انتشر المذهب المالكي بواسطة القضاة والملوك، ففي الأندلس حمل ملكها الناس على تقليد مذهب مالكن لما بلغه من مالك في مدحه عندما سأل عن سيرة الملك في الأندلس فذكر له عنها ما أعجبه، فقال: نسأل الله تعالى أن يزين حرمنا بملككم. فلما بلغ قوله إلى الملك حمل الناس على مذهبه، وترك مذهب الأوزاعي فاتبعه الناس خضوعاً لسلطته - فالناس على دين ملوكهم -.
وكذلك انتشر في أفريقيا بواسطة القاضي سحنون. يقول المقريزي: ولما ولي المعز ابن باديس حمل جميع أهل إفريقيا على التمسك بمذهب مالك وترك ما عداه، فرجع أهل إفريقيا وأهل الأندلس كلهم إلى مذهبه، رغبة فيما عند السلطان، وحرصاً على طلب الدنيا إذ كان القضاء والإفتاء في جميع تلك المدن لا يكون إلا لمن تسمى بمذهب مالك، فاضطرت العامة إلى أحكامهم وفتاويهم، ففشا هذا المذهب هناك وحظي بالقبول لا بحسب مؤهلاته ومقوماته الروحية، وإنما سار على حسب نظام القوة التي خضع الناس لها بدون تبصر)(2).
وكذلك انتشر في المغرب عندما تولى علي بن يوسف بن تاشفين، في دولة بني تاشفين فعظم الفقهاء وقربهم، وكان لا يقرب إلا من كان مالكياً، فتنافس الناس في تحصيل المذهب المالكي فنُفقت في زمانه كتب المذهب وعملوا بها وتركوا ما سواها حتى قلّ اهتمام الناس بكتاب الله وسنة نبيه.
هكذا لعبت السياسة في دين المسلمين فأصبحت هي التي تتحكم في اعتقادتهم وتسيّر عباداتهم، فتوارث الناس المذاهب المفروضة وسلموا بها من غير جدال أو نقاش، وكان الأجدر أن يستقل كل جيل في معرفة ذلك ولا يقلد ويطيع طاعة عمياء.
قال ابن حزم: مذهبات انتشرا في مدبء أمرهما بالرئاسة والسلطان:
مذهب أبي حنيفة فإنه لما ولي أبو يوسف القضاء كان لا يولي قاضياً إلا من أصحابه المنتسبين إليه وإلى مذهبه.
والثاني: مذهب مالك عندنا في الأندلس، فإن يحيى بن يحيى كان مكيناً عند السلطان مقبولاً في القضاء، فكان لا يولي قاضياً في أقطار الأندلس إلا بمشاورته واختياره ولا يسير إلا بأصحابه، والناس راع إلى الدنيا، فأقبلوا عل ما يرجون به بولغ أغراضهم(3).
____________
1- شرح الموطأ للزرقاني ج1ص 8.2
2- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج1 ص 166.
3- ابن خلكان ج 2 ص 116.
انتشار المذهب المالكي
- الزيارات: 887