• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

(2) الإمام مالك بن أنس


هو أبو عبد الله، مالك بن أنس بن مالك، ولد في المدينة سنة 93هـ على أحد الأقوال وتوفى سنة 179هـ على أحد الأقوال، وقد ازدهر عهد مالك بالعلم وأصبحت المدينة يؤمها طلاب العلم من مختلف الأقطار الإسلامية، وامتازت مدرسة المدينة بالتمسك بالحديث ومحاربة مدرسة الرأي بالكوفة برئاسة أبي حنيفة، مما أحدث بينهما خلافاً وتنازعاً خرج عن حد العلم والموضوعية.
وكان في قبال هذه المدارس، مدرسة الإمام الصادق (ع) التي كانت تضج بالعلماء الوفود من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، الذين كانوا يتحينون الفرص للقاء أئمة أهل البيت (ع) وكان الصادق (ع)، أقلهم مضايقة من قبل السلطات. وقد انتمى مالك إلى مدرسته مدة من الزمن وأخذ عنه الحديث، فيعتبر من أكبر شيوخ مالك، ثم تتلمذ مالك على يد عدد من المشايخ، أمثال: عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وزيد بن أسلم، وسعيد المقبري وأبي حازم، وصفوان بن سليم، وغيرهم، وقد اختص مالك بملازمة والأخذ من وهب بن هرمز، نافع مولى بن عمر، وابن شهاب الزهري، وربيعة الرأي، وأبو الزناد، وقد تقدم مالك حتى تزعم مدرسة الحديث، ولكن سرعان ما تدخلت السياسة، لكي تنتصر لمدرسة الرأي، وتسخط على أهل الحديث ولذلك كان مالك بن أنس عرضة لضغوط الدولة حتى منعوه من الحديث وضُرب بالسياط لأجل فتوى أفتاها لم توافق هوى الدولة، وذلك في زمن ولاية جعفر بن سليمان سنة 146هـ فإنه تجرد مالكاً ومده وضربه بالسياط حتى انخلعت كتفاه.
قال إبراهيم بن حمّاد: كنت أنظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه حمل يده اليمنى أو يده اليسرى بالأخرى.
ومن الغريب والمثير جداً أنه بعد زمن قليل أصبح مالك مقدماً في الدولة، منوطاً بالعناية، وصل إلى مرحلة كان يتهيب منه الأمراء، فالسؤال الذي يطرح نفسه أي شيء حصل عند مالك حتى ترضى عنه الدولة وترفعه هذه المكانة؟
فهل كانت الدولة تبغضه لرأي معين تنازل عنه مالك؟
أم ثبت على ما يراه وتحملته الدولة وتنازلت له؟
أم هناك شيء آخر؟
وهذا السؤال الحائر، والاستفهام الذي يعترض من يدرس تاريخ الإمام مالك فيلاحظ تبدل العلاقة بينه وبين الدولة، من حالة ضغط وغضب إلى أن أخذ مالك والمنصور يتبادلان العواطف والثناء.
فالمنصور يقول لمالك: أنت والله أقل الناس وأعلم، ولئن بغيت لأكتبنّ قولك كما تُكتب المصاحف، ولأبعثنّ به إلى الآفاق فأحملهم عليه.
ومن هنا كانت انطلاقة مذهب الإمام مالك عندما أصبح رضاً للسلطان، وإلا فإن المسالة ليست علماً وعدمه بل ملك وسلطان ودعاية وإعلام، وحمل الناس بالرضا أوبالقهر على تقليد المذهب، وهذا هو الذي دعى ربيعة الرأي - أستاذ مالك وأكثر منه علماً - أن يقول: أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير حمل علم(1).
وعندما حصل مالك من السلطتن هذا الرضا، أخذ يقول: (وجدت المنصور أعلم بكتاب الله وسنة رسوله وآثار من مضى).
سبحان الله!، أي علم للمنصور، حتى يكون أعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله (ص)؟!
ولكنه التزلف، والتقرب إلى المُلك والسلطان.
وأما الدليل على أن مالكاً كان منزوياً عن السلطان؟! لم يحدثنا التاريخ انه وقف بجرأة أمام المنصور، يخالفه في أمر أو يعترض طريقه، كما فعل عبد الله بن مرزوق عدما التقى بأبي جعفر في الطواف، وقد تنحى الناس عنه، فقال له عبد الله: من جعلك أحق بهذا البيت من الناس تحول بينه وبينهم وتنحيهم منه؟!
فنظر أبو جعفر في وجهه فعرفه. فقال: يا عبد الله بن مرزوق، من جرأك على هذا، ومن أقدمك عليه؟
فقال عبد الله: وما تصنع بي؟ أبيدك ضرر أو نفع؟ والله ما أخاف ضرك ولن أرجو نفعك، حتى يكون الله عز وجل يأذن لك فيّ.
قال المنصور: إنك أحللت بنفسك وأهلكتها.
فقال عبد الله: اللهم إن كان بيد أبي جعفر ضري، فلا تدع من الضر شيئاً إلا أنزلته علي، وإن كان بيده منفعتي، فاقطع عني كل منفعة منه، أنت يا رب بيدك كل شيء، وأنت مليك كل شيء.
فأمر به أبو جعفر، فحمله إلى بغداد، فسجنه بها ثم أطلقه(2).
ولذلك نجد مالكاً بعُد عن الإمام الصادق (ع)، لأنه لا يتفق مع آرائه من مجانبة السلطان والابتعاد عنه.
وأنا - في نظري - أن السبب الأساسي في غضب السلطة أولاً على مالك لأنها رأت منه تودداً للإمام الصادق (ع)، والشبهة التي كانت تدور في ذلك الوقت، أن العرب يريدون أن يثاروا لأهل البيت، ولذلك نجد أن السلطة قربت الموالي ونصرت أبا حنيفة في الكوفة، وعندما انتفى هذا الأمر لم تجد السلطة طريقاً إلا أن تلمع شخصية مالك وتطرحه كرمز ديني للدولة، حتى يصدق عليها اسم الدولة الإسلامية، وخاصة أن العباسيين ثاروا على الأمويين بحجة أنهم بعدوا عن الدين، ولهذا نجد أن المرسوم الملكي صرح بصلاحيات لمالك لم تكن معهودة عند عالم من قبل: (إن رابك ريب من عامل المدينة أو عامل مكة أو أحد من عمال الحجاز في ذاتك أو ذات غيرك أو سوء أو شر في الرعية. فاكتب إليّ بذلك أُنزل بهم ما يستحقون).
فعظُمت بذلك منزلة مالك، فأخذ الولاة يهابونه هيبة المنصور، كما حدّث الشافعي عندما قدم المدينة يحمل كتاباً لواليها من والي مكة، ويطلب منه أن يوصله إلى مالك فقال الوالي: يا فتى إن المشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافياً راجلاً أهون عليّ من المشي إلى باب مالك، فلست أرى الذلة حتى أقف على باب داره(3).
وعندما جاء المهدي بعد المنصور عظُمت مكانة مالك وازداد قرباً إلى السلطة، فكان المهدي يجله ويحترمه ويصله بهدايا جزيلة، وعطاء وافر، ويظهر للناس شأنه وعلو منزلته وعندما جاء الرشيد لم يغير في الموازين فاحتفظ بمالك بمكانة وعظمة غاية التعظيم، فوقعت هيبة مالك في النفوس.
هكذا السياسة.
ترفع من تريد أن ترفعهن وتنسي ذكر من تريد له ذلك. وبعد ذلك ما هو المانع الذي يحول بين مذهب مالك من الانتشار بعد أن أصبح رضاً للدولة؟!.
لك الله يا سيدي، جعفر بن محمد الصادق (ع).
يعرفون أن الحق لك وعندك، ولا تجوز الإمامة لغيرك.
أو لم يقل مالك: (ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق، فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً)(4).
ومع ظهور فضله، لم يلق (ع) وشيعته إلا الضغط والإرهاب والقتل والتشريد، والذي يشه به تاريخ الشيعة من وفاة رسول الله (ص) وطوال تاريخهم.
ولكني أتساءل، كما يتساءل صاحب كتاب (الإمام الصادق معلم الإنسان)، عندما قال: (إنني لا أتساءل لماذا ظل المسلمون ممزقين إلى سنة وشيعة، لا: وإنما أتساءل بدهشة: كيف استطاع الشيعة الصمود حتى اليوم، رغم كل الظروف القاهرة العصيبة، التي مروا بها في ظل الإرهاب الفكري والجسدي؟!.. ورغم لك محاولات طمس معالم الحق وتمزيق الإسلام؟!)(5).
وإلا، أو ليس من الظلم تقديم كل المذاهب على مذهب جعفر بن محمد (ع)؟!. بل، من المؤسف جداً أنه غير معروف إلى الآن حتى في أوساط المثقفين من طبقات المجتمع.
وأذكر يوماً، أن أستاذنا في الجامعة كان يدرسنا الفقه المالكي فاعترض عليه مجموعة من الطلبة قائلين: لماذا لا تدرسنا الفقه على المذاهب الأربعة؟ قال: أنا مالكي، وأهل السودان كلهم مالكية، ومن كان منكم غير مالكي أن مستعد أن أدرسه مذهبه بصورة خاصة، قلت له: أنا غير مالكي أتدرسني مذهبي؟، قال: نعم، وما مذهبك؟ أشافعي أنت؟
قلت: لا.
قال: حنفي أنت؟
قلت: لا.
قال: حنبلي أنت؟
قلت: لا.
ظهرت الحيرة والاندهاشة على وجهه. قال:
- إذن من تقلد؟!
قلت: جعفر بن محمد الصادق (ع).
قال: ومن جعفر؟!
قلت: أستاذ مالك وأبي حنيفة، ومن ذرية أهل البيت، اشتهر مذهبه باسم المذهب الجعفري.
قال: ما سمعت بهذا المذهب من قبل.
قلت: نحن الشيعة؟
قال: أعوذ بالله من الشيعة...
          وخرج.......!
فمن كان له تحظ وإعلام وسلطان بلغ الثريا، فمالك نفسه لم يكن طامعاً في هذه المرتبة لأنه يعلم أن هناك كثيرين أجدر منه بهذه المكانة.
ولكن السلطة تريده مرجعاً عاماً في الفتوى، وقد أمره المنصور بوضع كتاب يحمل الناس عليه بالقهر، فامتنع مالك فقال المنصور: ضعه فما أحد اليوم أعلم منك(1)، فوضع الموطأ، ونادى منادي السلطان أيام الحج: أن لا يفتي إلا مالك.

 ____________
1- طبقات الفقهاء لأبي اسحاق.
2- الإمامة والسياسة ج1ص 156.
3- معجم الأدباء ج 11 ص 275.
4- ابن شهراشوب، مناقب الإمام الصادق - الإمام الصادق معلم الإنسان ص 24.
5- الإمام الصادق معلم الإنسان ص 52.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page