• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

محنة أحمد بن حنبل


إن أظهر منعطف في تاريخ أحمد بن حنبل هي المحنة التي لاقاها بسبب القول بعدم خلق القرآن وقد بدأت محنته في زمن المأمون الذي كان يأخذ الناس بالعنف للقول بخلق القرآن، وقد كان المأمون متكلماً عالماً فأرسل منشوره إلى كل ولاته يأمرهم بامتحان الناس بخلق القرآن، جاء فيه: (إن خليفة المسلمين واجب عليه حفظ الدين وإقامته والعمل بالحق في الرعية، وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة مما لا نظر له ولا روية، ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته، ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه، في جميع الأقطار والآفاق، أهل جهالة بالله وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده، والإيمان به، ونكوب عن واضحات أعلامه، وواجب سبيله، وقصور عن أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفونه كنه معرفته ويفرقوا بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم ونقص عقولهم وجفائهم عن التفكر والتذكر، وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى وما أنزل من القرآن، فأطبقوا مجتمعين على أنه - أي القرآن قديم أزلي لم يخلقه الله ويخترعه.....)(1).
ومن هنا بدأت محنة خلق القرآن، ولم يقع ابن حنبل في فخ الامتحان والتعذيب إلا في عهد المعتصم، لوفاة المأمون قبل امتحانه. وقد كان المعتصم شديداً في امتحان الناس والتكيل بهم وعندما جاء دور أحمد بن حنبل، فقد أقسم أنه لا يقتله بالسيف وإنما يضربه ضرباً بعد ضرب.. ويزجه في مكان مظلم لا يرى فيه النور، وبقي أحمد ثلاثة أيام يؤتي به كل يوم للمناظرة، عسى أن يرضخ لحكم السلطة ولكنه تمسك بقوله ورفض. فلما يئس المعتصم منه أمر بضربه بالسياط، وضرب 38 سوطاً، ولم يدم بعد ذلك تعذيب ابن حنبل فقد أطلق المعتصم سراحه وهذا ما يثير العجب والغرابة، هل هذا كاف في أن يصنع من أحمد بطلاً تاريخياً وقد شهد التاريخ أناساً أكثر منه تعذيباً وصبراً؟! ثم لماذا لم يدم تعذيبه؟! هل خضع وقال بمقالة السلطان؟
وقد ذكر بعضهم أن العامة قد اجتمعوا على دار السلطان، وهموا بالهجوم، فأمر المعتصم بإطلاقه..، وهذا لا يستقيم وتاريخ المعتصم الذي عرف بالقوة وصلابة الإرادة، وعظمت دولته، فلا يؤثر فيها استنكار العامة، ثم أي عامة هذه، هل هم أتباع أحمد؟! لم يكن أحمد مشهوراً ومعروفاً قبل المحنة حتى يكون له عوام، وإذا كانوا أتباعه فقد تحرم أحمد عليهم الخروج على السلطان..! فهذا السبب غير مقنع.
ويظهر أن سبب ذلك أن احمد أجاب الخليفة وقال بمقالته، فأطلق سراحه كما ذكر الجاحظ في رسالته مخاطباً أهل الحديث بعد أن ذكر المحنة والامتحان: (وقد كان صاحبكم هذا - أي أحمد بن حنبل - يقول: لا تقية إلا في دار الشرك، فلو كان ما اقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية، فلقد أعملها في دار الإسلام وقد كذب نفسه، وإن كان ما أقربه على الصحة والحقيقة فلستم منه وليس منكم، على أنه لم ير سيفاً مشهوراً، ولا ضرب ضرباً كثيراً، ولا ضرب إلا ثلاثين سوطاً مقطوعة الثمار مشبعة الأطراف، حتى أفصح بالإقرار مراراً، ولا كان في مجلس ضيق ولا كانت حله مؤيسة، ولا كان مثقلاً بالحديد، ولا خُلع قلبه بشدة الوعيد ولقد كانت منازع بألين الكلام ويجيب بأغلظ الجواب ويرزنون ويخف ويحلمون ويطيش)(2)...
ويؤيد ذلك ما ذكره اليعقوبي في تاريخه من قول الجاحظ بإقرار أحمد بن حنبل بأن القرآن مخلوق، قال: (وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن، فقال أحمد: أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا فأحضر له الفقهاء وناظره عبد الرحمن بن إسحاق، وغيره.. فامتنع أن يقول أن القرآن مخلوق، فضرب عدة سياط، فقال إسحاق بن إبراهيم: ولني يا أمير المؤمنين مناظرته، فقال: شأنك به، فقال إسحاق: هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أو علمته من الرجال؟!
فقال أحمد: بل علمته من الرجال.
فقال إسحاق: شيئاً بعد شيء أو جملة؟
قال: علمته شيئاً بعد شيء.
قال إسحاق: فبقي عليك شيء لم تعلمه.
قال أحمد: بقي عليّ شيء لم أعلمه.
قال إسحاق: فهذا مما لم تعلمه، وعلمكه أمير المؤمنين.
قال أحمد: فإني أقول بقول أمير المؤمنين.
قال إسحاق: في خلق القرآن؟
قال أحمد: في خلق القرآن.
فأشهد عليه وخلع عليه وأطلقه إلى منزله(1).
وتكون هذه الضجة مفتعلة أكثر من الواقع، وقد صنع منها الحنابلة أساطير وأوهاماً حتى تكون دعاية وإعلاماً بطرح إمامة أحمد بن حنبل، وإلا إذا حوكمت هذه المسألة على أرض الواقع، لم يكن ابن حنبل بطلها.


____________
1- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج2 ص453.
2- مقدمة كتاب - أحمد بن حنبل والمحنة ص 14، نقلاً عن هامش الامل ج 3 ص 131 - ص 139.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page