• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الحديث في عهد معاوية

عندما تقف أمام المؤامرات التي حيكت في الحديث، وتبديل حقائقه، تشعر بضرورة نظرية الشيعة، أي لا بد من حاكم وإمام معصوم نزيهاً فسوف يُسخّر الدين لخدمة الدين وأهدافه وسياساته ويحرف الحديث لمصلحته، هذا إذا لم يحاربه ويمنع من كتابته ونشره، كما مر عليك من فعل الخلفاء الثلاثة ـ أبي بكر، عمر، عثمان ـ الذين منعوا من رواية الحديث واحرقوا ما عند المسلمين وحبسوا الصحابة بالمدينة حتى لا ينشروا الحديث في المناطق الأخرى، وقال الإمام علي (ع) في ذلك: (قد عملت الولاة قبلي أعملاً خالفوا فيها رسول الله متعمدين بخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته..).
وأنا لن أتناول هذه الفترة في هذا الفصلين، وسأكتفي بالإشارات السابقة، وإنما سوف أتناول هنا عهد تدوين الحديث الذي يعتبر عند أهل السنة العصر الذهبي للحديث، مع الإشارة لما فعله معاوية من وضع الأحادي وكتم فضائل أهل البيت.


  الحديث في عهد معاوية:
ويمكن أن نطوي فترة معاوية بما نقله المدائني في كتاب الأحداث، يقول: (كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة(1) أن: (برئت الذمة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب ـ أي الإمام علي (ع) ـ وأهل بيته)، فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي (ع)، فاستعمل عليهم زياد بن سميه، وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي (ع)، فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم. وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وكتب إليهم، أن أنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه، وأهل ولايته والذين يروون فضائه ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطايع، ويعظمهم في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فلبس يجيء أحد مرود من الناس عاملاً من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حيناً).
ويضيف المدائي بقول: (ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي واقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله).
ثم يواصل قوله: (فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقى على معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم، وخدمهم، وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله).
ويضيف: (ثم كتب إلى عماله نسخة إلى جميع البلدان: انظرا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره. فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة، حتى أن الرجل من شيعة علي (ع) ليأتيه من يثقبه، فيدخل بيته، فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه مملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الإيمان الغليظة، ليكتمن عليهم، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاء والولاة. وكان أعظم الناس في ذلك بلية، القراء المرأؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقدروا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين، الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها)(2).
ويتضح لك من ذلك شدة المؤامرة التي حيكت لتزييف الحقائق إلى درجة أنهم أحلو الكذب على رسول الله (ص)، وكل هذا يرجع للعداء الشديد الذي يحمله معاوية لعلي وشيعته، ولذلك جند معاوية كل إمكانياته للوقوف في وجه علي وشيعته، فكانت أول خطوة هي تعرية الإمام (ع) من كل فضيلة ومنقبة بل لعنه على المنابر لمدة ثماني عاماً. والثانية هي تشكيل سياج ذي مظهر ميل خلاب حول مجموعة من الصحابة حتى يكنوا رموزاً بدلاً من الإمام علي (ع)، فتحت تهديدات معاوية وإغراءاته انجرف لخدمته مجموعة من المنافقين يضعون الأحاديث كذباً على رسول الله (ص) تحت ستار أنهم صحابة رسول الله (ص).
قال أبو جعفر الإسكافي: إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه ـ منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبه، ومن التابعين عروة بن الزبير)(3).
فهكذا باع هؤلاء القوم آخرتهم بدنيا معاوية، فهذا هو أبو هريرة كما يروي ال'مش. قال: لما قدم أبو هرية العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس، حثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مراراً، وقال: يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله، وأحرق نفسي بالنار؟! والله لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: عن لكل نبي حرماً وإن حرمي بالمدينة ما بين عير على ثور(4)، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين، واشهد بالله أن علياً أحدث فيها. فلما بلغ معاوية قوله أجازه، وأكرمه، وولاه المدينة(5).
وإليك سَمُرَةَ بن جندب نموذجاً آخر من عمال معاوية في وضع الأحاديث. جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد: روى أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشه الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)(6). أن الآية الثانية نزلت على ابن ملجم ـ قاتل علي بن أبي طالب ـ وهي قوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)(7). فلم يقبل ـ أي سمرة ـ فبذل ـ أي معاوية ـ له مائتي ألف رهم فلم يقبل أيضاً. فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل)(8).
روى الطبري: سُئل ابن سيرين، هل كان سمرة قتل أحداً؟! فقال: وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب؟! استخلفه زياد على البصرة، وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس. وروى أنه قتل في غداة واحدة سبعاً وأربعين كلهم قد جمعوا القرآن(9).
فيا تُرى هل يكون هؤلاء المقتولين غير شيعة علي (ع)؟!
وقال ـ أي الطبري ـ: مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب، فأغره معاوية أشهراً، ثم عزله فقال سمرة: لعن الله معاوية، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا(10).
أما المغيرة بن شعبة فقد صرح بهذه الضغوط اتي سلطها عليه معاوية.
روى الطبري عنه: (أن المغيرة بن شعبه قال لصعصعة بن صوحان العبدي ـ وكان المغيرة يومذاك أميراً على الكوفة من قبل معاوية ـ: إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإياك أن يبلغني عنك أنك تذكر شيئاً من فضل علي علانية فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله. بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان ـ يقصد معاوية ـ قد ظهر وقد أخذنا بإظهار عيبه ـ أي علي ـ للناس، فنحن ندع كثيراً مما أمرنابه، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بداً ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية، فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك، وفي منازلكم سراً، وأما علانية في المسجد، فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا فيه..)(11).
وهكذا استجاب لمعاوية جمع من الصحابة والتابعين، ومن رفض قتل، كالشهيد حجر بن عدي وميثم التمار وآخرين.
وبهذا ظهرت في تلك الفترة آلاف من الأحاديث المكذوبة التي تنسج فضائل وبطولات للصحابة وخاصة للخلفاء الثلاثة ـ أبي بكر، وعمر، وعثمانـ ثم تناقل هذه الأحاديث جيل بعد جيل حتى دونت في المصادر المعتمدة.
وإليك بعض النماذج من الأحاديث المكذوبة، ومن أراد التوسع فليرجع إلى موسوعة الغدير للعلامة الأميني ج7، 8، 9.

____________
1- هو العام الذي جمع فيه معاوية شيعته سنة 42هـ وسماهم أهل السنة والجماعة بذلك اشتهر بعام الجماعة.
2- تأملات في الصحيحين ص 42ـ44.
3- أبو هريرة ـ محمود أبو ريه ـ ص 236.
4- قال ابن أبي الحديد في شرحه: الظاهر أنه لغط من الراوي، لأن ثور بمكة .. والصواب ما بين عير واحد.
5- أحاديث أم المؤمنين عائشة ص 399.
6- سورة البقرة: 204.
7- البقرة: 207.
8- أحاديث أم المؤمنين ص 400.
9- في حوادث سنة خمسين من تاريخ الطبري ج6 ص 132، وابن الاثير ج2 ص193.
10- في حوادث 52 من تاريخ الطبري ج 6 ص 164، وإبن الأثير ج 3 ص 195.
11- تاريخ الطبري ج6 ص108 في ذكر حوادث سنة 43 هـ.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page