هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع. ولد سنة 150هـ وقيل في اليوم الذي مات به أبو حنيفة. واختلف في مكان ولادته بين غزة وعسقلان واليمن وقول شاذ متروك بمكة، وتوفي في مصر سنة 204هـ.
هاجر مع أمه وهو صغير إلى مكة، وفيها التحق بالكتاب فحفظ القرآن الكريم، وتعلم الكتابة وبعدها خرج إلى البادية ولازم هذيلاً 20 سنة على ما حدّث به ابن كثير في البداية والنهاية وسبع عشرة سنة كما حدث هو عن نفسه في معجم البلدان، فاكتسب فصاحة هذيل وفي طوال هذه المدة لم يكن للشافعي توجه علمي وفقهي حيث لم يتوجه إليه إلا في العقد الثالث من عمره، وإذا كان بقاؤه في البادية 20 سنة فيكون طلبه للفقه في العقد الرابع، أي بعد أن تجاوز الثلاثين سنة.
تتلمذ الشافعي على شيوخ من مكة والمدينة واليمن وبغداد، وأول من تلقى الشافعي منه العلم هو مسلم بن خالد المخزومي المعروف بالزنجي، وكان ممن لا يُعتمد عليه في الحديث، فقد ضعّفه وطعن فيه من الحفّاظ، كأبي داود وأبي حاتم، والنسائي(1).
ثم درس على سعيد بن سالم القدّاح، وقد أُتهم بأنه من المرجئة، وأخذ عن سفيان ب عيينة تلميذ الإمام الصادق (ع)، وهو أحد أصحاب المذاهب البائدة، كما أخذ من مالك بن أنس في المدينة.. وآخرين، وقد ذكر ابن حجر منهم ثمانين.. وفيه ضرب من المبالغة، وقد أنظر الرازي تعصباً منه، أخذ الشافعي من محمد بن الحسن الشيباني، القاضي، تلميذ أبي حنيفة ولا مجال لتعصبه فقد اعترف الشافعي بأخذه العلم منه.
أما تلاميذ الشافعي فمنهم العراقي ومنهم المصري، وقد شكلوا فيما بعد العامل الرئيسي في نشر مذهبه، فمن العراق: خالد اليماني الكلبي، أبو ثور البغدادي الذي يعد صاحب مذهب منفرد كان له مقلدون إلى القرن الثاني، وتوفى سنة 240هـ. والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، والحسن بن علي الكرابيسي، كان يشبه الشافعي ويوصف به لأنه انتصر للمذهب ودافع عن أصحابه لمكانته من السلطان وعلو منزلته في الدولة فكان له جاه عظيم. ومن تلاميذه أحمد بن حنبل، رغم إدعاء الحنابلة بأن الشافعي كان يحدث عن أحمد وتتلمذ عليه كما جاء في طبقات الحنابلة.
أما تلاميذه في مصر، فقد كانوا أكثر تأثيراً في نشر مذهبه، وتأليف الكتب ومن أشهرهم، يوسف بن يعقوب البويطي وهو خليفة الشافعي في الدرس ومن أكبر الدعاة له.
فكان يدني الغرباء ويعرفهم فضل الشافعي، حتى كثر أتباعه وانتشر مذهبه فحسده بن أبي الليث الحنفي وأخرجه من مصر فمات في السجن ببغداد.
ومن تلاميذه: إسماعيل بن يحيى المني، أبو إبراهيم المصري، له تصانيف في المذهب الشافعي ساعدت في نشر المذهب، مثل الجامع الكبير، الجامع الصغير، والمنثور.....
والدارس لتاريخ الشافعي يجد أن تلاميذه وأصحابه هم الذين ساندوه ونشروا مذهبه.
وهناك اختلاف بين مدرسة الشافعي في العراق، ومدرسته في مصر، تستدعي التامل، فقد عرف عن الشافعي أنه عدل عن فتاويه في العراق، وعرفت بالمذهب القديم وهو الذي أخذه تلاميذه في العراق، ومن كتب المذهب القديم، الأمالي ومجمع الكافي، فعند هجرته إلى مصر حرّم الأخذ بمذهبه القديم بعد أن انتشر وعمل به العوام.. فهل رجع عنها لأنها كانت باطلة؟! أم أن اجتهاده كان ناقصاً في بغداد واكتمل في مصر؟!
ثم ما هو الضمان بصحة مذهبه الجديد في مصر؟!
وهل لو طال به العمر يعدل عنه؟!. فلذلك تجد قولين في المسألة الواحدة في الفقه الشافعي، كما جاء في كتاب الأم، وقد يُعتبر هذا التردد والاختلاف ناتجاً من عدم الجزم وهو نقص في الاجتهاد والعلم.
وقد أكد هذا المعنى قول البزاز: (كان الشافعي (رض) بالعراق يُصنف الكتب وأصحاب محمد - أي الشيباني - يكثرون عليه أقاويله بالحجج ويضعفون أقواله وقد ضيقوا عليه، وأصحاب الحديث لا يلتفتون إلى قوله، ويرمونه بالاعتزال فلما لم يقم له بالعراق سوق خرج إلى مصر، ولم يكن بها فقيه معلوم فقام له بها سوق(2)..
واختلف هذا الوضع عندما هاجر إلى مصر لأن الشافعي عرف بأنه تلميذ مالك ونار مذهبه والمدافع عنه وهذا هو العامل الذي هيأ له النجاح في مصر، وذلك أن الطابع العام كان مالكياً، بالإضافة إلى أنه قدم إلى مصر بتوصية من خليفة العصر إلى أمير مصر فوجد بذلك العناية الكافية في مصر وخاصة من أصحاب مالك فأخذ بعد ذلك بنشر مذهبه الجديد.
ولكن ما برح الشافعي كثيراً حتى أخذ يؤلف الكتب في الرد على مالك، ومعارضة أقواله، ويقول الربيع في ذلك: سمعت الشافعي يقول:
قدمت مصر ولا أعرف أن مالكاً يخالف من أحاديثه إلا ستة عشرة حديثاً، فنظرت، فإذا هو يقول بالأصل ويدع الفرع ويقول بالفرع ويدع الأصل. وقال أبو عمر: وتكلم في مالك أيضاً فيما ذكره الساجي في كتاب العلل، عبد العزيز بن أبي سلمى، وعبد الرحمن بن زيد، وعابوا أشياء من مذهبه إلى أن يقول وتحامل عليه الشافعي، وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع إمامته(3).
فضاق المالكية به ذرعاً، وتربصوا به حتى قتلوه، وقد نصّ ابن حجر على أنهم ضربوه بمفتاح حديد فمات(4)، وذكر قصيدة أبي حيان في مدح الشافعي:
ولما أتى مصر انبرى بالأذى له أناس طووا كشحاً على بغضه طيا
أتى ناقداً ما حصّلوه وهادماً لما أضلوا إذ كان بنيانهم وهيا
فدسوا عليه عندما انفردوا به شقياً لهم شلّ الإله له اليديا
فشّق بمفتاح الحيد جبينه فراح قتيلاً لا بواك ولا نعيا
فذهب الشافعي ضحية التعصب المذهبي من المالكية.
ورغم كل ذلك كانت مصر البذرة الأولى التي انتشر منها مذهب الشافعي، بفضل أصحابه وتلامذته، ولولاهم لكان حاله حال المذاهب المنقرضة، كما انتشر في الشام التي كانت يغلب عليها مذهب الأوزاعي.
وبعدما ولي القضاء فيها محمد بن عثمان الدمشقي الشافعي عمل على نشر مذهب الشافعي في الشام وانقرض بعد ذلك المذهب الأوزاعي وتمت الغلبة لمذهب الشافعي أيام الدولة الأيوبية فكان ملوكهم شوافع، مما ساعد على تمكين المذهب، وعندما جاءت بعدهم دولة المماليك في مصر لم تنقص من حظوة المذهب الشافعي، فقد كان كل ملوكها شوافع إلا سيف الدين فقد كان حنفياً ولكنه لم يؤثر في انتشار مذهب الشافعي.
وبهذه الطريقة علا اسم الشافعي بواسطة الملوك والسلاطين ولولا ذلك لكان مذهبه نسياً منسياً.
____________
1- تهذيب التهذيب ج ص .
2- المناقب للبزاز ج2 ص153.
3- جامع بيان العلم وفضله.
4- توالي التأسيس ص 86.
الإمام الشافعي
- الزيارات: 631