يا رسول الله؟
فقال: (أنا وأخي وأحد عشر من ولدي). قالوا: اللهم نعم.
فقال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك
فقال: (يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فتمسكوا
بهما لن تضلوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). فقام عمر بن الخطاب - وهو شبه المغضب - فقال: يا رسول الله، أكل
أهل بيتك؟ قال: (لا، ولكن أوصيائي منهم. أولهم أخي علي ووزيري ووارثي
وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني
الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض. شهداء
الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله
ومن عصاهم عصى الله)؟
فقالوا كلهم: نشهد أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال ذلك.
وصف مجلس المناشدة
ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى
على آخر مناقبه وما قال له رسول الله صلی الله عليه و اله كثيرا، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق.
قال: فلم يدع شيئا مما أنزل الله فيه خاصة أو فيه وفي أهل بيته في القرآن ولا على
لسان رسول الله صلی الله عليه و اله إلا ناشدهم الله فيه. فمنه ما يقولون جميعا: (نعم) ومنه ما يسكت بعضهم ويقول بعضهم: (اللهم نعم) ويقول الذين سكتوا للذين أقروا: أنتم عندنا ثقات، وقد حدثنا غيركم ممن نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.
ثم قال حين فرغ: اللهم اشهد عليهم. قالوا: اللهم اشهد أنا لم نقل إلا حقا وما
قد سمعناه من رسول الله صلی الله عليه و اله، وقد حدثنا من نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.
قال: أتقرون بأن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب
وليس يحبني) - ووضع يده على رأسي - فقال له قائل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال:
(لأنه مني وأنا منه، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه
فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله)؟ فقال نحو من عشرين رجلا من أفاضل الحيين: (اللهم نعم)، وسكت بقيتهم.
فقال علي عليه السلام للسكوت: ما لكم سكوت؟ فقالوا: هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاه
في صدقهم وفضلهم وسابقتهم. فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد عليهم. فقالوا: اللهم إنا
لم نشهد ولم نقل إلا ما سمعنا من رسول الله صلی الله عليه و اله وما حدثنا به من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.
____________
1- راجع عن بدء خلق أهل البيت عليهم السلام: البحار: ج 25.
2- روي في البحار: ج 39 ص 23: أنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد الأبواب جاء عمر بن الخطاب فقال: إني أحب النظر إليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مررت إلى مصلاك، فائذن لي في خوخة أنظر إليك منها. فقال:
قد أبى الله ذلك. فقال: فمقدار ما أضع عليه وجهي. قال: قد أبى الله ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه عيني. فقال: قد أبى الله ذلك، ولو قلت (قدر طرف إبرة) لم آذن لك. والذي نفسي بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم ولكن الله أدخلهم وأخرجكم....
3- روي في البحار: ج 35 ص 295 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس. فنزل جبرئيل فقال: (لا يبلغ عنك إلا علي). فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكة. فقال أبو بكر: أسخطة؟ فقال: لا، إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك. فلما قدم علي عليه السلام مكة - وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر - قام ثم قال: إني رسول رسول الله إليكم، فقرأها عليهم: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر. وقال: (لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك. ألا من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة أشهر). راجع البحار: ج 35 ص 284 ب 9، والغدير: ج 6 ص 341
4- في البحار: ج 20 ص 372 وصحيح البخاري: ج 3 ص 168: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج من مكة بعد عمرة القضاء تبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم. فتناولها علي وقال لفاطمة عليها السلام: دونك بنت عمك، فحملتها. فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر. قال علي عليه السلام: أنا أحق بها وهي بنت عمي. وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وآله لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وقال لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك). وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي) وقال لزيد:
(أنت أخونا ومولانا).
5- زاد في (الإحتجاج) هنا هذه الفقرة: ثم قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله؟
قالوا: اللهم نعم.
6- سورة التوبة: الآية 100، وتمام الآية هكذا: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم).
7- سورة الواقعة: الآية 10.
8- سورة النساء: الآية 59.
9- سورة المائدة: الآية 55.
10- سورة التوبة: الآية 16.
11- سورة المائدة: الآية 3.
12- أي ثم جلس زيد بن أرقم والبراء وأبو ذر والمقداد وعمار بعد شهادتهم.
13- سورة الأحزاب: الآية 33.
14- سورة الأحزاب: الآية 33.
15- سورة التوبة: الآية 119.
16- سورة الحج: الآية: 78.

كلمات بين أمير المؤمنين عليه السلام وطلحة


سبعة أجوبة عن حديث أبي بكر المختلق في الخلافة
فقال طلحة بن عبيد الله - وكان يقال له (داهية قريش) -: فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وعمر وأصحابه الذين صدقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك
حبل، فقالوا لك: (بايع)، فاحتججت بما احتججت به من الفضل والسابقة، فصدقوك جميعا. ثم ادعى أنه سمع نبي الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فصدقه عمر وأبو عبيدة بن الجراح وسالم ومعاذ بن جبل؟
ثم أقبل طلحة فقال: كل الذي ذكرت وادعيت حق وما احتججت به من السابقة
والفضل نحن نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الخمسة بما سمعت!
الجواب الأول: فضح تعاهدهم على الصحيفة الملعونة
فقام عند ذلك علي عليه السلام - وغضب من مقالة طلحة - فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر
شيئا قد كان قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عنى به (1)، وأقبل على طلحة - والناس
يسمعون - فقال: يا طلحة، أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع: (إن قتل الله محمدا أو مات أن يتوازروا ويتظاهروا علي فلا أصل إلى الخلافة)!
الجواب الثاني: حديث الغدير
وقال عليه السلام: والدليل - يا طلحة - على باطل ما شهدوا عليه قول نبي الله صلی الله عليه و اله يوم
غدير خم: (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام؟
الجواب الثالث: حديث المنزلة
وقول رسول الله صلی الله عليه و اله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة)، أفلستم
تعلمون أن الخلافة غير النبوة؟ ولو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلی الله عليه و اله.
الجواب الرابع: حديث الثقلين
وقوله صلی الله عليه و اله: (إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي
لا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، فينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (2)، وقال: (وزاده بسطة في العلم والجسم " (3)، وقال: " أو أثارة من علم إن كنتم صادقين " (4) وقال رسول الله صلی الله عليه و اله:
(ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم أعلم إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى
يرجعوا إلى ما تركوا)، فما الولاية غير الإمارة على الأمة؟
الجواب الخامس: حديث التسليم عن علي عليه السلام بإمرة المؤمنين
والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر
رسول الله صلی الله عليه و اله، وهي الحجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا الذي معك - يعني الزبير - وعلى الأمة رأسا وعلى هذين - وأشار إلى سعد وابن عوف - وعلى خليفتكم هذا
الظالم - يعني عثمان -.
الجواب السادس: الشورى التي أمر بها عمر
وإنا معشر الشورى الستة أحياء كلنا، فلم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدق
هو وأصحابه على رسول الله صلی الله عليه و اله؟ أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارة علينا ولا بد من أن نتشاور
في غيرها لأنه أمرنا أن نتشاور في غيرها؟ وإن كانت الشورى فيها فلم أدخلني فيكم؟
فهلا أخرجني وقد قال: (إن رسول الله صلی الله عليه و اله أخرج أهل بيته من الخلافة فأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب)؟
الجواب السابع: ما قال عمر عند موته
ولم قال عمر - حين دعانا رجلا رجلا - لابنه عبد الله - وها هو ذا (5) - أنشدك بالله، ما
قال لك حين خرجنا؟ فقال عبد الله: أما إذ ناشدتني فإنه قال: (إن بايعوا أصلع بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم)!
ثم قال عليه السلام: يا بن عمر، فما قلت أنت عند ذلك؟ قال: قلت له: فما يمنعك - يا أبه -
أن تستخلفه؟ قال: فما رد عليك؟ قال: رد علي شيئا أكتمه قال عليه السلام: فإن رسول الله صلی الله عليه و اله قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له. قال: ومتى أخبرك؟ قال عليه السلام: أخبرني في حياته
ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي، ومن رآى رسول الله صلی الله عليه و اله في المنام فقد رآه في اليقظة.
قال له ابن عمر: فما أخبرك؟ قال عليه السلام: أنشدك الله يا بن عمر، لئن حدثتك به
لتصدقني. قال: أو أسكت قال: فإنه قد قال لك - حين قلت له: (فما يمنعك
أن تستخلفه؟) - قال: الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد الذي تعاهدنا عليه في الكعبة في حجة الوداع فسكت ابن عمر فقال: أسألك بحق رسول الله صلی الله عليه و اله لما أمسكت عني!
قال سليم: فلقد رأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان
دموعا.
شورى عمر غير الشرعية
ثم أقبل علي عليه السلام على طلحة والزبير وابن عوف وسعد قال: والله إن كان أولئك
الخمسة كذبوا على رسول الله صلی الله عليه و اله فما يحل لكم ولايتهم، وإن كانوا صدقوا ما حل لكم - أيها الخمسة - أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيه خلاف على
رسول الله صلی الله عليه و اله ورغبة عنه.
الخلافة والإمامة فقط للأئمة الاثني عشر عليهم السلام
ثم أقبل علي عليه السلام على الناس فقال: أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به، أصدوق أنا عندكم أم كذاب؟ فقالوا: بل صديق صدوق، لا والله ما علمناك كذبت في
جاهلية ولا إسلام. قال عليه السلام: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين، لا يبلغ (6) عنه صلی الله عليه و اله غيرنا ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا، ولم يجعل الله معنا أهل البيت لأحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا.
أما رسول الله، فخاتم النبيين ليس بعده رسول ولا نبي، ختم الأنبياء برسول الله صلی الله عليه و اله إلى يوم القيامة، وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في الطاعة في غير آية من القرآن. والله جعل محمدا نبيا وجعلنا خلفاء من بعده في خلقه وشهداء على
خلقه وفرض طاعتنا في كتابه المنزل، ثم أمر الله جل وعز نبيه أن يبلغ ذلك أمته،
فبلغهم كما أمره الله عز وجل.
من هو الأحق بمجلس رسول الله صلی الله عليه و اله؟
فأيهما أحق بمجلس رسول الله صلی الله عليه و اله وبمكانه، وقد سمعتم رسول الله صلی الله عليه و اله حين بعثني ببراءة فقال: (إنه لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني)؟ فأنشدكم الله، أسمعتم
ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله؟ قالوا: اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله حين بعثك ببراءة.
قال: فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولم يصلح أن يكون المبلغ لها غيري فأيهما أحق بمجلسه ومكانه؟ الذي سماه خاصة أنه من رسول الله أو
من خص من بين هذه الأمة أنه ليس من رسول الله؟ (7)
ألم يقل النبي صلی الله عليه و اله: ليبلغ الشاهد الغائب؟
فقال طلحة: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله، ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد
أن يبلغ عن رسول الله صلی الله عليه و اله وقد قال لنا ولسائر الناس: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب)، وقال بعرفة حين حج حجة الوداع: (رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها ثم أبلغها عني، فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثة لا يغل (8) عليهن قلب
امرء مسلم: إخلاص العمل لله، والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر، ولزوم
جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم)، وقام في غير موطن فقال: (ليبلغ الشاهد الغائب)؟
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الذي قال رسول الله صلی الله عليه و اله يوم غدير خم ويوم عرفة في حجة الوداع ويوم قبض(9). فانظر في آخر خطبة خطبها حين قال: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، كتاب الله وأهل بيتي. فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين الأصبعين - وأشار بمسبحته والوسطى - فإن إحديهما قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تزلوا،
ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
وإنما أمر العامة أن يبلغوا من لقوا من العامة بإيجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وإيجاب حقهم، ولم يقل ذلك في شئ من الأشياء غير ذلك. وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة بحجة من
لا يبلغ عن رسول الله صلی الله عليه و اله جميع ما بعثه الله به غيرهم.
ألا ترى يا طلحة، إن رسول الله صلی الله عليه و اله قال لي - وأنتم تسمعون -: يا أخي، إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك. أنت تبرئ ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي).
فلما ولى أبو بكر هل قضى عن رسول الله صلی الله عليه و اله دينه وعداته؟ فأثبتهم جميعا فقضيت دينه وعداته. وأخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري. ولم يكن ما أعطاهم
أبو بكر بقضاء لدينه وعداته، وإنما كان قضاي دينه وعداته هو الذي أبرء ذمته وقضى أمانته.
الأئمة عليهم السلام هم مبلغوا أوامر الله إلى الناس
وإنما يبلغ عن رسول الله صلی الله عليه و اله جميع ما جاء عن الله عز وجل الأئمة الذين فرض الله طاعتهم في كتابه وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.
فقال طلحة: فرجت عني، ما كنت أدري ما عنى رسول الله صلی الله عليه و اله بذلك حتى فسرته
لي. فجزاك الله يا أبا الحسن خيرا عن جميع الأمة.
____________
1- عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه: (ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى). فقال عليه السلام: عنى بها صحيفته التي في الكعبة. راجع البحار: ج 8 طبع قديم ص 27. وروي في ص 22 عن حذيفة بن اليمان أنه قال:
وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين عليه السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه قال: (ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى)!
2- سورة يونس: الآية 35.
3- سورة البقرة: الآية 247.
4- سورة الأحقاف: الآية 4.
5- كان عبد الله بن عمر حاضر المجلس كما مر في صدر الحديث فأشار عليه السلام إليه وصير الخطاب إليه.
6- قوله (لا يبلغ...) جواب للقسم.
7- المراد أنا أحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله أو أبو بكر الذي علم رسول الله صلى الله عليه وآله أمته في تبليغ سورة البراءة أنه خاصة ليس من رسول الله صلى الله عليه وآله.
8- روي في البحار: ج 21 ص 138 ح 33 عن الصادق عليه السلام قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد الخيف:
نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يبلغه. يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب. فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة، تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم. والمراد من ذكر هذه الفقرة إيراد موارد قوله (ليبلغ الشاهد الغائب).
9- معنى الجملة: أن قوله (ليبلغ الشاهد الغائب) كان في هذه المواضع الثلاثة.

كلمة عن جمع القرآن


جمع أمير المؤمنين عليه السلام للقرآن
يا أبا الحسن، شئ أريد أن أسألك عنه: رأيتك خرجت بثوب مختوم عليه فقلت:
(يا أيها الناس، إني لم أزل مشغولا برسول الله صلی الله عليه و اله، بغسله وتكفينه ودفنه. ثم شغلت بكتاب الله حتى جمعته، فهذا كتاب الله مجموعا لم يسقط منه حرف)، فلم أر ذلك الكتاب الذي كتبت وألفت.
جمع عمر وعثمان للقرآن
ولقد رأيت عمر بعث إليك - حين استخلف - أن ابعث به إلي، فأبيت أن تفعل. فدعا عمر الناس، فإذا شهد اثنان على آية قرآن كتبها وما لم يشهد عليها غير رجل واحد
رماها ولم يكتبه وقد قال عمر - وأنا أسمع -: (إنه قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرؤون قرآنا لا يقرأه غيرهم فذهب)، وقد جاءت شاة إلى صحيفة - وكتاب عمر يكتبون - فأكلتها وذهب ما فيها، والكاتب يومئذ عثمان فما تقولون؟ (1)
وسمعت عمر يقول وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عثمان: (إن الأحزاب
كانت تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة آية، والحجرات تسعون آية) فما هذا؟
وما يمنعك - يرحمك الله - أن تخرج إليهم ما قد ألفت للناس؟
وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على
قراءة واحدة ومزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار. (2)فما هذا؟
إملاء رسول الله صلی الله عليه و اله للقرآن على أمير المؤمنين عليه السلام
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد صلی الله عليه و اله عندي بإملاء رسول الله صلی الله عليه و اله وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلی الله عليه و اله وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش.
قال طلحة: كل شئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام، كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك؟
قال: نعم، وسوى ذلك أن رسول الله صلی الله عليه و اله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من
العلم يفتح كل باب ألف باب. ولو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغدا إلى يوم القيامة.
ما كتب في الكتف بإملاء رسول الله صلی الله عليه و اله
يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلی الله عليه و اله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله ثم تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك.
قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلی الله عليه و اله وبالذي أراد أن يكتب فيها
وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: (أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك
ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم
إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين -. كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟
فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلی الله عليه و اله.
فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول لأبي ذر: (ما أظلت الخضراء
ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله)، وأنا أشهد أنهما
لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما.
ثم أقبل عليه السلام على طلحة فقال: إتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت
يا بن عوف، اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم.
سند القرآن الموجود في زماننا
قال طلحة: ما أراك - يا أبا الحسن - أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس؟ قال عليه السلام: يا طلحة، عمدا كففت عن جوابك.
قال: فأخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال عليه السلام: بل
هو قرآن كله، إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فإن فيه حجتنا وبيان أمرنا وحقنا وفرض طاعتنا. فقال طلحة: حسبي، أما إذا كان قرآنا فحسبي.
ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام،
إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك؟ قال عليه السلام: إلى الذي أمرني رسول الله صلی الله عليه و اله أن أدفعه إليه.
قال: من هو؟ قال: وصيي وأولى الناس بالناس بعدي، ابني هذا الحسن، ثم يدفعه
ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين، حتى يرد آخرهم على رسول الله صلی الله عليه و اله حوضه. وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم.
اثنا عشر إمام ضلالة من قبائل قريش
أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليهما سبعة من ولد الحكم بن
أبي العاص، واحدا بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة، وهم الذين رآهم
رسول الله صلی الله عليه و اله على منبره يردون أمته على أدبارهم القهقرى، عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم، وعليهما مثل أوزار هذه الأمة.
فقالوا: يرحمك الله يا أبا الحسن وغفر لك وجزاك الله أفضل الجزاء عنا بنصحك
وحسن قولك.
____________
1- لا يخفى أن هذا كله كلام طلحة في كيفية جمع القرآن كما يوجد مثله في كتب العامة أيضا، أنظر: منتخب كنز العمال: ج 2 ص 42 و 45. مسند أحمد: ج 5 ص 117. كنز العمال: ج 2 ص 569. الإتقان: ج 2 ص 25. الدر المنثور: ج 6 ص 378.
وروى الفضل بن شاذان في كتاب (الإيضاح): ص 112 عن العامة: أن أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوله إلى آخره من أفواه الرجال بشهادة شاهدين وكان الرجل الواحد منهم إذا أتى بآية سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقبلا منه، وإذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها. وأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة. وأن عمر قال: لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآنا لا يقرؤه غيرهم، فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر.
وأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام في تأييد القرآن الموجود فسيجئ بعد أسطر.
2- روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 308: أن عثمان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وكتب المصاحف السبعة على المشهور بين القراء، فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة وإلى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له (الإمام).

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

جمع عمر وعثمان للقرآن
ولقد رأيت عمر بعث إليك - حين استخلف - أن ابعث به إلي، فأبيت أن تفعل. فدعا عمر الناس، فإذا شهد اثنان على آية قرآن كتبها وما لم يشهد عليها غير رجل واحد
رماها ولم يكتبه وقد قال عمر - وأنا أسمع -: (إنه قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرؤون قرآنا لا يقرأه غيرهم فذهب)، وقد جاءت شاة إلى صحيفة - وكتاب عمر يكتبون - فأكلتها وذهب ما فيها، والكاتب يومئذ عثمان فما تقولون؟ (1)
وسمعت عمر يقول وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عثمان: (إن الأحزاب
كانت تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة آية، والحجرات تسعون آية) فما هذا؟
وما يمنعك - يرحمك الله - أن تخرج إليهم ما قد ألفت للناس؟
وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على
قراءة واحدة ومزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار. (2)فما هذا؟
إملاء رسول الله صلی الله عليه و اله للقرآن على أمير المؤمنين عليه السلام
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا طلحة، إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد صلی الله عليه و اله عندي بإملاء رسول الله صلی الله عليه و اله وخطي بيدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلی الله عليه و اله وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش.
قال طلحة: كل شئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام، كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك؟
قال: نعم، وسوى ذلك أن رسول الله صلی الله عليه و اله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من
العلم يفتح كل باب ألف باب. ولو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغدا إلى يوم القيامة.
ما كتب في الكتف بإملاء رسول الله صلی الله عليه و اله
يا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلی الله عليه و اله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله ثم تركها؟ قال: بلى، قد شهدت ذاك.
قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلی الله عليه و اله وبالذي أراد أن يكتب فيها
وأن يشهد عليها العامة. فأخبره جبرائيل: (أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك
ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم
إلى يوم القيامة. فسماني أولهم ثم ابني هذا - وأدنى بيده إلى الحسن - ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا - يعني الحسين -. كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟
فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلی الله عليه و اله.
فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول لأبي ذر: (ما أظلت الخضراء
ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله)، وأنا أشهد أنهما
لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما.
ثم أقبل عليه السلام على طلحة فقال: إتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت
يا بن عوف، اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم.
سند القرآن الموجود في زماننا
قال طلحة: ما أراك - يا أبا الحسن - أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس؟ قال عليه السلام: يا طلحة، عمدا كففت عن جوابك.
قال: فأخبرني عما كتب عمر وعثمان، أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن؟ قال عليه السلام: بل
هو قرآن كله، إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فإن فيه حجتنا وبيان أمرنا وحقنا وفرض طاعتنا. فقال طلحة: حسبي، أما إذا كان قرآنا فحسبي.
ثم قال طلحة: فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام،
إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك؟ قال عليه السلام: إلى الذي أمرني رسول الله صلی الله عليه و اله أن أدفعه إليه.
قال: من هو؟ قال: وصيي وأولى الناس بالناس بعدي، ابني هذا الحسن، ثم يدفعه
ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين، حتى يرد آخرهم على رسول الله صلی الله عليه و اله حوضه. وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا فارقهم.
اثنا عشر إمام ضلالة من قبائل قريش
أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان، ثم يليهما سبعة من ولد الحكم بن
أبي العاص، واحدا بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة، وهم الذين رآهم
رسول الله صلی الله عليه و اله على منبره يردون أمته على أدبارهم القهقرى، عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم، وعليهما مثل أوزار هذه الأمة.
فقالوا: يرحمك الله يا أبا الحسن وغفر لك وجزاك الله أفضل الجزاء عنا بنصحك
وحسن قولك.
____________
١- لا يخفى أن هذا كله كلام طلحة في كيفية جمع القرآن كما يوجد مثله في كتب العامة أيضا، أنظر: منتخب كنز العمال: ج 2 ص 42 و 45. مسند أحمد: ج 5 ص 117. كنز العمال: ج 2 ص 569. الإتقان: ج 2 ص 25. الدر المنثور: ج 6 ص 378.
وروى الفضل بن شاذان في كتاب (الإيضاح): ص 112 عن العامة: أن أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوله إلى آخره من أفواه الرجال بشهادة شاهدين وكان الرجل الواحد منهم إذا أتى بآية سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقبلا منه، وإذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها. وأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة. وأن عمر قال: لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآنا لا يقرؤه غيرهم، فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر.
وأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام في تأييد القرآن الموجود فسيجئ بعد أسطر.
٢- روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 308: أن عثمان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وكتب المصاحف السبعة على المشهور بين القراء، فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة وإلى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له (الإمام).

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في السنة الأخيرة من عمره المبارك


أبان عن سليم قال: كنا جلوسا حول أمير المؤمنين عليه السلام وعنده جماعة من أصحابه،
فقال له قائل: يا أمير المؤمنين، لو استنفرت الناس.
فقام وخطب فقال: ألا إني قد استنفرتكم فلم تنفروا ونصحتكم فلم تقبلوا،
ودعوتكم فلم تسمعوا. فأنتم شهود كغياب وأحياء كأموات وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الشافية الكافية وأحثكم على الجهاد لأهل الجور،
فما آتي على آخر كلامي حتى أراكم متفرقين حلقا شتى، تتناشدون الأشعار وتضربون الأمثال وتسألون عن سعر التمر واللبن!
تبت أيديكم، لقد سئمتم الحرب والاستعداد لها، وأصبحت قلوبكم فارغة من
ذكرها، شغلتموها بالأباطيل والأضاليل والأعاليل. ويحكم، أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. وأيم الله ما أظن أن تفعلوا حتى يفعلوا ثم وددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على بصيرتي ويقيني واسترحت من مقاساتكم ومن ممارستكم. فما أنتم إلا كإبل جمة ضل راعيها، فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب. كأني بكم والله فيما أرى، لو قد حمس الوغى واستحر الموت قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة عن ولدها لا تمنع يد لامس.
لماذا لم يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ما فعل عثمان من السكوت؟
قال الأشعث بن قيس الكندي: فهلا فعلت كما فعل ابن عفان؟
فقال علي عليه السلام: يا عرف النار (1)، أو كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت؟ أنا عائذ بالله
من شر ما تقول، يا بن قيس، والله إن الذي فعل ابن عفان لمخزاة لمن لا دين له ولا الحق في يده، فكيف أفعل ذلك وأنا على بينة من ربي وحجته في يدي والحق معي؟
والله إن امرء مكن عدوه من نفسه حتى يجز لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه
ويسفك دمه وهو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره وضعيف ما ضمت عليه جوانح
صدره. فكن أنت ذلك يا بن قيس فأما أنا فدون - والله - أن أعطي بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام وتطيح منه الكف والمعصم ويفعل الله بعد ما يشاء.
ويلك يا بن قيس، المؤمن يموت بكل موتة غير أنه لا يقتل نفسه، فمن قدر على
حقن دمه ثم خلا بينه وبين قاتله فهو قاتل نفسه.
ويلك يا بن قيس، إن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة منها
في الجنة واثنتان وسبعون في النار. وشرها وأبغضها إلى الله وأبعدها منه السامرة الذين يقولون: (لا قتال)، وكذبوا. قد أمر الله عز وجل بقتال هؤلاء الباغين في كتابه وسنة نبيه وكذلك المارقة.
لماذا لم يقم أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف في قضايا السقيفة
فقال الأشعث بن قيس - وغضب من قوله -: فما يمنعك يا بن أبي طالب حين بويع
أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما، أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لم تخطبنا خطبة - منذ كنت قدمت العراق - إلا وقد قلت فيها قبل
أن تنزل عن منبرك: (والله إني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض الله محمدا صلی الله عليه و اله).
فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟
فقال له علي عليه السلام: يا بن قيس، قلت فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن
ولا كراهية للقاء ربي، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلی الله عليه و اله وعهده إلي.
أخبرني رسول الله صلی الله عليه و اله بما الأمة صانعة بي بعده، فلم أك بما صنعوا - حين عاينته - بأعلم مني ولا أشد يقينا مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله صلی الله عليه و اله أشد يقينا مني بما عاينت وشهدت. فقلت: يا رسول الله، فما تعهد إلي إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت
أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا.
وأخبرني صلی الله عليه و اله أن الأمة ستخذلني وتبايع غيري وتتبع غيري.
وأخبرني صلی الله عليه و اله أني منه بمنزلة هارون من موسى، وأن الأمة سيصيرون من بعده
بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه، إذ قال له موسى: (يا هارون، ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)، وقال: (يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي). (2)وإنما يعني: إن موسى أمر هارون - حين استخلفه
عليهم - إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. وإني خشيت أن يقول لي ذلك أخي رسول الله صلی الله عليه و اله: (لم فرقت بين الأمة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا أن تكف يدك وتحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك)؟
إقدام أمير المؤمنين عليه السلام لمحاربة أبي بكر وعمر
فلما قبض رسول الله صلی الله عليه و اله مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول الله صلی الله عليه و اله بغسله ودفنه. ثم شغلت بالقرآن، فآليت على نفسي أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى
أجمعه في كتاب، ففعلت.
ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين، فلم أدع أحدا من أهل بدر
وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي.
فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير،
ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم أحد، وأما جعفر فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين: العباس
وعقيل، وكانا قريبي العهد بكفر.
فأكرهوني وقهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: (يا بن أم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول الله صلی الله عليه و اله حجة قوية.
قال عليه السلام: فقال الأشعث: كذلك صنع عثمان، استغاث بالناس ودعاهم إلى نصرته
فلم يجد أعوانا فكف يده حتى قتل مظلوما.
قال عليه السلام: ويلك يا بن قيس، إن القوم - حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني -
لو قالوا لي: (نقتلك البتة) لامتنعت من قتلهم إياي ولو لم أجد غير نفسي وحدي،
ولكن قالوا: (إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك وفضلناك وإن لم تفعل قتلناك).
فلما لم أجد أحدا بايعتهم، وبيعتي إياهم لا يحق لهم باطلا ولا يوجب لهم حقا.
فلو كان عثمان - حين قال له الناس: (اخلعها ونكف عنك) - خلعها لم يقتلوه،
ولكنه قال: (لا أخلعها). قالوا: (فإنا قاتلوك)، فكف يده عنهم حتى قتلوه. ولعمري
لخلعه إياها كان خيرا له، لأنه أخذها بغير حق ولم يكن له فيها نصيب وادعى ما ليس له وتناول حق غيره.
____________
1- خطاب إلى الأشعث بن قيس. روي في البحار: ج 41 ص 306 أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يسمي أشعثا (عنق النار) فسئل عن ذلك فقال: إن الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدود من السماء فتحرقه وقت وفاته، فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء. فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور.
2- سورة الأعراف: الآية 150.

عثمان أعان على قتل نفسه


ويلك يا بن قيس، إن عثمان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما أن يكون دعا الناس
إلى نصرته فلم ينصروه، وإما أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه فنهاهم عن نصرته، فلم يكن يحل له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماما هاديا مهتديا لم يحدث حدثا ولم يؤو محدثا. وبئس ما صنع حين نهاهم وبئس ما صنعوا حين أطاعوه وإما أن يكون جوره وسوء سريرته قضى أنهم لم يروه أهلا لنصرته لجوره وحكمه بخلاف الكتاب والسنة.
وقد كان مع عثمان - من أهل بيته ومواليه وأصحابه - أكثر من أربعة آلاف رجل،
ولو شاء أن يمتنع بهم لفعل. فلم نهاهم عن نصرته؟ ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم تتمة أربعين رجلا مطيعين لي لجاهدتهم، وأما يوم بويع عمر وعثمان فلا، لأني قد كنت بايعت ومثلي لا ينكث بيعته.
مواقف أمير المؤمنين عليه السلام في الحروب
ويلك يا بن قيس، كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان إذ وجدت أعوانا؟ هل
رأيت مني فشلا أو تأخرا أو جبنا أو تقصيرا في وقعتي يوم البصرة وهم حول جملهم.
الملعون من معه، الملعون من قتل حوله، الملعون من رجع بعده لا تائبا ولا مستغفرا،
فإنهم قتلوا أنصاري ونكثوا بيعتي ومثلوا بعاملي وبغوا علي. وسرت إليهم في
اثني عشر ألفا وهم نيف على عشرين ومائة ألف، فنصرني الله عليهم وقتلهم بأيدينا
وشفى صدور قوم مؤمنين.
وكيف رأيت - يا بن قيس - وقعتنا بصفين وما قتل الله منهم بأيدينا خمسين ألفا في صعيد واحد إلى النار.
وكيف رأيتنا يوم النهروان، إذ لقيت المارقين وهم مستمسكون يومئذ بدين الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ فقتلهم الله بأيدينا
في صعيد واحد إلى النار لم يبق منهم عشرة ولم يقتلوا من المؤمنين عشرة.
ويلك يا بن قيس، هل رأيت لي لواء رد أو راية ردت؟ إياي تعير يا بن قيس؟ وأنا صاحب رسول الله صلی الله عليه و اله في جميع مواطنه ومشاهده والمتقدم إلى الشدائد بين يديه،
لا أفر ولا أزول ولا أعيى ولا أنحاز ولا أمنح العدو دبري، لأنه لا ينبغي للنبي
ولا للوصي إذا لبس لامته وقصد لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له.
لو وجدت أربعين رجلا مثل الأربعة!!
يا بن قيس، هل سمعت لي بفرار قط أو نبوة؟
يا بن قيس، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم
- الذي عيرتني بدخولي في بيعته - أربعين رجلا كلهم على مثل بصيرة الأربعة الذين
قد وجدت لما كففت يدي ولناهضت القوم، ولكن لم أجد خامسا فأمسكت.
قال الأشعث: فمن الأربعة، يا أمير المؤمنين؟
قال عليه السلام: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن صفية قبل نكثه بيعتي، فإنه بايعني مرتين: أما بيعته الأولى التي وفى بها فإنه لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤوسهم عليهم السلاح، فما وفى لي ولا صدقني منهم أحد غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير.
وأما بيعته الأخرى إياي، فإنه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد ما قتل عثمان فبايعاني
طائعين غير مكرهين، ثم رجعا عن دينهما مرتدين ناكثين مكابرين معاندين
خاسرين، فقتلهما الله إلى النار. وأما الثلاثة - سلمان وأبو ذر والمقداد - فثبتوا على دين محمد عليه السلام وعلى ملة إبراهيم حتى لحقوا بالله يرحمهم الله.
يا بن قيس، والذي فلق الحبة وبرء النسمة، لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوا وفوا
لي وأصبحوا على بابي محلقين رؤوسهم قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعته لناهضته وحاكمته إلى الله عز وجل. ولو وجدت قبل بيعة عثمان أعوانا لناهضتهم وحاكمتهم
إلى الله، فإن ابن عوف جعلها لعثمان واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردها عليه عند
موته، وأما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل.
الشيعة، النواصب، المستضعفون
فقال الأشعث: والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت أمة محمد صلی الله عليه و اله غيرك وغير شيعتك.
فقال له علي عليه السلام: فإن الحق والله معي يا بن قيس كما أقول. وما هلك من الأمة إلا الناصبون والناكثون والمكابرون والجاحدون والمعاندون، فأما من تمسك بالتوحيد والإقرار بمحمد صلی الله عليه و اله والإسلام ولم يخرج من الملة ولم يظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة وشك في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب
لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويتخوف عليه ذنوبه.
قال أبان: قال سليم بن قيس: فلم يبق يومئذ من شيعة علي عليه السلام أحد إلا تهلل وجهه وفرح بمقالته، إذ شرح أمير المؤمنين عليه السلام الأمر وباح به وكشف الغطاء وترك التقية.
ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف. ولم يبق
حوله ممن أبى بيعته إلا على وجه ما بويع عليه عثمان والماضون قبله إلا رئي ذلك في
وجهه وضاق به أمره وكره مقالته. ثم إنه استبصر عامتهم وذهب شكهم. (1)
قال أبان عن سليم: فما شهدت يوما قط على رؤوس العامة كان أقر لأعيننا من ذلك
اليوم، لما كشف أمير المؤمنين عليه السلام للناس من الغطاء وأظهر فيه من الحق وشرح فيه من الأمر والعاقبة وألقى فيه من التقية، وكثرت الشيعة بعد ذلك المجلس من ذلك اليوم وتكلموا، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه
من الله ورسوله، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم.
شهادة أمير المؤمنين عليه السلام
وذلك بعد وقعة أهل النهروان وهو يأمر بالتهيئة والمسير إلى معاوية. ثم لم يلبث
أن قتل صلوات الله عليه، قتله ابن ملجم لعنه الله غيلة وفتكا، وقد كان سيفه مسموما
قد سمه قبل ذلك. وصلى الله على سيدنا أمير المؤمنين وسلم تسليما.
____________
١- المراد أن عددا من الناس أبوا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام إلا على وجه ما بويع أبو بكر وعمر وعثمان. وهؤلاء لما سمعوا هذه الخطبة والاحتجاج منه عليه السلام كرهوا مقالته ورئي أثر الكراهة في وجوههم. وفي (ج) هكذا: ولم يبق أحد ممن أبى بيعته على وجه الأرض ممن بايع عثمان، بلغه ذلك إلا ضاق صدره وكره مقالته.

بيت المال في عصر عمر


عن أبان، قال سليم: كتب أبو المختار بن أبي الصعق (1)إلى عمر بن الخطاب هذه
الأبيات:
ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة فأنت أمين الله في المال والأمر
وأنت أمين الله فينا ومن يكن أمينا لرب الناس يسلم له صدري
فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى يخونون مال الله في الأدم الحمر
وأرسل إلى النعمان وابن معقل وأرسل إلى حزم وأرسل إلى بشر
وأرسل إلى الحجاج واعلم حسابه وذاك الذي في السوق مولى بني بدر
ولا تنسين التابعين كليهما وصهر بني غزوان في القوم ذا وفر
وما عاصم فيها بصفر عيابه ولا ابن غلاب من رماة بني نصر
واستل ذاك المال دون ابن محرز وقد كان منه في الرساتيق ذا وقر (2)
فأرسل إليهم يصدقوك ويخبروا أحاديث هذا المال من كان ذا فكر
وقاسمهم أهلي فداؤك إنهم سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
ولا تدعوني للشهادة إنني أغيب ولكني أرى عجب الدهر
أرى الخيل كالجدران والبيض كالدمى(3) وخطية (4) في عدة النمل والقطر
ومن ريطة (5) مطوية في قرابها ومن طي أبراد مضاعفة صفر
إذ التاجر الداري جاء بفأرة من المسك راحت في مفارقهم تجري
ننوب إذا نابوا ونغزو إذا غزوا فإن لهم مالا وليس لنا وفر
فقال ابن غلاب المصري(6) :
ألا أبلغ أبا المختار إني أتيته ولم أك ذا قربى لديه ولا صهر
وما كان عندي من تراث ورثته ولا صدقات من سبي ولا غدر
ولكن دراك الركض في كل غارة وصبري إذا ما الموت كان ورا السمر
بسابغة يغشى اللبان فصولها(7) أكفكفها عني بأبيض ذي وفر
حكم عمر بمصادرة نصف أموال عماله
قال سليم: فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر
أبي المختار (8) ولم يغرم قنفذ العدوي شيئا - وقد كان من عماله - ورد عليه ما أخذ منه وهو عشرون ألف درهم ولم يأخذ منه عشره ولا نصف عشره!
وكان من عماله الذين أغرموا أبو هريرة - وكان على البحرين - فأحصى ماله فبلغ
أربعة وعشرون ألفا، فأغرمه اثني عشر ألفا.
علة العفو عن قنفذ من مصادرة أمواله
قال أبان: قال سليم: فلقيت عليا عليه السلام فسألته عما صنع عمر، فقال: هل تدري لم كف
عن قنفذ ولم يغرمه شيئا؟ قلت: لا. قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت صلوات الله عليها وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.
____________
1- أبو المختار هو يزيد بن قيس بن يزيد.
2- قوله: بصفر عيابه، الصفر بمعنى الخالي والعياب جمع العيبة بمعنى الزنبيل من الأدم. وقوله (ابن محرز) جاء في فتوح البلاذري: ابن محرش.
3- الدمى جمع الدمية وهي الصور المزينة فيها حمرة.
4- جمع الخطي وهو الرمح المنسوب إلى الخط وهو مرفأ بالبحرين.
5- الريطة: كل ثوب يشبه الملحفة.
6- ابن غلاب هو خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال بإصبهان.
7- السابغة كناية عن الدرع الواسعة، واللبان هو الصدر.
8- ذكر البلاذري أسماء عدد من عمال عمر بن الخطاب، شاطرهم أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا وهم:
أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي، نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي، الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات، جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق، بشر بن المحتفز كان على جندي سابور، ابن غلاب خالد بن الحرث كان على بيت المال بإصبهان، عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر، سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز، النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة، مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها، شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم، أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رامهرمز.
وهؤلاء ذكرهم أبو المختار في شعره الذي ورد في المتن مع اختلاف في ضبط بعض الأسماء. وكان أيضا من عماله الذين شاطرهم سعد بن أبي وقاص وكان على الكوفة، وأبو موسى الأشعري وكان على البصرة ، وعمرو بن العاص وكان على مصر، وعتبة بن أبي سفيان وكان على الطائف، وأبو هريرة وكان على البحرين، وخالد بن الوليد. راجع الغدير: ج 6 ص 277 - 271. إثبات الهداة: ج 2 ص 369 ح 218.

بدع واعتراضات أبي بكر وعمر في الدين


قال أبان عن سليم، قال: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلی الله عليه و اله، ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة
وقيس بن سعد بن عبادة.
بدع أبي بكر وعمر
تغريم عمر لعماله
فقال العباس لعلي عليه السلام: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عماله؟
فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال: شكر له ضربة ضربها فاطمة عليها السلام بالسوط، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج.
ثم قال عليه السلام: العجب مما أشربت قلوب هذه الأمة من حب هذا الرجل وصاحبه من
قبله، والتسليم له في كل شئ أحدثه لئن كان عماله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حل له تركه، وكان له أن يأخذه كله فإنه فيئ المسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه؟ ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ أموالهم ولا شيئا منهم قليلا
ولا كثيرا، وإنما أخذ أنصافها. ولو كانت في أيديهم خيانة ثم لم يقروا بها ولم تقم
عليهم البينة ما حل له أن يأخذ منهم قليلا ولا كثيرا وأعجب من ذلك إعادته إياهم إلى أعمالهم لئن كانوا خونة ما حل له أن يستعملهم، ولئن كانوا غير خونة ما حلت له أموالهم.
أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب من ميل الناس إلى البدع
ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال: العجب لقوم يرون سنة نبيهم تتبدل وتتغير شيئا
شيئا وبابا بابا ثم يرضون ولا ينكرون، بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره ثم يجيئ قوم بعدنا، فيتبعون بدعته وجوره وأحداثه ويتخذون أحداثه سنة ودينا يتقربون
بها إلى الله في مثل:
نقل مقام إبراهيم عليه السلام إلى موضعه في الجاهلية
تحويله مقام إبراهيم عليه السلام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلی الله عليه و اله إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية الذي حوله منه رسول الله صلی الله عليه و اله. (1)
تغيير صاع رسول الله صلی الله عليه و اله ومده
وفي تغييره صاع رسول الله صلی الله عليه و اله ومده، وفيهما فريضة وسنة. فما كان زيادته إلا سوء لأن المساكين - في كفارة اليمين والظهار - بهما يعطون ما يجب من الزرع. وقد قال
رسول الله صلی الله عليه و اله: (اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا). لا يحولون بينه وبين ذلك (2)، لكنهم رضوا وقبلوا ما صنع.
غصب فدك
وقبضه وصاحبه فدك وهي في يد فاطمة عليها السلام مقبوضة قد أكلت غلتها على عهد
النبي صلی الله عليه و اله. فسألها البينة على ما في يدها ولم يصدقها ولا صدق أم أيمن. وهو يعلم يقينا - كما نعلم - أنها في يدها. ولم يكن يحل له أن يسألها البينة على ما في يدها
ولا أن يتهمها. ثم استحسن الناس ذلك وحمدوه وقالوا: (إنما حمله على ذلك الورع والفضل)!!
ثم حسن قبح فعلهما أن عدلا عنها فقالا: (نظن إن فاطمة لن تقول إلا حقا وإن عليا
لم يشهد إلا بحق، ولو كانت مع أم أيمن امرأة أخرى أمضيناها لها). فحظيا بذلك عند الجهال وما هما ومن أمر هما أن يكونا حاكمين فيعطيان أو يمنعان؟ ولكن الأمة ابتلوا بهما فأدخلا أنفسهما فيما لا حق لهما فيه ولا علم لهما به. وقد قالت فاطمة عليها السلام لهما - حين أراد انتزاعها وهي في يدها -: (أليست في يدي وفيها وكيلي وقد أكلت غلتها ورسول صلی الله عليه و اله حي)؟
قالا: بلى. قالت: (فلم تسألني البينة على ما في يدي)؟ قالا: لأنها فيئ المسلمين، فإن
قامت بينة وإلا لم نمضها!
قالت لهما - والناس حولهما يسمعون -: (أفتريدان أن تردا ما صنع رسول الله صلی الله عليه و اله وتحكما فينا خاصة بما لم تحكما في سائر المسلمين؟ أيها الناس، اسمعوا ما ركباها.
أرأيتما إن ادعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم، أتسألونني البينة أم تسألونهم)؟
قالا: بل نسألك.
قالت: (فإن ادعى جميع المسلمين ما في يدي تسألونهم البينة أم تسألونني)؟
فغضب عمر وقال: إن هذا فيئ للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلتها،
فإن أقامت بينة على ما ادعت أن رسول الله وهبها لها من بين المسلمين - وهي فيئهم وحقهم - نظرنا في ذلك!
فقالت: حسبي أنشدكم بالله أيها الناس، أما سمعتم رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن ابنتي
سيدة نساء أهل الجنة)؟ قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله صلی الله عليه و اله. قالت: أفسيدة نساء أهل الجنة تدعي الباطل وتأخذ ما ليس لها؟ أرأيتم لو أن أربعة شهدوا علي بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدقين علي؟ فأما أبو بكر فسكت، وأما عمر فقال: نعم، ونوقع عليك الحد!!
فقالت: كذبت ولؤمت، إلا أن تقر أنك لست على دين محمد صلی الله عليه و اله. إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة أو يقيم عليها حدا لملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلی الله عليه و اله، لأن من (أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) لا تجوز عليهم شهادة لأنهم
معصومون من كل سوء مطهرون من كل فاحشة. حدثني - يا عمر - من أهل هذه الآية، لو أن قوما شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم ويحدونهم؟ قال: نعم، وما هم وسائر الناس في ذلك إلا سواء!!
قالت: كذبت وكفرت، ما هم وسائر الناس في ذلك سواء لأن الله عصمهم ونزل
عصمتهم وتطهيرهم وأذهب عنهم الرجس. فمن صدق عليهم فإنما يكذب الله
ورسوله. فقال أبو بكر: أقسمت عليك - يا عمر - لما سكت!!
مؤامرة قتل أمير المؤمنين عليه السلام
فلما أن كان الليل أرسلا إلى خالد بن الوليد فقالا: إنا نريد أن نسر إليك أمرا
ونحملكه لثقتنا بك. فقال: احملاني على ما شئتما، فإني طوع أيديكما. فقالا له: (إنه
لا ينفعنا ما نحن فيه من الملك والسلطان ما دام علي حيا أما سمعت ما قال لنا وما
استقبلنا به؟ ونحن لا نأمنه أن يدعو في السر فيستجيب له قوم فيناهضنا فإنه أشجع
العرب، وقد ارتكبنا منه ما رأيت وغلبناه على ملك ابن عمه ولا حق لنا فيه، وانتزعنا
فدك من امرأته. فإذا صليت بالناس صلاة الغداة فقم إلى جنبه وليكن سيفك معك، فإذا صليت وسلمت فاضرب عنقه)!
قال علي عليه السلام: فصلى خالد بن الوليد بجنبي متقلدا السيف. فقام أبو بكر في الصلاة وجعل يؤامر نفسه وندم وأسقط في يده (3) حتى كادت الشمس أن تطلع ثم قال - قبل
أن يسلم -: (لا تفعل ما أمرتك) ثم سلم فقلت لخالد: وما ذاك؟ قال: كان قد أمرني
- إذا سلم - أن أضرب عنقك قلت: أو كنت فاعلا؟ قال: إي وربي إذا لفعلت!
حبس الخمس
قال سليم: ثم أقبل عليه السلام على العباس وعلى من حوله، ثم قال: ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرضه الله لنا في القرآن؟ وقد علم الله أنهم سيظلموناه وينتزعونه منا، فقال: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان). (4)
إلحاق بيت جعفر بالمسجد
والعجب لهدمه منزل أخي جعفر وإلحاقه في المسجد، ولم يعط بنيه من ثمنه قليلا
ولا كثيرا. ثم لم يعب ذلك عليه الناس ولم يغيروه، فكأنما أخذ منزل رجل من
الديلم. (5)
البدعة في غسل الجنابة
والعجب لجهله وجهل الأمة أنه كتب إلى جميع عماله: (أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي وليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء وإن لم يجده حتى يلقى الله) ثم قبل الناس ذلك ورضوا به، وقد علم وعلم الناس أن رسول الله صلی الله عليه و اله قد أمر عمارا وأمر أبا ذر أن يتيمما من الجنابة ويصليا، وشهدا به عنده وغيرهما (6) فلم يقبل
ذلك ولم يرفع به رأسا.
البدعة في إرث الجد
والعجب لما خلطا قضايا مختلفة في الجد بغير علم تعسفا وجهلا وادعائهما ما لم يعلما جرأة على الله وقلة ورع.
ادعيا أن رسول الله صلی الله عليه و اله مات ولم يقض في الجد شيئا منه (7) ولم يدع أحد يعلم (8) ما للجد من الميراث ثم تابعوهما على ذلك وصدقوهما.
عتق أمهات الأولاد
وعتقه أمهات الأولاد (9) فأخذ الناس بقوله وتركوا أمر رسول الله صلی الله عليه و اله.
القضاء الباطل في ثلاثة أشخاص
وما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة من سليم وبابن وبرة. (10)
البدعة في الطلاق
وأعجب من ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال: (إني طلقت امرأتي وأنا غائب
فوصل إليها الطلاق. ثم راجعتها وهي في عدتها وكتبت إليها فلم يصل الكتاب إليها
حتى تزوجت). فكتب له: (إن كان هذا الذي تزوجها قد دخل بها فهي امرأته، وإن كان لم يدخل بها فهي امرأتك)!!
وكتب له ذلك وأنا شاهد، فلم يشاورني ولم يسألني، يرى استغناءه بعلمه عني،
فأردت أن أنهاه، ثم قلت: (ما أبالي أن يفضحه الله). ثم لم يعبه الناس بل استحسنوه واتخذوه سنة وقبلوه منه ورأوه صوابا وذلك قضاء لو قضى به مجنون نحيف سخيف
لما زاد.
إسقاط أجزاء الأذان
ثم تركه من الأذان (حي على خير العمل)، فاتخذوه سنة وتابعوه على ذلك. (11)
البدعة في حكم المفقود زوجها
وقضيته في المفقود وأن (أجل امرأته أربع سنين، ثم تتزوج، فإن جاء زوجها خير
بين امرأته وبين الصداق). (12)فاستحسنه الناس واتخذوه سنة وقبلوه منه جهلا وقلة علم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه.
بدعه في الأعاجم
وإخراجه من المدينة كل أعجمي. (13)
وإرساله إلى عماله بالبصرة بحبل طوله خمسة أشبار وقوله: (من أخذتموه من
الأعاجم فبلغ طول هذا الحبل فاضربوا عنقه)!
ورده سبايا تستر وهن حبالى!!
وإرساله بحبل في صبيان سرقوا بالبصرة وقوله: (من بلغ طول هذا الحبل
فاقطعوه)!(14)
وأعجب من ذلك أن كذابا رجم بكذابة فقبلها وقبلها الجهال فزعموا أن الملك
ينطق على لسانه ويلقنه!(15)
وإعتاقه سبايا أهل اليمن. (16)
____________
1- روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنه قال: كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم. فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام. فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب فسأل الناس: من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل: أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقال: تأتيني به. فأتاه به، فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان!!
وذكر اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 149 أن ذلك كان في سنة 17.
2- أي لا يحول الناس بين عمر وفعله ذلك، بل رضوا به وقبلوه.
3- أسقط في يده أي تحير.
4- سورة الأنفال: الآية 41. والعبارة في إرشاد القلوب هكذا: وأقبل عليه السلام على من كان حوله فقال: أوليس قد ظهر لكم رأى وحملهم علينا أهل البيت من كل جانب ووجه لا يألون به إبعاد ا وتقاصيا وأخذ حقوقنا؟ أليس العجب بحبسه وصاحبه عنا...
5- (ب) و (د): ولم يعيروه فكأنما أخذ دار رجل من ترك أو كابل. روي في الغدير: ج 6 ص 262 عن طبقات ابن سعد: أنه لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دور العباس بن عبد المطلب وحجرات أمهات المؤمنين.
6- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 83 عن صحيح مسلم: أن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال عمر: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ فقال عمر: إتق الله يا عمار قال: إن شئت لم أحدث به.
7- أي من الميراث.
8- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 117 عن سنن البيهقي عن عبيدة قال: حفظت عن عمر مائة قضية في الجد قال: وقال (عمر): إني قد قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها آلو فيه عن الحق، ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لأقضين فيها بقضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها ثم إن أبا بكر أيضا حكم في الجد بقضايا مختلفة (راجع الغدير: ج 7 ص 120)، ولذلك جاء بضمير التثنية في هذا المورد.
9- قوله " عثقه أمهات الأولاد " إشارة إلى بدعة عمر حيث حكم بأن كل أمة حبلى تعتق إذا وضعت حملها.
10- إشارة إلى تغريب نصر بن الحجاج أبي ذويب من المدينة من غير ذنب. روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 286: بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة إذ سمع امرأة تهتف من خدرها:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج إلى آخر الأبيات. فقال: لا أرى معي رجلا تهتف به العواتق في خدورهن. علي بنصر بن الحجاج. فأتي به وإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا. فأمر بشعره فجز، فخرجت له وجنتان كأنهما قمر، فأمره أن يعتم، فاعتم ففتن النساء بعينيه فقال: عمر: لا والله، لا تساكنني بأرض أنا بها فقال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: هو ما أقول لك فسيره إلى البصرة. هذا وقد فعل مثل ذلك لك بابن عم لنصر بن الحجاج. راجع طبقات ابن سعد: ج 3 ص 385.
وقوله (بجعدة من سليم)، في النسخ (بجعدة بن سليم)، والصحيح ما أوردناه. روى ابن سعد في طبقاته: ج 3 ص 285: أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا فدى لك من أخي ثقة إزاري
قلائصنا - هداك الله - إنا شغلنا عنكم زمن الحصار
فما قلص وجدن معقلات قفا سلع بمختلف البحار
قلائص من بني سعد بن بكر وأسلم أو جهينة أو غفار
يعقلهن جعدة من سليم معيدا يبتغي سقط العذار
فقال (عمر): ادعوا لي جعدة من سليم. قال: فدعوا به، فجلد مائة معقولا، ونهاه أن يدخل على امرأة مغيبة. وأما قوله (بابن وبرة)، فلم أظفر على مصدر يذكر قصته.
ثم إن الأشكال في فعل عمر في الموردين من جهة أنه حكم بما لم يثبت مقتضيه، فمجرد حسن الوجه في نصر بن الحجاج لا يقتضي نفيه عن البلد ومجرد تلك الأبيات الدالة على أن الرجل كانت تفتن النساء إليه بفعاله مع عدم ثبوته بالبينة لا يوجب حد الرجل ولا تعزيره.
11- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 213 عن الطبري عن عمر أنه قال: ثلاث كن على عهد رسول الله أنا محرمهن ومعاقب عليهن: متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل في الأذان.
وروي في إثبات الهداة: ج 2 ص 371 ح 232: أن عمر ترك " حي على خير العمل " وقال: خففت أن يتكل الناس عليها ويدع غيرها. وقد روت العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قد أمر بها.
12- أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 200 ما رواه مالك أن عمر قال: (أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو، فإنها تنتظر أربع سنين. ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا ثم تحل). وأنه إن جاء زوجها وقد تزوجت خير بين امرأته وبين صداقها، فإن اختار الصداق كان على زوجها الآخر، وإن اختار امرأته اعتدت حتى تحل، ثم ترجع إلى زوجها الأول وكان لها من زوجها الآخر مهرها بما استحل من فرجها!
13- ذكر المسعودي في مروج الذهب: ج 2 ص 320: أن عمر كان لا يترك أحدا من العجم يدخل المدينة.
14- أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 171 عن ابن أبي مليكة: أن عمر كتب في غلام من أهل العراق سرق، فكتب: أن اشبروه، فإن وجدتموه ستة أشبار فاقطعوه. فشبر فوجد ستة أشبار تنقص أنملة فترك!
15- قوله (رجم بكذابة) أي ألقى كلاما كاذبا رجما بالغيب وهو ادعائه (أن الملك ينطق على لسان عمر).
راجع عن هذه المنقبة المختلقة لعمر: الغدير: ج 6 ص 331، وراجع الحديث 10 من هذا الكتاب.
16- روى الفضل بن شاذان في (الإيضاح) ص 463: أن عمر أعتق سبايا اليمن وهن حبالى من المسلمين وفرق بينهن وبين من اشتراهن.
وروى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 108: أن أبا بكر أرق سبي اليمن وبيعوا، فوطئت الفروج. فلما استخلف الثاني أعتق ذلك السبي وقال: لا أملك على عربي فأعتقهن وهن حبالى، وفرق بينهن وبين من اشتراهن. فمضين إلى بلادهن ومعهن أولاد أيضا منهن وذلك أن أبا موسى ادعى أنه أعطاهن عهدا وحلف على ذلك فردهم عمر إلى أرضهم حبالى!!
وروي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 196 عن تقريب المعارف والخصال: أن عمر قال عند موته: أتوب إلى الله من ثلاث: من ردي (عتقي) سبايا اليمن و....

معصية أبي بكر وعمر للرسول صلی الله عليه و اله واعتراضاتهما عليه!!(1)


وتخلفه وصاحبه عن جيش أسامة بن زيد مع تسليمهما عليه بالأمرة. (2)
ثم أعجب من ذلك أنه قد علم الله وعلمه الناس أنه الذي صد رسول الله صلی الله عليه و اله عن الكتف الذي دعاه به. ثم لم يضره ذلك عندهم ولم ينقصه. (3)
وإنه صاحب صفية حين قال لها ما قال. فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله حتى قال ما قال. (4)
وإنه وصاحبه اللذان كفا عن قتل الرجل الذي أمرهما رسول الله صلی الله عليه و اله بقتله، ثم أمرني بعدهما وقال النبي صلی الله عليه و اله في ذلك ما قال. (5)
وأمر النبي صلی الله عليه و اله أبا بكر ينادي في الناس: (إنه من لقي الله موحدا لا يشرك به شيئا دخل الجنة)، فرده عمر وأطاعه أبو بكر (6) وعصى رسول الله صلی الله عليه و اله فلم تنفذ أمره، فقال رسول الله صلی الله عليه و اله في ذلك ما قال.
فمساويه ومساوي صاحبه أكثر من أن تحصى أو تعد، ثم لم ينقصهم ذلك عند الجهال والعامة، وهما أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم وأنفسهم، ويبغضون لهما ما لا يبغضون لرسول الله صلى الله عليه وآله. (7)
إهانة عمر لرسول الله صلی الله عليه و اله
قال علي عليه السلام: ثم مررت بالصهاكي (8) يوما فقال لي: (ما مثل محمد إلا كمثل نخلة
نبتت في كناسة) فأتيت رسول الله صلی الله عليه و اله فذكرت له ذلك. فغضب النبي صلی الله عليه و اله وخرج مغضبا فأتى المنبر، وفزعت الأنصار فجاءت شاكة في السلاح لما رأت من غضب
رسول الله صلی الله عليه و اله فقال: ما بال أقوام يعيرونني بقرابتي؟ وقد سمعوا مني ما قلت في
فضلهم وتفضيل الله إياهم وما اختصهم الله به من إذهاب الرجس عنهم وتطهير الله
إياهم، وقد سمعتم ما قلت في أفضل أهل بيتي وخيرهم مما خصه الله به وأكرمه
وفضله من سبقه في الإسلام وبلاؤه فيه وقرابته مني وأنه بمنزلة هارون من موسى، ثم تزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة؟
ألا إن الله خلق خلقه ففرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين. ثم فرق الفرقة
ثلاث فرق، شعوبا وقبائل وبيوتا وجعلني في خيرها شعبا وخيرها قبيلة. ثم جعلهم
بيوتا فجعلني في خيرها بيتا، فذلك قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا) (9)، فحصلت (10) في أهل بيتي وعترتي وأنا وأخي علي بن
أبي طالب.
ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم، ثم نظر نظرة فاختار أخي عليا ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي. فبعثني رسولا ونبيا
ودليلا، فأوحى إلي أن أتخذ عليا أخا ووليا ووصيا وخليفة في أمتي بعدي.
ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله ومن أحبه
أحبه الله ومن أبغضه أبغضه الله. لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. رب الأرض
بعدي وسكنها وهو كلمة الله التقوى وعروة الله الوثقى.
أتريدون أن تطفؤوا نور الله بأفواهكم؟ والله متم نوره ولو كره المشركون. ويريد
أعداء الله أن يطفؤوا نور أخي، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
يا أيها الناس، ليبلغ مقالتي شاهدكم غائبكم. اللهم اشهد عليهم.
يا أيها الناس، إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار منهم بعدي اثني عشر وصيا من أهل بيتي
وهم خيار أمتي منهم أحد عشر إماما بعد أخي واحدا بعد واحد كلما هلك واحد قام واحد منهم. مثلهم كمثل النجوم في السماء كلما غاب نجم طلع نجم لأنهم أئمة هداة مهتدون، لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم بل يضر الله بذلك من كادهم وخذلهم.
فهم حجة الله في أرضه وشهداءه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم
عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي.
أول الأئمة أخي علي خيرهم، ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين، وأمهم
ابنتي فاطمة، صلوات الله عليهم. ثم من بعدهم (11) جعفر بن أبي طالب ابن عمي وأخو
أخي، وعمي حمزة بن عبد المطلب.
ألا إني محمد بن عبد الله. أنا خير المرسلين والنبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل
الجنة، وعلي وبنوه الأوصياء خير الوصيين، وأهل بيتي خير أهل بيوتات النبيين
وابناي سيدا شباب أهل الجنة.
أيها الناس، إن شفاعتي ليرجوها رجاءكم، أفيعجز عنها أهل بيتي؟ ما من أحد ولده
جدي عبد المطلب يلقى الله موحدا لا يشرك به شيئا إلا أدخله الجنة ولو كان فيه من الذنوب عدد الحصى وزبد البحر.
أيها الناس، عظموا أهل بيتي في حياتي ومن بعدي وأكرموهم وفضلوهم، فإنه
لا يحل لأحد أن يقوم من مجلسه لأحد إلا لأهل بيتي. إني لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي ربي تبارك وتعالى فسجدت وأذن لي بالشفاعة، لم أوثر على أهل بيتي أحدا.
أيها الناس، انسبوني من أنا؟ فقام إليه رجل من الأنصار فقال: نعوذ بالله من غضب
الله ومن غضب رسوله، أخبرنا - يا رسول الله - من الذي آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه وليبر عترته. فقال: انسبوني، أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن
هاشم حتى انتسب إلى نزار، ثم مضى في نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله (12)، ثم قال: إني وأهل بيتي بطينة طيبة من تحت العرش إلى آدم نكاح غير سفاح لم يخالطنا نكاح الجاهلية.
تحدي الرسول صلی الله عليه و اله لهم في أنسابهم وآخرتهم
فسلوني، فوالله لا يسألني رجل عن أبيه وعن أمه وعن نسبه إلا أخبرته به.
فقام إليه رجل فقال: من أبي؟ فقال صلی الله عليه و اله: أبوك فلان الذي تدعى إليه. فحمد الله
وأثنى عليه وقال: لو نسبتني إلى غيره لرضيت وسلمت. ثم قام إليه رجل آخر فقال له:
من أبي؟ فقال: أبوك فلان - لغير أبيه الذي يدعى إليه - فارتد عن الإسلام. ثم قام إليه رجل آخر فقال: أمن أهل الجنة أنا أم من أهل النار؟ فقال: من أهل الجنة. ثم قام رجل آخر فقال: أمن أهل الجنة أنا أم من أهل النار؟ فقال: من أهل النار.
اعتراض عمر بإهانته لساحة رسول الله صلی الله عليه و اله القدسية
ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله - وهو مغضب -: ما يمنع الذي عير أفضل أهل بيتي وأخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي أن يقوم فيسألني
من أبوه وأين هو، أفي الجنة أم في النار؟
فقام إليه عمر بن الخطاب فقال(13): أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، أعف عنا
يا رسول الله عفا الله عنك، أقلنا أقالك الله، استرنا سترك الله، اصفح عنا صلى الله عليك.
فاستحى رسول الله صلی الله عليه و اله فكف.
اعتراض عمر على رسول الله صلی الله عليه و اله في زكاة أموال العباس
قال علي عليه السلام: وهو صاحب العباس الذي بعثه رسول الله صلی الله عليه و اله ساعيا فرجع وقال: إن العباس قد منع صدقة ماله. فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله وقال: (الحمد لله الذي عافانا أهل البيت من شر ما يلطخونا به. إن العباس لم يمنع صدقة ماله ولكنك عجلت عليه
وقد عجل زكاة سنين. ثم أتاني بعد ذلك يطلب أن أمشي معه إلى رسول الله صلی الله عليه و اله شافعا ليرضى عنه، ففعلت.
اعتراض عمر على رسول الله صلی الله عليه و اله في الصلاة على جنازة المنافق
وهو صاحب عبد الله بن أبي سلول حين تقدم رسول الله صلی الله عليه و اله ليصلي عليه فأخذ بثوبه من ورائه فمده إليه من خلفه وقال: (قد نهاك الله أن تصلي عليه ولا يحل لك
أن تصلي عليه) فقال له رسول الله صلی الله عليه و اله: ويلك، قد آذيتني إنما صليت عليه كرامة
لابنه، وإني لأرجو أن يسلم به سبعون رجلا من بني أبيه وأهل بيته. وما يدريك ما
قلت، إنما دعوت الله عليه. (14)
اعتراض عمر على رسول الله صلی الله عليه و اله في صلح الحديبية
وهو صاحب رسول الله صلی الله عليه و اله يوم الحديبية (15) - حين كتب القضية - إذ قال له: أنعطي
اعتراض عمر يوم غدير خم
وهو صاحب يوم غدير خم إذ قال هو وصاحبه - حين نصبني رسول الله صلی الله عليه و اله
لولايتي - فقال: (ما يألو أن يرفع خسيسته) وقال الآخر: (ما يألو رفعا بضبع ابن عمه) وقال لصاحبه - وأنا منصوب -: (إن هذه لهي الكرامة). فقطب صاحبه في وجهه وقال: لا والله لا أسمع له ولا أطيع أبدا ثم اتكأ عليه ثم تمطى وانصرفا، فأنزل الله فيه: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى، أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى) (16)، وعيدا من الله له وانتهارا.
اعتراض عمر في مرض علي صلی الله عليه و اله واستهزاءه
وهو الذي دخل علي مع رسول الله صلی الله عليه و اله يعودني في رهط من أصحابه، حين غمزه صاحبه فقام وقال: يا رسول الله، إنك قد كنت عهدت إلينا في علي عهدا وإني لأراه لما به فإن هلك فإلى من؟ فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: إجلس، فأعادها ثلاث مرات، فأقبل عليهما رسول الله صلی الله عليه و اله فقال: إيه، والله إنه لا يموت في مرضه هذا. والله لا يموت حتى تملياه غيظا وتوسعاه غدرا وظلما، ثم تجداه صابرا قواما. ولا يموت حتى يلقى منكما هنات وهنات، ولا يموت إلا شهيدا مقتولا.
____________
1- قد أورد في إثبات الهداة: ج 2 ص 325 موارد كثيرة من اعتراضات عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله.
2- روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 245 بطرق كثيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة. فدعا أسامة بن زيد وولاه الجيش وأعطاه الراية ولعن المتخلف عن جيش أسامة وكان ممن نص على أسمائهم أبو بكر وعمر. فرجعا ودخلا المدينة ليلة وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. وتهيئوا لغصب الخلافة وما في سقيفة بني ساعدة. وقال صلى الله عليه وآله في تلك الليلة: (دخل المدينة الليلة شر عظيم).
3- راجع عن قصة الكتف: الحديث 11 و 49.
4- روى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 200 ب 19 ح 3 عن أبي جعفر عليه السلام: إن صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت فقال لها عمر: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله لا تنفعك شيئا فقالت له: هل رأيت لي قرطا يا بن اللخناء؟ ثم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بذلك فبكت.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع... وجاء مثله في مجمع الزوائد: ج 8 ص 216.
5- أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 7 ص 216 عن أبي سعيد الخدري: أن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إذهب إليه فاقتله. قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله، فجاء إلى رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وآله لعمر: إذهب إليه فاقتله. قال: فذهب عمر فرآه على تلك الحالة التي رآه أبو بكر، فكره أن يقتله. فرجع فقال: يا رسول الله، إني رأيته متخشعا فكرهت أن أقتله. فقال: يا علي، إذهب فاقتله. فذهب علي عليه السلام فلم يره. فرجع فقال: يا رسول الله، إني لم أره. فقال النبي صلى الله عليه وآله: (إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم، هم شر البرية). وروي مثله في البحار: ج 8 طبع قديم ص 229 و 270.
6- أي رد عمر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وأطاع أبو بكر قول عمر. روى ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج 3 ص 108 أن أبا هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إذهب فمن لقيته وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة. فخرجت فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هذا؟... فضرب عمر في صدري فخررت لأستي وقال: إرجع إلى رسول الله فأجهشت بالبكاء راجعا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بالك؟ فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا عمر، فقال: ما حملك يا عمر على فعلت؟
7- زاد في إرشاد القلوب: ويتورعون ذكرهما بسوء ما لا يتورعون عن ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله.
8- المراد بالصهاكي عمر بن الخطاب باعتبار أمه الصهاك الحبشية. راجع الحديث 4 من هذا الكتاب.
9- سورة الأحزاب: الآية 33.
10- أي فحصلت هذه الآية في هذه الأشخاص.
11- أي ثم من بعدهم في الفضل.
12- روي في البحار: ج 15 ص 107 نسب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى آدم عليه السلام هكذا: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن خزيمة بن مدركة بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت حمل بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروغ بن هود بن أرفخشذ بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لمك بن إدريس بن مهلائيل بن زبارز بن قينان بن أنوش بن شيث وهو هبة الله بن آدم.
١- في الفضائل: فعند ذلك خشي الثاني على نفسه أن يذكره رسول الله صلى الله عليه وآله ويفضحه بين الناس، فقام وقال:
نعوذ بالله...
13- روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 200 أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع إلى المدينة مرض عبد الله بن أبي (وكان من المنافقين) وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمنا. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وأبوه يجود بنفسه فقال:
يا رسول الله بأبي أنت وأمي، إنك لم تأت أبي عائدا كان ذلك عارا علينا. فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله والمنافقون عنده، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله: يا رسول الله، استغفر الله له. فاستغفر له. فقال عمر:
ألم ينهك الله - يا رسول الله - أن تصلي عليهم أو تستغفر لهم؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، وأعاد عليه، فقال له: ويلك، إني خيرت فاخترت. إن الله يقول: " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ".
فلما مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن رأيت أن تحضر جنازته؟ فحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وقام على قبره؟ فقال له عمر: يا رسول الله، ألم ينهك الله أن تصلي على أحد منهم مات أبدا وأن تقوم على قبره؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ويلك وهل تدري ما قلت؟ إنما قلت:
" اللهم احش قبره نارا وجوفه نارا وأصله النار ". فبدا من رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم يكن يحب.
14- روي في البحار: ج 2 ص 334 عند ذكر كتاب الصلح الذي تصالح عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسهيل بن عمرو من جملة ما كتبوه أن سهيلا قال: (على أن لا يأتيك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا، ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك). فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من جاءهم منا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم، فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا)...
فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: يا محمد، هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده... قال أبو جندل بن سهيل: معاشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت. وكان قد عذب عذابا شديدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم.
الدنية في ديننا؟ ثم جعل يطوف في عسكر رسول الله صلی الله عليه و اله يشككهم ويحضضهم ويقول: (أنعطي الدنية في ديننا)؟ فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: (أفرجوا عني، أتريدون أن أغدر بذمتي؟ ولأفي لهم بما كتبت لهم، خذ يا سهيل بيد أبي جندل). فأخذه فشده وثاقا في الحديد. ثم جعل الله عاقبة أمر رسول الله صلی الله عليه و اله إلى الخير والرشد والهدى والعزة والفضل.
15- سورة القيامة: الآيات 31 - 35.

إتمام الحجة على أبي بكر وعمر وعثمان في خلافة علي عليه السلام


وأعظم من ذلك كله أن رسول الله صلی الله عليه و اله جمع ثمانين رجلا، أربعين من العرب
وأربعين من العجم - وهما فيهم - فسلموا علي بإمرة المؤمنين. ثم قال: (إني أشهدكم أن عليا أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي ووصيي في أهلي وولي كل مؤمن بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا)، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل ورهط من الأنصار. ثم قال:(إني أشهد الله عليكم).
الانتخاب أو الانتصاب أو الشورى
ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال: سبحان الله، مما أشربت قلوب هذه الأمة من بليتهما وفتنتهما، من عجلها وسامريها. إنهم أقروا وادعوا أن رسول الله صلی الله عليه و اله لم يستخلف أحدا وأنه أمر بالشورى وقال من قال: (إن رسول الله صلی الله عليه و اله لم يستخلف أحدا وإن نبي الله قال: (إن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت بين النبوة والخلافة)، وقد قال لأولئك الثمانين رجلا: (سلموا على لي عليه السلام بإمرة المؤمنين) وأشهدهم على ما أشهدهم عليه.
والعجب أنهم أقروا ثم ادعوا أن رسول الله صلی الله عليه و اله لم يستخلف أحدا وأنهم أمروا بالشورى، ثم أقروا أنهم لم يشاوروا في أبي بكر وأن بيعته كانت فلتة. وأي ذنب أعظم من الفلتة.
ثم استخلف أبو بكر عمر ولم يقتد برسول الله صلی الله عليه و اله فيدعهم بغير استخلاف فقيل له
في ذلك، فقال: (أدع أمة محمد كالنعل الخلق، أدعهم بغير أحد أستخلف عليهم)؟
طعنا منه على رسول الله صلی الله عليه و اله ورغبة عن رأيه!!
ثم صنع عمر شيئا ثالثا. لم يدعهم على ما ادعى أن رسول الله صلی الله عليه و اله لم يستخلف
ولا استخلف كما استخلف أبو بكر، وجاء بشئ ثالث وجعلها شورى بين ستة نفر
وأخرج منها جميع العرب. ثم حظى بذلك عند العامة، فجعلهم مع ما أشربت قلوبهم
من الفتنة والضلالة أقراني!
ثم بايع ابن عوف عثمان فبايعوه، وقد سمعوا من رسول الله صلی الله عليه و اله في عثمان ما
قد سمعوا من لعنه إياه في غير موطن. (1)
أبو بكر وعمر أسوء حالا من عثمان
فعثمان على ما كان عليه خير منهما.
ولقد قال منذ أيام قولا رققت له وأعجبتني مقالته. بينما أنا قاعد عنده في بيته إذ أتته عائشة وحفصة تطلبان ميراثهما من ضياع رسول الله صلی الله عليه و اله وأمواله التي بيده، فقال:
(لا والله ولا كرامة لكما ولا نعمت عنه ولكن أجيز شهادتكما على أنفسكما. فإنكما شهدتما عند أبويكما أنكما سمعتما من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (النبي لا يورث، ما ترك فهو صدقة). ثم لقنتما أعرابيا جلفا يبول على عقبيه ويتطهر ببوله (مالك بن أوس بن الحدثان) فشهد معكما، ولم يكن في أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله من المهاجرين ولا من الأنصار أحد شهد بذلك غيركما وغير أعرابي. أما والله، ما أشك أنه قد كذب على رسول الله صلی الله عليه و اله وكذبتما عليه معه. ولكني أجيز شهادتكما على أنفسكما فاذهبا فلا حق لكما.
فانصرفتا من عنده تلعنانه وتشتمانه. فقال: ارجعا، أليس قد شهدتما بذلك عند
أبي بكر؟ قالتا: نعم. قال: فإن شهدتما بحق فلا حق لكما، وإن كنتما شهدتما بباطل فعليكما وعلى من أجاز شهادتكما على أهل هذا البيت لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
قال عليه السلام: ثم نظر إلي فتبسم ثم قال: يا أبا الحسن، أشفيتك منهما؟ قلت: نعم، والله وأبلغت وقلت حقا، فلا يرغم الله إلا آنافهما.
فرققت لعثمان وعلمت أنه إنما أراد بذلك رضاي وأنه أقرب منهما رحما وأكف عنا منهما، ح وإن كان لا عذر له ولا حجة بتأميره علينا وادعائه حقنا.
____________
١- راجع عن لعن عثمان: الحديث 4 من هذا الكتاب.

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

من احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام حول أبي بكر وعمر وعثمان


وصف رجال الحرب
أبان عن سليم، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول قبل وقعة صفين:
إن هؤلاء القوم لن ينيبوا إلى الحق ولا إلى كلمة سواء بيننا وبينهم حتى يرموا
بالعساكر تتبعها العساكر، وحتى يردفوا بالكتائب تتبعها الكتائب، وحتى يجر ببلادهم الخميس تتبعها الخميس، وحتى تشن الغارات عليهم من كل فج عميق، وحتى
يلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله.
الصحبة الصادقون مع رسول الله صلی الله عليه و اله
والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلی الله عليه و اله نقتل آبائنا وأبنائنا وأخوالنا وأعمامنا وأهل بيوتاتنا،
ثم لا يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما وجدا في طاعة الله واستقلالا بمبارزة الأقران. وإن كان الرجل منا والرجل من عدونا ليتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما
أيهما يسقي صاحبه كأس الموت. فمرة لنا من عدونا ومره لعدونا منا. فلما رآنا الله
صدقا وصبرا أنزل الكتاب بحسن الثناء علينا والرضا عنا وأنزل علينا النصر.
فرار أبي بكر وعمر في الحروب وسوء أدبهما عند الصلح
ولست أقول: إن كل من كان مع رسول الله صلی الله عليه و اله كذلك، ولكن أعظمهم وجلهم وعامتهم كانوا كذلك. ولقد كانت معنا بطانة لا تألونا خبالا. قال الله عز وجل: (قد بدت
البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر "(1).
ولقد كان منهم بعض من تفضله أنت وأصحابك - يا ابن قيس - فارين، فلا رمى
بسهم ولا ضرب بسيف ولا طعن برمح(2). إذا كان الموت والنزال لاذ وتوارى واعتل،
ولاذ كما تلوذ النعجة العوراء لا تدفع يد لامس، وإذا لقي العدو فر ومنح العدو دبره
جبنا ولؤما (3)، وإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم، كما قال الله: " سلقوكم بألسنة حداد والله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته. فانهزم عنه عمر ومر نحوه ضرار وضرب بالقناة على رأسه، ثم قال: احفظها يا عمر، فإني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه. فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولي، وولاه!!
وروي في البحار: ج 21 ص 11 ح 7 عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سعد بن معاذ براية الأنصار إلى خيبر فرجع منهزما. ثم بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين فأتي بسعد جريحا، وجاء عمر يجبن أصحابه ويجبنونه.
أشحة على الخير). (4)
فلا يزال قد استأذن رسول الله صلی الله عليه و اله في ضرب عنق الرجل الذي ليس يريد
رسول الله صلی الله عليه و اله قتله، فأبى عليه. (5)ولقد نظر رسول الله صلی الله عليه و اله يوما وعليه السلاح تام، فضحك رسول الله صلی الله عليه و اله ثم قال - يكنيه -: (أبا فلان، اليوم يومك)!!
فقال الأشعث: ما أعلمني بمن تعني إن ذلك يفر منه الشيطان (6) قال عليه السلام:
يا بن قيس، لا آمن الله روعة الشيطان إذ قال!
إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن عاقبة أمر أصحابه
ثم قال: ولو كنا - حين كنا مع رسول الله صلی الله عليه و اله وتصيبنا الشدائد والأذى والبأس - فعلنا كما تفعلون اليوم لما قام لله دين ولا أعز الله الإسلام. وأيم الله لتحتلبنها دما وندما وحسرة، فاحفظوا ما أقول لكم واذكروه. فليسلطن عليكم شراركم والأدعياء منكم والطلقاء والطرداء والمنافقون، فليقتلنكم ثم لتدعن الله فلا يستجيب لكم ولا يرفع البلاء عنكم حتى تتوبوا وترجعوا فإن تتوبوا وترجعوا يستنقذكم الله من فتنتهم وضلالتهم كما استنقذكم من شركم وجهالتكم.
التعجب من استخلاف أبي بكر وعمر وعثمان على الأمة!!
ألا إن العجب كل العجب من جهال هذه الأمة وضلالها وقادتها وساقتها إلى النار
لأنهم قد سمعوا رسول الله صلی الله عليه و اله يقول عودا وبدءا: (ما ولت أمة رجلا قط أمرها وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا)، فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن ولا يدعي أن له علما بكتاب الله ولا سنة نبيه.
وقد علموا يقينا أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله،وأقضاهم بحكم الله.
وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلی الله عليه و اله ولا عناء معه في جميع مشاهده، فلا رمى بسهم ولا طعن برمح ولا ضرب بسيف جبنا ولؤما ورغبة في البقاء.
وقد علموا أن رسول الله صلی الله عليه و اله قاتل بنفسه فقتل أبي بن خلف وقتل مسجع بن
عوف. (7)وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء وأحقهم بذلك. (8)
وقد علموا يقينا أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح
الحصون غيري، ولا نزلت برسول الله صلی الله عليه و اله شديدة قط ولا كربة أمر ولا ضيق ومستصعب من الأمر إلا قال: (أين أخي علي، أين سيفي، أين رمحي، أين المفرج
غمي عن وجهي)، فيقدمني، فأتقدم فأفديه بنفسي ويكشف الله بيدي الكرب عن
وجهه. ولله عز وجل ولرسوله بذلك المن والطول حيث خصني بذلك ووفقني له.
لم يكن لأبي بكر وعمر أي سابقة في الدين
وإن بعض من سميت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن ولا فتح ولا نصر غير
مرة واحدة، ثم فر ومنح عدوه دبره ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه وقد فر مرارا!(9)
فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وتغير وأمر ونهى.
ولقد نادى ابن عبد ود - يوم الخندق - باسمه، فحاد عنه ولاذ بأصحابه (10) حتى تبسم رسول الله صلی الله عليه و اله مما رآى به من الرعب وقال صلی الله عليه و اله: (أين حبيبي علي؟ تقدم يا حبيبي يا علي).
عبادتهما الأصنام بعد الإسلام!!
وهو القائل يوم الخندق لأصحابه الأربعة - أصحاب الكتاب والرأي -: (والله إن
ندفع محمدا إليهم برمته نسلم من ذلك، حين جاء العدو من فوقنا ومن تحتنا) كما قال
الله تعالى: (وزلزلوا زلزالا شديدا)، (وظنوا بالله الظنونا)، (وقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). (11)فقال له صاحبه: (لا، ولكن نتخذ
صنما عظيما نعبده لأنا لا نأمن أن يظفر ابن أبي كبشة فيكون هلاكنا ولكن يكون هذا الصنم لنا ذخرا فإن ظفرت قريش أظهرنا عبادة هذا الصنم (12) وأعلمناهم أنا لن نفارق
ديننا، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنا مقيمين على عباد ة هذا الصنم سرا).
فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبر النبي صلی الله عليه و اله بذلك، ثم خبر به رسول الله صلی الله عليه و اله بعد قتلي
ابن عبد ود. فدعاهما فقال: (كم صنم عبدتما في الجاهلية)؟ فقالا: يا محمد، لا تعيرنا
بما مضى في الجاهلية. فقال صلی الله عليه و اله لهما: (فكم صنم تعبدان يومكما هذا)؟ فقالا: والذي بعثك بالحق نبيا ما نعبد إلا الله منذ أظهرنا من دينك ما أظهرنا.
فقال: يا علي، خذ هذا السيف، فانطلق إلى موضع كذا وكذا فاستخرج الصنم الذي يعبدانه فاهشمه. فإن حال بينك وبينه أحد فاضرب عنقه.
فانكبا على رسول الله صلی الله عليه و اله فقالا: استرنا سترك الله. فقلت أنا لهما: (اضمنا لله
ولرسوله أن لا تعبدا إلا الله ولا تشركا به شيئا). فعاهدا رسول الله صلی الله عليه و اله على ذلك.
وانطلقت حتى استخرجت الصنم من موضعه وكسرت وجهه ويديه وجذمت رجليه، ثم انصرفت إلى رسول الله صلی الله عليه و اله. فوالله لقد عرفت ذلك في وجههما علي حتى ماتا!
مخاصمة أبي بكر وعمر للأنصار بحجة علي عليه السلام
ثم انطلق هو وأصحابه - حين قبض رسول الله صلی الله عليه و اله - فخاصموا الأنصار بحقي. فإن كانوا صدقوا واحتجوا بحق (أنهم أولى من الأنصار لأنهم من قريش ورسول الله صلی الله عليه و اله من قريش)، فمن كان أولى برسول الله صلی الله عليه و اله كان أولى بالأمر، وإنما ظلموني حقي، وإن كانوا احتجوا بباطل فقد ظلموا الأنصار حقهم، والله يحكم بيننا وبين من ظلمنا حقنا وحمل الناس على رقابنا.
ابتلاء الأمة بحب مضليها وقصورها عن لعنهم
والعجب لما قد أشربت قلوب هذه الأمة من حبهم وحب من صدهم عن سبيل
ربهم وردهم عن دينهم!
والله، لو أن هذه الأمة قامت على أرجلها على التراب ووضعت الرماد على رؤوسها وتضرعت إلى الله ودعت إلى يوم القيامة على من أضلهم وصدهم عن سبيل الله ودعاهم إلى النار وعرضهم لسخط ربهم وأوجب عليهم عذابه - بما أجرموا إليهم - لكانوا مقصرين في ذلك.
ما منع أمير المؤمنين عليه السلام عن إعلان الحقائق
وذلك أن المحق الصادق والعالم بالله ورسوله يتخوف إن غير شيئا من بدعهم
وسننهم وأحداثهم، وعادته العامة، ومتى فعل شاقوه وخالفوه وتبرؤا منه وخذلوه
وتفرقوا عن حقه، وإن أخذ ببدعهم وأقر بها وزينها ودان بها أحبته وشرفته وفضلته.
والله لو ناديت في عسكري هذا بالحق الذي أنزل الله على نبيه وأظهرته ودعوت إليه وشرحته وفسرته - على ما سمعت من نبي الله صلی الله عليه و اله فيه - ما بقي فيه إلا أقله وأذله وأرذله ولاستوحشوا منه ولتفرقوا عني.
ولولا ما عاهد رسول الله صلی الله عليه و اله إلي وسمعته منه وتقدم إلي فيه لفعلت، ولكن
رسول الله صلی الله عليه و اله قد قال: (يا أخي، كل ما اضطر إليه العبد فقد أحله الله له وأباحه إياه)، وسمعته يقول: (إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له). ثم أقبل عليه السلام علي فقال:
أدفعهم بالراح دفعا عني ثلثان من حي وثلث مني
فإن عوضني ربي فأعذرني
ابتلاء أمير المؤمنين عليه السلام بأخابث الناس
وقال علي عليه السلام للحكمين - حين بعثهما -: (أحكما بكتاب الله وسنة نبيه وإن كان
فيهما حز حلقي، فإنه من قادها إلى هؤلاء فإن نيتهم أخبثت).
فقال له رجل من الأنصار: ما هذا الانتشار الذي بلغني عنك؟ ما كان أحد من الأمة
أضبط للأمر منك، فما هذا الاختلاف والانتشار؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا صاحبك الذي تعرف، إلا أني قد بليت بأخابث من خلق الله، أريدهم على الأمر
فيأبون، فإن تابعتهم على ما يريدون تفرقوا عني!
____________
1- روي في البحار: ج 18 ص 68 و 69 و 74 و 95: أن أبي بن خلف قال للنبي صلى الله عليه وآله بمكة: إني أعلف العوراء - يعني فرسا له - أقتلك عليه . فقال رسول الله صلى الله عليه
2- سورة آل عمران: الآية 118. وقوله " لا تألونا خبالا " أي لا تقصرون في فساد الأمور.
3- روي في البحار: ج 29 ص 564 خطبة أمير المؤمنين عليه السلام الذي قال فيه:
يا معشر المجاهدين المهاجرين والأنصار أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة؟ إلا كانت يوم الأبواء إذ تكاثفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ود وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه؟ ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط إذ اسود لون الأفق، وأعوج عظم العنق، وانحل سيل الغرق؟ ولم لم يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير، والمنايا تسير، والأسد تزأر؟ وهلا بادرا يوم العشيرة إذ الأسنان تصطك، والأذان تستك، والدروع تهتك؟ وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد بالصناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي؟ ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية، والرعابيب ترعب، والأوداج تشخب، والصدور تخضب؟ أم هلا بادرا يوم ذات الليوث، وقد أبيح المتولب، واصطلم الشقب، وادلهم الكوكب؟ ولم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الكدر، والعيون تدمع، والمنية تلمع، والصفائح تنزع.
ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه وآله كلها على هذا النسق، وقرعهما بأنهما في هذه المواقف كلها كانا من النظارة والخوالف والقاعدين، فكيف بادرا الفتنة بزعمهما يوم السقيفة وقد توطأ الإسلام بسيفه، واستقر قراره، وزال حذاره.
4- روي في البحار: ج 20 ص 228: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عمر بن الخطاب في يوم الخندق أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما. فقال ضرار: ويلك يا بن صهاك، أرمي في مبارزة؟
5- سورة الأحزاب: الآية 19.
6- روي في البحار: ج 19 ص 271 عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لما كان يوم بدر وأسرت الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما ترون في هؤلاء القوم؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، هم الذين كذبوك وأخرجوك فاقتلهم!!
وروي في البحار: ج 21 ص 94 و 121، وصحيح البخاري: ج 5 ص 9، و ج 8 ص 54، والكشاف للزمخشري: ج 4 ص 511، وتاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 58:
أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتجهز لفتح مكة، فأتى حاطب بن أبي بلتعة إلى سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام وهي تريد مكة، فكتب معها كتابا إلى أهل مكة... وكتب في الكتاب: (من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم). فخرجت سارة.
ونزل جبرئيل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله بما فعل. فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام... فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب؟ قال: نعم. قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ صحبتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت عزيزا فيهم - أي غريبا - وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أ ن أتخذ عندهم يدا. وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا. فصدقه رسول الله صلى الله عليه وآله وعذره.
فقام عمر بن الخطاب وقال: دعني - يا رسول الله - أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (وما يدريك يا عمر، لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
وروي في البحار: ج 21 ص 103 عند ذكر فتح مكة أنه لما أجار العباس أبا سفيان وأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله دخل عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه!
وروي في البحار: ج 19 ص 241 و 271 و 277 و 281، ج 21 ص 158 و 173، ودلائل النبوة للبيهقي: ج 3 ص 140: أن ابن الأكوع كان عينا على النبي صلى الله عليه وآله أيام الفتح وأسر يوم حنين. فمر به عمر بن الخطاب، فلما رآه أقبل على رجل من الأنصار وقال: هذا عدو الله الذي كان علينا عينا، ها هو أسير فاقتله. فضرب الأنصاري عنقه، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فكره ذلك وقال: ألم آمركم أن لا تقتلوا أسيرا؟ وقتل بعده جميل بن معمر بن زهير وهو أسير، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الأنصار وهو مغضب فقال: ما حملكم على قتله وقد جاءكم الرسول أن لا تقتلوا أسيرا؟ فقالوا: إنما قتلناه بقول عمر. فأعرض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى كلمه عمير بن وهب في الصفح عن ذلك.
وروي في صحيح البخاري: ج 8 ص 52: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم جاء عبد الله التميمي من ذي الخويصرة فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن الخطاب:
دعني أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله: دعه.
7- يريد بذلك عمر، وقد اختلقوا له حديثا: (إن الشيطان يفر منه). راجع الغدير: ج 5 ص 311 و ج 8 ص 64 و 94. وراجع الحديث 10 من هذا الكتاب.
آله: لكن أنا إن شاء الله. فلقي يوم أحد، فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وآله الحربة من الحارث بن الصمة، فمشى إليه فطعن وانصرف. فرجع إلى قريش وهو يقول:
قتلني محمد. قالوا: ما بك بأس قال: إنه قال لي بمكة: (إني أقتلك) ولو بصق علي لقتلني. فمات بشرف. وقصة مسجع لم أعثر عليه.
8- في البحار: ج 16 ص 117: ومن أسمائه صلى الله عليه وآله (القتال)، (سيفه على عاتقه)، سمي بذلك لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القراع ودؤوبه في ذات الله وعدم إحجامه. ولذلك قال علي عليه السلام: (كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن أحد أقرب إلى العدو منه). وذلك مشهور من فعله يوم أحد إذ ذهب القوم في سمع الأرض وبصرها، ويوم حنين إذ ولوا مدبرين.
9- روي في البحار: ج 20 ص 107 ح 24: أنه لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وآله انصرف إليهم بوجهه وهو يقول: (أنا محمد...). فالتفت إليه أبو بكر وعمر فقالا: الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا وأورد في البحار: ج 21 ص 70 انهزامهما في غزوة ذات السلاسل.
10- روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 336: إن عمرو بن عبد ود رآى بيد عمر بن الخطاب (يوم الخندق) قوسا فقال: يا بن صهاك، واللات لئن نقل عن يدك سهم لأقطعنها فتناثر النبل من يده ورجع القهقرى.
11- سورة الأحزاب: الآيات 10 و 11 و 12، وفي المصحف هكذا: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا).
12- قد أورد قصة عبادتهما للصنم المرندي في (مجمع النورين): ص 229 عن كتاب المحتضر.

نبوءات نبي الله عيسى عليه السلام عن الرسول والأئمة عليهم السلام والأئمة المضلين


أبان عن سليم: قال: أقبلنا من صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام، فنزل العسكر قريبا من
دير نصراني. فخرج إلينا من الدير شيخ كبير جميل حسن الوجه حسن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يده، حتى أتى أمير المؤمنين عليه السلام فسلم عليه بالخلافة. فقال له علي عليه السلام: مرحبا يا أخي شمعون بن حمون، كيف حالك رحمك الله؟
فقال: بخير يا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووصي رسول رب العالمين. إني من
نسل رجل من حواري أخيك عيسى بن مريم عليه السلام، وأنا من نسل شمعون بن يوحنا
وصي عيسى بن مريم. وكان من أفضل حواري عيسى بن مريم عليه السلام الاثني عشر
وأحبهم إليه وآثرهم عنده وإليه أوصى عيسى بن مريم عليه السلام وإليه دفع كتبه وعلمه وحكمته، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين بملته فلم يكفروا ولم يبدلوا
ولم يغيروا.
النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام في كتب عيسى عليه السلام
وتلك الكتب عندي إملاء عيسى بن مريم وخط أبينا بيده، وفيها كل شئ يفعل
الناس من بعده ملك ملك، وكم يملك وما يكون في زمان كل ملك منهم، حتى يبعث
الله رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن من أرض تدعى
(تهامة) من قرية يقال لها (مكة)، يقال له (أحمد)، الأنجل العينين، المقرون
الحاجبين، صاحب الناقة والحمار والقضيب والتاج - يعني العمامة - له اثنا عشر اسما.
ثم ذكر مبعثه ومولده وهجرته ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه وكم يعيش وما
تلقى أمته من بعده من الفرقة والاختلاف.
وفيه تسمية كل إمام هدى وإمام ضلالة إلى أن ينزل الله عيسى بن مريم من السماء.
فذكر في الكتاب ثلاثة عشر رجلا (1) من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، هم خير
من خلق الله وأحب من خلق الله إلى الله. وإن الله ولي من والاهم وعدو من عاداهم. من أطاعهم اهتدى ومن عصاهم ضل. طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية.
مكتوبة فيه أسمائهم وأنسابهم ونعتهم وكم يعيش كل رجل منهم واحدا بعد
واحد، وكم رجل منهم يستسر بدينه ويكتمه من قومه، ومن يظهر منهم ومن يملك وينقاد له الناس حتى ينزل الله عيسى بن مريم عليه السلام على آخرهم. فيصلي عيسى خلفه ويقول: (إنكم أئمة لا ينبغي لأحد ن يتقدمكم)، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه
في الصف الأول. أولهم أفضلهم، وآخرهم له مثل أجورهم وأجور من أطاعهم
واهتدى بهداهم.
نص ما في كتب عيسى عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد رسول الله واسمه محمد وياسين وطه ون والفاتح
والخاتم والحاشر والعاقب والماحي، وهو نبي الله وخليل الله وحبيب الله وصفيه
وأمينه وخيرته. يرى تقلبه في الساجدين - يعني في أصلاب النبيين - ويكلمه برحمته فيذكر إذا ذكر. وهو أكرم خلق الله على الله وأحبهم إلى الله، لم يخلق الله خلقا - ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، من آدم فمن سواه - خيرا عند الله ولا أحب إلى الله منه، يقعده الله يوم القيامة على عرشه ويشفعه في كل من شفع فيه. وباسمه جرى القلم في اللوح المحفوظ في أم الكتاب وبذكره، محمد رسول الله.
ثم أخوه صاحب اللواء يوم القيامة يوم الحشر الأكبر، وأخوه ووصيه ووزيره،
وخليفته في أمته، وأحب خلق الله إلى الله بعده علي بن أبي طالب ولي كل مؤمن بعده.
ثم أحد عشر إماما من ولد أول الاثني عشر، اثنان سميا ابني هارون شبر وشبير وتسعة
من ولد أصغرهما وهو الحسين، واحدا بعد واحد، آخرهم الذي يصلي عيسى بن
مريم خلفه). (2)
فيه تسمية كل من يملك منهم ومن يستسر بدينه ومن يظهر. فأول من يظهر منهم
يملأ جميع بلاد الله قسطا وعدلا، ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله
على الأديان كلها.
فلما بعث النبي - وأبي حي - صدق به وآمن به وشهد أنه رسول الله، وكان شيخا
كبيرا ولم يكن به شخوص. فمات أبي وقال لي: (إن وصي محمد وخليفته - الذي
اسمه في هذا الكتاب ونعته - سيمر بك إذا مضى ثلاثة أئمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار المسمين بأسمائهم وقبائلهم فلان وفلان وفلان ونعتهم وكم يملك كل واحد
منهم، فإذا مر بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه فإن الجهاد معه كالجهاد مع
محمد، والموالي له كالموالي لمحمد والمعادي له كالمعادي لمحمد).
الأخبار عن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الغاصبين في كتب عيسى عليه السلام
وفي هذا الكتاب - يا أمير المؤمنين - إن اثني عشر إماما من قريش من قومه يعادون
أهل بيته ويمنعونهم حقهم ويقتلونهم ويطردونهم ويحرمونهم ويتبرؤون منهم ويخيفونهم، مسمون واحدا بعد واحد بأسمائهم ونعوتهم، وكم يملك كل رجل منهم
وما يملك، وما يلقى منهم ولدك وأنصارك وشيعتك من القتل والخوف والبلاء.
وكيف يديلكم الله منهم ومن أوليائهم وأنصارهم وما يلقون من الذل والحرب والبلاء والخزي والقتل والخوف منكم أهل البيت.
الراهب يبايع أمير المؤمنين عليه السلام
ثم قال: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أنك خليفة رسول الله في أمته ووصيه وشاهده على خلقه وحجته في أرضه، وإن الإسلام ين الله وإني أبرء من كل دين خالف دين الإسلام، فإنه دين الله الذي اصطفاه لنفسه ورضيه لأوليائه، وإنه دين عيسى بن مريم ومن كان قبله
من أنبياء الله ورسله، وهو الذي دان به من مضى من آبائي. وإني أتولاك وأتولى
أوليائك، وأبرء من عدوك وأتولى الأحد عشر الأئمة من ولدك وأبرء من عدوهم
وممن خالفهم وبرء منهم وادعى حقهم وظلمهم من الأولين والآخرين. ثم تناول يده وبايعه.
ثم قال له أمير المؤمنين عليه السلام: ناولني كتابك، فناوله إياه. فقال علي عليه السلام لرجل من أصحابه: قم مع هذا الرجل فانظر ترجمانا يفهم كلامه، فلينسخه لك بالعربية مفسرا.
فأتاه مكتوبا بالعربية.
فلما أتاه به قال لابنه الحسن عليه السلام: يا بني، ائتني بالكتاب الذي دفعته إليك. فأتاه به،
فقال: أنت يا بني اقرأه، وانظر أنت يا فلان - الذي تستجهل - في نسخة هذا الكتاب،
فإنه خطي بيدي وإملاء رسول الله صلی الله عليه و اله علي.
فقرأه فما خالف حرفا واحدا ليس فيه تقديم ولا تأخير، كأنه إملاء رجل واحد على رجلين!
فحمد الله أمير المؤمنين عليه السلام وأثنى عليه وقال: (الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف
الأمة ولم تفترق، والحمد لله الذي لم ينسني ولم يضع أمري ولم يخمل ذكري عنده وعند أوليائه إذ صغر وخمل ذكر أولياء الشيطان وحزبه).
ففرح بذلك من حضر عند أمير المؤمنين عليه السلام من شيعته وشكر، وساء ذلك كثيرا
ممن حوله حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.
____________
1- هم النبي والأئمة الاثني عشر عليهم السلام.
2- هنا آخر النص الذي ينقله من كتاب الراهب.

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام محذرا من الفتن


أبان عن سليم بن قيس قال: صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثنى عليه
وقال:
أيها الناس، أنا الذي فقأت (1) عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري. وأيم الله
لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ولا أهل صفين ولا أهل النهروان. وأيم الله لولا أن تتكلموا وتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلی الله عليه و اله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه.
ثم قال عليه السلام: سلوني عما شئتم قبل أن تفقدوني، فوالله إني بطرق السماء أعلم مني
بطرق الأرض. أنا يعسوب المؤمنين وأول السابقين وإمام المتقين وخاتم الوصيين
ووارث النبيين وخليفة رب العالمين. أنا ديان الناس يوم القيامة وقسيم الله بين أهل
الجنة والنار، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الذي أفرق بين الحق والباطل، وإن عندي
علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، وما من آية نزلت إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت.
أيها الناس، إنه وشيك أن تفقدوني، إني مفارقكم وإني ميت أو مقتول. ما ينتظر
أشقاها أن يخضبها من فوقها؟ يعني لحيته من دم رأسه.
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألوني من فئة تبلغ ثلاثمائة فما فوقها فيما
بينكم وبين قيام الساعة إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها (2)، وبخراب العرصات متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة.
فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن البلايا.
فقال عليه السلام: إذا سأل سائل فليعقل وإذا سئل مسؤول فليلبث. إن من ورائكم أمورا
ملتجة مجلجلة (3) وبلاء مكلحا مبلحا. (4)
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو قد فقدتموني ونزلت عزائم الأمور وحقائق البلاء
لقد أطرق كثير من السائلين واشتغل كثير من المسؤولين. وذلك إذا ظهرت حربكم ونصلت عن ناب وقامت عن ساق وصارت الدنيا بلاء عليكم حتى يفتح الله لبقية
الأبرار.
فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن الفتن.
فقال عليه السلام: إن الفتن إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت. وإن الفتن لها موج كموج البحر وإعصار كإعصار الريح، تصيب بلدا وتخطئ الآخر. فانظروا أقواما كانوا
أصحاب الرايات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتؤجروا وتعذروا.
فتنة بني أمية أخوف الفتن
ألا إن أخوف الفتن عليكم من بعدي فتنة بني أمية. إنها فتنة عمياء صماء مطبقة
مظلمة، عمت فتنتها وخصت بليتها. أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها. أهل باطلها ظاهرون على أهل حقها، يملؤون الأرض بدعا وظلما وجورا. وأول
من يضع جبروتها ويكسر عمودها وينزع أوتادها الله رب العالمين وقاصم الجبارين.
ألا إنكم ستجدون بني أمية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درها.
وأيم الله، لا تزال فتنتهم حتى لا تكون نصرة أحدكم لنفسه إلا كنصرة العبد السوء
لسيده، إذا غاب سبه وإذا حضر أطاعه. وأيم الله لو شردوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم.
فتن ما بعد بني أمية
فقال الرجل: فهل من جماعة - يا أمير المؤمنين - بعد ذلك؟ قال عليه السلام: إنها ستكونون جماعة شتى، عطاؤكم وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة.
قال: قال واحد: كيف تختلف القلوب؟ قال عليه السلام: هكذا - وشبك بين أصابعه - ثم
قال: يقتل هذا هذا وهذا هذا، هرجا هرجا ويبقى طغام جاهلية ليس فيها منار هدى
ولا علم يرى. نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة.
قال: فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: انظروا أهل بيت نبيكم،
فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن يخرجوكم
من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء.
يفرج الله عن الفتن بالإمام المهدي عليه السلام
قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته. ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة
ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجا هرجا، يحمل السيف على عاتقه ثمانية
أشهر حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقاما واحدا فأعطيهم وآخذ منهم
بعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا: (ما هذا من قريش، لو
كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا) يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت
قدميه ويطحنهم طحن الرحى. (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في
الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا). (5)
أهل البيت عليهم السلام هم الملجأ في الفتن
أما بعد، فإنه لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها. ألا وإن
لطحنها روقا وإن روقها حدها وعلى الله فلها.
ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا. معنا
راية الحق والهدى، من سبقها مرق ومن خذلها محق ومن لزمها لحق.
إنا أهل بيت من علم الله علمنا، ومن حكم الله الصادق قيلنا، ومن قول الصادق
سمعنا. فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء.
نحن أفق الإسلام، بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب.
والله لولا أن تستعجلوا ويتأخر الحق لنبأتكم بما يكون في شباب العرب
والموالي، فلا تسألوا أهل بيت محمد العلم قبل إبانه، ولا تسألوهم المال على العسر فتبخلوهم، فإنه ليس منهم البخل.
وكونوا أحلاس البيوت، ولا تكونوا عجلا بذرا. كونوا من أهل الحق تعرفوا به
وتتعارفوا عليه، فإن الله خلق الخلق بقدرته وجعل بينهم الفضائل بعلمه وجعل منهم
عبادا اختارهم لنفسه ليحتج بهم على خلقه. فجعل علامة من أكرم منهم طاعته وعلامة من أهان منهم معصيته. وجعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن
والخلد الذي لا يورع أهله، وجعل عقوبة أهل معصيته نارا تأجج لغضبه، (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). (6)
يا أيها الناس، إنا أهل بيت بنا ميز الله الكذب، وبنا يفرج الله الزمان الكلب وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم وبنا يفتح الله وبنا يختم الله. فاعتبروا بنا وبعدونا وبهدانا
وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم وميتتنا وميتتهم، يموتون بالدال والقرح والدبيلة،
ونموت بالبطن والقتل والشهادة.
بلاء آل محمد عليهم السلام في الفتن
ثم التفت عليه السلام إلى بنيه فقال: يا بني، ليبر صغاركم كباركم، وليرحم كبار كم صغاركم، ولا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة الجهال الذين لا يعطون في الله اليقين، كبيض بيض في داح. (7)
ألا ويح للفراخ فراخ آل محمد من خليفة يستخلف، جبار (8) عتريف مترف يقتل
خلفي وخلف الخلف بعدي.
أما والله، لقد علمت تبليغ الرسالات وتنجيز العدات وتمام الكلمات وفتحت لي
الأسباب وعلمت الأنساب وأجري لي السحاب، ونظرت في الملكوت فلم يعزب
عني شئ فات ولم يفتني ما سبقني ولم يشركني أحد فيما أشهدني ربي يوم يقوم الأشهاد. وبي يتم الله موعده ويكمل كلماته، وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الإسلام الذي ارتضاه لنفسه، كل ذلك من من الله به علي وأذل به منكبي.
وليس إمام إلا وهو عارف بأهل ولايته، وذلك قول الله عز وجل: (إنما أنت منذر
ولكل قوم هاد). (9)
ثم نزل، صلى الله عليه وآله الطاهرين الأخيار وسلم تسليما كثيرا.
____________
1- أي قلعت.
2- تشبيه بالراعي إذا نعق بغنمه أي صاح بها وزجرها.
3- أي مضطربة مرددة.
4- أي مفزعة معجزة.
5- سورة الأحزاب: الآية 62. وفي المتن: وأخذوا.
6- سورة النحل: الآية 33.
7- الداح نقش يلوح به للصبيان يعللون به.
8- العتريف بمعنى الخبيث الفاجر. وفي (د): الغطريف، بمعنى المتكبر.
9- سورة الرعد: الآية 7.

تأثير الميل إلى الدنيا في علم الإنسان ودينه


قال سليم بن قيس: سمعت أبا الحسن عليه السلام يحدثني ويقول: إن النبي صلی الله عليه و اله قال:
منهومان لا يشبعان: منهوم في الدنيا لا يشبع منها، ومنهوم في العلم لا يشبع منه. فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب ويراجع. ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا، ومن أراد به الدنيا هلك وهو حظه.
والعلماء عالمان: عالم عمل بعلمه فهو ناج، وعالم تارك لعلمه فهو هالك. إن أهل
النار ليتأذون من نتن ريح العالم التارك لعلمه. وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل
دعا عبدا إلى الله فاستجاب له، فأطاع الله فدخل الجنة وعصى الله الداعي فأدخل النار بتركه علمه واتباعه هواه وعصيانه لله.
إنما هما اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون،
فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنما اليوم عمل
ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
كيف تبدأ الفتن
وإنما ابتداء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله، يتولى
فيها رجال رجالا ويتبرء رجال من رجال. ألا إن الحق لو خلص لم يكن فيه اختلاف
وإن الباطل لو خلص لم يخف على ذي حجى، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيحسبان معا، فهنالك استولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين
سبقت لهم منا الحسنى.
إني سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الوليد ويزيد (1) فيها الكبير، يجري الناس عليها فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل: (إن الناس
قد أتوا منكرا)!!
ثم يشتد البلاء وتسبى الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب وكما تدق
الرحى بثفالها (2)، يتفقه الناس لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل
الآخرة.
____________
1- أي ينمو.
2- الثفال: حجر الرحى الأسفل.

كلام أمير المؤمنين عليه السلام عن بدع أبي بكر وعمر وعثمان


ثم أقبل عليه السلام بوجهه على ناس من أهل بيته وشيعته فقال: والله لقد عملت الأئمة قبلي بأمور عظيمة خالفت فيها رسول الله صلی الله عليه و اله متعمدين، لو حملت الناس على تركها وتحويلها عن موضعها إلى ما كانت تجري عليه على عهد رسول الله صلی الله عليه و اله لتفرق عني جندي، حتى
لا يبقى في عسكري غيري وقليل من شيعتي الذين إنما عرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه لا من غيرهما
أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله صلی الله عليه و اله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، ورددت صاع رسول الله صلی الله عليه و اله ومده إلى ما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلی الله عليه و اله لأهلها ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها من المسجد (1)، ورددت قضايا من قضى من كان قبلي بجور، ورددت ما قسم من أرض خيبر (2)، ومحوت ديوان الأعطية (3) وأعطيت كما كان يعطي رسول الله صلی الله عليه و اله ولم أجعله دولة بين الأغنياء، وسبيت ذراري بني تغلب (4)، وأمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، لنادى بعض الناس من أهل العسكر - ممن يقاتل
معي -: (يا أهل الإسلام) وقالوا: (غيرت سنة عمر، نهيتنا أن نصلي في شهر رمضان تطوعا) حتى خفت أن يثوروا في ناحية عسكري. (5)
بؤسي لما لقيت من هذه الأمة بعد نبيها من الفرقة وطاعة أئمة الضلال والدعاة إلى النار.
ولم أعط سهم ذوي القربى منهم إلا لمن أمر الله بإعطائه الذين قال الله: (إن كنتم
آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) (6)، فنحن الذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كل هؤلاء منا خاصة (7) لأنه لم يجعل لنا
في سهم الصدقة نصيبا وأكرم الله نبيه صلی الله عليه و اله وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس. (8)
____________
1- راجع الحديث 14 من هذا الكتاب. وقوله (رددت قضايا من قضى...)، القضى والقضاء بمعنى واحد.
2- روى ابن شبة في تاريخ المدينة المنورة: ج 1 ص 185 وأحمد في مسنده: ج 6 ص 330: أنه لما أخرج عمر اليهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه جبار بن صخر بن خنساء - وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت، فهما قسما خيبر بين أهلها على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها. فكانت مما قسم عمر من وادي القرى لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن أبي سلمة وعامر بن ربيعة وعمرو بن سراقة والأشيم وبني جعفر ولابن عبد الله بن حجش وعبد الله بن الأرقم وغيرهم، لكل إنسان حظر، والحظر القطعة من النخيل أو الإبل أو غيره.
وعن ابن عباس: قسمت خيبر على ألف سهم: خمسمائة وثمانين سهما للذين شهدوا الحديبية، ألف وخمسمائة وأربعين رجلا والذين كانوا مع جعفر بأرض الحبشة أربعون رجلا وكان معهم يومئذ مائتا فرس أو نحوها فأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما.
3- روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 288 عن ابن أبي الحديد بأسناده: أن عمر استشار الصحابة بمن يبدء في القسم والفريضة؟ فقالوا: ابدء بنفسك. فقال: بل أبدء بآل رسول الله وذوي قرابته. فبدء بالعباس قال ابن الجوزي: قد وقع الاتفاق على أنه لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له. روى أنه فرض له خمسة عشر ألفا، وروى أنه فرض له اثني عشر ألفا وهو الأصح. ثم فرض لزوجات رسول الله صلى الله عليه وآله لكل واحدة عشرة آلاف. وفضل عائشة عليهن بألفين... ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف، ولمن شهدها من الأنصار لكل واحد أربعة آلاف. وقد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو غيرهم من القبائل خمسة آلاف. ثم فرض لمن شهد أحدا وما بعدها إلى الحديبية أربعة آلاف، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف. ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ألفين وخمسمائة وألفين وألفا وخمسمائة وألفا واحدا إلى مائتين وهم أهل هجر. ومات عمر على ذلك.
فأما ما اعتمده في النساء فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة، ونساء من بعد بدر إلى إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ونساء من بعد ذلك على ثلاثمائة ثلاثمائة، وجعل نساء أهل القادسية على مائتين، ثم سوى بين النساء بعد ذلك. وكان ذلك في سنة 20 للهجرة. راجع تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 153 وكتاب الخراج لأبي يوسف: ج 1 ص 43.
4- روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن الإمام الصادق عليه السلام: أن بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا. فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة، فرضوا بذلك.
قال المجلسي: فهؤلاء ليسوا بأهل ذمة لمنع الجزية وقد جعل الله الجزية على أهل الذمة ليكونوا أذلاء صاغرين وليس في أحد من الزكاة صغار وذل. فكان عليه أن يقاتلهم ويسبي ذراريهم لو أصروا على الاستنكاف والاستكبار.
5- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 5 ص 31 عن السيوطي وغيره: أن أول من سن التراويح عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة وأن أول من جمع الناس على التراويح عمر وأن إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر. و (التراويح) عشرون ركعة يصلونها جماعة في ليالي شهر رمضان.
روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 284 عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة...). ثم روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المسجد. فقال: ما هذا؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع. فقال: بدعة ونعمت البدعة!!
روى الشيخ الطوسي في التهذيب: ج 3 ص 70 ح 227 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس: (لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة). فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام. فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه السلام صاحوا: واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: ما هذا الصوت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، الناس يصيحون: واعمراه، واعمراه فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
قل لهم: صلوا!
روي في البحار: ج 96 ص 385 ح 5 أنه لما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة أتاه الناس فقالوا: اجعل لنا إماما منا في رمضان. فقال: لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه. فلما أمسوا جعلوا يقولون: (ابكوا في رمضان، وارمضاناه) فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين، ضج الناس وكرهوا قولك. فقال عند ذلك: دعوهم وما يريدون. ليصلي بهم من شاءوا. ثم قال: (فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
6- سورة الأنفال: الآية 41.
7- في الكافي والتهذيب: نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين)، منا خاصة.
8- من قوله (ورددت من قضى من كان قبلي بجور...) إلى آخر الحديث في روضة الكافي زيادة مهمة هكذا:
(... ورددت قضايا من الجور قضى بها، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما سد منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممن كان رسول الله أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، إذا لتفرقوا عني.
والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن جماعتهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: (يا أهل الإسلام، غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا) ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري.
ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)، فنحن والله عني بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال تعالى: (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل - فينا خاصة - كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) و (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله - في ظلم آل محمد - إن الله شديد العقاب) لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه صلى الله عليه وآله، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس. فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا. ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا، والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
ولا بأس بالإشارة إلى ذكر تفصيل بعض ما أشار عليه السلام إليه من البدع:
قوله عليه السلام: (وألقيت المساحة)، روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 284 أن عمر وضع الخراج على أرض السواد وأمر بمساحة أرضها، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين.
وكان الفرض في الأراضي المفتوحة عنوة أن يخرج خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة.
قوله عليه السلام: (أنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل)، قال ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393:
إن عمر صرف الأخماس عن أهلها فجعلها في الكراع والسلاح ومنع الخمس منهم حين كثره واستعظم ما رآى من كثرته أن يدفعه إلى أهله!
وقوله عليه السلام: (سويت بين المناكح) إشارة إلى ما سيجئ في الحديث 23 من أن عمر سن أن تنكح العرب في الأعاجم ولا ينكحوهم.
وقوله عليه السلام (حرمت المسح على الخفين)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 عن أبي جعفر عليه السلام قال:
جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام وقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها؟
(أي قبل نزول سورة المائدة أو بعدها؟) فقال: لا أدري. فقال علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت مائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة.
وقوله عليه السلام (وحددت على النبيذ)، روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 257 عن عدة طرق: أن عمر كان يشرب النبيذ الشديد وكان يقول: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء!
وقوله عليه السلام (وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 عن ابن حزم في كتاب المحلى قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على الجنائز.
فقالوا: أكبر النبي صلى الله عليه وآله سبعا وخمسا وأربعا. فجمعهم عمر على أربع تكبيرات. وأورده في الغدير: ج 6 ص 244.
وقوله عليه السلام: (وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)، إشارة إلى إسقاط عمر للبسملة عن أول السور، فقد روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 381: أن عمر حذف بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن ومن الصلاة وقال: ليس في القرآن إلا مرة واحدة!
وقوله عليه السلام (الطلاق على السنة)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب:
إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. وأورده العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 178.
وقوله عليه السلام (رددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها)، إشارة إلى البدع التي أحدث فيها كالمسح على الخفين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين، وكترك الصلاة لمن لم يجد الماء للغسل، ومثل وضع اليمين على الشمال في الصلاة وإسقاط البسملة وقول (آمين) بعد الحمد وكتأخير صلاة الصبح حتى تغيب النجوم وتأخير صلاة المغرب حتى تطلع النجوم وغير ذلك.
وقوله عليه السلام (رددت أهل نجران إلى مواضعهم)، روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 والطبري في وقائع سنة 20: أن عمر أجلى أهل نجران وخيبر عن ديارهم وقال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وآله عليه أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمن وكتب لهم كتابا بذمتهم وهو معهم إلى يومنا هذا.
وقوله عليه السلام (رددت سائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله)، روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 عن كتاب آداب الوزراء: أن عمر كان يأخذ من جميع أهل الذمة فيما اتجروا فيه كل سنة العشر ومرتين إن اتجروا مرتين ومن لم يتجر أربعة دنانير أو أربعين درهما. والفقهاء أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ من كل حالم دينارا ولم ينقل أحد من أهل الأثر خبرا أن النبي صلى الله عليه وآله جعلهم في الجزية طبقات. وقد جعلهم عمر طبقات ثلاث فأخذ من الأغنياء خمسة دنانير إلى مائة درهم ومن الأوساط خمسين درهما ونحو هذا ومن الفقراء دينارا واحدا.

أحاديث عن فتنة أبي بكر وعمر


أبان عن سليم قال: شهدت أبا ذر مرض مرضا على عهد عمر في إمارته، فدخل
عليه عمر يعوده وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان والمقداد، وقد أوصى أبو ذر إلى
علي عليه السلام وكتب وأشهد.
فلما خرج عمر قال رجل من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار: ما منعك أن توصي
إلى أمير المؤمنين عمر؟
قال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا حقا.
أمرنا رسول الله صلی الله عليه و اله ونحن أربعون رجلا من العرب وأربعون رجلا من العجم،
فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فينا هذا القائم الذي سميته (أمير المؤمنين).
ولا أحد من العرب ولا من الموالي العجم راجع رسول الله صلی الله عليه و اله إلا هذا وصويحبه الذي استخلفه، فإنهما قالا: (أحق من الله ورسوله)؟ فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله وقال: اللهم
نعم، حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك فأمرتكم به.
قال سليم: فقلت: يا أبا الحسن وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد، أتقولون كما قال
أبو ذر؟ قالوا: نعم، صدق. قلت: أربعة عدول، ولو لم يحدثني غير واحد ما شككت
في صدقه ولكن أربعتكم أشد لنفسي وبصيرتي.
قلت: أصلحك الله، أتسمون الثمانين من العرب والموالي؟ فسماهم سلمان رجلا
رجلا. فقال علي عليه السلام وأبو ذر والمقداد: (صدق سلمان) رحمة الله ومغفرته عليه
وعليهم.
فكان ممن سمى(1): أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ومعاذ وسالم والخمسة من أصحاب الشورى، وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة والباقي من أصحاب العقبة (2) وأبي بن كعب وأبو ذر والمقداد، وبقية جلهم وأعظمهم من أهل بدر وأعظمهم من الأنصار، فيهم أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد.
قال سليم: فأظن أني قد لقيت عامتهم فسألتهم وخلوت بهم رجلا رجلا، فمنهم
من سكت عني فلم يجبني بشئ وكتمني، ومنهم من حدثني ثم قال: أصابتنا فتنة
أخذت بقلوبنا وأسماعنا وأبصارنا وذلك لما ادعى أبو بكر أنه سمع رسول الله صلی الله عليه و اله
يقول بعد ذلك: (إنا أهل بيت أكرمنا الله واختار لنا الآخرة على الدنيا وإن الله أبى
أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة). فاحتج بذلك أبو بكر على علي عليه السلام حين
جيئ به للبيعة، وصدقه وشهد له أربعة كانوا عندنا خيارا غير متهمين: أبو عبيدة وسالم وعمر ومعاذ، وظننا أنهم قد صدقوا.
الصحيفة الملعونة والمعاهدة في الكعبة
فلما بايع علي عليه السلام أخبرنا (3) أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال ما قاله، وأخبر أن هؤلاء الخمسة كتبوا بينهم كتابا تعاهدوا فيه وتعاقدوا في ظل الكعبة: (إن مات محمد أو قتل أن يتظاهروا على علي عليه السلام فيزووا عنه هذا الأمر)، واستشهد أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، وشهدوا بعد ما وجبت في أعناقنا لأبي بكر بيعته الملعونة الضالة. فعلمنا أن عليا عليه السلام
لم يكن ليروي عن رسول الله صلی الله عليه و اله باطلا، وشهد له الأخيار من أصحاب محمد صلی الله عليه و اله.
ندامة الصحابة لتقصيرهم في حق أمير المؤمنين عليه السلام
فقال جل من قال هذه المقالة: إنا تدبرنا الأمر بعد ذلك فذكرنا قول النبي صلی الله عليه و اله - ونحن نسمع -: (إن الله يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم وإن الجنة تشتاق إليهم). فقلنا: من هم
يا رسول الله؟ فقال صلی الله عليه و اله: (أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد بن الأسود). وإنا نستغفر
الله ونتوب إليه مما ركبناه ومما أتيناه.
وقد سمعنا رسول الله صلی الله عليه و اله يقول قولا لم نعلم تأويله ومعناه إلا خيرا. قال صلی الله عليه و اله: ليردن علي الحوض أقوام ممن صحبني ومن أهل المكانة مني والمنزلة عندي، حتى إذا
وقفوا على مراتبهم ورأوني اختلسوا دوني وأخذ بهم ذات الشمال. فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى منذ فارقتهم.
ولعمرنا، لو أنا - حين قبض رسول الله صلی الله عليه و اله - سلمنا الأمر إلى علي عليه السلام وأطعناه
وتابعناه وبايعناه لرشدنا واهتدينا ووفقنا، ولكن الله قضى الاختلاف والفرقة والبلاء،
فلا بد من أن يكون ما علم الله وقضى وقدر.
___________
1- أي من سماهم أبو ذر من الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالتسليم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.
2- راجع الحديث 20 من هذا الكتاب.
3- قائل هذا الكلام هو البعض الذي لقيهم سليم لا أبو ذر، فلا يشتبه.

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

أصحاب الصحيفة وأصحاب العقبة


سليم بن قيس قال: شهدت أبا ذر بالربذة حين سيره عثمان (1) وأوصى إلى علي عليه السلام
في أهله وماله، فقال له قائل: لو كنت أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان.
فقال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، سلمنا عليه بإمرة المؤمنين على عهد رسول الله صلی الله عليه و اله بأمر الله. قال لنا: (سلموا على أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي بإمرة المؤمنين، فإنه زر الأرض الذي تسكن إليه ولو فقدتموه أنكرتم الأرض وأهلها).
فرأيت عجل هذه الأمة وسامريها راجعا رسول الله صلی الله عليه و اله ثم قال: حق من الله
ورسوله؟ فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله ثم قال: (حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك).
فلما سلمنا عليه أقبلا على أصحابهما معاذ وسالم وأبي عبيدة - حين خرجا من بيت
علي عليه السلام من بعد ما سلمنا عليه - فقالا لهم: ما بال هذا الرجل، ما زال يرفع خسيسة
ابن عمه وقال أحدهما: إنه ليحسن أمر ابن عمه وقال الجميع: ما لنا عنده خير ما بقي علي!!
قال: فقلت: يا أبا ذر، هذا التسليم بعد حجة الوداع أو قبلها؟ فقال: أما التسليمة
الأولى فقبل حجة الوداع، وأما التسليمة الأخرى فبعد حجة الوداع.
قلت: فمعاقدة هؤلاء الخمسة متى كانت؟ قال: في حجة الوداع.
قلت: أخبرني - أصلحك الله عن الاثني عشر أصحاب العقبة المتلثمين الذين أرادوا
أن ينفروا برسول الله صلی الله عليه و اله الناقة، ومتى كان ذلك؟ قال: بغدير خم مقبل رسول الله صلی الله عليه و اله من حجة الوداع.
قلت: أصلحك الله، تعرفهم؟ قال: أي والله، كلهم.
قلت: من أين تعرفهم وقد أسرهم رسول الله صلی الله عليه و اله إلى حذيفة؟ قال: عمار بن ياسر
كان قائدا وحذيفة كان سائقا، فأمر حذيفة بالكتمان ولم يأمر بذلك عمارا. قلت:
تسميهم لي؟ قال: خمسة أصحاب الصحيفة، وخمسة أصحاب الشورى وعمرو بن العاص ومعاوية. (2)
عمار وحذيفة في فتنة السقيفة
قلت: أصلحك الله، كيف تردد عمار وحذيفة في أمرهم بعد رسول الله صلی الله عليه و اله حين رأياهم؟
قال: إنهم أظهروا التوبة والندامة بعد ذلك، وادعى عجلهم منزلة وشهد لهم
سامريهم والثلاثة معهم بأنهم سمعوا رسول الله صلی الله عليه و اله يقول ذلك، فقالوا: لعل هذا أمر حدث بعد الأول، فشكا فيمن شك منهم إلا أنهما تابا وعرفا وسلما.
قال سليم بن قيس: فلقيت عمارا في خلافة عثمان بعد ما مات أبو ذر، فأخبرته بما
قال أبو ذر. فقال: صدق أخي أبو ذر، إنه لأبر وأصدق من أن يحدث عن عمار بما
لا يسمع منه.
فقلت: أصلحك الله، بما تصدق أبا ذر؟ قال: أشهد لقد سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول:
(ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر). قلت:
يا نبي الله، ولا أهل بيتك؟ قال: إنما أعني غيرهم من الناس.
ثم لقيت حذيفة بالمدائن - رحلت إليه من الكوفة - فذكرت له ما قال أبو ذر. فقال:
سبحان الله، أبو ذر أصدق وأبر من أن يحدث عن رسول الله صلی الله عليه و اله بغير ما قال.
____________
1- روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 305 ما ملخصه: أن عثمان قال لأبي ذر: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي، الحق بالشام. فأخرجه إليها. فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فكتب معاوية إلى عثمان فيه. فكتب عثمان إلى معاوية: (أما بعد فاحمل جندبا على أغلظ مركب وأوعره). فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.
فلما قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان: أن الحق بأي أرض شئت. قال: بمكة؟ قال: لا. قال: فبيت المقدس؟ قال: لا. قال: فبأحد المصرين؟ قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة. فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات.
2- فهم: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص. راجع الحديث 4 من هذا الكتاب.

شدة حب رسول الله صلی الله عليه و اله للإمامين الحسنين عليها السلام


استسقيا رسول الله صلی الله عليه و اله
أبان عن سليم قال: حدثني علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان وأبو ذر
والمقداد، وحدث أبو الحجاف داود بن أبي عوف العوفي (1) يروي عن أبي سعيد الخدري قال:
دخل رسول الله صلی الله عليه و اله على ابنته فاطمة عليها السلام وهي توقد تحت قدر لها تطبخ طعاما
لأهلها، وعلي عليه السلام في ناحية البيت نائم والحسن والحسين عليهما السلام نائمان إلى جنبه.
فقعد رسول الله صلی الله عليه و اله مع ابنته يحدثها وهي توقد تحت قدرها ليس لها خادم، إذ
استيقظ الحسن عليه السلام فأقبل على رسول الله صلی الله عليه و اله فقال: (يا أبت، اسقني). فأخذه
رسول الله صلی الله عليه و اله ثم قام إلى لقحة (2) كانت، فاحتلبها بيده، ثم جاء بالعلبة (3) - وعلى اللبن رغوة - ليناوله الحسن عليه السلام. فاستيقظ الحسين عليه السلام فقال: (يا أبت اسقني).
فقال النبي صلی الله عليه و اله: يا بني، أخوك، وهو أكبر منك وقد استسقاني قبلك. فقال الحسين عليه السلام: (اسقني قبله) فجعل رسول الله صلی الله عليه و اله يرقبه ويلين له ويطلب إليه أن يدع أخاه يشرب قبله، والحسين عليه السلام يأبى.
فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبت، كأن الحسن أحب إليك من الحسين؟ قال صلی الله عليه و اله: ما هو بأحبهما إلي وإنهما عندي لسواء، غير أن الحسن استسقاني أول مرة، وإني وإياك وإياهما وهذا الراقد في الجنة لفي منزل واحد ودرجة واحدة.
قال(4): وعلي عليه السلام نائم لا يدري بشئ من ذلك.
على منكب رسول الله صلی الله عليه و اله
قال: ومر بهما رسول الله صلی الله عليه و اله ذات يوم وهما يلعبان، فأخذهما رسول الله صلی الله عليه و اله فاحتملهما ووضع كل واحد منهما على عاتقه. فاستقبله رجل فقال: لنعم الراحلة أنت
فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: ونعم الراكبان هما إن هذين الغلامين ريحانتاي من الدنيا.
اصطرعا عند رسول الله صلی الله عليه و اله
قال: فلما أتى بهما منزل فاطمة عليها السلام قال: (اصطرعا). فأقبلا يصطرعان، فجعل
رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (هي (5) يا حسن) فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، أتقول (هي
يا حسن) وهو أكبر منه؟ فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: هذا جبرئيل يقول: (هي يا حسين).
فصرع الحسين الحسن!
الرسول صلی الله عليه و اله يخاطبهما بالإمامة
قال: ونظر رسول الله صلی الله عليه و اله إليهما يوما وقد أقبلا، فقال: هذان والله سيدا شباب أهل
الجنة وأبوهما خير منهما. إن خير الناس عندي وأحبهم إلي وأكرمهم علي أبوكما ثم أمكما، وليس عند الله أحد أفضل مني وأخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي علي بن أبي طالب. ألا إن أخي وخليلي ووزيري وصفيي وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي علي بن أبي طالب، فإذا هلك فابني الحسن من بعده، فإذا هلك فابني الحسين من بعده ثم الأئمة التسعة من عقب الحسين.
هم الهداة المهتدون، هم مع الحق والحق معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم إلى يوم
القيامة. هم زر الأرض الذين تسكن إليهم الأرض، وهم حبل الله المتين، وهم عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها، وهم حجج الله في أرضه وشهداءه على خلقه وخزنة علمه ومعادن حكمته.
وهم بمنزلة سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تركها غرق، وهم بمنزلة باب حطة في
بني إسرائيل، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا. فرض الله في الكتاب طاعتهم وأمر فيه بولايتهم، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.
الحسين عليه السلام يعلو ظهر رسول الله صلی الله عليه و اله في السجدة
قال: وكان الحسين عليه السلام يجيئ إلى رسول الله صلی الله عليه و اله وهو ساجد، فيتخطى الصفوف
حتى يأتي النبي صلی الله عليه و اله فيركب ظهره، فيقوم رسول الله صلی الله عليه و اله وقد وضع يده على ظهر الحسين عليه السلام ويده الأخرى على ركبته حتى يفرغ من صلاته.
الحسن عليه السلام على عاتق رسول الله صلی الله عليه و اله في المنبر
وكان الحسن عليه السلام يأتيه وهو على المنبر يخطب، فيصعد إليه فيركب على عاتق
النبي صلی الله عليه و اله ويدلي رجليه على صدر النبي صلی الله عليه و اله حتى يرى بريق خلخاله، ورسول الله صلی الله عليه و اله يخطب، فيمسكه كذلك حتى يفرغ من خطبته.
____________
1- أبو الحجاف البرجمي الكوفي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، ثقة. وعلى هذا فقائل (حدث أبو الحجاف) هو أبان بن أبي عياش، لا سليم.
2- اللقحة: الناقة الحلوي الغزيرة اللبن.
3- العلبة: إناء ضخم من جلد أو خشب.
4- أي قال الراوي.
5- (هي) كلمة استزادة، تقولها للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل.

خطبة عمرو بن العاص في الشام ضد أمير المؤمنين عليه السلام


أبان عن سليم قال: بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أن عمرو بن العاص خطب الناس بالشام
فقال:
بعثني رسول الله صلی الله عليه و اله على جيشه فيه أبو بكر وعمر، فظننت أنه إنما بعثني لكرامتي
عليه. فلما قدمت قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ فقال: (عائشة). قلت:
ومن الرجال؟ قال: (أبوها).
أيها الناس، وهذا علي يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان، وقد سمعت
رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه) وقال في عثمان: (إن الملائكة لتستحي من عثمان) وقد سمعت عليا وإلا فصمتا - يعني أذنيه - يروي على عهد عمر: إن نبي الله نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين، فقال: (يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين منهم والمرسلين، ولا تحدثهما بذلك فيهلكا)!!

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة بتكذيب ابن العاص


فقام علي عليه السلام فقال: العجب لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو ويصدقونه
وقد بلغ من حديثه وكذبه وقلة ورعه أن يكذب على رسول الله صلی الله عليه و اله، وقد لعنه سبعين لعنة ولعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن، وذلك أنه هجا رسول الله صلی الله عليه و اله بقصيدة سبعين بيتا، فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: (اللهم إني لا أقول الشعر ولا أحله، فالعنه أنت وملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة). (1)
ثم لما مات إبراهيم بن رسول الله صلی الله عليه و اله قام فقال: إن محمدا قد صار أبتر لا عقب له، وإني لأشنأ الناس له وأقولهم فيه سوء فأنزل الله فيه: (إن شانئك هو الأبتر) (2)، يعني أبتر
من الإيمان ومن كل خير.
ما لقيت من هذه الأمة من كذابيها ومنافقيها. لكأني بالقراء الضعفة المجتهدين
قد رووا حديثه وصدقوه فيه واحتجوا علينا أهل البيت بكذبه. إنا نقول: خير هذه الأمة
أبو بكر وعمر؟ (3) ولو شئت لسميت الثالث. والله ما أراد بقوله في عائشة وأبيها إلا رضا معاوية ولقد استرضاه بسخط الله.
وأما حديثه الذي يزعم أنه سمعه مني، فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليعلم أنه
كذب علي يقينا وأن الله لم يسمعه مني سرا ولا جهرا.
اللهم العن عمرا والعن معاوية بصدهما عن سبيلك وكذبهما على كتابك ونبيك واستخفافهما بنبيك وكذبهما عليه وعلي.
________________
1- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 10 ص 139 عن تاريخ الطبري: أنه قد رآى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به. قال: لعن الله القائد والراكب والسائق.
وروى في ج 2 ص 135: أن الإمام الحسن عليه السلام قال لعمرو بن العاص: إنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي. اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة.
وروي في البحار: ج 20 ص 76 ح 14: أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بعمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهما في حائط يشربان ويغنيان بهذا البيت في حمزة بن عبد المطلب حين قتل: (كم من حواري تلوح عظامه...)، فقال صلى الله عليه وآله: (اللهم العنهما واركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار دعا).
2- سورة الكوثر: الآية 3.
3- أي هل يمكن أن يصدر عن مثلنا هذا الكلام؟ فيريد عليه السلام أن عمرو بن العاص يكذب علينا إذا نسب إلينا القول بأن أبا بكر وعمر خير هذه الأمة.

كيف جمع معاوية أهل الشام على الأخذ بثار عثمان!!


قال سليم: ثم دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الأموال وبثهم في
نواحي الشام ومدائنها، يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الأصول الباطلة، ويخبرونهم بأن عليا عليه السلام قتل عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر، وإن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد عثمان، حتى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم.
ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة، ذلك عمله في جميع أعماله حتى قدم عليه طغام الشام وأعوان الباطل المنزلون له بالطعام والشراب، يعطيهم الأموال ويقطعهم القطائع
ويطعمهم الطعام والشراب، حتى نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير وهاجر عليه
الأعرابي، وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا: لعن علي وقاتل عثمان. فاستقر على
ذلك جهلة الأمة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولو
شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن الله يفعل ما يشاء.

الرسالة السرية من معاوية إلى زياد بن أبيه


أبان عن سليم قال: كان لزياد بن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقا، فأقرأني كتابا
كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه:
سيرة معاوية في قبايل العرب
أما بعد، فإنك كتبت إلي تسألني عن العرب، من أكرم منهم ومن أهين ومن أقرب
ومن أبعد، ومن آمن منهم ومن أحذر؟
وأنا - يا أخي - أعلم الناس بالعرب. انظر إلى هذا الحي من اليمن، فأكرمهم في
العلانية وأهنهم في الخلاء فإني كذلك أصنع بهم، أقرب مجالسهم وأريهم أنهم آثر عندي من غيرهم ويكون عطائي وفضلي على غيرهم سرا منهم لكثرة من يقاتلني
منهم مع هذا الرجل.
وانظر (ربيعة بن نزار)، فأكرم أشرافهم وأهن عامتهم، فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم.
وانظر إلى (مضر) فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبرا وأبهة ونخوة
شديدة، وإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضا، ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن دون اليقين.
سيرة معاوية في إهانة العجم والموالي
وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الأعاجم، فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحوهم وأن ترثهم العرب ولا يرثوهم (1)
وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم، وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر، ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلا أن يتموا الصف.
ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته، جزاه الله عن أمة محمد وعن بني أمية خاصة أفضل الجزاء!!
كيف طمع معاوية في الخلافة وكيف نالها؟
فلعمري لولا ما صنع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين الله لكنا وجميع
هذه الأمة لبني هاشم الموالي، ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر، ولكن الله أخرجها بأيديهما من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة، ثم خرجت إلى بني عدي بن كعب، وليس في قريش حيان أقل وأذل منهما ولا أنذل (2)، فأطمعانا فيها وكنا أحق منهما ومن عقبهما، لأن فينا الثروة والعز ونحن أقرب إلى
رسول الله في الرحم منهما. ثم نالها قبلنا صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام بين الستة، ونالها من نالها قبله بغير شورى. فلما قتل صاحبنا عثمان مظلوما نلناها به لأن من قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا!
أمر معاوية بإهانة الأعاجم
ولعمري يا أخي، لو أن عمر سن دية المولى نصف دية العربي لكان أقرب إلى
التقوى، ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت ولكني قريب
عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم علي. وبحسبك ما سنه عمر فيهم فهو خزي لهم وذل. فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم
ولا تقض لهم حاجة.
معاوية يستلحق زيادا بأبي سفيان
فوالله إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه، وما تناسب عبيدا نسبا دون آدم!(3)
وقد كنت حدثتني - وأنت يا أخي عندي صدوق -: أنك قرأت كتاب عمر إلى
أبي موسى الأشعري بالبصرة وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة وأنت أنذل الناس عنده، وأنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف، ولو كنت تعلم يومئذ يقينا - كيقينك اليوم - أنك ابن أبي سفيان لأعظمت نفسك وأنفت أن تكون كاتبا لدعي الأشعريين. وأنت تعلم ونحن يقينا أن أبا سفيان خرج معه جده أمية بن عبد شمس في بعض تجارته إلى الشام فمر بصفورية فاشترى قينا وابنه عبد الله(1) وأن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية عبد شمس.
سيرة عمر في إهانة الأعاجم وسبب ذلك
وحدثني ابن أبي معيط أنك أخبرته: إنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار، وقال له: (أعرض من قبلك من أهل البصرة. فمن وجدته من الموالي ومن أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار، فقدمه فاضرب
عنقه)(4) فشاورك أبو موسى في ذلك، فنهيته وأمرته أن يراجع عمر. فراجعه وذهبت
أنت بالكتاب إلى عمر، وإنما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي وأنت يومئذ تحسب
أنك منهم وأنك ابن عبيد. فلم تزل بعمر حتى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس
فرجع. وقلت له: (ما يؤمنك - وقد عاديت أهل هذا البيت - أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك)، فكف عن ذلك.
وما أعلم يا أخي إنه ولد مولود من آل أبي سفيان أعظم شؤما عليهم منك حين
رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه!
وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت: إنك سمعت علي بن
أبي طالب يقول: (لتضربنكم الأعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا)، وقال:
(ليملأن الله أيديكم من الأعاجم ثم ليصيرن أشداء لا يفرون، فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم). فقال لك عمر: (قد سمعت ذلك عن رسول الله، فذاك الذي حملني على
الكتاب إلى صاحبك في قتلهم، وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار بذلك). فقلت لعمر: (لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنك لن تأمنهم أن يدعوهم
علي إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك
ولصاحبك)، فرددته عن ذلك. فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلا عصبية وأنك
لم ترجع عن رواية جبنا.
وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي بن أبي طالب في إمارة عثمان فأخبرك (أن
أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم، وأنهم الذين يغلبون
بني أمية على ملكهم ويقتلونهم تحت كل حجر وكوكب).
فلو كنت - يا أخي - لم ترد عمر عن رأيه لجرت سنة ولاستأصلهم الله وقطع أصلهم وإذا لاستنت به الخلفاء من بعده حتى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار، فإنهم
آفة الدين!
بدع عمر على لسان معاوية
فما أكثر ما قد سن عمر في هذه الأمة بخلاف سنة رسول الله، فتابعه الناس عليها وأخذوا بها، فتكون هذه مثل واحدة منهن.
فمنهن تحويله المقام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله، وصاع رسول الله
ومده حين غيره وزاد فيه، ونهيه الجنب عن التيمم، وأشياء كثيرة سنها (5) أكثر من ألف باب، أعظمها وأحبها إلينا وأقر ها لأعيننا زيلة الخلافة عن بني هاشم وهم أهلها
ومعدنها، لأنها لا تصلح إلا لهم ولا تصلح الأرض إلا بهم.
سليم يستنسخ الرسالة السرية
فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزقه. (6)
قال(7): فلما قرأ زياد الكتاب ضرب به الأرض، ثم أقبل علي فقال: (ويلي مما
خرجت وفيما دخلت كنت والله من شيعة آل محمد وحزبه، فخرجت منها ودخلت
في شيعة الشيطان وحزبه وفي شيعة من يكتب إلي مثل هذا الكتاب. إنما والله مثلي
كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبرا وكفرا وحسدا.
قال سليم: فلم أمس حتى نسخت كتابه. فلما كان الليل دعا زياد بالكتاب فمزقه
وقال: (لا يطلعن أحد من الناس على ما في هذا الكتاب)، ولم يعلم أني قد نسخته.
____________
1- روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 أن عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم، ومنع العرب من التزويج في قريش ومنع العجم من التزويج في العرب. فأنزل العرب مع قريش والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى.
وروي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 288 وفي الغدير: ج 6 ص 187 عن موطأ مالك عن سعيد بن المسيب أنه قال: أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب.
2- الأنذل: الأخس والأحقر والأسقط في الحسب.
3- قال العلامة الأميني في الغدير: ج 10 ص 216 ما ملخصه:
كان من ضروريات الإسلام إلى سنة 44: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، ولكن سياسة معاوية المتهجمة تجاه الهتافات النبوية أصمته عن سماعها وجعلت للعاهر كل النصيب فوهب زيادا كله لأبي سفيان العاهر.
وقد كان زياد ولد على فراش عبيد مولى ثقيف وربي في شر حجر، فكان يقال له قبل الاستلحاق: (زياد بن عبيد الثقفي) وبعده: (زياد بن أبي سفيان) ومعاوية نفسه كتب إليه في أيام الإمام الحسن عليه السلام: (من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد، أما بعد فإنك عبد قد كفرت النعمة... إنك لا أم لك، بل لا أب لك)!
ولما انقضت الدولة الأموية صار يقال له: (زياد بن أبيه) و (زياد بن أمه) و (زياد بن سمية). وأمه سمية كانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بكسكر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن الكلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ، فوهبه سمية وزوجها الحارث غلاما له روميا يقال له (عبيد)، فولدت زيادا على فراشه... وكانت أمه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية.
أمر عمر زيادا أن يخطب يوما فأحسن في خطبته وجود، وعند أصل المنبر أبو سفيان بن حرب وعلي بن أبي طالب عليه السلام. فقال أبو سفيان لعلي عليه السلام: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى؟ قال: نعم. قال: أما إنه ابن عمك. قال: وكيف ذلك؟ قال: أنا قذفته في رحم أمه سمية...!
ولما بويع معاوية قدم زياد على معاوية فصالحه... ورآى معاوية أن يستميل زيادا واستصفى مودته باستلحاقه. فاتفقا على ذلك وأحضر الناس وحضر من يشهد لزياد، وكان فيمن حضر أبو مريم السلولي، فقال له معاوية: بم تشهد يا أبا مريم؟ فقال: أنا أشهد أن أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا، فقلت له: ليس عندي إلا سمية. فقال: ائتني بها على قذرها ووضرها. فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وإن اسكتيها ليقطران منيا. فقال له زياد: مهلا يا أبا مريم، إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما فاستلحقه معاوية.
4- جاء في البحار: ج 19 ص 260 و ج 8 طبع قديم ص 302: أن عقيل قال لوليد بن العقبة بن أبي معيط:
يا بن أبي معيط، كأنك لا تدري من أنت وأنت علج من أهل صفورية، كان ذكر أن أباه كان يهودي منها.
و (صفورية) قرية في فلسطين شمال غربي الناصرة.
5- راجع الحديث 14 من هذا الكتاب.
6- قد مر نماذج من بدع عمر في الأحاديث 11 و 14 و 18 من هذا الكتاب.
7- هذا كلام معاوية في آخر كتابه يخاطب به زيادا.
8- أي قال كاتب زياد لسليم.

النبي صلی الله عليه و اله يقيم الحجة على عائشة في حق علي عليه السلام


أبان عن سليم، قال: سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد، وسألت علي بن
أبي طالب عليه السلام عن ذلك فقال: صدقوا. قالوا:
دخل علي بن أبي طالب عليه السلام على رسول الله صلی الله عليه و اله وعائشة قاعدة خلفه وعليها كساء والبيت غاص بأهله فيهم الخمسة أصحاب الكتاب والخمسة أصحاب الشورى.
فلم يجد مكانا فأشار إليه رسول الله صلی الله عليه و اله: (هاهنا)، يعني خلفه.
فجاء علي عليه السلام فقعد بين رسول الله صلی الله عليه و اله وبين عائشة، وأقعى كما يقعي الأعرابي.
فدفعته عائشة وغضبت وقالت: أما وجدت لأستك موضعا غير حجري؟
فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي، فإنه
أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الحمد، وقائد الغر المحجلين يوم
القيامة. يجعله الله على الصراط فيقاسم النار، فيدخل أوليائه الجنة ويدخل أعدائه النار.

رسائل بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية أثناء حرب بصفين


أبان عن سليم، وزعم أبو هارون العبدي (1) أنه سمعه من عمر بن أبي سلمة:
رسالة من معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام
إن معاوية دعا أبا الدرداء (2) ونحن مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين ودعا أبا هريرة فقال لهما: انطلقا إلى علي فاقرآه مني السلام وقولا له:
والله إني لأعلم أنك أولى الناس بالخلافة وأحق بها مني، لأنك من المهاجرين
الأولين وأنا من الطلقاء وليس لي مثل سابقتك في الإسلام وقرابتك من رسول الله
وعلمك بكتاب الله وسنة نبيه.
ولقد بايعك المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا فيك قبل ثلاثة أيام. ثم أتوك
فبايعوك طائعين غير مكرهين. وكان أول من بايعك طلحة والزبير، ثم نكثا بيعتك
وظلماك وطلبا ما ليس لهما، وأنا ابن عم عثمان والطالب بدمه. وبلغني أنك تعتذر من
قتل عثمان وتتبرأ من دمه، وتزعم أنه قتل وأنت قاعد في بيتك، وأنك قلت حين قتل
- واسترجعت -: (اللهم لم أرض ولم أمالئ)، وقلت يوم الجمل حين نادوا (يا لثارات عثمان) - حين ثار من حول الجمل - قلت: (كب قتلة عثمان اليوم لوجوههم إلى النار، أنحن قتلناه؟ وإنما قتله هما وصاحبتهما وأمروا بقتله وأنا قاعد في بيتي).
وأنا ابن عم عثمان ووليه والطالب بدمه، فإن كان الأمر كما قلت فأمكنا من قتلة
عثمان وادفعهم إلينا نقتلهم بابن عمنا، ونبايعك ونسلم إليك الأمر.
لعن أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر وعمر وعثمان وبراءته منهم
هذه واحدة، وأما الثانية فقد أنبأتني عيوني وأتتني الكتب من أولياء عثمان - ممن
هو معك يقاتل وتحسب أنه على رأيك وراض بأمرك وهواه معنا وقلبه عندنا وجسده معك - أنك تظهر ولاية أبي بكر وعمر وتترحم عليهما، وتكف عن عثمان ولا تذكره ولا تترحم عليه ولا تلعنه.
وبلغني عنك: أنك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة وشيعتك وخاصتك الضالة المغيرة
الكاذبة تبرأت عندهم من أبي بكر وعمر وعثمان ولعنتهم. وادعيت أنك خليفة رسول الله صلی الله عليه و اله في أمته ووصيه فيهم، وأن الله فرض على المؤمنين طاعتك وأمر بولايتك في كتابه
وسنة نبيه، وأن الله أمر محمدا أن يقوم بذلك في أمته، وأنه أنزل عليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (3)، فجمع أمته بغدير خم فبلغ ما أمر به فيك عن الله، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب، وأخبرهم أنك أولى بهم من أنفسهم، وأنك منه بمنزلة هارون من موسى.
غصب الخلافة على لسان معاوية
وبلغني عنك: أنك لا تخطب الناس خطبة إلا قلت قبل أن تنزل عن منبرك: (والله إني لأولى الناس بالناس، وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله).
لئن كان ما بلغني عنك من ذلك حقا فلظلم أبي بكر وعمر إياك أعظم من ظلم عثمان.
لقد قبض رسول الله صلی الله عليه و اله ونحن شهود، فانطلق عمر وبايع أبا بكر وما استأمرك
ولا شاورك، ولقد خاصم الرجلان بحقك وحجتك وقرابتك من رسول الله، ولو سلما
لك وبايعاك لكان عثمان أسرع الناس إلى ذلك لقرابتك منه وحقك عليه لأنه ابن عمك وابن عمتك. ثم عمد أبو بكر فردها إلى عمر عند موته ما شاورك ولا استأمرك حين استخلفه وبايع له.
ثم جعلك عمر في الشورى بين ستة منكم وأخرج منها جميع المهاجرين
والأنصار وغيرهم، فوليتم ابن عوف أمركم في اليوم الثالث حين رأيتم الناس
قد اجتمعوا واخترطوا سيوفهم وحلفوا بالله (لئن غابت الشمس ولم تختاروا أحدكم ليضربن أعناقكم ولينفذن فيكم أمر عمر ووصيته)، فوليتم أمركم ابن عوف، فبايع
عثمان فبايعتموه.
ثم حوصر عثمان فاستنصركم فلم تنصروه ودعاكم فلم تجيبوه، وبيعته في
أعناقكم وأنتم يا معاشر المهاجرين والأنصار حضور شهود. فخليتم عن أهل مصر
حتى قتلوه وأعانهم طوائف منكم على قتله وخذله عامتكم، فصرتم في أمره بين قاتل وآمر وخاذل.
ثم بايعك الناس وأنت أحق بهذا الأمر مني، فأمكني من قتلة عثمان حتى أقتلهم،
وأسلم الأمر لك وأبايعك أنا وجميع من قبلي من أهل الشام.
____________
1- هو عمارة بن جويرة (جوين)، مات سنة 134. فقوله (زعم أبو هارون...) من كلام أبان، لا سليم.
2- أبو مسلم الخولاني. وكذا في سائر موارد الحديث جاء هذا الاسم مكان أبي الدرداء. وأبو الدرداء هو عويمر بن عامر بن زيد الخزرجي الأنصاري المدني الصحابي.
3- سورة المائدة: الآية 67.

رسالة من أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية


فلما قرأ علي عليه السلام كتاب معاوية وأبلغه أبو الدرداء وأبو هريرة رسالته ومقالته، قال
علي عليه السلام لأبي الدرداء: قد أبلغتماني ما أرسلكما به معاوية، فاسمعا مني ثم أبلغاه عني كما أبلغتماني عنه وقولا له:
إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما إمام هدى حرام الدم واجب
النصرة لا تحل معصيته ولا يسع الأمة خذلانه، أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته ولا نصرته. فلا يخلو من إحدى الخصلتين.
والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل
- ضالا كان أو مهتديا، مظلوما كان أو ظالما، حلال الدم أو حرام الدم - أن لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ولا رجلا ولا يبدءوا بشئ قبل أن يختاروا لأنفسهم
إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ
للمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجهم وجمعتهم
ويجبي صدقاتهم. ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلما ويحاكمون قتلته إليه ليحكم بينهم بالحق: فإن كان إمامهم قتل مظلوما حكم لأوليائه بدمه، وإن كان قتل
ظالما نظر كيف الحكم في ذلك.
هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه: أن يختاروا إماما يجمع أمرهم - إن كانت الخيرة لهم - ويتابعوه ويطيعوه. وإن كانت الخيرة إلى الله عز وجل وإلى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في
ذلك والاختيار، ورسول الله صلی الله عليه و اله قد رضي لهم إماما وأمرهم بطاعته واتباعه وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان، بايعني المهاجرون والأنصار بعد ما تشاوروا في ثلاثة أيام،
وهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وعقدوا إمامتهم، ولى ذلك أهل بدر والسابقة
من المهاجرين والأنصار، غير أنهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامة وإن
بيعتي كانت بمشورة من العامة.
فإن كان الله جل اسمه قد جعل الاختيار إلى الأمة وهم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم، واختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خير لهم من اختيار الله ورسوله لهم، وكان
من اختاروه وبايعوه بيعته بيعة هدى وكان إماما واجبا على الناس طاعته ونصرته،
فقد تشاوروا في واختاروني بإجماع منهم، وإن كان الله عز وجل هو الذي يختار، له الخيرة فقد اختارني للأمة واستخلفني عليهم وأمرهم بطاعتي ونصرتي في كتابه المنزل وسنة
نبيه صلی الله عليه و اله فذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي.
ولو أن عثمان قتل على عهد أبي بكر وعمر كان لمعاوية قتالهما والخروج عليهما للطلب؟
قال أبو هريرة وأبو الدرداء: لا.
قال علي عليه السلام: فكذلك أنا فإن قال معاوية: (نعم)، فقولا: إذا يجوز لكل من ظلم
بمظلمة أو قتل له قتيل أن يشق عصى المسلمين ويفرق جماعتهم ويدعو إلى نفسه،
مع أن ولد عثمان أولى بطلب دم أبيهم من معاوية.
قال: فسكت أبو الدرداء وأبو هريرة وقالا: لقد أنصفت من نفسك.
قال علي عليه السلام: ولعمري لقد أنصفني معاوية إن تم على قوله وصدق ما أعطاني،
فهؤلاء بنو عثمان رجال قد أدركوا ليسوا بأطفال ولا مولى عليهم، فليأتوا أجمع بينهم وبين قتلة أبيهم، فإن عجزوا عن حجتهم فليشهدوا لمعاوية بأنه وليهم ووكيلهم
وحربهم في خصومتهم.
وليقعدوا هم وخصمائهم بين يدي مقعد الخصوم إلى الإمام والوالي الذي يقرون
بحكمه وينفذون قضائه، وأنظر في حجتهم وحجة خصمائهم. فإن كان أبوهم قتل
ظالما وكان حلال الدم أبطلت دمه، وإن كان مظلوما حرام الدم أقدتهم من قاتل أبيهم، فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا عفوا وإن شاءوا قبلوا الدية.
وهؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله ويرضون بحكمي عليهم ولهم،
فليأتني ولد عثمان أو معاوية - إن كان وليهم ووكيلهم - فليخاصموا قتلته وليحاكموهم حتى أحكم بينهم وبينهم بكتاب الله وسنة نبيه صلی الله عليه و اله.
وإن كان معاوية إنما يتجني ويطلب الأعاليل والأباطيل فليتجن ما بدا له
فسوف يعين الله عليه. (1)
قال أبو الدرداء وأبو هريرة: قد والله أنصفت من نفسك وزدت على النصفة، وأزحت
علته وقطعت حجته، وجئت بحجة قوية صادقة ما عليها لوم.
ثم خرج أبو هريرة وأبو الدرداء، فإذا نحو من عشرين ألف رجل مقنعين بالحديد
فقالوا: (نحن قتلة عثمان ونحن مقرون راضون بحكم علي عليه السلام علينا ولنا، فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دم أبيهم، فإن وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه وسلمنا).
فقالا: قد أنصفتم، ولا يحل لعلي عليه السلام دفعكم ولا قتلكم حتى يحاكموكم إليه فيحكم بينكم وبين صاحبكم بكتاب الله وسنة نبيه عليه السلام.
____________
1- يتجني أي يرمي بإثم لم نفعله.

رد فعل معاوية على رسالة أمير المؤمنين عليه السلام


فانطلق أبو الدرداء وأبو هريرة حتى قدما على معاوية فأخبراه بما قال علي عليه السلام وما
قال قتلة عثمان وما قال أبو النعمان بن ضمان. (1)
فقال لهما معاوية: فما رد عليكما في ترحمه على أبي بكر وعمر وكفه عن الترحم
على عثمان وبرائته منه في السر وما يدعي من استخلاف رسول الله صلی الله عليه و اله إياه وأنه لم يزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلی الله عليه و اله؟
قالا: بلى، قد ترحم على أبي بكر وعمر وعثمان عندنا ونحن نسمع. ثم قال لنا فيما
يقول: إن كان الله جعل الخيار إلى الأمة فكانوا هم الذين يختارون وينظرون لأنفسهم
- وكان اختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها خيرا لهم وأرشد من اختيار الله واختيار
رسول الله صلی الله عليه و اله - فقد اختاروني وبايعوني، فبيعتي بيعة هدى وأنا إمام واجب على الناس طاعتي ونصرتي، لأنهم قد تشاوروا في واختاروني.
وإن كان اختيار الله واختيار رسول الله صلی الله عليه و اله خيرا لهم وأرشد من اختيارهم لأنفسهم ونظرهم لها، فقد اختارني الله ورسوله للأمة واستخلفاني عليهم وأمراهم بنصرتي وطاعتي في كتاب
الله المنزل على لسان نبيه المرسل، وذلك أقوى لحجتي وأوجب لحقي.
____________
1- لم نعرف الرجل ولا وجه ذكره هنا. ولعله تكلم نيابة عن العشرين ألف المسمين أنفسهم بقتلة عثمان.

مناشدات أمير المؤمنين عليه السلام للمسلمين في صفين


ثم صعد عليه السلام المنبر في عسكره وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي
والمهاجرين والأنصار، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال:
مناقب علي عليه السلام لا تحصى
يا معاشر الناس، إن مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد، ما أنزل الله في كتابه من ذلك وما قال في رسول الله صلی الله عليه و اله، أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي.
أتعلمون أن الله فضل في كتابه الناطق، السابق إلى الإسلام - في غير آية من كتابه -
على المسبوق وإنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.
علي عليه السلام أفضل الأوصياء
قال: أنشدكم الله، سئل رسول الله صلی الله عليه و اله عن قوله: (والسابقون السابقون أولئك
المقربون) (1) فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله وأخي ووصيي علي بن أبي طالب أفضل الأوصياء؟
فقام نحو من سبعين بدريا جلهم من الأنصار وبقيتهم من المهاجرين، منهم
أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، ومن المهاجرين عمار بن
ياسر وغيره، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول الله صلی الله عليه و اله يقول ذلك.
إعلان الولاية في غدير خم
قال: أنشدكم الله في قول الله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (2)، وقوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (3)، ثم قال: (ولم يتخذ من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) (4)، فقال الناس: (يا رسول الله، أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم)؟ فأمر الله عز وجل رسوله أن يعلمهم فيمن نزلت الآيات وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم.
فنصبني بغدير خم وقال: (إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبوني، فأوعدني لأبلغنها أو يعذبني. قم يا علي). ثم نادى بالصلاة جامعة، فصلى
بهم الظهر، ثم قال: (أيها الناس، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم. ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).
فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كما ذا؟ فقال: (ولاؤه كولايتي،
من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وأنزل الله تبارك وتعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (5)فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، أنزلت هذه الآيات في علي خاصة؟ فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: بل فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة).
ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (يا سلمان، اشهد أنت ومن حضرك بذلك وليبلغ الشاهد الغائب). فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، بينهم لنا. فقال: (علي أخي ووزيري
ووصيي ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، وأحد عشر إماما من ولده.
أولهم ابني الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد. القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض).
فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله كما
قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص حرفا، وأشهدنا رسول الله صلی الله عليه و اله على ذلك. وقال بقية السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظ كله، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا. فقال عليه السلام:
صدقتم، ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض.
فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن
ياسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين رحمهم الله، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا قول
رسول الله صلی الله عليه و اله وحفظناه أنه قال يومئذ وهو قائم وعلي قائم إلى جنبه.
ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إماما ووصيا يكون وصي نبيكم فيكم وخليفتي في أمتي وفي أهل بيتي من بعدي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته وأمركم فيه بولايته. فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني).
ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (أيها الناس، إن الله - جل اسمه - أمركم في كتابه بالصلاة وقد بينتها لكم وسننتها، والزكاة والصوم والحج فبينتها وفسرتها لكم، وأمركم في
كتابه بالولاية وإني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي بن أبي طالب والأوصياء من ولدي وولد أخي ووصيي، علي أولهم ثم الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد الحسين
ابني، لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض.
يا أيها الناس، إني قد أعلمتكم مفزعكم وإمامكم بعدي ودليلكم وهاديكم وهو
أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله وأمرني الله أن أعلمه إياه وأعلمكم أنه عنده، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم، فإنهم
مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم).
حديث الكساء وآية التطهير
ثم قال علي عليه السلام لأبي الدرداء وأبي هريرة ومن حوله:
أيها الناس، أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). (6) فجمعني رسول الله صلی الله عليه و اله وفاطمة والحسن والحسين معه في كسائه وقال: (اللهم هؤلاء عترتي وخاصتي وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (إنك على
خير، وإنما أنزلت في وفي أخي علي وابنتي فاطمة وفي ابني الحسن والحسين وفي تسعة أئمة من
ولد الحسين ابني - صلوات الله عليهم - خاصة ليس معنا غيرنا).
فقام كلهم فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا عن ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله فحدثنا به كما حدثتنا أم سلمة به.
الصادقون في القرآن هم الأئمة عليهم السلام
ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، هل تعلمون أن الله جل اسمه أنزل في كتابه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (7)، فقال سلمان: يا رسول الله، أعامة هي أم خاصة؟ فقال: (أما المأمورون فعامة لأن جماعة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة).
قال علي عليه السلام: وقلت لرسول الله صلی الله عليه و اله في غزوة تبوك: يا رسول الله، لم خلفتني؟
فقال: يا علي، إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي.
فقام رجال ممن معه من المهاجرين والأنصار فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من
رسول الله صلی الله عليه و اله في غزوة تبوك.
الشهداء على الناس في القرآن هم الأئمة عليهم السلام
فقال عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. وجاهدوا في الله
حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم
النصير)(2) ، فقام سلمان فقال: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم
شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله وما جعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم؟
قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (إنما عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا أنا وأخي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولدي، واحدا بعد واحد، كلهم أئمة، القرآن معهم وهم مع القرآن،
لا يفترقون حتى يردوا علي الحوض. قالوا: اللهم نعم.
قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قام خطيبا - ولم يخطب
بعدها - وقال: (يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد عهد إلي اللطيف الخيبر أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)؟
قالوا: اللهم نعم، قد شهدنا ذلك كله من رسول الله صلی الله عليه و اله. فقال عليه السلام: حسبي الله.
فقام الاثنا عشر من الجماعة البدريين فقالوا: نشهد أن رسول الله صلی الله عليه و اله حين خطب
في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله، أكل
أهل بيتك؟
فقال: لا ولكن أوصيائي، أخي منهم ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل
مؤمن بعدي وأحد عشر من ولده، هذا أولهم وخيرهم ثم ابناي هذان - وأشار بيده إلى الحسن والحسين - ثم وصي ابني يسمى باسم أخي علي وهو ابن الحسين، ثم وصي علي وهو ولده واسمه محمد، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن مهدي الأمة. اسمه كاسمي وطينته كطينتي،
يأمر بأمري وينهى بنهيي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. يتلو
بعضهم بعضا، واحدا بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء الله في أرضه
وحججه على خلقه. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.
فقام باقي السبعين البدريين ومثلهم من الآخرين فقالوا: ذكرتنا ما كنا نسينا، نشهد
أنا قد سمعنا ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله.
ثم عاد عليه السلام إلى السؤال فلم يدع شيئا مما سأل عنه في مسجد رسول الله صلی الله عليه و اله في
خلافة عثمان (8) إلا ناشدهم فيه حتى أتى عليه السلام على آخر مناقبه وما قال رسول الله صلی الله عليه و اله فيه، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق سمعوه من رسول الله صلی الله عليه و اله.
____________
1- سورة الواقعة: الآيتان 10 و 11.
2- سورة النساء: الآية 59.
3- سورة المائدة: الآية 55.
4- سورة التوبة: الآية 16. وفي المصحف: ولم يتخذوا.
5- سورة المائدة: الآية 3.
6- سورة المائدة: الآية 3.
7- سورة التوبة: الآية 119.
8- سورة الحج: الآيتان 77 و 78.
حديث الثقلين والنص على أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
9- راجع عما قاله عليه السلام في خلافة عثمان: الحديث 11 من هذا الكتاب.

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

كتاب معاوية جوابا لأمير المؤمنين عليه السلام


فلما حدث أبو الدرداء وأبو هريرة معاوية بكل ذلك وبما رد عليه الناس وجم من
ذلك وقال: يا أبا الدرداء ويا أبا هريرة، لئن كان ما تحدثاني عنه حقا لقد هلك
المهاجرون والأنصار غيره وغير أهل بيته وشيعته.
تقية أمير المؤمنين عليه السلام
ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام: لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقا لقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرك وغير أهل بيتك وشيعتك.
وقد بلغني ترحمك عليهم واستغفارك لهم، وإنه لعلى وجهين ما لهما ثالث: إما
تقية إن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم، أو أن الذي ادعيت باطل وكذب. وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصتك
بأنك تقول لشيعتك الضالة وبطانتك بطانة السوء: (إني قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان (1)، فإذا سمعتموني أترحم على أحد من أئمة الضلالة فإني أعني بذلك بني).
مشاهدات معاوية في السقيفة
والدليل على صدق ما أتوني به ورقوه إلي: أنا قد رأيناك بأعيننا، فلا نحتاج أن نسأل من ذلك غيرنا، رأيتك حملت امرأتك فاطمة على حمار وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين - إذ بويع أبو بكر - فلم تدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة إلا دعوتهم واستنصرتهم عليه فلم تجد منهم إنسانا غير أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير.
لعمري لو كنت محقا لأجابوك وساعدوك ونصروك، ولكن ادعيت باطلا وما لا يقرون به.
وسمعتك أذناي وأنت تقول لأبي سفيان - حين قال لك: (غلبت يا بن أبي طالب
على سلطان ابن عمك، ومن غلبك عليه أذل أحياء قريش تيم وعدي) ودعاك إلى
أن ينصرك - فقلت: (لو وجدت أعوانا أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل)، فلما لم تجد غير أربعة رهط بايعت مكرها.
____________
١- روي في البحار: ج 31 ص 307 قال: كنا جلوسا عند علي عليه السلام فدعا ابنه عثمان فقال: يا عثمان ثم قال:
إني لم أسمه باسم عثمان الشيخ الكافر، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون.

كتاب أمير المؤمنين عليه السلام جوابا لمعاوية


قال: فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام:
بسم الله الرحمان الرحيم، أما بعد، فقد قرأت كتابك فكثر تعجبي مما خطت فيه
يدك وأطنبت فيه من كلامك، ومن البلاء العظيم والخطب الجليل على هذه الأمة
أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته، وأنت من تعلم وابن من تعلم وأنا من قد علمت وابن من قد علمت!
وسأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا أظنك تعقله أنت ولا وزيرك ابن النابغة عمرو،
الموافق لك كما وافق شن طبقة(1) ، فإنه هو الذي أمرك بهذا الكتاب وزينه لك، وحضركما فيه إبليس ومردة أصحابه.
والله لقد أخبرني رسول الله صلی الله عليه و اله وعرفني أنه رآى على منبره اثني عشر رجلا، أئمة ضلال من قريش يصعدون منبر رسول الله صلی الله عليه و اله وينزلون على صورة القرود، يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم. قد خبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد. عشرة منهم من بني أمية ورجلان من حيين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمة جميعا إلى يوم القيامة ومثل جميع عذابهم فليس من دم يهراق في غير حقه ولا فرج يغشى حراما ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره.
وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا).
وقال رسول الله صلی الله عليه و اله: يا أخي، إنك لست كمثلي. إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني من الناس وأمرني أن أجاهد ولو بنفسي، فقال: (جاهد في سبيل
الله لا تكلف إلا نفسك) (2)، وقال: (حرض المؤمنين على القتال) (3)، فكنت أنا وأنت المجاهدين. وقد مكثت بمكة ما مكثت لم أؤمر بقتال، ثم أمرني الله بالقتال لأنه
لا يعرف الدين إلا بي ولا الشرائع ولا السنن والأحكام والحدود والحلال والحرام.
وإن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك وما أظهرت
من حجتك، متعمدين غير جاهلين ولا اشتبه عليهم فيه، ولا سيما لما أتوك قبل (4) مخالفة ما أنزل الله فيك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا فدع، وإن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك (5 ) واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم.
إنك يا أخي لست مثلي، إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه
لم يعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت لك، فإني كنت قد أظهرت حجتك وقمت بأمرك، فإن سكت عنهم لم تأثم وإن حكمت ودعوت لم تأثم، غير أني أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك.
ويتظاهر عليك ظلمة قريش، فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم
وجاهدتم من غير أن يكون معك فئة أعوان تقوي بهم أن يقتلوك فيطفأ نور الله ولا يعبد الله في الأرض، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له.
وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى
ولم يختلف اثنان منهم ولا من خلقه ولم يتنازع في شئ من أمره ولم يجحد المفضول
ذا الفضل فضله، ولو شاء عجل منهم النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره. والله جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (6)فقلت: شكرا لله على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.
ثم قال صلی الله عليه و اله: يا أخي، أبشر فإن حياتك وموتك معي، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي، وأنت تقاتل على سنتي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى،
ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه. فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم، أحقاد بدر وترات
أحد.
وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم. فافعل أنت كذلك،
إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك، فإنك إن نابذتهم قتلوك، وإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق.
واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوف عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله، فاستظهر الحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون
لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة. فإذا وجدت يوما أعوانا على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فإنما يهلك من الأمة من نصب نفسه لك أو لأحد من أوصيائك بالعداوة، وعادى وجحد ودان بخلاف ما أنتم عليه.
ولعمري يا معاوية، لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحمي عليكم واستغفاري لكم ليحق باطلا، بل يجعل الله ترحمي عليكم واستغفاري لكم لعنة
وعذابا. وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرما ولا أصغر ذنبا وأهون بدعة وضلالة ممن استنالك ولصاحبك الذي تطلب بدمه ووطئا لكم ظلمنا أهل البيت وحملاكم على رقابنا، فإن الله يقول: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله  فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) (7)، فنحن الناس ونحن المحسودون. قال الله
عز وجل: (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) (8)، فالملك العظيم أن جعل الله فيهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله والكتاب والحكمة النبوة. فلم تقرون بذلك
في آل إبراهيم وتنكرونه في آل محمد؟
يا معاوية: فإن تكفر بها أنت وصاحبك ومن قبلك من طغاة الشام واليمن
والأعراب، أعراب ربيعة ومضر جفاة الأمة، فقد وكل الله بها قوما ليسوا بها بكافرين!
يا معاوية: إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين والذين لا يؤمنون
في آذانهم وقر وهو عليهم عمى.
يا معاوية، إن الله جل جلاله لم يدع صنفا من أصناف الضلالة والدعاة إلى النار إلا
وقد رد عليهم واحتج عليهم في القرآن ونهى فيه عن اتباعهم، وأنزل فيهم قرآنا قاطعا ناطقا عليهم قد علمه من علمه وجهله من جهله. وإني سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما منه حرف إلا وإن له تأويل، (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (9 )، الراسخون نحن آل محمد.
وأمر الله سائر الأمة أن يقولوا: (آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) (10)،
وأن يسلموا لنا ويردوا علمه إلينا وقد قال الله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (11)، هم الذين يسألون عنه ويطلبونه.
آيتان نزلتا في معاوية
لعمري لو أن الناس - حين قبض رسول الله صلی الله عليه و اله - سلموا لنا واتبعونا وقلدونا
أمورهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما طمعت فيها أنت يا معاوية فما
فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم.
ولقد أنزل الله في وفيك خاصة آية من القرآن تتلوها أنت ونظراؤك على ظاهرها
ولا تعلمون تأويلها وباطنها، وهي في سورة الحاقة: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) إلى قوله: (وأما من أوتي كتابه بشماله) (1)إلى آخر الآية، وذلك
أنه يدعى بكل إمام ضلالة وإمام هدى ومع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه
فيدعى بي ويدعى بك.
يا معاوية، وأنت صاحب السلسلة الذي يقول: (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما
حسابيه) إلى آخر القصص (12)، والله لقد سمعت ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله يقوله فيك، وكذلك كل إمام ضلالة كان قبلك ويكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه.
آية نزلت في بني أمية
ونزل فيكم قول الله عز وجل: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (13)، وذلك حين رآى رسول الله صلی الله عليه و اله اثني عشر إماما من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى، رجلان من حيين
مختلفين من قريش وعشرة من بني أمية، أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان، وقد لعنه رسول الله صلی الله عليه و اله وطرده وما ولد حين استمع لنساء رسول الله صلی الله عليه و اله. (14)
يا معاوية، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولم يرض لنا الدنيا ثوابا.
وقد سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله أنت ووزيرك وصويحبك، يقول: (إذا بلغ
بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا). (15)
يا معاوية، إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار ويحيى ذبح وقتله قومه وهو يدعوهم إلى
الله عز وجل، وذلك لهوان الدنيا على الله. إن أولياء الشيطان قديما حاربوا أولياء
الرحمن، قال الله: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون
الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم). (16)
يا معاوية، إن رسول الله صلی الله عليه و اله قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من دم رأسي،
وإني مستشهد، وستلي الأمة من بعدي، وأنك ستقتل ابني الحسن غدرا بالسم، وأن ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين، يلي ذلك منه ابن الزانية.
إخباره عليه السلام عن تسلط بني أمية على الأمة
وأن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم
وخمسة من ولده تكملة اثني عشر إماما قد رآهم رسول الله صلی الله عليه و اله يتواثبون على منبره تواثب القردة، يردون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى، وأنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة. وأن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق، يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر.
إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن ظهور الإمام المهدي عليه السلام
وأن رجلا من ولدك مشوم ملعون جلف جاف منكوس القلب فظ غليظ قد نزع الله
من قلبه الرأفة والرحمة، أخواله من كلب، كأني أنظر إليه ولو شئت لسميته ووصفته
وابن كم هو.
فيبعث جيشا إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل والفواحش، ويهرب
منه رجل من ولدي زكي نقي، الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
وإني لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته. وهو من ولد ابني الحسين الذي يقتله ابنك يزيد، وهو الثائر بدم أبيه. فيهرب إلى مكة ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلا من ولدي زكيا بريا عند أحجار الزيت.
ثم يسير ذلك الجيش إلى مكة، وإني لأعلم اسم أميرهم وعدتهم وأسمائهم
وسمات خيولهم، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم. قال الله عز وجل: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) (17)- قال: من تحت أقدامكم - فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه.
ويبعث الله للمهدي أقواما يجتمعون من أطراف الأرض قزع كقزع الخريف. والله
إني لأعرف أسمائهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم. فيدخل المهدي الكعبة ويبكي ويتضرع، قال الله عز وجل: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) (18)هذا لنا خاصة أهل البيت.
هدف أمير المؤمنين عليه السلام من مراسلاته لمعاوية
أما والله يا معاوية، لقد كتبت إليك هذا الكتاب وإني لأعلم أنك لا تنتفع به، وأنك
ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر وابنك بعدك، لأن الآخرة ليست من بالك وأنك بالآخرة لمن الكافرين. وستندم كما ندم من أسس هذا الأمر لك وحملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة.
ومما دعاني إلى الكتاب إليك بما كتبت به: إني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي ورؤوس أصحابي لعل الله أن ينفعهم بذلك، أو يقرأه واحد ممن قبلك فيخرجه الله به وبنا من الضلالة إلى الهدى ومن ظلمك وظلم أصحابك وفتنتهم، وأحببت أن أحتج عليك.
____________
1- قوله (وافق شن طبقة) مثل يضرب للشيئين يتفقان.
2- إشارة إلى سورة النساء: الآية 84، والآية هكذا: (فقاتل في سبيل الله...).
3- سورة الأنفال: الآية 65.
4- لعل المراد من قوله (لما أتوك) أن لهم سابقة سوء معك في حياتي قبل غصب حقك بعد مماتي.
5- المراد من قوله (إن استجابوا لك ونابذوك فنابذهم...)، إن استجابوا لك ثم خالفوك فقم في وجوههم وذلك مثل أصحاب الجمل والنهروان.
6- سورة النجم: الآية 31.
7- سورة النساء: الآيات 54 ـ 51.
8- سورة النساء: الآيتان 54 و 55.
9- سورة آل عمران: الآية 7.
10- سورة آل عمران: الآية 7.
11- سورة النساء: الآية 83.
12- الآية الأولى في سورة الانشقاق: الآية 6 وتمام الآيات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا). والآية الثانية في سورة الحاقة: الآيات 37 - 19، وتمام الآيات هكذا: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغني عني ما ليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه...).
13- سورة الحاقة: الآيات 29 - 25. وقوله (أنت صاحب السلسلة)، إشارة إلى قوله تعالى في الآية 32 من هذه السورة: (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه).
14- سورة الإسراء: الآية 60.
15- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 243 عن البلاذري أن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وآله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام. وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه. فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار بإصبعه. فبقي على تخليجه وأصابته خبلة. واطلع على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو في بعض حجر نساءه، فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: من عذيري من هذه الوزغة اللعين؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده. فغربهم جميعا إلى الطائف.
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله. ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة.
16- قوله (كتاب الله دخلا) أي يتخذون كتاب الله خديعة وعباد الله عبيدا وإماء ويتداولون مال الله بينهم.
17- سورة آل عمران: الآية 21.

جواب معاوية الأخير إلى أمير المؤمنين عليه السلام


فكتب إليه معاوية:
(هنيئا لك يا أبا الحسن تملك الآخرة، وهنيئا لنا نملك الدنيا)!

احتجاجات قيس بن سعد بن عبادة على معاوية


أبان عن سليم وعمر بن أبي سلمة - حديثهما واحد، هذا وذلك - قالا:
قدم معاوية حاجا في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين عليه السلام وصالح
الحسن عليه السلام. فاستقبله أهل المدينة (1)، فنظر فإذا الذي استقبله من قريش أكثر من
الأنصار. فسأل عن ذلك، فقيل له: (إنهم محتاجون ليست لهم دواب)!
فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة فقال: يا معشر الأنصار، ما لكم
لا تستقبلوني مع إخوانكم من قريش؟ فقال قيس - وكان سيد الأنصار وابن سيدهم -: أقعدنا - يا أمير المؤمنين - أن لم تكن لنا دواب فقال معاوية: فأين النواضح؟ فقال
قيس: أفنيناها يوم بدر ويوم أحد وما بعدهما في مشاهد رسول الله حين ضربناك وأباك على الإسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون.
قال معاوية: اللهم غفرا. قال قيس: أما إن رسول الله قال: (إنكم سترون بعدي
إثرة). فقال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. فقال: فاصبروا حتى
تلقوه!
ثم قال قيس: يا معاوية، تعيرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم
جاهدون على إطفاء نور الله وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا. ثم دخلت أنت وأبوك كرها في الإسلام الذي ضربناكم عليه.
فقال له معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتك إيانا، والله لقريش بذلك المن والطول.
ألستم تمنون علينا - يا معشر الأنصار - بنصرتكم رسول الله وهو من قريش وهو
ابن عمنا ومنا؟ فلنا المن والطول إذ جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا.
سوابق أبي طالب عليه السلام في نصرة الإسلام
فقال قيس: إن الله عز وجل بعث محمدا رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافة، إلى
الجن والأنس والأحمر والأسود والأبيض، واختاره لنبوته واختصه برسالته. فكان
أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب وكان أبو طالب عمه يذب عنه ويمنع منه ويحول بين كفار قريش وبينه أن يروعوه أو يؤذوه ويأمره بتبليغ رسالات ربه.
فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه عليا بموازرته ونصرته فوازره علي ونصره وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك عليا من بين قريش وأكرمه من بين جميع العرب والعجم.
فجمع رسول الله صلی الله عليه و اله جميع بني عبد المطلب فيهم أبو طالب وأبو لهب، وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلی الله عليه و اله وخادمه يومئذ علي عليه السلام، ورسول الله يومئذ في حجر عمه أبي طالب، فقال: (أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي
في أمتي وولي كل مؤمن بعدي)؟
فسكت القوم حتى أعادها رسول الله صلی الله عليه و اله ثلاث مرات. فقال علي عليه السلام: (أنا يا رسول الله، صلى الله عليك). فوضع رسول الله رأس علي في حجره وتفل في فيه
وقال: (اللهم املأ جوفه علما وفهما وحكما). ثم قال لأبي طالب: (يا أبا طالب، اسمع
الآن لابنك علي وأطع، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى). وآخى بين
الناس وآخى بين علي وبين نفسه.
فلم يدع قيس بن سعد شيئا من مناقبه إلا ذكرها واحتج بها وقال: منهم أهل البيت
جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين، اختصه الله بذلك من بين الناس، ومنهم حمزة سيد الشهداء، ومنهم فاطمة سيدة نساء العالمين. فإذا وضعت من قريش
رسول الله وأهل بيته وعترته الطيبين، فنحن والله خير منكم - يا معشر قريش - وأحب إلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم.
لقد قبض رسول الله صلی الله عليه و اله فاجتمعت الأنصار إلى والدي سعد ثم قالوا: (لا نبايع
غير سعد). فجاءت قريش بحجة علي وأهل بيته وخاصمونا بحقه وقرابته من
رسول الله صلی الله عليه و اله. فما يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار أو ظلموا آل محمد عليهم السلام.
ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حق ولا نصيب مع علي بن أبي طالب وولده من بعده.
فغضب معاوية وقال: يا بن سعد، عمن أخذت هذا وعمن رويته وعمن سمعته؟
أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي
وأعظم علي حقا من أبي. قال: ومن هو؟ قال: ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عالم هذه الأمة وديانها وصديقها وفاروقها الذي أنزل الله فيه ما أنزل وهو قوله عز وجل:
(قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). (2)فلم يدع قيس آية نزلت في علي عليه السلام إلا ذكرها.
فقال معاوية: فإن صديقها أبو بكر وفاروقها عمر، والذي عنده علم الكتاب عبد الله
بن سلام!
قال قيس: أحق بهذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه: (أفمن كان على بينة من
ربه ويتلوه شاهد منه) (3)، والذي أنزل الله جل اسمه فيه: (إنما أنت منذر ولكل قوم
هاد) (4 )، والله لقد نزلت: (وعلي لكل قوم هاد)، فأسقطتم ذلك، والذي نصبه
رسول الله صلی الله عليه و اله بغدير خم فقال: (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وقال له رسول الله في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
____________
1 - سورة سبأ: الآية 51.
2- سورة النمل: الآية 62.
3- في المثالب لابن شهرآشوب: فتلقته قريش بوادي القرى والأنصار بأبواء المدينة.
4- سورة الرعد: الآية 43.
5- سورة هود: الآية 17.
6- سورة الرعد: الآية 7.

بداية خطة معاوية في لعن علي عليه السلام


وكان معاوية يومئذ بالمدينة، فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى جميع البلدان إلى عماله: (ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي بن أبي طالب أو فضائل أهل بيته وقد أحل بنفسه العقوبة).
وقامت الخطباء في كل كورة ومكان وعلى كل المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه والوقيعة فيه وفي أهل بيته عليهم السلام بما ليس فيهم، واللعنة لهم.

احتجاجات ابن عباس على معاوية


ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش، فلما رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس. فقال
له: يا بن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا موجدة في نفسك علي بقتالي إياكم يوم صفين. يا بن عباس، إن ابن عمي أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما.
قال له ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما، أفسلمتم الأمر إلى ولده، وهذا
ابنه؟ قال: إن عمر قتله مشرك. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان؟ قال: قتله المسلمون
قال: فذلك أدحض لحجتك وأحل لدمه إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق.
قال معاوية: فإنا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكف
لسانك - يا بن عباس - وأربع على نفسك.
فقال له ابن عباس: أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال: لا.
قال: أفتنهانا عن تأويله؟ قال: نعم.
قال: فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟ قال: نعم.
قال: فأيما أوجب علينا، قرائته أو العمل به؟ قال معاوية: العمل به.
قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟ قال: سل عن ذلك من
يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.
قال: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان أو أسأل عنه
آل أبي معيط أو اليهود والنصارى والمجوس؟ قال له معاوية: فقد عدلتنا بهم وصيرتنا منهم.
قال له ابن عباس: لعمري ما أعدلك بهم، غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه
من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.
قال معاوية: فاقرؤا القرآن وتأولوه ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم من تفسيره وما
قاله رسول الله فيكم، وارووا ما سوى ذلك.
قال ابن عباس: قال الله في القرآن: (يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله
إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون). (1)
قال معاوية: يا بن عباس، اكفني نفسك وكف عني لسانك، وإن كنت لا بد فاعلا
فليكن ذلك سرا ولا يسمعه أحد منك علانية.
ثم رجع إلى منزله، فبعث إليه بخمسين ألف درهم.
____________
١- سورة التوبة: الآية 32.

اشتداد البلاء على الشيعة في عهد معاوية


ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيته عليهم السلام، وكان أشد الناس بلية
أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة. واستعمل عليهم زيادا أخاه وضم إليه البصرة والكوفة وجميع العراقين. وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عالم لأنه كان منهم فقد عرفهم وسمع كلامهم أول شئ.

فقتلهم تحت كل كوكب وحجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل


منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزعوا عن العراق. فلم يبق بالعراقين أحد مشهور إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب.
وكتب معاوية إلى قضاته وولاته في جميع الأرضين والأمصار: (أن لا تجيزوا
لأحد من شيعة علي بن أبي طالب ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته الذين يرون
فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة).
تقريب معاوية جماعة عثمان واختلاق المناقب له
وكتب إلى عماله: (انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته وأهل ولايته والذين يرون فضله ويتحدثون بمناقبه، فأدنوا مجالسهم وأكرموهم وقربوهم
وشرفوهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم فيه واسم الرجل واسم أبيه وممن هو).
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في عثمان الحديث وبعث إليهم بالصلات والكسي وأكثر
لهم القطائع من العرب والموالي. فكثروا في كل مصر وتنافسوا في المنازل والضياع واتسعت عليهم الدنيا. فلم يكن أحد يأتي عامل مصر من الأمصار ولا قرية فيروي في عثمان منقبة أو يذكر له فضيلة إلا كتب اسمه وقرب وشفع. فلبثوا بذلك ما شاء الله.
سعي معاوية في إحياء اسم أبي بكر وعمر
ثم كتب بعد ذلك إلى عماله: (أن الحديث قد كثر في عثمان وفشا في كل قرية
ومصر ومن كل ناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في أبي بكر وعمر، فإن فضلهما وسوابقهما أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أهل هذا البيت وأشد عليهم
من مناقب عثمان وفضائله).
فقرأ كل قاض وأمير من ولاته كتابه على الناس، وأخذ الناس في الروايات في
أبي بكر وعمر وفي مناقبهم.
أمر معاوية بتعليم المناقب الكاذبة للأطفال والنساء
ثم كتب نسخة جمع فيها جميع ما روي فيهم من المناقب والفضائل، وأنفذها إلى عماله وأمرهم بقرائتها على المنابر وفي كل كورة وفي كل مسجد. وأمرهم أن ينفذوا إلى معلمي الكتاتيب أن يعلموها صبيانهم حتى يرووها ويتعلموها كما يتعلمون القرآن (1) وحتى علموها بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله. (2)
برنامج معاوية لإبادة الشيعة
ثم كتب معاوية إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: (انظروا من قامت عليه
البينة أنه يحب عليا وأهل بيته، فامحوه من الديوان ولا تجيزوا له شهادة).
ثم كتب كتابا آخر: (من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة أنه منهم فاقتلوه).
فقتلوهم على التهم والظن والشبه تحت كل كوكب، حتى لقد كان الرجل يغلط
بكلمة فيضرب عنقه. ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكبر ولا أشد منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتى أنه كان الرجل من شيعة علي عليه السلام - وممن بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها - ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، ثم يلقي إليه سره فيخاف من خادمه ومملوكه،
فلا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمه عليه.
وجعل الأمر لا يزداد إلا شدة وكثر عندهم عدوهم وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من الزور والبهتان، فنشأ الناس على ذلك ولم يتعلموا إلا منهم ومضى على ذلك قضاتهم وولاتهم وفقهائهم.
وكان أعظم الناس في ذلك بلاء وفتنه القراء المراءون المتصنعون، الذين يظهرون
لهم الحزن والخشوع والنسك، ويكذبون ويفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند
ولاتهم ويدنوا بذلك مجالسهم ويصيبوا بذلك الأموال والقطائع والمنازل. حتى
صارت أحاديثهم تلك ورواياتهم في أيدي من يحسب أنها حق وأنها صدق، فرووها وقبلوها وتعلموها وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا، حتى جمعت على ذلك مجالسهم وصارت في أيدي الناس المتدينين الذين لا يستحلون الكذب ويبغضون عليه أهله.
فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا أنها باطل لم يرووها ولم يتدينوا بها
ولا تنقصوا من خالفهم. فصار الحق في ذلك الزمان باطلا والباطل حقا والصدق كذبا والكذب صدقا. وقد قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (لتشملنكم فتنة يربو فيها الوليد وينشأ فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة. فإذا غير منها شئ قالوا: أتى الناس
منكرا، غيرت السنة)!
فلما مات الحسن بن علي عليه السلام لم يزل الفتنة والبلاء يعظمان ويشتدان، فلم يبق ولي لله
إلا خائفا على دمه أو مقتولا أو طريدا أو شريدا، ولم يبق عدو لله إلا مظهرا حجته غير مستتر ببدعته وضلالته.
____________
1- راجع عن المناقب المفتعلة بشأن أبي بكر وعمر وعثمان: الحديث 10 من هذا الكتاب.
2- زاد هنا في الإحتجاج: وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين: (أنهم على دين علي وعلى رأيه).
فكتب إليه معاوية: (اقتل كل من كان على دين علي ورأيه)، فقتلهم ومثل بهم.
روي في البحار: ج 44 ص 212 من جملة ما كتبه الإمام الحسين عليه السلام إلى معاوية جوابا لرسالته:
(... أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه، فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثل بهم بأمرك).

مناشدات واحتجاجات الإمام الحسين عليه السلام بمكة


فلما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه. فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم، رجالهم ونسائهم ومواليهم وشيعتهم من حج منهم، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته.
ثم أرسل رسلا: (لا تدعوا أحدا ممن حج العام من أصحاب رسول الله صلی الله عليه و اله
المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي).
فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل (1) وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين
ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلی الله عليه و اله وغيرهم.
فقام فيهم الحسين عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا
الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن
شئ، فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني. أسألكم بحق الله عليكم وحق
رسول الله وحق قرابتي من نبيكم، لما سيرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم
أجمعين في أنصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
مناقب أمير المؤمنين عليه السلام على لسان الإمام الحسين عليه السلام
وما ترك شيئا مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قاله
رسول الله صلی الله عليه و اله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: (اللهم نعم، قد سمعنا وشهدنا)، ويقول التابعي: (اللهم قد حدثني به من
أصدقه وأئتمنه من الصحابة). فقال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه.
قال سليم: فكان فيما ناشدهم الحسين عليه السلام وذكرهم أن قال: أنشدكم الله أتعلمون أن علي بن أبي طالب كان أخا رسول الله صلی الله عليه و اله حين آخى بين أصحابه، فآخى بينه وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله اشترى موضع مسجده ومنازله
فابتناه، ثم ابتنى فيه عشرة منازل، تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لأبي.
ثم سد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه، فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلی الله عليه و اله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ثم نهى
الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان يجنب في المسجد ومنزله في منزل
رسول الله صلی الله عليه و اله، فولد لرسول الله صلی الله عليه و اله وله فيه أولاد؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتعلمون أن عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد، فأبى عليه. ثم خطب صلی الله عليه و اله فقال: إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا
لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله نصبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية وقال: (ليبلغ الشاهد الغائب)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال له في غزوة تبوك: (أنت مني
بمنزلة هارون من موسى وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلا به وبصاحبته وابنيه؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله، أتعلمون أنه دفع إليه اللواء يوم خيبر، ثم قال: (لأدفعه إلى رجل
يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار يفتحها الله على يديه)؟ قالوا:
اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله بعثه ببراءة وقال: (لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله لم تنزل به شدة قط إلا قدمه لها ثقة به، وأنه لم يدعه باسمه قط إلا أن يقول: (يا أخي) و (ادعوا لي أخي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قضى بينه وبين جعفر وزيد (2)، فقال له: (يا علي،
أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أنه كانت له من رسول الله صلی الله عليه و اله كل يوم خلوة وكل ليلة دخلة، إذا سأله أعطاه وإذا سكت أبداه؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله فضله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة عليها السلام: (زوجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما)؟ قالوا: اللهم
نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب،
وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله أمره بغسله وأخبره أن جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا:
اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلی الله عليه و اله قال في آخر خطبة خطبها: (أيها الناس، إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، فتمسكوا بهما لن تضلوا)؟ قالوا: اللهم نعم.
فلم يدع شيئا أنزله الله في علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة وفي أهل بيته من القرآن
ولا على لسان نبيه صلی الله عليه و اله إلا ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: (اللهم نعم، قد سمعنا)،
ويقول التابعي: (اللهم قد حدثنيه من أثق به، فلان وفلان).
ثم ناشدهم أنهم قد سمعوه صلی الله عليه و اله يقول: (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب، ليس يحبني وهو يبغض عليا) فقال له قائل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: لأنه مني وأنا منه، من أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله)؟
فقالوا: (اللهم نعم، قد سمعنا). وتفرقوا على ذلك.
____________
1- في الإحتجاج: ألف رجل.
2- راجع الحديث 11 من هذا الكتاب.

ابن عباس يحكي قضية الكتف


أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: إني كنت عند عبد الله بن عباس في بيته وعنده
رهط من الشيعة. قال: فذكروا رسول الله صلی الله عليه و اله وموته، فبكى ابن عباس، وقال:
قال رسول الله صلی الله عليه و اله يوم الاثنين - وهو اليوم الذي قبض فيه - وحوله أهل بيته وثلاثون رجلا من أصحابه: ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لن تضلوا بعدي ولن تختلفوا
بعدي.
فمنعهم فرعون هذه الأمة فقال: (إن رسول الله يهجر) فغضب رسول الله صلی الله عليه و اله
وقال: (إني أراكم تخالفوني وأنا حي، فكيف بعد موتي)؟ فترك الكتف.
قال سليم: ثم أقبل علي ابن عباس فقال: يا سليم، لولا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا
كتابا لا يضل أحد ولا يختلف.
فقال رجل من القوم: ومن ذلك الرجل؟ فقال: ليس إلى ذلك سبيل.
فخلوت بابن عباس بعد ما قام القوم، فقال: هو عمر. فقلت: صدقت، قد سمعت
عليا عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: (إنه عمر). فقال: يا سليم، اكتم إلا ممن تثق بهم من إخوانك، فإن قلوب هذه الأمة أشربت حب هذين الرجلين كما أشربت قلوب بني إسرائيل حب العجل والسامري.

احاديث عن حرب الجمل


قال أبان: سمعت سليم بن قيس يقول: شهدت يوم الجمل عليا عليه السلام، وكنا اثني عشر
ألفا وكان أصحاب الجمل زيادة على عشرين ومائة ألف.
وكان مع علي عليه السلام من المهاجرين والأنصار نحو من أربعة آلاف ممن شهد مع
رسول الله صلی الله عليه و اله بدرا والحديبية ومشاهده، وسائر الناس من أهل الكوفة إلا من تبعه (1) من أهل البصرة والحجاز ليست له هجرة ممن أسلم بعد الفتح. وجل الأربعة آلاف من الأنصار.
ولم يكره أحدا من الناس على البيعة ولا على القتال، إنما ندبهم فانتدب من أهل
بدر سبعون ومائة رجل، وجلهم من الأنصار ممن شاهد أحدا والحديبية، ولم يتخلف
عنه أحد.
وليس أحد من المهاجرين والأنصار إلا وهواه معه، يتولونه ويدعون له بالظفر
والنصر ويحبون ظهوره على من ناواه، ولم يحرجهم ولم يضيق عليهم وقد بايعوه،
وليس كل الناس يقاتل في سبيل الله. (2)
والطاعن عليه والمتبرء منه قليل مستتر عنه، مظهر له الطاعة غير ثلاثة رهط، بايعوه
ثم شكوا في القتال معه وقعدوا في بيوتهم: محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر.
وأسامة بن زيد سلم بعد ذلك ورضي، ودعا لعلي عليه السلام واستغفر له وبرئ من عدوه
وشهد أنه على الحق، ومن خالفه ملعون حلال الدم.
____________
1- أي مضافا إلى من تبعه من أهل البصرة ومن غير المهاجرين من أهل الحجاز الذين أسلموا بعد فتح مكة.
2- أي عدم إكراهه عليه السلام لهم لا ينافي عدم خلوص نياتهم في الحرب.

احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام على طلحة والزبير


قال أبان: قال سليم: لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام، وأهل البصرة يوم الجمل نادى
علي عليه السلام الزبير: يا أبا عبد الله، اخرج إلي.
فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تخرج إلى الزبير الناكث بيعته وهو على فرس
شاك في السلاح وأنت على بغلة بلا سلاح؟ فقال علي عليه السلام: إن علي من الله جنة واقية.
لن يستطيع أحد فرارا من أجله. وإني لا أموت ولا أقتل إلا على يدي أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى ثمود.
فخرج إليه الزبير. فقال: أين طلحة؟ ليخرج. فخرج طلحة.
أصحاب الجمل ملعونون على لسان رسول الله صلی الله عليه و اله
فقال عليه السلام: نشدتكما بالله، أتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر
(أن أصحاب الجمل وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلی الله عليه و اله) وقد خاب من افترى؟
فقال الزبير: كيف نكون ملعونين ونحن من أهل الجنة؟ فقال علي عليه السلام: لو علمت
أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم.
فقال الزبير: أما سمعت رسول الله يقول يوم أحد: (أوجب طلحة الجنة، ومن أراد
أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض حيا فلينظر إلى طلحة)؟ أوما سمعت رسول الله
يقول: (عشرة من قريش في الجنة)؟ (1)
رد أمير المؤمنين عليه السلام حديث العشرة المبشرة
فقال علي عليه السلام: فسمهم. قال: فلان وفلان وفلان، حتى عد تسعة، فيهم أبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.
فقال علي عليه السلام: عددت تسعة، فمن العاشر؟ قال الزبير: أنت فقال علي عليه السلام: أما أنت
فقد أقررت أني من أهل الجنة، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإني به لمن الجاحدين. والله إن بعض من سميت لفي تابوت في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب
صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة فأسعرت جهنم. سمعت ذلك من رسول الله صلی الله عليه و اله، وإلا فأظفرك الله بي وسفك دمي بيدك، وإلا فأظفرني الله بك وبأصحابك!
فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي.
إخراج زوجة رسول الله صلی الله عليه و اله بيد طلحة والزبير
ثم أقبل على طلحة فقال: يا طلحة، معكما نساؤكما؟ قال: لا. قال: عمدتما إلى
امرأة موضعها في كتاب الله القعود في بيتها فأبرزتماها وصنتما حلائلكما في الخيام والحجال؟ ما أنصفتما رسول الله صلی الله عليه و اله من أنفسكم حيث أجلستما نسائكما في البيوت وأخرجتما زوجة رسول الله صلی الله عليه و اله وقد أمر الله أن لا يكلمن إلا من وراء حجاب.
أخبرني عن صلاة عبد الله بن الزبير بكما، أما يرضى أحدكما بصاحبه؟ أخبرني عن دعائكما الأعراب إلى قتالي، ما يحملكما على ذلك؟
فقال طلحة: يا هذا، كنا في الشورى ستة مات منا واحد وقتل آخر، فنحن اليوم
أربعة كلنا لك كاره.
فقال له علي عليه السلام: ليس ذلك علي، قد كنا في الشورى والأمر في يد غيرنا وهو اليوم
في يدي. أرأيت لو أردت - بعد ما بايعت عثمان - أن أرد هذا الأمر شورى، أكان ذلك لي؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: لأنك بايعت طائعا.
فقال علي عليه السلام: وكيف ذلك، والأنصار معهم السيوف مخترطة يقولون: (لئن فرغتم وبايعتم واحدا منكم، وإلا ضربنا أعناقكم أجمعين) فهل قال لك ولأصحابك أحد شيئا من هذا حيث بايعتماني؟ وحجتي في الاستكراه في البيعة أوضح من حجتك وقد بايعتني أنت وصاحبك طائعين غير مكرهين، وكنتما أول من فعل ذلك، ولم يقل أحد:
لتبايعان أو لنقتلنكما!
فانصرف طلحة ونشب القتال، فقتل طلحة وانهزم الزبير.    
____________
1- في الإحتجاج: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
(عشرة من قريش في الجنة)؟ قال علي عليه السلام: سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته. فقال له علي عليه السلام:
لست أخبرك بشئ حتى تسميهم.

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

مفتاح العلوم عند أمير المؤمنين عليه السلام


قال أبان: قال سليم: سمعت ابن عباس يقول: سمعت من علي عليه السلام حديثا لم أدر ما
وجهه ولم أنكره. سمعته يقول: (إن رسول الله صلی الله عليه و اله أسر إلي في مرضه، فعلمني مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب).
وإني لجالس بذي قار في فسطاط علي عليه السلام وقد بعث الحسن عليه السلام وعمارا إلى أهل الكوفة يستنفران الناس، إذ أقبل علي علي عليه السلام فقال: يا بن عباس، يقدم عليك الحسن ومعه أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين. (1)فقلت في نفسي: إن كان كما قال فهو من تلك الألف باب.
فلما أظلنا الحسن عليه السلام بذلك الجند استقبلتهم، فقلت لكاتب الجيش الذي معه
أسمائهم: كم رجل معكم؟ فقال: أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين.
____________
١- الترديد من الراوي، ورواه في البحار: ج 41 ص 300 بتفصيل أكثر هكذا: قال أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا، يبايعوني على الموت. قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم من العدد أو يزيدوا عليه فيفسدوا الأمر علينا. وإني أحصي القوم فاستوفيت عددهم تسعمائة ر جل وتسعة وتسعين رجلا، ثم انقطع مجئ القوم. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. ما ذا حمله على ما قال؟ فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتى دنا، وهو رجل عليه قباء صوف ومعه سيف وترس وإداوة. فقرب من أمير المؤمنين عليه السلام فقال: امدد يديك لأبايعك. قال علي عليه السلام: وعلى ما تبايعني؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك أو يفتح الله عليك. فقال: ما اسمك؟ قال: أويس القرني، قال: نعم، الله أكبر فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أني أدرك رجلا من أمته يقال له (أويس القرني)، يكون من حزب الله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. قال ابن عباس: فسري عنا.

سلوني قبل أن تفقدوني


قال أبان عن سليم، قال: جلست إلى علي عليه السلام بالكوفة في المسجد والناس حوله.
فقال: سلوني قبل أن تفقدوني. سلوني عن كتاب الله، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلی الله عليه و اله وعلمني تأويلها.
فقال ابن الكواء: فما كان ينزل عليه وأنت غائب؟
فقال عليه السلام: بلى، يحفظ علي ما غبت عنه، فإذا قدمت عليه قال لي: (يا علي، أنزل الله بعدك كذا وكذا) فيقرأنيه، (وتأويله كذا وكذا) فيعلمنيه.

افتراق الأمم


قال أبان: قال سليم: سمعت عليا عليه السلام وهو يقول لرأس اليهود: كم افترقتم؟ فقال:
على كذا وكذا فرقة. فقال علي عليه السلام: كذبت!
ثم أقبل على الناس فقال: والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة
بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل القرآن بقرآنهم.
افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة
وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى. وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين
فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت شمعون وصي عيسى عليه السلام. وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصي محمد صلی الله عليه و اله - وضرب بيده على صدره -.
ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة واثنتا عشرة منها في النار.

أسماء أهل السعادة والشقاوة


قال أبان: قال سليم: قلت لابن عباس: أخبرني بأعظم ما سمعتم من علي بن
أبي طالب عليه السلام، ما هو؟
قال سليم: فأتاني بشئ قد كنت سمعته أنا من علي عليه السلام.
قال عليه السلام: دعاني رسول الله صلی الله عليه و اله وفي يده كتاب، فقال: يا علي، دونك هذا الكتاب.
فقلت: يا نبي الله، وما هذا الكتاب؟ قال: كتاب كتبه الله، فيه تسمية أهل السعادة وأهل الشقاوة من أمتي إلى يوم القيامة، أمرني ربي أن أدفعه إليك. (1)
____________
١- يناسب هنا أن أورد ما رواه في البحار: ج 17 ص 146 ح 40 بأسناده عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام قال:
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وفي يده اليمنى كتاب وفي يده اليسرى كتاب. فنشر الكتاب الذي في يده اليمنى فقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب لأهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم، لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد). قال: ثم نشر الذي بيده اليسرى فقرأ: (كتاب من الله الرحمن الرحيم لأهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد).
وروي في البحار أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: انتهى النبي صلى الله عليه وآله إلى السماء السابعة وانتهى إلى سدرة المنتهى. قال: فقالت السدرة: ما جازني مخلوق قبلك. ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى.
قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وكتاب أصحاب الشمال. فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه وفتحه ونظر فيه، فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم. قال: وفتح كتاب أصحاب الشمال ونظر فيه فإذا فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم. ثم نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

أخبار ليلة الهرير أشد مراحل حرب صفين


قال أبان: سمعت سليم بن قيس يقول - وسألته(1): هل شهدت صفين؟ فقال: نعم.
قلت: هل شهدت يوم الهرير؟ قال: نعم. قلت: كم كان أتى عليك من السن؟ قال:
أربعون سنة. (2)قلت: فحدثني رحمك الله.
قال: مهما نسيت من شئ من الأشياء فلا أنسى هذا الحديث. ثم بكى وقال:
صفوا وصففنا، فخرج مالك الأشتر على فرس له أدهم مجنب (3) وسلاحه معلق على
فرسه وبيده الرمح وهو يقرع به رؤوسنا ويقول: (أقيموا صفوفكم).
فلما كتب الكتائب (4) وأقام الصفوف أقبل على فرسه حتى قام بين الصفين فولى أهل الشام ظهره وأقبل علينا بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی الله عليه و اله، ثم قال:
(أما بعد، فإنه كان من قضاء الله وقدره اجتماعنا في هذه البقعة من الأرض لآجال
قد اقتربت وأمور تصرمت، يسوسنا فيها سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وابن عم نبينا وأخوه ووارثه، وسيوفنا سيوف الله، ورئيسهم ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب يسوقهم إلى الشقاء والنار. ونحن نرجو بقتالهم من الله الثواب، وهم ينتظرون العقاب. فإذا حمى الوطيس وثار القتال (5) وجالت الخيل بقتلانا وقتلاهم رجونا بقتالهم النصر من الله، فلا أسمعن إلا غمغمة (6) أو همهمة.
أيها الناس، غضوا الأبصار وعضوا على النواجذ من الأضراس فإنها أشد لضرب
الرأس، واستقبلوا القوم بوجوهكم وخذوا قوائم سيوفكم بأيمانكم، فاضربوا الهام
وأطعنوا بالرماح مما يلي الشرسوف(7 ) الايسر فانه مقتل وشدوا شدة قوم موتورين
بآبائهم وبدماء إخوانهم حنقين على عدوهم، قد وطنوا أنفسهم على الموت،
لكيلا تذلوا ولا يلزمكم في الدنيا عار).
ثم التقى القوم فكان بينهم أمر عظيم، فتفرقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجحة
العرب(8). وكانت الوقعة يوم الخميس من حيث استقلت الشمس حتى ذهب ثلث الليل الأول. ما سجد لله في ذينك العسكرين سجدة حتى مرت مواقيت الصلوات الأربع:
الظهر والعصر والمغرب والعشاء. (9)
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد ليلة الهرير
قال سليم: ثم إن عليا عليه السلام قام خطيبا فقال: (يا أيها الناس، إنه قد بلغ بكم ما قد رأيتم وبعدوكم كمثل فلم يبق إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها،
وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغوا فيكم ما قد بلغوا. وأنا غاد عليهم بالغداة
إن شاء الله ومحاكمهم إلى الله).
رفع المصاحف
فبلغ ذلك معاوية ففزع فزعا شديدا وانكسر هو وجميع أصحابه وأهل الشام
لذلك. فدعا عمرو بن العاص فقال: يا عمرو، إنما هي الليلة حتى يغدو علينا،
فما ترى؟ قال: أرى الرجال قد قلوا، وما بقي فلا يقومون لرجاله ولست مثله، وإنما يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره: أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء. وليس يخاف أهل الشام عليا إن ظفر بهم ما يخاف أهل العراق إن ظفرت بهم. ولكن ألق إليهم أمرا إن ردوه اختلفوا وإن قبلوه اختلفوا دعهم إلى كتاب الله وارفع المصاحف على رؤوس الرماح، فإنك بالغ حاجتك فإني لم أزل أدخرها لك.
كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه السلام خديعة
فعرفها معاوية وقال: صدقت، ولكن قد رأيت رأيا أخدع به عليا: (طلبي إليه الشام
على الموادعة)، وهو الشئ الأول الذي ردني عنه.
فضحك عمرو وقال: أين أنت يا معاوية من خديعة علي؟ وإن شئت أن تكتب فاكتب.
قال: فكتب معاوية إلى علي عليه السلام كتابا مع رجل من أهل السكاسك يقال له (عبد الله
بن عقبة):
(أما بعد، فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت وعلمناه نحن، لم يجنها
بعضنا على بعض. وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما نرم به (10) ما مضى ونصلح ما بقي.
وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة ولا بيعة، فأبيت ذلك علي
أعطاني الله ما منعت. وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإنك لا ترجو من
البقاء إلا ما أرجوه ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف، وقد والله رقت الأكباد وذهبت الرجال. ونحن بنو عبد مناف، وليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز
ولا يسترق به ذليل، والسلام).
جواب أمير المؤمنين عليه السلام لكتاب معاوية
قال سليم: فلما قرأ علي عليه السلام كتابه ضحك وقال: العجب من معاوية وخديعته لي
فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له: أكتب:
أما بعد، فقد جائني كتابك تذكر فيه (أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك
إلى ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض)، وإنا وإياك - يا معاوية - على غاية منها
لم نبلغها بعد.
وأما طلبك الشام، فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس. وأما استواؤنا في الخوف
والرجاء، فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام أحرص
على الدنيا من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض)، فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق. في أيدينا فضل النبوة التي ملكنا بها العرب واستعبدنا بها العجم، والسلام).
شماتة عمرو بن العاص بمعاوية
قال: فلما انتهى كتاب علي عليه السلام إلى معاوية كتمه عن عمرو، ثم دعاه فأقرأه. فشمت
به عمرو، وقد كان نهاه. ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي عليه السلام من عمرو بعد اليوم الذي صرعه عن دابته. فقال عمرو:
ألا لله درك يا بن هند ودر المرء ذي الحال المسود
أتطمع - لا أبا لك - في علي وقد قرع الحديد على الحديد
وترجو أن تخادعه بشك وترجو أن يهابك بالوعيد
وقد كشف القناع وجر حربا يشيب لهولها رأس الوليد
له جاواه مظلمة طحول فوارسها تلهب كالأسود (11)
يقول لها إذا رجعت إليه وقابل بالطعان القوم عودي
فإن وردت فأولها ورودا وإن صدرت فليس بذي ورود
وما هي من أبي حسن بنكر وما هي من مسائك بالبعيد
وقلت له مقالة مستكين ضعيف القلب منقطع الوريد
طلبت الشام حسبك يا بن هند من السوءات والرأي الزهيد
ولو أعطاكها ما ازددت عزا وما لك في استزادك من مزيد
فلم تكسر بهذا الرأي عودا سوى ما كان، لا بل دون عود
فضيحة معاوية وعمرو بن العاص
فقال معاوية: والله لقد علمت ما أردت بهذا. قال عمرو: وما أردت به؟ قال: عيبك
رأيي وخلافك علي وإعظامك عليا، لما فضحك يوم بارزته.
فضحك عمرو وقال: أما خلافك ومعصيتك فقد كانت، وأما فضيحتي فلم يفتضح
رجل بارز عليا (12) ، فإن شئت أن تتلوها أنت منه فافعل!
فسكت معاوية وفشا أمرهما في أهل الشام.
____________
1- أي وقد سألت سليما، وسيأتي في موارد من هذا الحديث قوله: (قال سليم). ويؤيد ذلك أن سليم كان حاضرا بصفين إلى آخرها كما هو صريح عدة أحاديث في هذا الكتاب.
2- يستفاد من هذه العبارة أن سليما ولد بسنتين أو أربع سنين قبل الهجرة، وذلك أن وقعة صفين بدئت في سنة 36 وانتهت في سنة 38. فإذا كان عمر سليم آنذاك أربعون سنة يكون ميلاده إما بسنتين قبل الهجرة أو أربع سنوات.
3- أي كان يقوده إلى جنبه ولم يركبه.
4- كتب الكتائب أي هيأهم وجعلهم في فئات منظمة.
5- حمى الوطيس أي اشتد الحرب.
6- الغمغمة: الكلام الذي لا يبين.
7- الشرسوف: طرف الضلع المشرف على البطن.
8- أي ساداتهم.
9- قوله: (ما سجد لله...) أي كانوا يصلون صلاة الخوف حالة القيام، كما ورد ذلك عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (... وما كانت صلاة القوم يومئذ إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة). راجع أمالي الصدوق:
ص 332 والبحار: ج 32 ص 615 ح 482.
10- أي نصلح ونأخذ في ترميمه.
11- جاوى بالإبل: دعاه إلى الماء، والطحول: الملآن.
12- روى العلامة الأميني في الغدير: ج 2 ص 161 عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن ابن عباس قال: تعرض عمرو بن العاص لعلي عليه السلام يوما من أيام صفين وظن أنه يطمع منه في غرة فيصيبه. فحمل عليه علي عليه السلام، فلما كاد أن يخالطه أذرى نفسه عن فرسه ورفع ثوبه وشغر برجله فبدت عورته فصرف عليه السلام وجهه عنه وقام (أي ابن العاص) معفرا بالتراب هاربا على رجليه معتصما بصفوفه. فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين، أفلت الرجل. فقال: أتدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: إنه عمرو بن العاص، تلقاني بسوأته فذكرني بالرحم، فصرفت وجهي عنه. ورجع عمرو إلى معاوية، فقال: ما صنعت يا أبا عبد الله؟ فقال: لقيني علي فصرعني قال: أحمد الله وعورتك!!

أخبار مقطع من حرب صفين


قال أبان: قال سليم: ومر علي عليه السلام بجماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة بن
أبي معيط (1) وهم يشتمونه.
فأخبر بذلك. فوقف فيمن يليهم من أصحابه ثم قال لهم:
(انهضوا إليهم وعليكم السكينة وسيماء الصالحين ووقار الإسلام. إن أقربنا من
الجهل بالله والجرأة عليه والاغترار لقوم رئيسهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور
السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر والمجلود الحد في الإسلام والطريد مروان،
وهم هؤلاء يقومون ويشتمون. وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهم
إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأوثان فالحمد لله قديما وحديثا على ما عاداني الفاسقون المنافقون. إن هذا الخطب لجليل، إن فساقا منافقين كانوا عندنا غير مؤتمنين وعلى الإسلام متخوفين، خدعوا شطر هذه الأمة وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهوائهم إلى الباطل. فقد نصبوا لنا الحرب وجدوا في إطفاء نور الله، والله متم نوره
ولو كره الكافرون).
ثم حرض عليهم وقال: (إن هؤلاء لا يزالون عن موقفهم هذا دون طعن دراك (2)
تطير منه القلوب، وضرب يفلق الهام وتطيح منه الأنوف والعظام وتسقط منه
المعاصم، وحتى تقرع جباههم بعمد الحديد وتنشر حواجبهم على صدورهم
والأذقان والنحور. أين أهل الدين، طلاب الأجر)؟
حملة محمد بن الحنفية بأربعة آلاف على عسكر معاوية
فثارت عليه عصابة نحو أربعة آلاف، فدعا محمد بن الحنفية فقال: (يا بني، امش
نحو هذه الراية مشيا وئيدا على هينتك (3) حتى إذا شرعت في صدورهم الأسنة فامسك
حتى يأتيك رأيي)، ففعل.
وأعد علي عليه السلام مثلهم، فلما دنا محمد وأشرع الرماح في صدورهم أمر علي عليه السلام
الذين كان أعدهم أن يحملوا معهم. فشدوا عليهم ونهض محمد ومن معه في
وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم وقتلوا عامتهم.
____________
1- أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 8 ص 120 عن الأغاني: أن الوليد بن عقبة كان زانيا شريب الخمر.
فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع، فصلى بهم أربع ركعات. ثم التفت إليهم وقال لهم: أزيدكم؟ وتقيأ في المحراب، وقرأ بهم في الصلاة وهو رافع صوته:
علق القلب الربابا بعد ما شابت وشابا
وروى عن عدة طرق: أن طلحة والزبير أتيا عثمان فقالا له: قد نهيناك عن تولية الوليد شيئا من أمور المسلمين فأبيت، وقد شهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله. وقال علي عليه السلام: اعزله وحده إذا شهد الشهود عليه في وجهه. فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الوليد. فلما قدم سعيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمارة وأشخص الوليد. فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة حبر وأدخله بيتا. فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمير المؤمنين عليك فيكف. فلما رآى ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام أخذ السوط ودخل عليه... فجعل يضربه والوليد يسبه!
وفي رواية البحار: ج 8 طبع قديم ص 302: (فأقبل الوليد يروغ من علي عليه السلام. فاجتذبه وضرب به الأرض وعلاه بالسوط).
وابن النابغة هو عمرو بن العاص، وأمه كانت بغيا من ذوات الرايات من طوائف مكة. فوقع عليها ستة من قريش في طهر واحد فولدت عمرا فاختصم القوم جميعا فيه فألحقته النابغة بالعاص بن وائل. راجع الغدير: ج 2 ص 121.
وأما أبو الأعور الأسلمي فهو عمرو بن سفيان كان ممن شهد معاهدة المنافقين ضد أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. ولم يزل معاديا لأمير المؤمنين عليه السلام حتى صار من أمراء جند معاوية بصفين وكان على مقدمته.
وأما مروان بن الحكم فهو الذي أخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله مع أبيه من المدينة وطرده عنها، فنزل الطائف. ولما أدخل مروان - حين ولد - على النبي صلى الله عليه وآله قال: هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون. راجع الغدير:
ج 8 ص 244 و 260.
2- قوله (دراك) أي متواصل.
3- أي بتمهل وتأني.

دعاء رسول الله صلی الله عليه و اله لعلي عليه السلام


أبان عن سليم، قال: سألت المقداد عن علي عليه السلام، قال: كنا نسافر مع رسول الله صلی الله عليه و اله
- وذلك قبل أن يأمر نساءه بالحجاب - وهو يخدم رسول الله صلی الله عليه و اله ليس له خادم غيره، وكان لرسول الله صلی الله عليه و اله لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة.
فكان رسول الله صلی الله عليه و اله ينام بين علي وعائشة ليس عليهم لحاف غيره، فإذا قام
رسول الله صلی الله عليه و اله من الليل يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتهم، ويقوم رسول الله صلی الله عليه و اله فيصلي.
فأخذت عليا عليه السلام الحمى ليلة فأسهرته، فسهر رسول الله صلی الله عليه و اله لسهره، فبات ليله مرة يصلي ومرة يأتي عليا عليه السلام يسليه وينظر إليه حتى أصبح. فلما صلى بأصحابه الغداة قال:
(اللهم اشف عليا وعافه، فإنه قد أسهرني مما به من الوجع). فعوفي، فكأنما أنشط من عقال ما به من علة.
ما سأل رسول الله صلی الله عليه و اله ربه لعلي عليه السلام ثم قال رسول الله صلی الله عليه و اله: أبشر يا أخي قال ذلك وأصحابه حوله يسمعون. فقال
علي عليه السلام: بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداك. قال: إني لم أسأل الله الليلة شيئا إلا أعطانيه ولم أسأل لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله. إني دعوت الله أن يواخي بيني وبينك ففعل، وسألته أن يجعلك ولي كل مؤمن بعدي ففعل، وسألته إذا ألبسني ثوب النبوة والرسالة أن يلبسك ثوب الوصية والشجاعة ففعل، وسألته أن يجعلك وصيي ووارثي
وخازن علمي ففعل، وسألته أن يجعلك مني بمنزلة هارون من موسى وأن يشد بك
أزري ويشركك في أمري ففعل، إلا أنه قال: (لا نبي بعدك) فرضيت، وسألته
أن يزوجك ابنتي ويجعلك أبا ولدي ففعل.
فقال رجل لصاحبه: أرأيت ما سأل؟ فوالله لو سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه
على عدوه أو يفتح له كنزا ينفقه هو وأصحابه - فإن به حاجة - كان خيرا له مما سأل وقال الآخر: والله لصاع من تمر خير مما سأل!

ما قاله أصحاب الصحيفة الملعونة عند موتهم (1)


كلام معاذ بن جبل وما رآه عند الموت
عن أبان قال: سمعت سليم بن قيس يقول: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأزدي ثم الثمالي (2) ختن معاذ بن جبل - وكانت ابنته تحت معاذ بن جبل - وكان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهادا. قال:
مات معاذ بن جبل بالطاعون(3) ، فشهدته يوم مات - وكان الناس متشاغلين بالطاعون - قال: فسمعته حين احتضر وليس في البيت معه غيري - وذلك في خلافة عمر بن الخطاب - يقول: ويل لي ويل لي ويل لي ويل لي فقلت في نفسي: أصحاب الطاعون يهذون ويتكلمون ويقولون الأعاجيب.
فقلت له: تهذي رحمك الله؟ فقال: لا.
فقلت: فلم تدعو بالويل؟ قال: لموالاتي عدو الله على ولي الله!
فقلت له: من هو؟ قال: لموالاتي عدو الله عتيقا وعمر على خليفة رسول الله ووصيه
علي بن أبي طالب.
فقلت: إنك لتهجر؟ فقال: يا بن غنم، والله ما أهجر هذا رسول الله وعلي بن
أبي طالب يقولان: يا معاذ بن جبل، أبشر بالنار أنت وأصحابك الذين قلتم: (إن مات رسول الله أو قتل زوينا الخلافة عن علي فلن يصل إليها)، أنت وعتيق وعمر وأبو عبيدة وسالم.
فقلت: يا معاذ، متى هذا؟ فقال: في حجة الوداع، قلنا: (نتظاهر على علي فلا ينال
الخلافة ما حيينا). فلما قبض رسول الله قلت لهم: (أنا أكفيكم قومي الأنصار، فاكفوني قريشا). ثم دعوت على عهد رسول الله إلى الذي تعاهدنا عليه بشير بن سعيد وأسيد بن حضير(4) ، فبايعاني على ذلك.
فقلت: يا معاذ، إنك لتهجر؟ قال: (ضع خدي بالأرض). فما زال يدعو بالويل
والثبور حتى قضى.
كلام أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة عند الموت
قال سليم: قال لي ابن غنم: ما حدثت به أحدا قبلك قط - لا والله غير رجلين، فإني
فزعت مما سمعت من معاذ. فحججت فلقيت الذي ولى موت أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة(5) ، فقلت: أو لم يقتل سالم يوم اليمامة؟ قال: بلى، ولكن احتملناه وبه رمق. قال: فحدثني كل واحد منهما بمثله سواء، لم يزد ولم ينقص أنهما قالا كما قال معاذ.
كلام أبي بكر عند الموت
قال أبان: قال سليم: فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر. فقال:
اكتم علي، وأشهد أن أبي عند موته قال مثل مقالتهم، فقالت عائشة: إن أبي ليهجر!
كلام عمر عند الموت
قال محمد: فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان فحدثته بما قال أبي عند موته وأخذت عليه العهد والميثاق ليكتمن علي. فقال لي ابن عمر: اكتم علي، فوالله لقد قال أبي مثل مقالة أبيك ما زاد ولا نقص.(6) ثم تداركها عبد الله بن عمر وتخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب عليه السلام، لما قد علم من حبي له وانقطاعي إليه، فقال: إنما كان أبي يهجر!
توثيق أمير المؤمنين عليه السلام لهذا الحديث
فأتيت (7) أمير المؤمنين عليه السلام فحدثته بما سمعت من أبي وبما حدثنيه ابن عمر عن
أبيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قد حدثني بذلك عن أبيه وعن أبيك وعن أبي عبيدة وعن سالم وعن معاذ من هو أصدق منك ومن ابن عمر. فقلت: من هو ذاك
يا أمير المؤمنين؟ فقال: بعض من يحدثني. قال: فعلمت من عنى. فقلت: صدقت
يا أمير المؤمنين، إنما حسبت إنسانا حدثك، وما شهد أبي - وهو يقول هذا - غيري. (8)
قال سليم: فقلت لعبد الرحمن بن غنم: مات معاذ بالطاعون، فبم مات أبو عبيدة بن الجراح؟ قال: بالدبيلة. (9)
____________
1- ينبغي أن نورد علي عليه السلام: (وما هم بخارجين من النار).
راجع عن تفصيل معاقدة أصحاب الصحيفة وأسمائهم: الحديث 4 من هذا الكتاب. وراجع عن سائر ما قاله أبو بكر وعمر عند مماتهم: البحار ج 8 طبع قديم ص 196 ب 18.
2- عبد الرحمن بن غنم أسلم زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يره ولم يفد إليه. ولزم معاذ بن جبل منذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن إلى أن مات معاذ في خلافة عمر. وكان يعرف بصاحب معاذ وكان أفقه أهل الشام وهو الذي فقه عامة التابعين من أهل الشام.
وكانت له جلالة وقدر وهو الذي عاتب أبا الدرداء وأبا هريرة بحمص لما انصرفا من عند علي عليه السلام رسولين لمعاوية. توفي عبد الرحمن سنة 78.
3- وذلك في سنة 18 الهجرية.
4- بشير بن سعيد كان رئيس الخزرج. قتل في إمارة أبي بكر باليمن. وأسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأوسي الأنصاري الأشهلي كان رئيس الأوس. مات سنة 20، وهو ممن حمل الحطب إلى بيت فاطمة عليها السلام لإضرامه. فأصحاب الصحيفة لما يئسوا من سعد بن عبادة رئيس الأنصار أجمع تعاهدوا مع هذين اللذين كان كل واحد منهما رئيسا لنصف قبائل الأنصار.
5- مات أبو عبيدة في سنة 18 الهجرية في مدينة حمص بالشام، وقتل سالم في سنة 12 في وقعة اليمامة.
6- راجع عن كلام عبد الله بن عمر عن أبيه: الحديث 11 من هذا الكتاب.
7- هذا من كلام محمد بن أبي بكر.
8- معناه: إني ظننت أولا أن الذي أخبرك عما جرى كان شخصا من الأشخاص، وحيث لم يكن عند قول أبي في ساعات موته أحدا غيري وأنت قلت (بعض من يحدثني) علمت أن الذي أخبرك لم يكن من البشر.

بعض ما جرى عند موت أبي بكر


فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غير أخيك عبد الرحمن
وعائشة وعمر؟ قال: لا. قلت: وهل سمعوا منه ما سمعت؟ قال: سمعوا منه طرفا فبكوا وقالوا: يهجر. فأما كل ما سمعت أنا فلا.
أبو بكر يشاهد رسول الله وعليا عليهما السلام عند الموت
قلت: والذي سمعوا منه ما هو؟ قال: دعا بالويل والثبور، فقال له عمر: يا خليفة
رسول الله، ما لك تدعو بالويل والثبور؟ قال: هذا رسول الله وعلي معه يبشرني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة وهو يقول: (لعمري لقد وفيت بها فظاهرت على ولي الله أنت وأصحابك، فأبشر بالنار في أسفل السافلين).
فلما سمعها عمر خرج وهو يقول: إنه ليهجر. قال: لا والله ما أهجر، أين تذهب؟
قال عمر: أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار. قال: الآن أيضا؟ أو لم أحدثك: أن محمدا
- ولم يقل رسول الله - قال لي وأنا معه في الغار: (إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر). فقلت: أرنيها. فمسح وجهي فنظرت إليها فاستيقنت عند ذلك أنه
ساحر (1) فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنه ساحر؟
فقال عمر: (يا هؤلاء إن أباكم يهجر فاخبوه واكتموا ما تسمعون منه لا يشمت بكم
أهل هذا البيت). ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوضأوا للصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا.
إقرار أبي بكر بدخوله في تابوت جهنم
فقلت له لما خلوت به: يا أبه، قل: (لا إله إلا الله). قال: (لا أقولها أبدا ولا أقدر عليها
حتى أرد النار فأدخل التابوت. فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له: أي تابوت؟
فقال: تابوت من نار مقفل بقفل من نار، فيه اثنا عشر رجلا، أنا وصاحبي هذا. قلت:
عمر؟ قال: نعم، فمن أعني؟ وعشرة في جب في جهنم عليه صخرة إذا أراد الله
أن يسعر جهنم رفع الصخرة.
لعن عمر على لسان أبي بكر
قلت: تهذي؟ قال: (لا والله ما أهذي. لعن الله ابن صهاك. هو الذي صدني عن الذكر
بعد إذ جاءني فبئس القرين (2)، لعنه الله، الصق خدي بالأرض)، فألصقت خده بالأرض
فما زال يدعو بالويل والثبور حتى غمضته.
ثم دخل علي عمر وقد غمضته، فقال: هل قال بعدي شيئا؟ فعرفته ما قال. فقال
عمر: يرحم الله خليفة رسول الله، اكتمه فإن هذا هذيان، وأنتم أهل بيت معروف لكم
في مرضكم الهذيان فقالت عائشة: صدقت وقالوا لي جميعا: لا يسمعن أحد منكم
من هذا شيئا فيشمت به ابن أبي طالب وأهل بيته.
قال سليم: فقلت لمحمد: من تراه حدث أمير المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء الخمسة بما
قالوا؟ فقال: رسول الله صلی الله عليه و اله، وإنه يراه في منامه كل ليلة، وحديثه إياه في المنام مثل حديثه إياه في الحياة واليقظة، فإن رسول الله صلی الله عليه و اله قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة).
قال سليم: فقلت لمحمد بن أبي بكر: من حدثك بهذا؟ قال: علي عليه السلام. فقلت: وأنا
سمعته أيضا منه كما سمعت أنت.
فقلت لمحمد: فلعل ملكا من الملائكة حدثه؟ قال: أو ذاك؟ قلت: وهل تحدث
الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: أما تقرأ القرآن: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي
ولا محدث)؟(3) قال: قلت له: أمير المؤمنين عليه السلام محدث هو؟ قال: نعم، وكانت
فاطمة عليها السلام محدثة ولم تكن نبية، ومريم كانت محدثة ولم تكن نبية، وأم موسى ما كانت نبية وكانت محدثة، وكانت سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبية.
توثيق أمير المؤمنين عليه السلام لهذا الحديث مرة ثانية
قال سليم: فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر ونعي عزيت به أمير المؤمنين عليه السلام(4)
وخلوت به فحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وخبرته بما خبرني به عبد الرحمن بن غنم، قال: صدق محمد رحمه الله، أما إنه شهيد حي يرزق. (5)
خصائص الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
يا سليم، إن أوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي أئمة هداة مهديون كلهم محدثون.
قلت: يا أمير المؤمنين، ومن هم؟ قال: ابني هذا الحسن، ثم ابني هذا الحسين، ثم
ابني هذا - وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين وهو رضيع - ثم ثمانية من ولده (6) واحدا بعد واحد. وهم الذين أقسم الله بهم فقال: (ووالد وما ولد) (7)، فالوالد رسول الله صلی الله عليه و اله وأنا، و (ما ولد) يعني هؤلاء الأحد عشر وصيا صلوات الله عليهم.
قلت: يا أمير المؤمنين، فيجتمع إمامان؟ قال: نعم، إلا أن واحدا صامت لا ينطق
حتى يهلك الأول.
نقل لنا فقرة عن النسخة 68 من مخطوطات الكتاب،
نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث:
موت أصحاب الصحيفة على الجاهلية
هذا ما خطه بيده أبان عن لسان سليم: (إن القوم - وهم أبو بكر وعمر وعثمان
وطلحة والزبير وأنس وسعد وعبد الرحمن بن عوف - شهدوا على أنفسهم عند
مماتهم: أنهم ماتوا على ما مات عليه آبائهم في الجاهلية...).
____________
1- روي في البحار: ج 8 ص 109 ح 10 بأسناده عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، سمى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر الصديق؟ قال: نعم. قلت: فكيف؟ قال: حين كان معه في الغار قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، وإنك لتراها؟ قال: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ فقال: ادن مني. قال: فدنا منه فمسح على عينيه، ثم قال: أنظر.
فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر. ثم نظر إلى قصور أهل المدينة. فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصديق أنت!
2- قال الله تعالى في سورة الفرقان: الآيات 31 - 27: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للإنسان خذولا، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا).
وقال تعالى في سورة زخرف: الآيات 39 - 36: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).
وروي في الكافي - كتاب الروضة - ص 27 في حديث طويل بأسناده عن الإمام الباقر عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه، فقال:... ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان في دورهما ويتبرء كل واحد منهما من صاحبه. يقول لقرينه إذا التقيا: (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين).
فيجيبه الأشقى على رثوثة: (يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا). فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والإيمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب. ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار، لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة، ما لهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة...
3- سورة الحج: الآية 52، وفي المصحف: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته...) وقد ورد روايات متضافرة أنه في قراءة أهل البيت عليهم السلام: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث...) كما في المتن، وروى ابن شهرآشوب في المناقب: ج 3 ص 336: أن ابن عباس أيضا قرأ: (ولا محدث) كما روى الصفار في بصائر الدرجات: ص 321 ح 8 عن قتادة أنه قرأ:
(ولا محدث).
راجع عن آية المحدث وبيان معناها بصائر الدرجات للصفار: ص 324 - 320، الكافي للكليني: ج 1 ص 176 و 177 و 270، الإختصاص للشيخ المفيد: ص 323، أمالي الطوسي: ج 2 ص 21.
وقد أورد العلامة الأميني في الغدير: ج 5 ص 42 بحثا إضافيا حول آية المحدث ومعنى المحدث عند الشيعة وغيرهم، ونقل عن القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري: ج 6 ص 99 قراءة ابن عباس (... ولا نبي ولا محدث). وكذلك نقله عن أبي جعفر الطحاوي في مشكل الآثار: ج 2 ص 257 وعن القرطبي في تفسيره: ج 12 ص 79. راجع أيضا البحار: ج 26 ص 66 ب 2.
4- ذكر في مجمع النورين للمرندي: ص 206 أن أمير المؤمنين عليه السلام جلس للتعزية بمحمد بن أبي بكر ثلاثة أيام لأنه ولده.
5- ليعلم أن محمد بن أبي بكر كان ربيب علي بن أبي طالب عليه السلام وخريجه وجاريا عنده مجرى أولاده، ورضيع الولاء والتشيع منذ زمن الصبا فنشأ عليه، فلم يكن يعرف أبا غير علي عليه السلام ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره.
6- أي من ولد علي بن الحسين عليه السلام.
7- سورة البلد: الآية 3.

بعض ما جرى عند موت أبي بكر

افتراق الأمة إلى أهل حق وأهل باطل ومذبذبين
أبان عن سليم: قال: سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يقولون: إنا لقعود عند
رسول الله صلی الله عليه و اله ما معنا غيرنا، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين كلهم بدريون.
فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: ستفترق أمتي بعدي ثلاث فرق: فرقة حق لا يشوبه شئ من
الباطل، مثلهم كمثل الذهب الأحمر كلما سبكته على النار ازداد جودة وطيبا، إمامهم أحد هذه الثلاثة، وفرقة أهل باطل لا يشوبه شئ من الحق، مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثا ونتنا، إمامهم أحد هذه الثلاثة، وفرقة أخرى ضلال مذبذبون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إمامهم أحد هذه الثلاثة.
فسألتهم عن الثلاثة، فقالوا: إمام الحق والهدى علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص إمام المذبذبين، وحرصت عليهم أن يسموا لي الثالث فأبوا علي وعرضوا لي (1) حتى عرفت من يعنون به.
قال سليم: فحدثت أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة بما حدثني به سلمان وأبو ذر
والمقداد من قول رسول الله صلی الله عليه و اله حين رآى الثلاثة من أهل بدر من المهاجرين من قريش مقبلين، قال: (تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق) فسموك وسموا سعدا، والثالث
لم يسموا إلا بالمعاريض حتى علمت من عنوا.
فقال عليه السلام: لا تلمهم يا سليم، فإن الأمة قد أشربت قلوبهم حبه كما أشربت قلوب
بني إسرائيل حب العجل. يا سليم، أفي شك أنت فيه من هو؟ قال: قلت: بلى (2)، ولكن أحب أن تسميه لي وأسمعه منك فأزداد يقينا.
قال: هو عتيق.
أمر الولاية أشد خبرية من الذهب والفضة
إن هذا الأمر الذي عرفكم الله ومن به عليكم أشد خبرية من الذهب والفضة، وأقل الأمة الذين يعرفونه، ولقد ماتت أم أيمن وإنها لمن أهل الجنة وما كانت تعرف ما عرفك
الله (3) ، فاحمد الله وخذ ما أعطاك الله وخصك به بشكر.
واعلم أن الله تعالى يعطي الدنيا البر والفاجر، وإن هذا الأمر الذي أنت فيه إنما يعطيه الله صفوته من خلقه. إن أمرنا لا يعرفه إلا ثلاثة من الخلق: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان.
يا سليم، إن ملاك هذا الأمر الورع لأنه لا ينال ولايتنا إلا بالورع.
____________
1- أي لم يصرحوا باسمه وذكروه بالتعريض.
2- أي بلى أعرفه ولا أشك فيه.
3- روي في البحار: ج 22 ص 265 ح 8 والكافي: ج 2 ص 405 عن أبي جعفر عليه السلام قال: أرأيت أم أيمن، فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

غدير خم


أبو سعيد الخدري يروي بيعة الغدير
أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول:
إن رسول الله صلی الله عليه و اله دعا الناس بغدير خم، فأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم، وكان ذلك يوم الخميس. ثم دعا الناس إليه وأخذ بضبع علي بن أبي طالب عليه السلام فرفعها حتى نظرت إلى بياض إبط رسول الله صلی الله عليه و اله فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله).
قال أبو سعيد: فلم ينزل عن المنبر حتى نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (1) فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبولاية علي من بعدي.
شعر حسان في غدير خم بشهادة رسول الله صلی الله عليه و اله فقال حسان بن ثابت: يا رسول الله، ائذن لي لأقول في علي عليه السلام أبياتا. فقال صلی الله عليه و اله: قل على بركة الله.
فقال حسان: يا مشيخة قريش، اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله. ثم أنشأ يقول:
ألم تعلموا أن النبي محمدا لدى دوح خم حين قام مناديا
وقد جاء جبريل من عند ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا
وبلغهم ما أنزل الله ربهم وإن أنت لم تفعل وحاذرت باغيا
عليك فما بلغتهم عن إلههم رسالته إن كنت تخشى الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه بيمنى يديه معلن الصوت عاليا
فقال لهم: من كنت مولاه منكم وكان لقولي حافظا ليس ناسيا
فمولاه من بعدي علي وإنني به لكم دون البرية راضيا
فيا رب من والى عليا فواله وكن للذي عادى عليا معاديا
ويا رب فانصر ناصريه لنصرهم إمام الهدى كالبدر يجلو الدياجيا
ويا رب فاخذل خاذليه وكن لهم إذا وقفوا يوم الحساب مكافيا
نقل لنا فقرة عن النسخة 68 من مخطوطات الكتاب،
نوردها هنا لتناسبها مع هذا الحديث:
اعتراض أبي بكر وعمر في الغدير
قام رسول الله صلی الله عليه و اله في وقت الظهيرة وأمر بنصب خيمة وأمر عليا عليه السلام أن يدخل فيها، وأول من أمرهم رسول الله صلی الله عليه و اله هما أبو بكر وعمر. فلم يقوما إلا بعد ما سألا
رسول الله صلی الله عليه و اله: هل من أمر الله هذه البيعة؟ فأجابهما: نعم، من أمر الله جل وعلا، واعلما أن من نقض هذه البيعة كافر ومن لم يطع عليا كافر، فإن قول علي قولي وأمره أمري. فمن خالف قول علي وأمره فقد خالفني.
وبعد ما أكد عليهم هذا الكلام أمرهم بالإسراع في البيعة. فقاما ودخلا على علي عليه السلام وبايعاه بإمرة المؤمنين. وقال عمر عند البيعة: بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي
ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ثم أمر رسول الله صلی الله عليه و اله سلمان وأبا ذر بالبيعة، فقاما ولم يقولا شيئا....
____________
1- سورة المائدة: الآية 3.

من خصال أمير المؤمنين عليه السلام


أبان عن سليم بن قيس قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: كانت لي من رسول الله صلی الله عليه و اله عشر خصال ما يسرني بإحديهن ما طلعت عليه الشمس وما غربت.
فقيل له: بينها لنا يا أمير المؤمنين.
فقال: قال لي رسول الله صلی الله عليه و اله: يا علي، أنت الأخ وأنت الخليل وأنت الوصي وأنت الوزير، وأنت الخليفة في الأهل والمال وفي كل غيبة أغيبها. ومنزلتك منى كمنزلتي
من ربي، وأنت الخليفة في أمتي. وليك وليي وعدوك عدوي، وأنت أمير المؤمنين
وسيد المسلمين من بعدي.
أثر حب أهل البيت عليهم السلام في ثبات الإيمان
ثم أقبل علي عليه السلام على أصحابه فقال: يا معشر الصحابة، والله ما تقدمت على أمر إلا
ما عهد إلي فيه رسول الله صلی الله عليه و اله. فطوبى لمن رسخ حبنا أهل البيت في قلبه. ليكون الإيمان أثبت في قلبه من جبل أحد في مكانه، ومن لم تصر مودتنا في قلبه إنماث (1) الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء.
والله ثم والله، ما ذكر في العالمين ذكر أحب إلى رسول الله صلی الله عليه و اله مني، ولا صلى القبلتين كصلاتي. صليت صبيا ولم أرهق حلما.
وهذه فاطمة بضعة من رسول الله صلی الله عليه و اله تحتي، هي في زمانها كمريم بنت عمران في زمانها.
وأقول لكم الثالثة: إن الحسن والحسين سبطا هذه الأمة، وهما من محمد كمكان
العينين من الرأس، وأما أنا فكمكان اليدين من البدن، وأما فاطمة فكمكان القلب من الجسد.
مثلنا مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
____________
1- أي ذاب.

كلمة رسول الله صلی الله عليه و اله الأخيرة عن الشيعة


أبان عن سليم، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: عهد إلي رسول الله صلی الله عليه و اله يوم توفي
وقد أسندته إلى صدري وإن رأسه عند أذني، وقد أصغت المرأتان (1) لتسمعا الكلام.
فقال رسول الله صلی الله عليه و اله: اللهم سد مسامعهما.
ثم قال لي: يا علي، أرأيت قول الله تبارك وتعالى (إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك هم خير البرية)(2) ، أتدري من هم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: فإنهم شيعتك وأنصارك، وموعدي وموعدهم الحوض يوم القيامة إذا جثت الأمم على ركبها وبدا لله تبارك وتعالى في عرض خلقه ودعا الناس إلى ما لا بد لهم منه.
فيدعوك وشيعتك، فتجيئون غرا محجلين شباعا مرويين.
يا علي، (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها
أولئك هم شر البرية) (3)، فهم اليهود وبنو أمية وشيعتهم، يبعثون يوم القيامة أشقياء
جياعا عطاشى مسودة وجوههم.
____________
1- أي عائشة وحفصة.
2- سورة البينة: الآية 7.
3- سورة البينة: الآية 6.

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

احتجاجات عبد الله بن جعفر على معاوية


أبان عن سليم، قال: حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية
ومعنا الحسن والحسين وعنده عبد الله بن العباس والفضل بن العباس.
فالتفت إلي معاوية فقال: يا عبد الله بن جعفر، ما أشد تعظيمك للحسن والحسين
والله ما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك، ولولا أن فاطمة بنت رسول الله أمهما لقلت: ما أمك أسماء بنت عميس دونها!
فغضبت من مقالته وأخذني ما لم أملك معه نفسي، فقلت: والله إنك لقليل المعرفة
بهما وبأبيهما وبأمهما. بل والله لهما خير مني ولأبوهما خير من أبي ولأمهما خير من
أمي. يا معاوية، إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول فيهما وفي أبيهما وفي أمهما، قد حفظته ووعيته ورويته.
قال معاوية: هات ما سمعت - وفي مجلسه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس
والفضل بن عباس وابن أبي لهب - فوالله ما أنت بكذاب ولا متهم. فقلت: إنه أعظم مما في نفسك. قال: وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعا، فلست أبالي إذا لم يكن في المجلس أحد من أهل الشام وإذ قتل الله صاحبك وفرق جمعكم وصار الأمر في أهله ومعدنه فحدثنا فإنا لا نبالي ما قلتم ولا ما ادعيتم.
بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن
قلت: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله - وقد سئل عن هذه الآية: (وما جعلنا الرؤيا التي
أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (1)- فقال: (إني رأيت اثني عشر
رجلا من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى.
فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص). وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا).
نص رسول الله صلی الله عليه و اله على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
يا معاوية، إني سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول - وهو على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد
والزبير بن العوام - وهو يقول: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم)؟ فقلنا: بلى،
يا رسول الله. قال: (أليس أزواجي أمهاتكم)؟ قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: (من كنت
مولاه فعلي مولاه - وضرب بيديه على منكب علي عليه السلام - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
(أيها الناس، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معي أمر. وعلي من بعدي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسن من بعد أبيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر. ثم ابني الحسين من بعد أخيه أولى بالمؤمنين
من أنفسهم ليس لهم معه أمر).
إخبار رسول الله صلی الله عليه و اله عن شهادة نفسه والأئمة عليهم السلام
ثم عاد صلی الله عليه و اله فقال: (أيها الناس، إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم، فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسن
فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، فإذا استشهد ابني الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر). ثم أقبل على علي عليه السلام فقال:
(يا علي، إنك ستدركه فاقرأه عني السلام. فإذا استشهد فابنه محمد أولى بالمؤمنين
منهم بأنفسهم، وستدركه أنت يا حسين فاقرأه مني السلام. ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس لهم معهم أمر). ثم أعادها ثلاثا ثم قال: (وليس منهم
أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس معه أمر، كلهم هادون مهتدون تسعة
من ولد الحسين).
فقام إليه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يبكي، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أتقتل؟
قال: (نعم، أهلك شهيدا بالسم، وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك، ويقتل ابني الحسن بالسم، ويقتل ابني الحسين بالسيف، يقتله طاغي بن طاغي، دعي
بن دعي، منافق بن منافق.
هلاك أبي بكر وعمر وعثمان بتقرير معاوية
فقال معاوية: يا بن جعفر، لقد تكلمت بعظيم ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت وهلك
الثلاثة قبلي وجميع من تولاهم من هذه الأمة، ولقد هلكت أمة محمد وأصحاب محمد من
المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم.
فقلت: والله إن الذي قلت حق سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله.
فقال معاوية: يا حسن ويا حسين ويا بن عباس، ما يقول ابن جعفر؟ فقال
ابن عباس: إن لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك. فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد فسألهما، فشهدا أن الذي قال عبد الله بن جعفر قد سمعناه من رسول الله صلی الله عليه و اله كما سمعه. وكان هذا بالمدينة أول سنة جمعت الأمة على معاوية.
قال سليم: وسمعت ابن جعفر يحدث بهذا الحديث في زمان عمر بن الخطاب.
الحجج المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام
فقال معاوية: يا بن جعفر، قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما، فما سمعت
في أمهما؟ - ومعاوية كالمستهزء والمنكر -.
فقلت: بلى، قد سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (ليس في جنة عدن منزل أشرف
ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي. نحن فيه أربعة عشر إنسانا، أنا وأخي
علي وهو خيرهم وأحبهم إلي، وفاطمة وهي سيدة نساء أهل الجنة، والحسن
والحسين وتسعة أئمة من ولد الحسين. فنحن فيه أربعة عشر إنسانا في منزل واحد أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا، هداة مهديين.
أنا المبلغ عن الله وهم المبلغون عني وعن الله عز وجل. وهم حجج الله تبارك
وتعالى على خلقه وشهدائه في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه. من أطاعهم
أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. لا تبقى الأرض طرفة عين إلا ببقائهم، ولا تصلح الأرض إلا بهم. يخبرون الأمة بأمر دينهم وبحلالهم وحرامهم. يدلونهم على رضى ربهم
وينهونهم عن سخطه بأمر واحد ونهي واحد، ليس فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع.
يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده، يتوارثونه إلى يوم القيامة. أهل الأرض كلهم في غمرة وغفلة وتيه وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم. لا يحتاجون إلى
أحد من الأمة في شئ من أمر دينهم، والأمة تحتاج إليهم. وهم الذين عنى الله في
كتابه (2) وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الأمر منكم). (3)
قال: فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمر بن
أبي سلمة وأسامة بن زيد، فقال: كلكم على ما قال ابن جعفر؟ فقالوا: نعم. قال:
يا بني عبد المطلب، إنكم لتدعون أمرا عظيما وتحتجون بحجج قوية إن كانت حقا.
وإنكم لتضمرون على أمر تسرونه والناس عنه في غفلة عمياء. ولئن كان ما تقولون حقا لقد هلكت الأمة وارتدت عن دينها وتركت عهد نبينا غيركم أهل البيت ومن قال بقولكم فأولئك في الناس قليل.
____________
1- سورة الأسراء: الآية 60.
2- )ج): عنى الله في كتابه. فلم يدع آية نزلت فيهم من القرآن إلا ذكرها.
3- سورة النساء: الآية 59.

احتجاجات ابن عباس على معاوية


فأقبل ابن عباس على معاوية فقال: قال الله عز وجل في كتابه: (وقليل من عبادي
الشكور)(1) ، ويقول: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)(2) ، ويقول: (إلا الذين
آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) (3) ، ويقول لنوح: (وما آمن معه إلا قليل). (4)
وتعجب من ذلك يا معاوية؟ وأعجب من أمرنا أمر بني إسرائيل. إن السحرة قالوا
لفرعون: (اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا برب العالمين). (5)
فآمنوا بموسى وصدقوه واتبعوه. فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر
وأراهم الأعاجيب وهم يصدقون به وبالتوراة يقرون له بدينه، فمر بهم على قوم
يعبدون أصناما لهم، فقالوا: (يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) (6)، ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون وأهل بيته، وقال لهم السامري: (هذا إلهكم وإله
موسى) (7)، ثم قال لهم بعد ذلك: (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم).(8) فكان
من جوابهم ما قص الله في كتابه: (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) (9) ، حتى قال موسى: (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين)(10) ، ثم قال: (فلا تأس على القوم الفاسقين). (11)
فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء. وقد كانت لهم فضائل وسوابق مع
رسول الله صلی الله عليه و الهومنازل منه قريبة، ومقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل لقوا الله عز وجل على دينهم وإيمانهم، ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم، كما فعل أصحاب موسى عليه السلام باتخاذهم العجل وعبادتهم إياه وزعمهم أنه ربهم وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر قليل من أهل بيته.
ونبينا صلی الله عليه و اله قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم وفي غير موطن. واحتج عليهم به وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنه ولي كل
مؤمن بعده، وأن كل من كان هو وليه فعلي وليه ومن كان هو أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، وأنه خليفته فيهم ووصيه، وأن من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى
الله ومن والاه والى الله ومن عاداه عادى الله. فأنكروه وجهلوه وتولوا غيره.
رسول الله صلی الله عليه و اله لم يرض بانتخاب الناس في الخلافة
يا معاوية(12) ، أما علمت أن رسول الله صلی الله عليه و اله حين بعث إلى مؤتة أمر عليهم جعفر بن
أبي طالب، ثم قال: (إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد
فعبد الله بن رواحة)، ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم، أفكان يترك أمته لا يبين لهم خليفته فيهم؟ بلى والله، ما تركهم في عمياء ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد البينة وكذبوا على رسول الله صلی الله عليه و اله فهلكوا وهلك من شايعهم وضلوا وضل من تابعهم، فبعدا للقوم الظالمين.
فقال معاوية: يا بن عباس، إنك لتتفوه بعظيم، والاجتماع عندنا خير من الاختلاف،
وقد علمت أن الأمة لم تستقم على صاحبك.
فقال معاوية: ما تقول يا حسن؟ فقال عليه السلام: يا معاوية، قد سمعت ما قال ابن جعفر وما قال ابن عباس.
والعجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك وجرأتك على الله أن تقول: (قد قتل الله طاغيتكم ورد الأمر إلى معدنه) فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟ الويل لك ولثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة. لأقولن لك قولا ما أريد بذلك إلا أن يسمعه هؤلاء الذين حولي: إن الناس قد اجتمعوا على أشياء كثيرة وليس بينهم فيها اختلاف. اجتمعوا على شهادة أن لا إله إلا الله....
فقال ابن عباس: إني سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (ما اختلف أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها)، وإن هذه الأمة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف
ولا منازعة ولا فرقة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصوم شهر رمضان وحج البيت وأشياء كثيرة من طاعة الله،
واجتمعوا على تحريم الخمر والزنا والسرقة وقطع الأرحام والكذب والخيانة وأشياء كثيرة من معاصي الله. واختلفت في شيئين: أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه
وصارت فرقا يلعن بعضها بعضا ويبرء بعضها من بعض، والثاني لم تقتتل عليه
ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض وهو كتاب الله وسنة نبيه، وما يحدث زعمت
أنه ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه. وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض فالملك والخلافة زعمت أنها أحق بهما من أهل بيت نبي الله صلی الله عليه و اله.
فمن أخذ بما ليس فيه بين أهل القبلة اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله
فقد سلم ونجا من النار ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلفت
فيهما. ومن وفقه الله ومن عليه ونور قلبه وعرفه ولاة الأمر ومعدن العلم أين هو،
فعرف ذلك كان سعيدا ولله وليا. وكان نبي الله صلی الله عليه و اله يقول: (رحم الله عبدا قال حقا فغنم، أو سكت فسلم).
جميع العلم عند أهل البيت عليهم السلام
فالأئمة من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة، لا تصلح إلا فيها لأن الله خصها وجعلها أهلا في كتابه وعلى لسان نبيه صلی الله عليه و اله.
فالعلم فيهم وهم أهله، وهو عندهم كله بحذافيره، باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه.
جمع وحفظ القرآن
يا معاوية، إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمارته (13) إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: (إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف، فابعث إلينا ما كتبت من القرآن).
فقال عليه السلام: تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه. فقلت: ولم؟ قال عليه السلام(14: لأن الله يقول:
(لا يمسه إلا المطهرون)(15) ، يعني لا يناله كله إلا المطهرون. إيانا عنى، نحن الذين
أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا. وقال: (وأورثنا الكتاب الذين اصطفينا من
عبادنا)(16) ، فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضربت الأمثال
وعلينا نزل الوحي.
قال: فغضب عمر وقال: إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره فمن
كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به فكان إذا جاء رجل بقرآن فقرأه ومعه آخر كتبه، وإلا لم يكتبه.
فمن قال - يا معاوية - إنه ضاع من القرآن شئ فقد كذب، هو عند أهله مجموع محفوظ.
أول إعلان رسمي عن إعمال الرأي في دين الله
ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال: (اجتهدوا رأيكم واتبعوا ما ترون أنه الحق) فلم يزل هو وبعض ولاته وقد وقعوا في عظيمة، فكان علي بن أبي طالب عليه السلام يخبرهم بما يحتج به عليهم. وكان عماله وقضاته يحكمون في شئ واحد بقضايا مختلفة فيجيزها لهم، لأن
الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب.
وزعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم والخلافة دونهم فبالله نستعين
على من جحدهم حقهم وسن للناس ما يحتج به مثلك عليهم. حسبنا الله ونعم الوكيل.
الناس تجاه أهل البيت عليهم السلام ثلاثة
إنما الناس ثلاثة: مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا، فذلك ناج نجيب لله ولي، وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دمائنا ويجحد حقنا ويدين بالبراءة منا،
فهذا كافر به مشرك ملعون، ورجل آخذ بما لا يختلفون فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله من ولايتنا ولم يعادنا، فنحن نرجو له فأمره إلى الله.
فلما سمع ذلك معاوية أمر للحسن والحسين عليهما السلام بألف ألف درهم، لكل واحد
بخمسمائة ألف.
__________
1- سورة سبأ: الآية 13.
2- سورة يوسف: الآية 103.
3- سورة ص: الآية 24.
4- سورة هود: الآية 40. وقوله (يقول لنوح) أي قال لقصة نوح مع قومه لا أن الخطاب إلى نوح.
5- سورة طه: الآية 72.
6- سورة الأعراف: الآية 138.
7- سورة طه: الآية 88.
8- سورة المائدة: الآية 21.
9- سورة المائدة: الآية 22.
10- سورة المائدة: الآية 25.
11- سورة المائدة: الآية 26.
12- من هنا إلى قوله: (شهادة أن لا إله إلا الله...) في (ج) هكذا: وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله جعفرا إلى مؤتة فقال:
(وليت عليكم جعفرا، إن هلك جعفر بن أبي طالب فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة)، فقتلوا جميعا. ثم يترك أمته لا يبين لهم من خلفائه من بعده؟ يأمرهم باتباع خيرهم وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ويتركهم يختارون لأنفسهم؟ إذا لكان رأيهم لأنفسهم أهدى لهم وأرشد من رأيه واختياره لهم وما ركب القوم ما ركبوا إلا بعد البينة والحجة، وما تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله في عمياء ولا شبهة. وإنما هلك أولئك الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه السلام وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (لم يكن الله ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فشبهوا على الناس بشهادتهم وكذبهم.
13- راجع عن طلب عمر قرآن أمير المؤمنين عليه السلام: الحديث 4 من هذا الكتاب.
14- زاد في الإحتجاج هنا: قال: لأن الله تعالى قال: (والراسخون في العلم)، إيانا عنى ولم يعنك ولا أصحابك.
15- سورة الواقعة: الآية 79.
16- سورة فاطر: الآية 32.

خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في وصف المتقين


وعن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام
يقال له (همام) (1)- وكان عابدا مجتهدا - فقال: يا أمير المؤمنين، صف لي المؤمنين كأني أنظر إليهم.
فتثاقل أمير المؤمنين عليه السلام عن جوابه، ثم قال: يا همام، اتق الله وأحسن، فإن الله مع
الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال له همام: أسألك بالذي أكرمك وخصك وحباك وفضلك بما آتاك لما وصفتهم لي.
فقام أمير المؤمنين عليه السلام على رجليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي
وأهل بيته صلوات الله عليهم، ثم قال:
أما بعد، فإن الله خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم، لأنه
لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه منهم. فقسم بينهم معايشهم
ووضعهم من الدنيا مواضعهم. وإنما أهبط آدم إليها عقوبة لما صنع حيث نهاه الله
فخالفه وأمره فعصاه.
المؤمن في الدنيا
فالمؤمنون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم
التواضع. خضعوا لله بالطاعة فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين
أسماعهم على العلم. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، رضى عن
الله بالقضاء.
لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا
إلى الثواب وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم.
المؤمن والجنة والنار
فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها
معذبون. قلوبهم محزونة، وحدودهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في الإسلام عظيمة.
صبروا أياما قصارا أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة يسرها لهم رب كريم.
أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها.
المؤمن في يومه ليلته
أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، وتهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع كلوم (2) جوانحهم.
فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت إليها أنفسهم شوقا فظنوا أنها
نصب أعينهم، حافين على أوساطهم، يمجدون جبارا عظيما، مفترشين جباههم
وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم من النار. وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم
وأبصارهم، واقشعرت منها جلودهم ووجلت منها قلوبهم وظنوا أن صهيل جهنم
وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم.
وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء، برأهم الخوف فهم أمثال القداح (3)، ينظر إليهم
الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، أو قد خولطوا، قد خالط القوم أمر
عظيم.
إذا ذكروا عظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة،
فزع ذلك قلوبهم وطاشت له حلومهم وذهلت عنهم عقولهم واقشعرت منها
جلودهم. وإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزكية، لا يرضون لله بالقليل
ولا يستكثرون له الجزيل.
علامات المؤمن الظاهرية
فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون. إن زكي أحدهم خاف مما يقولون
وقال: (أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من غيري. اللهم لا تؤاخذني بما
يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب).
ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزما في لين، وإيمانا في يقين،
وحرصا على علم، وفهما في فقه، وعلما في حلم، وشفقة في نفقة، وكيسا في رفق، وقصدا في غنى، وخشوعا في عبادة، وتحملا في فاقة، وصبرا في شدة، ورحمة
للمجهود(4) ، وإعطاء في حق، ورفقا في كسب، وطيبا في الحلال، ونشاطا في الهدى، وتحرجا عن الطمع، وبرا في استقامة، واعتصاما عند شهوة.
علامات المؤمن الباطنية
لا يغره ثناء من جهله ولا يدع إحصاء عمله، مستبطأ لنفسه في العمل، يعمل
الأعمال الصالحة.
وهو رجل يمسي وهمه الشكر ويصبح وشغله الذكر. يبيت حذرا ويصبح فرحا،
حذرا لما حذر وفرحا لما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعب عليه نفسه فيما
تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه بشره. ففرحه فيما يخلد ويطول، وقرة عينه فيما
لا يزول. رغبته فيما يبقى وزهادته فيما يفنى.
يمزج الحلم بالعلم والعلم بالعقل. تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا
زلله، متوقعا أجله، خاشعا قلبه، قانعة نفسه، متغيبا جهله، سهلا أمره، حريزا لدينه،
ميتة شهوته، مكظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، قانعا بالذي
قدر له، متينا صبره، محكما أمره، كثيرا ذكره.
لا يحدث بما اؤتمن عليه الأصدقاء، ولا يكتم شهادة الأعداء، ولا يعمل شيئا من
الحق رياء ولا يتركه حياء. الخير منه مأمول، والشر منه مأمون.
يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. لا يعزب حلمه ولا يعجل
فيما يريبه، ويصفح عما تبين له. بعيد جهله، لين قوله، عائب منكره، قريب معروفه،
صادق قوله، حسن فعله، مقبل خيره، مدبر شره.
وهو في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور.
المؤمن والناس
لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيما يحب، ولا يدعى ما ليس له، ولا يجحد
حقا هو عليه. يعترف بالحق قبل أن يشهد به عليه.
لا يضيع ما استحفظ عليه، ولا ينابز بالألقاب، ولا يبغي على أحد، ولا يهم
بالحسد، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصائب.
مؤد للأمانات، سريع إلى الصلوات، بطيئ عن المنكرات، يأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر. لا يدخل في الأمور بجهل ولا يخرج من الحق بعجز.
إن صمت لم يغمه الصمت، وإن نطق لم يقل خطأ، وإن ضحك لم يعل صوته. قانع
بالذي قدر له. لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح، ولا يطمع فيما ليس له.
يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويتجر ليغنم، ويبحث ليعلم.
لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم ليتجبر على من سواه.
نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة. أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من
نفسه. إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو المنتصر له. بعده عمن تباعد عنه زهد
ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده تكبرا ولا عظمة، ولا دنوه
خديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير. فهو إمام لمن خلفه من أهل البر.
تأثير خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في همام
قال: فصاح همام صيحة، ثم وقع مغشيا عليه. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما والله
لقد كنت أخافها عليه، وقال: (هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها). فقال له قائل: فما
بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لكل أجل لن يعدوه وسبب لا يجاوزه. فمهلا لا تعد، فإنما نفث على لسانك الشيطان.
ثم رفع همام رأسه فصعق صعقة وفارق الدنيا، رحمه الله.
____________
1- هو همام بن شريح بن زيد بن مرة بن عمرو. راجع البحار: ج 67 ص 317، ج 68 ص 192 و 196.
2- جمع الكلم بمعنى الجرح.
3- برأهم الخوف كالقداح أي جعلهم الخوف كالسهام، والقداح هو السهم قبل أن ينصل ويراش.
4- المجهود: الطاقة والاستطاعة.

قوله صلی الله عليه و اله: (سلوني عما بدا لكم)


أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، عن سلمان وأبي ذر والمقداد:
إن نفرا من المنافقين اجتمعوا فقالوا: إن محمدا ليخبرنا عن الجنة وما أعد الله فيها
من النعيم لأوليائه وأهل طاعته، وعن النار وما أعد الله فيها من الأنكال والهوان لأعدائه وأهل معصيته. فلو أخبرنا عن آبائنا وأمهاتنا ومقعدنا في الجنة والنار، فعرفنا الذي
يبنى عليه في العاجل والآجل!
فبلغ ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله، فأمر بلالا فنادى بالصلاة جامعة. فاجتمع الناس حتى
غص المسجد وتضايق بأهله. فخرج مغضبا حاسرا عن ذراعيه وركبتيه حتى صعد
المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس، أنا بشر مثلكم أوحى إلي ربي، فاختصني برسالته واصطفاني لنبوته
وفضلني على جميع ولد آدم وأطلعني على ما شاء من غيبه. فاسألوني عما بدا لكم.
فوالذي نفسي بيده لا يسألني رجل منكم عن أبيه وأمه وعن مقعده من الجنة والنار إلا أخبرته. هذا جبرئيل عن يميني يخبرني عن ربي فاسألوني.
سؤال الناس عن أنسابهم وعن الجنة والنار
فقام رجل مؤمن يحب الله ورسوله، فقال: يا نبي الله، من أنا؟ قال: أنت عبد الله بن
جعفر، فنسبه إلى أبيه الذي كان يدعى به، فجلس قريرة عينه.
ثم قام منافق مريض القلب مبغض لله ولرسوله فقال: يا رسول الله، من أنا؟ قال:
أنت فلان بن فلان راع لبني عصمة وهم شر حي في ثقيف، عصوا الله فأخزاهم.
فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد، وكان قبل ذلك لا يشك الناس أنه صنديد من صناديد قريش وناب من أنيابهم!
ثم قام ثالث منافق مريض القلب، فقال: يا رسول الله، أفي الجنة أنا أم في النار؟ قال:
في النار ورغما فجلس وقد أخزاه الله وفضحه على رؤوس الأشهاد.
فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبك يا رسول الله نبيا،
ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. اعف عنا يا رسول الله عفا الله عنك، واستر سترك الله. فقال صلی الله عليه و اله: عن غير هذا - أو تطلب سواه (1) - يا عمر. فقال: يا رسول الله، العفو
عن أمتك.
خلق رسول الله وعلي عليهما السلام
فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا رسول الله، انسبني من أنا، ليعرف الناس قرابتي منك.
فقال: يا علي، خلقت أنا وأنت من عمودين من نور معلقين من تحت العرش، يقدسان الملك (2) من قبل أن يخلق الخلق بألفي عام. ثم خلق من ذينك العمودين نطفتين
بيضاوين ملتويتين. ثم نقل تلك النطفتين في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الزكية الطاهرة، حتى جعل نصفها في صلب عبد الله ونصفها في صلب أبي طالب. فجزء أنا وجزء أنت، وهو قول الله عز وجل: (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا). (3)
علي عليه السلام السبب بين الله وخلقه
يا علي، أنت مني وأنا منك. سيط (4) لحمك بلحمي ودمك بدمي. وأنت السبب فيما بين
الله وبين خلقه بعدي. فمن جحد ولايتك قطع السبب الذي فيما بينه وبين الله وكان ماضيا في الدركات.
يا علي، ما عرف الله إلا بي ثم بك. من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته!
يا علي، أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيامة. فمن استظل بفيئك كان فائزا، لأن حساب الخلائق إليك ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك والموقف موقفك والحساب حسابك. فمن ركن إليك نجا، ومن خالفك هوى وهلك. اللهم اشهد، اللهم اشهد.
ثم نزل صلی الله عليه و اله.
____________
1- الظاهر أن المراد: عن غير هذا كنت تسأل، أو قال: (كنت تطلب سواه). ولعل كلا الجملتين معطوفتان للتوضيح لا من ترديد الراوي.
2- أي الله تعالى.
3- سورة الفرقان: الآية 54.
4- أي اختلط.

كلمة رسول الله صلی الله عليه و اله عن علي والأئمة عليهم السلام


أبان عن سليم عن سلمان، قال: كانت قريش إذا جلست في مجالسها فرأت رجلا
من أهل البيت قطعت حديثها. فبينما هي جالسة إذ قال رجل منهم: (ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة)!
فبلغ ذلك رسول الله صلی الله عليه و اله فغضب، ثم خرج فأتى المنبر فجلس عليه حتى اجتمع
الناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله.
قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ثم مضى في
نسبه حتى انتهى إلى نزار. (1)
خلق أهل البيت عليهم السلام ونسبهم
ثم قال: ألا وإني وأهل بيتي كنا نورا نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي
عام، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه.
فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلب آدم. ثم
حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذفه في النار في صلب إبراهيم. ثم لم يزل ينقلنا
في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتدا (2) وأكرم المغارس منبتا بين الآباء والأمهات، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط.
ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن
والحسين وفاطمة والمهدي.
اختار الله محمدا وعليا والأئمة عليهم السلام حججا
ألا وإن الله نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختار منهم رجلين: أحدهما أنا فبعثني
رسولا ونبيا، والآخر علي بن أبي طالب، وأوحى إلي أن أتخذه أخا وخليلا ووزيرا ووصيا وخليفة.
ألا وإنه ولي كل مؤمن بعدي، من والاه والاه الله ومن عاداه عاداه الله. لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر. هو زر الأرض بعدي وسكنها، وهو كلمة الله التقوى وعروته
الوثقى. ( يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). (3)
ألا وإن الله نظر نظرة ثانية فاختار بعدنا اثني عشر وصيا (4) من أهل بيتي، فجعلهم
خيار أمتي واحدا بعد واحد، مثل النجوم في السماء، كلما غاب نجم طلع نجم. هم
أئمة هداة مهتدون لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم.
هم حجج الله في أرضه، وشهدائه على خلقه، وخزان علمه، وتراجمة وحيه،
ومعادن حكمته. من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض.
فليبلغ الشاهد الغائب. اللهم اشهد، اللهم اشهد - ثلاث مرات -.
أعظم مناقب أمير المؤمنين عليه السلام على لسان أبي ذر والمقداد
أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: قلت لأبي ذر: حدثني رحمك الله
بأعجب ما سمعته من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول في علي بن أبي طالب عليه السلام.
طاعة علي عليه السلام والبراءة من أعدائه عند الملائكة
قال: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (إن حول العرش لتسعين ألف ملك ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الطاعة لعلي بن أبي طالب والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته).
قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: سمعته يقول: (إن الله خص جبرئيل وميكائيل
وإسرافيل بطاعة علي والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته).
احتجاج الله على الأمم السالفة بعلي عليه السلام
قلت: فغير هذا رحمك الله. قال: سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (لم يزل الله يحتج
بعلي في كل أمة فيها نبي مرسل، وأشدهم معرفة لعلي أعظمهم درجة عند الله).
علي عليه السلام الستر والحجاب بين الله وبين خلقه
قلت: فغير هذا، رحمك الله. قال: نعم، سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (لولا أنا
وعلي ما عرف الله، ولولا أنا وعلي ما عبد الله، ولولا أنا وعلي ما كان ثواب ولا عقاب.
ولا يستر عليا عن الله ستر، ولا يحجبه عن الله حجاب، وهو الستر والحجاب فيما بين
الله وبين خلقه).
ولاية علي عليه السلام تطهير للقلب
قال سليم: ثم سألت المقداد فقلت: حدثني - رحمك الله - بأفضل ما سمعت من
رسول الله صلی الله عليه و اله يقول في علي بن أبي طالب.
قال: سمعت من رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: إن الله توحد بملكه، فعرف أنواره نفسه (5)، ثم فوض إليهم أمره وأباحهم جنته. فمن أراد أن يطهر قلبه من الجن والأنس عرفه ولاية علي بن أبي طالب، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفة علي بن أبي طالب.
منزلة الأنبياء عليهم السلام بالإقرار للنبي وعلي عليهما السلام
والذي نفسي بيده، ما استوجب آدم أن يخلقه الله وينفخ فيه من روحه وأن يتوب
عليه ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعلي بعدي.
والذي نفسي بيده، ما أري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ولا اتخذه خليلا إلا بنبوتي والإقرار لعلي بعدي.
والذي نفسي بيده، ما كلم الله موسى تكليما ولا أقام عيسى آية للعالمين إلا بنبوتي ومعرفة علي بعدي.
والذي نفسي بيده، ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفته والإقرار لنا بالولاية، ولا استأهل خلق
من الله النظر إليه إلا بالعبودية له والإقرار لعلي بعدي.
ثم سكت، فقلت: فغير هذا رحمك الله.
علي عليه السلام الموكل بحساب الأمة
قال: نعم، سمعت رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (علي ديان هذه الأمة والشاهد عليها
والمتولي لحسابها. وهو صاحب السنام الأعظم وطريق الحق الأبهج السبيل، وصراط
الله المستقيم. به يهتدى بعدي من الضلالة ويبصر به من العمى. به ينجو الناجون
ويجار من الموت ويؤمن من الخوف، ويمحى به السيئات ويدفع الضيم وينزل
الرحمة.
وهو عين الله الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرحمة، ووجهه في السماوات والأرض وجنبه الظاهر اليمين، وحبله القوي المتين، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها، وبابه الذي يؤتى منه، وبيته الذي من دخله كان آمنا.
وعلمه على الصراط في بعثه. من عرفه نجا إلى الجنة ومن أنكره هوى إلى النار.
____________
1- راجع عن نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وأسماء آبائه: الحديث 14 من هذا الكتاب.
2- أي أخلصهما أصلا.
3- . إشارة إلى سورة الصف: الآية 8، وفي القرآن: (ليطفؤوا).
4- إن التصحيف إما في (بعدنا) وأنه كان في الأصل (بعدي)، أو في (اثني عشر) وأنه كان في الأصل (أحد عشر).
5- المراد من الأنوار المعصومون عليهم السلام ظاهرا أي عرفهم الله نفسه.

ولاية علي عليه السلام هي الفارق بين الإيمان والكفر


وعنه عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول:
إن عليا باب فتحه الله، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا. (1)
____________
1- أورد الطبرسي في الإحتجاج: ج 1 ص 66، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في خطبته يوم الغدير: (قال الله تعالى: جعلت (عليا) علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعداوته دخل النار).

وقائع السقيفة على لسان ابن عباس


أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال: كنت عند عبد الله بن عباس في بيته
ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام، فحدثنا فكان فيما حدثنا أن قال:
يا إخوتي، توفي رسول الله صلی الله عليه و اله يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف. واشتغل علي بن أبي طالب عليه السلام برسول الله صلی الله عليه و اله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته. ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله صلی الله عليه و اله، ولم يكن همته الملك لما كان رسول الله صلی الله عليه و اله أخبره عن القوم.

أخذ البيعة من علي عليه السلام بالإكراه


فلما افتتن الناس بالذي افتتنوا به من الرجلين، فلم يبق إلا علي وبنو هاشم وأبو ذر والمقداد وسلمان في أناس معهم يسير، قال عمر لأبي بكر: (يا هذا، إن الناس أجمعين
قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر، فابعث إليه). فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له (قنفذ) فقال له: (يا قنفذ، انطلق إلى علي فقل له: أجب خليفة رسول الله).
فانطلق فأبلغه. فقال علي عليه السلام: (ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، نكثتم وارتددتم.
والله ما استخلف رسول الله غيري. فارجع يا قنفذ فإنما أنت رسول، فقل له: قال لك علي:
والله ما استخلفك رسول الله وإنك لتعلم من خليفة رسول الله).
فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلغه الرسالة. فقال أبو بكر: (صدق علي، ما استخلفني
رسول الله) فغضب عمر ووثب وقام. فقال أبو بكر: (إجلس). ثم قال لقنفذ: (إذهب
إليه فقل له: (أجب أمير المؤمنين أبا بكر)!
فأقبل قنفذ حتى دخل على علي عليه السلام فأبلغه الرسالة. فقال عليه السلام: (كذب والله، انطلق
إليه فقل له: والله لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك).
فرجع قنفذ فأخبرهما. فوثب عمر غضبان فقال: (والله إني لعارف بسخفه وضعف
رأيه وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله فخلني آتك برأسه) فقال أبو بكر: (إجلس)،
فأبى فأقسم عليه فجلس. ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: (أجب أبا بكر).
فأقبل قنفذ فقال: (يا علي، أجب أبا بكر). فقال علي عليه السلام: (إني لفي شغل عنه،
وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي، وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور).
هجومهم على بيت فاطمة عليها السلام وإحراقه
فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر. فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذا
فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا. ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي عليه السلام، وفاطمة عليها السلام قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلی الله عليه و اله. فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: (يا بن أبي طالب، افتح الباب).
فقالت فاطمة عليها السلام: (يا عمر، ما لنا ولك؟ لا تدعنا وما نحن فيه).
قال: (افتحي الباب وإلا أحرقناه عليكم)!
فقال: (يا عمر، أما تتقي الله عز وجل، تدخل على بيتي وتهجم على داري)؟ فأبى
أن ينصرف. ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر.
ضرب الصديقة الطاهرة عليها السلام
فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت: (يا أبتاه يا رسول الله) فرفع السيف وهو في غمده
فوجأ به جنبها فصرخت. فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: (يا أبتاه)!
أمير المؤمنين عليه السلام يهم بقتل عمر
فوثب علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلی الله عليه و اله وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال: (والذي كرم محمدا بالنبوة يا بن صهاك، لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي).
يريدون قتل الزهراء عليها السلام بالسيف!
فأرسل عمر يستغيث. فأقبل الناس حتى دخلوا الدار. وسل خالد بن الوليد السيف
ليضرب فاطمة عليها السلام فحمل عليه بسيفه، فأقسم على علي عليه السلام فكف.
إخراج أمير المؤمنين عليه السلام من البيت
وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعوانا
لعلي عليه السلام، حتى كادت تقع فتنة. فأخرج علي عليه السلام واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة الأسلمي رحمهم الله وهم يقولون: (ما أسرع ما خنتم
رسول الله صلی الله عليه و اله وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم).
وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: (يا عمر، أتثب على أخي رسول الله ووصيه
وعلى ابنته فتضربها، وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به). فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده، فتعلق به عمر ومنعه من ذلك.

كيفية البيعة الجبرية


أول ما قال أمير المؤمنين عليه السلام عند البيعة الجبرية
فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر ملببا. فلما بصر به أبو بكر صاح: (خلوا سبيله) فقال
علي عليه السلام: (ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم يا أبا بكر، بأي حق وبأي
ميراث وبأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله صلی الله عليه و اله)؟
التهديد الأول لعلي عليه السلام
فقال عمر: دع عنك هذا يا علي، فوالله إن لم تبايع لنقتلنك فقال علي عليه السلام: (إذا والله أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول). فقال عمر: (أما عبد الله المقتول فنعم، وأما
أخو رسول الله فلا) فقال علي عليه السلام: (أما والله، لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إلي خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا)، وأبو بكر ساكت لا يتكلم.
فقام بريدة فقال: يا عمر، ألستما اللذين قال لكما رسول الله صلی الله عليه و اله: (انطلقا إلى علي
فسلما عليه بإمرة المؤمنين)، فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ فقال: نعم.
فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة، ولكنك غبت وشهدنا، والأمر يحدث بعده
الأمر فقال عمر: وما أنت وهذا يا بريدة؟ وما يدخلك في هذا؟ فقال بريدة: (والله
لا سكنت في بلدة أنتم فيها أمراء). فأمر به عمر فضرب وأخرج.
ثم قام سلمان فقال: (يا أبا بكر، اتق الله وقم عن هذا المجلس، ودعه لأهله يأكلوا به
رغدا إلى يوم القيامة، لا يختلف على هذه الأمة سيفان)، فلم يجبه أبو بكر. فأعاد
سلمان فقال مثلها. فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر؟ وما يدخلك فيما هيهنا؟
فقال: مهلا يا عمر، قم يا أبا بكر عن هذا المجلس، ودعه لأهله يأكلوا به والله خضرا إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دما وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون. والله لو أعلم أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدما.
أتثبون على وصي رسول الله؟ فأبشروا بالبلاء وأقنطوا من الرخاء.
ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار، فقالوا لعلي عليه السلام: (ما تأمر؟ والله إن أمرتنا لنضربن
بالسيف حتى نقتل). فقال علي عليه السلام: (كفوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول الله صلی الله عليه و اله وما أوصاكم به)، فكفوا.
التهديد الثاني لعلي عليه السلام
فقال عمر لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فينا فيبايعك؟ أو تأمر به فيضرب عنقه؟ - والحسن والحسين عليهما السلام قائمان على رأس علي عليه السلام - فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا أصواتهما: (يا جداه
يا رسول الله) فضمهما علي عليه السلام إلى صدره وقال: (لا تبكيا، فوالله لا يقدران على قتل أبيكما، هما أقل وأذل وأدخر (1) من ذلك.
وأقبلت أم أيمن النوبية حاضنة رسول الله صلی الله عليه و اله وأم سلمة فقالتا: (يا عتيق، ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمد). فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد، وقال: (ما لنا وللنساء)!
التهديد الثالث لعلي عليه السلام
ثم قال: يا علي، قم بايع. فقال علي عليه السلام: إن لم أفعل؟ قال: إذا والله نضرب عنقك.
قال عليه السلام: كذبت والله يا بن صهاك، لا تقدر على ذلك. أنت ألأم وأضعف من ذلك.
التهديد الرابع لعلي عليه السلام
فوثب خالد بن الوليد واخترط سيفه وقال: (والله إن لم تفعل لأقتلنك). فقام إليه
علي عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه ووقع السيف من يده!
التهديد الخامس لعلي عليه السلام
فقال عمر: قم يا علي بن أبي طالب فبايع. قال عليه السلام: فإن لم أفعل؟ قال: (إذا والله
نقتلك). واحتج عليهم علي عليه السلام ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي منه بذلك. ثم توجه إلى منزله وتبعه الناس.
_________
1- أي أصغر وأذل.

<p dir="rtl" style="line-height: 200%; font-family: tahoma,arial,helvetica,sans-serif; text-align: justify;">

غصبهم فدكا هدية النبي صلی الله عليه و اله للزهراء عليها السلام!!


احتجاج الزهراء عليها السلام لإعادة فدك
قال: ثم إن فاطمة عليها السلام بلغها أن أبا بكر قبض فدك. فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، تريد أن تأخذ مني أرضا جعلها لي
رسول الله صلی الله عليه و اله وتصدق بها علي من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل
ولا ركاب؟ أما كان قال رسول الله صلی الله عليه و اله: (المرء يحفظ في ولده بعده)؟ وقد علمت أنه لم يترك لولده شيئا غيرها.
منع عمر من كتاب أبي بكر برد فدك
فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعا بدواة ليكتب به لها. فدخل عمر فقال:
يا خليفة رسول الله، لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي. فقالت فاطمة عليها السلام: نعم، أقيم البينة. قال: من؟ قالت: علي وأم أيمن. فقال عمر: (لا تقبل شهادة امرأة عجمية
لا تفصح، وأما علي فيحوز النار إلى قرصه). فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ
ما لا يوصف، فمرضت.
أبو بكر وعمر يعودان فاطمة عليها السلام
وكان علي عليه السلام يصلي في المسجد الصلوات الخمس. فكلما صلى قال له أبو بكر
وعمر: (كيف بنت رسول الله)؟ إلى أن ثقلت، فسألا عنها وقالا: (قد كان بيننا وبينها
ما قد علمت، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا)؟ قال عليه السلام: ذاك إليكما.
فقاما فجلسا بالباب، ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها: (أيتها الحرة، فلان
وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك، فما ترين)؟ قالت عليها السلام: البيت بيتك والحرة
زوجتك، فافعل ما تشاء. فقال: (شدي قناعك)، فشدت قناعها وحولت وجهها إلى
الحائط.
دعاء فاطمة عليها السلام على أبي بكر وعمر
فدخلا وسلما وقالا: ارضي عنا رضي الله عنك. فقالت: ما دعاكما إلى هذا؟ فقالا:
اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك. فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما. قالا: سلي عما بدا لك. قالت: نشدتكما
بالله هل سمعتما رسول الله صلی الله عليه و اله يقول: (فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني)؟ قالا: نعم. فرفعت يدها إلى السماء فقالت: (اللهم إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك. لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما).
قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعا شديدا. فقال عمر: تجزع
يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟

وصية فاطمة الزهراء عليها السلام وشهادتها


قال: فبقيت فاطمة عليها السلام بعد وفاة أبيها رسول الله صلی الله عليه و اله أربعين ليلة. فلما اشتد بها الأمر دعت عليا عليه السلام وقالت: (يا بن عم، ما أراني إلا لما بي، وأنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب تكون لولدي مثلي، وتتخذ لي نعشا، فإني رأيت الملائكة يصفونه لي.
وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة علي).
قال ابن عباس: وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام: (أشياء لم أجد إلى تركهن سبيلا، لأن القرآن بها أنزل على قلب محمد صلی الله عليه و اله: قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذي أوصاني وعهد إلي خليلي رسول الله بقتالهم، وتزويج أمامة بنت زينب أوصتني بها
فاطمة عليها السلام).
قال ابن عباس: فقبضت فاطمة عليها السلام من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلی الله عليه و اله. فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام ويقولان له: (يا أبا الحسن، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله).
فلما كان في الليل دعا علي عليه السلام العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعمارا،
فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها.
أراد عمر نبش قبر الزهراء عليها السلام فواجهه أمير المؤمنين عليه السلام
فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة. فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها.
فقال عمر: والله لا تتركون - يا بني هاشم - حسدكم القديم لنا أبدا. إن هذه الضغائن
التي في صدوركم لن تذهب والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها.
فقال علي عليه السلام: (والله لو رمت ذلك يا بن صهاك لأرجعت إليك يمينك. والله لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك، فرم ذلك). (1) فانكسر عمر وسكت، وعلم أن
عليا عليه السلام إذا حلف صدق.
ثم قال علي عليه السلام: يا عمر، ألست الذي هم بك رسول الله صلی الله عليه و اله وأرسل إلي، فجئت متقلدا بسيفي، ثم أقبلت نحوك لأقتلك، فأنزل الله عز وجل: (فلا تعجل عليهم إنما
نعد لهم عدا)(2) ، فانصرفوا.
____________
١- أي اقصد نحوه إن قدرت عليه.
٢- سورة مريم: الآية 84.

مؤامرتهم لقتل أمير المؤمنين عليه السلام


قال ابن عباس: ثم إنهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: (لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل
حيا) فقال أبو بكر: من لنا بقتله؟ فقال عمر: (خالد بن الوليد) فأرسلا إليه فقالا:
(يا خالد، ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال: احملاني على ما شئتما، فوالله إن
حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت. فقالا: والله ما نريد غيره. قال: فإني له!
فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف. فإذا
سلمت فاضرب عنقه. قال: نعم. فافترقوا على ذلك.
ندامة أبي بكر عند إجراء المؤامرة
ثم إن أبا بكر تفكر فيما أمر به من قتل علي عليه السلام وعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على ما أمره به. فلم ينم ليلته تلك حتى أصبح ثم أتى
المسجد وقد أقيمت الصلاة. فتقدم فصلى بالناس مفكرا لا يدري ما يقول.
وأقبل خالد بن الوليد متقلدا بالسيف حتى قام إلى جانب علي عليه السلام، وقد فطن
علي عليه السلام ببعض ذلك. فلما فرغ أبو بكر من تشهده صاح قبل أن يسلم: (يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك) ثم سلم عن يمينه وشماله.
المواجهة لمؤامرة القتل فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده، ثم صرعه وجلس على صدره وأخذ سيفه ليقتله، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالدا فما قدروا عليه.
فقال العباس: حلفوه بحق القبر (لما كففت). فحلفوه بالقبر فتركه، وقام فانطلق إلى
منزله.
وجاء الزبير والعباس وأبو ذر والمقداد وبنو هاشم، واخترطوا السيوف وقالوا:
(والله لا تنتهون حتى يتكلم ويفعل) واختلف الناس وماجوا واضطربوا.
وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن: (يا أعداء الله، ما أسرع ما أبديتم العداوة
لرسول الله وأهل بيته لطالما أردتم هذا من رسول الله صلی الله عليه و اله، فلم تقدروا عليه، فقتلتم ابنته بالأمس، ثم أنتم تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمه ووصيه وأبا ولده؟ كذبتم ورب الكعبة. ما كنتم تصلون إلى قتله).
حتى تخوف الناس أن تقع فتنة عظيمة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page