ب ـ هناك حذف تام لفضائل علي وأهل بيته بصورة متعمدة من كتب التاريخ، فهذا ابن هشام ناقل سيرة ابن إسحاق، يقول في مقدمة كتابه:
(وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب.. وأشياء يشنع الحديث بها، وبعض يسوء الناس ذكره..).
ممهداً بذلك إلى كتم الحقائق ودفنها، فمن بين هذه الأشياء التي يسوء الناس ذكرها، خبر دعوة الرسول لعبد المطلب عندما أمره الله (وأنذر عشيرتك الأقربين) فقد ذكرها الطبري بإسناده، قال رسول الله (ص): فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي (ع) أنا يا نبي الله أكون وزيرك.. قال الرسول: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(1).
فهل هذه الرواية مما يسوء الناس ذكرها؟! أو يشنع الحديث بها؟!
لا يعجبك ذكر الطبري لهذه الحادثة، فسرعان ما تراجع عن ذلك فروى في تفسيره هذه الحادثة مع تدليسها وتحريفها قال: فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا.. ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا(2).
فماذا تعني كذا وكذا؟!
أما ابن كثير في تاريخه عند ذكر هذه الحادثة فأعجبه ما صنعه الطبري في تفسيره فسار على خطته من غير حياء أو أمانة علمية، فقال: كذا وكذا..!(3).
فانظر إلى هذه الحادثة الواحدة التي تتناول فضيلة من فضائل أمير المؤمنين وأحقيته في الخلافة، انظر كيف فعل بها المؤرخون، فابن هشام لم يستطع أن يتحايل عليها فحذفها من الأساس، وأما الطبري وتبعه ابن كثير فزيّفاها وأيهما معناها.. فتأملوا.
ج ـ وإليك نموذجاً آخر من تحريفات المؤرخين للحقائق، فكما أنهم يخفون فضائل علي (ع) وأهل بيته، ففي المقابل يخفون كل ما يشين وينقص من حق الصحابة وبالخصوص الخلفاء، وإليك هذه الحادثة التي تجمع كلا الاتجاهين من إخفاء لفضائل علي (ع) وإخفاء لفضائح الخلفاء:
أخفى المؤرخون وأولهم الطبري، الرسائل التي جرت بين محمد بن أبي بكر ـ من شيعة أمير المؤمنين ـ ومعاوية بن أبي سفيان. لأن فيها إثباتاً لوصاية الإمام علي (ع) وكشفاً لأمر الخلفاء، فاعتذر الطبري بعدما ذكر إسناد الرسالتين، بأن فيهما ما لا يتمل العامة سماه، ثم جاء من بعده ابن الاثير وفعل ما فعله الطبري، ثم سار على نهجهم ابن كثير فأشار إلى رسالة محمد بن أبي بكر، وحذف الرسالة وقال: (وفيها غلظه). وما فعله المؤرخون الثلاثة، هو من أبشع أنواع كتم الحقائق، فهو يكشف بكل وضوح عدم أمانتهم العلمية.
فماذا يقصدون من قولهم: (عدم احتمال العامة سماع ما فيهما؟
هل لأن العامة لا تبقى على عقيدتها بالخلفاء بعد سماع الكتابين؟
وإليك مختصراً من رسالة محمد بن أبي بكر إلى معاوية، ورد الأخير عليه، من كتاب ـ مروج الذهب للمسعودي ـ:
.. من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر ـ ثم ذكر الرسول (ص) والثناء عليه.. ـ وبعثه رسولاً ومبشراً ونذيراً، فكان أول من جاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب: صدقه بالغيب المكتوم وأثره على كل حميم، ووقاه بنفسه كل هول وحارب حربه وسالم سلمه.. لا نظير له.. اتبعه، ولا مقار له في فعله،وقد رايتك تساميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة.. وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله (ص) الغواية وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال، وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خلفته..
ـ ثم ذكر أنصار علي وأتباعه وقال: يرون الحق في أتباعه، والشقاء في خلافه، فكيف يا لك الوي!، تعدل أو تقرن نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (ص) ووصيه وأبو ولده: أول الناس أتباعاً، وأقربهم به عهداً، يخبره بسره، ويطلعه على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهن ثم يتبين لمن تكون العاقبة العليا، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي آمنت كيده ويئست من روح، فهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور، والسلام على من اتبع الهدى(4).
____________
1- الطبري بتلخيص ـ ط. الأولى، مصر ج2 ص216ـ217.
2- تفسير الطبري. ط بولاق ج19ص 72.
3- البداية والنهاية ج3 ص40.
4- مروج الذهب ـ للمسعودي ـ ج3 ص20 ، تحقيق محمد محي الدين، دار المعرفة بيروت.
نموذج آخر
- الزيارات: 830