تجاوزت في هذا المقام، أقوال المتعصبين له، وتركت ما عندهم من فضائل ما أنزل الله بها من سلطان، لأنها ليست ميزاناً واقعياً لمعرفة شخصية مالك، وإليك نموذجاً منها: (إن القيسي رأى النبي (ص) يمشي في طريق وأبو بكر خلفه وعمر خلف أبي بكر ومالك بن أنس خلف عمر وسحنون(1) خلف مالك)(2).
.. ومئات من أمثالها.. وهي قضايا تافهة وفضائل مصطنعة ليست جديرة بالنقاش.
واكتفيت هنا بكلمات العلماء وبعض المعاصرين لمالك، وهي آراء حرة لا تعدو أن تكون مجرد مؤاخذات علمية.
قال الشافعي: الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به، وقال سعيد بن أيوب: لو أن الليث ومالك اجتمعا لكان مالك عند الليث أبكم ولباع الليث مالكاً في من يريد(3).
وسأل علي بن المديني يحيى بن سعيد: أيما أحب إليك رأي مالك أو رأي سفيان؟
قال: رأي سفيان لا يشك في هذا.
وقال: سفيان فوق مالك في كل شيء.
وقال يحيى بن معين: سمعت يحيى بن سعيد يقول سفيان أحب إليّ من مالك في كل شيء(4).
وقال سفيان الثوري: ليس له حفظ يعني مالكاً.
وقال ابن عبد البر: تلكم ابن ذويب في مالك بن انس بكلام فيه جفاء وخشونة، كرهت ذكرها(5).
وتكلم في مالك إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه، وكذلك تكلم فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن أبي يحيى، ومحمد بن اسحقا الواقدي، وابن أبي الزناد، وعابوا أشياء من مذهبه.
وقال سلمة بن سليمان لابن المبارك: وضعت شيئاً في رأي أبي حنيفة ولم تضع في رأي مالك؟
قال: لم أره عالماً(6).
وقال ابن عبد البر في مالك: أنهم عابوا أشياء من مذهبه، وعن عبد الله بن إدريس قال: قدم علينا محمد بن إسحاق فذكرنا له شيئاً عن مالك، فقال: هاتوا عمله، وقال يحيى بن صالح: قال لي ابن أكثم: قد رأيت مالكاً وسمعت منه ورافقت محمد بن الحسن، فأيهما كان أفقه؟ فقلت: محمد بن الحسن فيما يأخذه لنفسه أفقه من مالك(7).
وكان أبو محمد بن أبي حاتم يقول: عن أبي زرعة عن يحيى بن بكير أنه قال: الليث أفقه من مالك، إلا أنه كانت الحظوة لمالك(8).
وقال أحمد بن حنبل: كان ابن أبي ذؤيب يشبه سعيد بن المسيب، وكان أفضل من مالك إلا أن مالكاً أشد تنقية للرجال منه(9).
ومن كل هذه الأقوال يمكننا القول: بأنه ليس هناك أفضلية بمالك على غيره من العلماء، وليست له ميزة تؤهله للمرجعية الفقهية، ولكن السياسة لا تنظر للمؤهلات الموضوعية، فلها ميزانها الخاص الذي تقيم به على أساس موازينها السياسية ومصالحها، فالفقيه الذي لا يتعارض مع سياستها هو الفقيه الذي يجب على المسلمين تقليده والاقتداء به.
____________
1- هو القاضي المالكي الذي نشر مذهب مالك في الأندلس.
2- مناقب مالك للزاوي ص 17، ص 18.
3- الرحمة الغيثية، لابن حجر ص6.
4- تاريخ بغداد ج10 ص 164.
5- جامع فضائل العلم ج25 ص 158.
6- المصدر السابق.
7- الخطيب البغدادي ج2ص 175.
8- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج1 ص498.
9- تذكرة الحفّاظ ج 1 ص 176.